مواجهة اللامبالاة والإهمال العاطفي

كيف تتعامل مع الإهمال واللامبالاة؟ هل يساعدك تبسيط حياتك على مواجهة آثار ما تتعرض له من إهمال ولامبالاة في علاقتك؟
مواجهة اللامبالاة والإهمال العاطفي
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

تحدثنا في مقال سابق حول الآثار المديدة للإهمال، التي يتعرض له شخص ما خلال مرحلة الطفولة، اليوم سنحاول توضيح بعض الآثار المتعلقة بأي سلوك لامبالاة وإهمال؛ تتعرض لها في علاقتك الزوجية أو أي من العلاقات الإنسانية خلال حياتك.. كما سنعرض بعض الصفات التي تخبرنا أن أحدهم تعرض للإهمال، وقد يبادرنا بإهمال ولامبالاة أيضاً، وكيف يمكنك تبسيط حياتك لتواجه أي آثار تعلق في حياتك بسبب إهمال أحدهم.

كيف يمكن أن تعرف وجود إهمال ولامبالاة في علاقتك؟
ينطوي الإهمال على عدم تقديم الدعم العاطفي الذي يجب أن يمنحه المرء في أي علاقة، بالتالي يُعتقد مثلاً أن الوالدين يهملان عاطفياً الطفل؛ عندما يخفقان في إظهار مستوى المودة أو الاهتمام الذي عليهم إظهاره كأحد الوالدين، (حتى عندما تكون قد قدمت احتياجات الطفل مثل: الطعام والرعاية الصحية والملبس والمأوى)، وبالمثل فإن الغرض من الزواج أو شراكة الحياة يتضمن أيضاً نظام دعم عاطفي، فالهدف من العلاقات الاجتماعية هو توفير إطار لتبادل الخبرات الحياتية.. الإيجابية والسلبية على حد سواء، كذلك الفهم المتبادل والحميمية والرعاية.
تتضمن الأشكال السلوكية إجراءات تظهر الاهتمام أو وجوده اتجاه للآخر، مثل قضاء الوقت معه، أو مساعدة الآخرين على الخروج من موقف صعب، كما تتضمن الأشكال المعرفية أشياء مثل الصبر والاستماع والتعاطف، عادة ينطوي الدعم العاطفي على مجموعة من الجوانب المادية والسلوكية والمعرفية، وقد تكون حزمة الدعم أكبر من مجموع أجزائه.
وهكذا فإن شريك الحياة الذي يتصرف أحياناً بطرق عاطفية على سبيل المثال، يرفض ممارسة الجنس أو يتصرف بشكل غير ودي بعد الخلاف الزوجي، ليس بالضرورة مهملًا للعواطف، على الرغم من أنه ربما يكون قد تصرف على هذا النحو في مناسبات معينة، فقط عندما ترتفع هذه الأفعال إلى مستوى العادة؛ يمكن أن يُسمى الوضع بشكل صحيح إهمالاً عاطفياً.

إذن هل شريك حياتك مهمِل عاطفياً؟ على الرغم من أن الإجابة على هذا السؤال قد تكون صعبة، فيجب أن يكون لديك الآن بعض الإرشادات:
- هل نظام الدعم العاطفي في شراكة حياتك من جانب واحد (هل تقدم ، أو تحاول تقديم الدعم العاطفي لشريك حياتك ، ولكن ليس العكس)؟
- هل شريكك لا يساندك عاطفياً في العادة؟
- هل يمكن أن تصف بوضوح الطريقة التي يتبعها الشريك (بشكل اعتيادي) ويفشل في أن يكون داعم عاطفياً (جسدياً، سلوكياً، أو نفسياً)؟
- هل يؤدي إهمال شريكك / شريكتك كما هو موضح؛ إلى عدم مساندة نظام الدعم العاطفي اللازم للحفاظ على شراكة الحياة (أي علاقة تساعد على مشاركة تجارب الحياة الفردية والتفاهم المتبادل والحميمية والرعاية)؟
- هل توقعاتك بشأن الدعم العاطفي معقولة، أي ما يتوقعه معظم الناس بشكل عام من شراكة الحياة؟

إذا كانت إجابتك على كل من الأسئلة الخمسة المذكورة أعلاه هي نعم، عندها لديك اعتقاد معقول بأنك في علاقة إهمال عاطفي، ومع ذلك فإن مستوى الدعم العاطفي في شراكة الحياة؛ قد لا يرقى إلى المستوى الذي يجب أن يتوقعه المرء بشكل معقول في مثل هذه العلاقة، في مثل هذه الحالات من المنطقي التحدث عن الإهمال العاطفي، كما يمكنك التعرف على اختبار الإهمال العاطفي لمعرفة الطريق إلى حل المشكلة.
 

animate

علامات تدل على اللامبالاة والإهمال
كما ذكرنا وتحدثنا بالتفصيل عن الآثار طويلة الأمد للإهمال العاطفي خلال الطفولة على شخصية الإنسان، حيث يترك الإهمال واللامبالاة؛ آثارهما على الفرد على شكل علامات وطِباع ومنها: 
عدم الإحساس: إن الحساسية هي سمة محفورة في شخصيتك ورد على الإهمال، الذي يؤدي إلى الشعور بالهجر وتخفيض القيمة، يتم التعبير عن عدم الإحساس باللامبالاة، الذي قد يكون موجها ضد أشخاص آخرين أو الحياة بشكل عام، فليس هناك حماسة ولا شغف لأي شيء، ويرجع السبب في ذلك إلى أن الشخص تعلّم منذ سن مبكرة أن يثبط عواطفه لأن محيطه لم يقدرها.

رفض مساعدة الآخرين: خلال فترة الطفولة، كلنا بحاجة إلى الكثير من المحيطين بنا، والدعم والتوجيه والتعزيز ضروري جداً، فإذا كان الطفل يفتقر إلى هذا الدعم؛ يتعلم عدم توقع أي شيء من الآخرين، ونتيجة لذلك يحاول أن يصبح مستقلاً "بأي ثمن"، وشخصاً لا يثق بما يمكن للآخرين منحه له، وسيحاول القيام بكل شيء بمفرده، كذلك يحمي نفسه من التجارب العاطفية التي لا يريد المرور بها مرة أخرى.. لماذا؟ لأنه لا يريد أن يكون بحاجة لشخص ما، ثم يشعر بخيبة أمل.. وقد يحدث العكس في بعض الأحيان؛ يطلب الشخص المساعدة في كل شيء، حتى في الأشياء التي يستطيع القيام بها بنفسه.

الشعور بالفراغ: الشعور بأن شيئاً ما مفقود؛ قوي جداً لدى الناس من ضحايا الإهمال واللامبالاة الباردة في طفولتهم أو في علاقاتهم كبالغين، حيث كان هناك مكان لأحبائهم بقيت شاغرة! هذا هو السبب في وجود ما يشبه الثقب في قلوبهم، فالإهمال واللامبالاة تترك ظلاً مظلماً على حياة الشخص وهذا الشعور بالفراغ يصبح معيارهم، فلا شيء جيد بما فيه الكفاية، ولن يكون هناك ما يكفي.. لا شيء يملئهم، بطبيعة الحال لا يوجد شخص يملئ هذا الفراغ، في بعض الأحيان يتجلى الإحساس بأن هناك شيء مفقود على شكل نقد مستمر؛ موجه إلى أنفسهم وكل شيء من حولهم.

الكمال: يؤثر غياب الحب والاهتمام خلال طفولة الشخص على الطريقة التي ينظر بها لنفسه، وبدون حتى إدراك ذلك؛ سيعتقد أن لا شيء يفعله له قيمة كافية ليتم تقديره، كما قد يصبح مفرطاً في الحكم غير المحتمل على نفسه، في مرحلة البلوغ، من الشائع أن يصبح أكثر صرامة في الشك اللاواعي بأنه لا يقوم بما يكفي، في النهاية لا يزال لديه في داخله طفل صغير يريد أن يكون موضع تقدير.

مفرط الحساسية إزاء الرفض: رغم انعدام صفة الحساسية لديه.. فعندما يشعر الشخص بالتجاهل وأنه بلا قيمة، يتولد عنده قناعة بأنه تافه وأن حياته لا تهم أحداً، إنه شعور بعدم الملائمة، فالعلاقة التي تتسم بالإهمال واللامبالاة، قد تؤدي إلى فرط الحساسية للنقد من الآخرين، كما يتم تفسير أي علامة على الرفض كتهديد، وكل ما يسمعه هو "هناك خطأ ما فيك"، والأمر يمكن أن يكون مؤلما للغاية.
 

تبسيط الحياة للتعامل مع الإهمال واللامبالاة
حتى الآن نحن نتحدث عن تعريف الإهمال واللامبالاة، وليس السؤال المعقد لكيفية معالجته، حيث يعتمد ذلك على مسببات الإهمال العاطفي مثلاً على سبيل المثال، في بعض الحالات قد يكون الشريك مدمن عمل، نتيجة لذلك يهمل علاقته أو علاقتها، كما قد يعاني البعض من اضطرابات عصبية- نفسية، مما يعيق القدرة على التعبير عن المشاعر، وقد يكون البعض نرجسياً بينما قد يكون غيرهم مشغولين بمشاكل خارج العلاقة، في بعض الحالات قد يتم التعامل مع الإهمال على أفضل وجه من خلال تقديم المشورة للأزواج.
على أي حال فإن تحديد الإهمال هو دائما الخطوة الأولى في معالجته، هذا ليس بالأمر السهل لأن المرء مثلاً يستطيع أن يقضي سنوات طويلة في علاقة غير مرضية بسبب الإهمال العاطفي واللامبالاة، ولا يعرف سبب عدم رضاه، بينما في العلاقات المسيئة من الأسهل التعرف على السلوك المسيء لأن إجراءاته عادة ما تكون صريحة، في المقابل فإن الإهمال العاطفي ينطوي على سهو، على سبيل المثال لا ينتقد أحد الزوجين لفظيا ولا يشكو باستمرار ولا يضايق أو يمارس أشكالاً أخرى من العدوانية ضد الشريك، بعد كل شيء لا يفعل الشريك المهمِل شيئاً خاطئاً، لذلك من الصعب تحديد ما هو الخطأ في العلاقة مع الإهمال العاطفي واللامبالاة، لكن يمكنك لو كنت في وضع مشابه أن تقوم ببعض الإجراءات التي تساعدك أنت للتعامل مع إهمال الشريك ولا نتحدث هنا عن علاج هذه الحالة، ما يهمنا الآن هو كيفية تعاملك مع الإهمال واللامبالاة التي تقع عليك، فلا تحاكم أو تنتقد نفسك؛ لأنك تضيف فقط إلى المشكلة، حيث تواجه الغالبية العظمى من الناس صعوبة في إيجاد التوازن في عالم اليوم، ولإعطائك بعض الأفكار مهما كنت تتعرض للإهمال في علاقتك أو تعاني آثار اللامبالاة في عيشك.

إليك طرق يمكنك من خلالها تبسيط حياتك الآن:
- التخلص من الفوضى: الفوضى هي تشتيت؛ إنها فراغ في الطاقة، لذا حاول ترتيب حياتك الخاصة وكل ما تحتويه مساحتك (في المنزل والعمل).
- اكتب لتبسيط حياتك: تستنزف الفوضى العقلية طاقتك وتزيد من الإجهاد، إن كتابة الأشياء المزعجة في مفكرة سوف يحرر ذهنك ويساعد على تعديل مزاجك.
- توقف عن شراء الأشياء التي لا تحتاجها: لأنك تظن أنه نوع من الاهتمام بالنفس، فالكثيرون يشترون أكثر من اللازم ومن دون فائدة، فتنفق أموالاً يمكن أن تذهب إلى شيء ذي قيمة، بالتالي تعزّز الفكرة اللاواعية التي تقول إن "الأكثر أفضل".
- حدد ما هو مهم: معظم الناس ليسوا واضحين بشأن ما هو مهم في حياتهم، فلماذا تستثمر وقتك، ومالك، وطاقتك؟ فكر في الأشياء التي تهمك، التي ترغب في استثمار الوقت أو المال أو الطاقة فيها.
- انتبه: توجيه تركيزك على الوعي بما يحدث الآن؛ يساعدك على تقدير تلك الأشياء المهمة في حياتك.
- تعلم أن تقول لا: أنت شخص جيد ولست بحاجة إلى إثبات ذلك لأي شخص آخر غير نفسك، علاوة على ذلك أنت لا تدين لأي شخص بتفسير نفسك.
- تقدير جمال البساطة: تبسيط حياتك يعني أن تشعر بالحرية وتستمتع بها.

في النهاية.. لا يعني أن التجارب السيئة مع الإهمال واللامبالاة لا يمكن إصلاحها، مع ذلك فإنها تترك علامات تبقى في بعض الأحيان مدى الحياة، يمكن لأي شخص مهمل ولا مبالي أن يحرر نفسه من العبء، لكن عليه أن يعمل بجد من أجل ذلك، وربما يحصل على مساعدة احترافية من قبل مستشار متخصص.