تطوير الذات في العمل والتنمية الذاتية للموظفين

ما هي فوائد التنمية الذاتية للموظفين وكيف تنعكس على أداء الموظف ورضاه الوظيفي؟ ما هي مجالات تطوير الذات التي تهتم بها الشركات والمؤسسات؟ وما هي أهداف دورات التنمية الذاتية للموظفين؟
تطوير الذات في العمل والتنمية الذاتية للموظفين

تطوير الذات في العمل والتنمية الذاتية للموظفين

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

تعتبر المؤسسات والشركات والمنظمات على اختلاف مجالات عملها من أكثر المهتمين بالدورات التدريبية في التطوير الذاتي والتنمية الذاتية، ذلك أن الإدارة العصرية تنظر إلى تطوير الذات كجزء من استراتيجية تحسين الأداء والانتاجية وتعزيز الولاء والانتماء وتحقيق الاستقرار الوظيفي.
 في هذا المقال نحاول أن نتعرف عن قرب إلى العلاقة بين منهج تطوير الذات والحياة المهنية، واستعراض مجالات وأشكال تطوير الذات التي تهتم بها الإدارة والتي تهم الموظف، إضافة إلى فوائد التنمية الذاتية التي تعود على الشركة، والفوائد التي يحققها الموظفون من التنمية الذاتية في مكان العمل وحياتهم الشخصية.
 

في البداية لا بد أن نحدد بشكل دقيق العلاقة بين تطوير الذات المعروف لدينا وبين الحياة المهنية، فتطوير الذات هو مجموعة من الممارسات والتقنيات التي تهدف إلى إدخال تغييرات على منهج الحياة العام وعلى الاستراتيجية التي نتبعها في التعامل مع المواقف المختلفة وعند اتخاذ القرارات وحل المشكلات، وفي هذا السياق يعتبر كل نشاط يهدف إلى اكتساب مهارات جديدة مهما كانت طبيعتها جزء من عملية التطوير الذاتي.
على صعيد تطوير الذات للموظفين في المؤسسات والشركات فعادة ما يستهدف المدراء نقاط محددة في شخصية الموظفين ومهاراتهم لتنميتها وتطويرها، تتركز بشكل أساسي على جعل الموظفين أكثر مرونة وأكثر قابلية لمواكبة التطورات الجديدة من حولهم سواء على صعيد الشركة نفسها أو على صعيد المهنة ككل، إضافة إلى تعزيز قدرتهم على أداء العمل الجماعي وخلق الاتصال الفعال بينهم، وسنتحدث بالتفصيل عن مجالات تطوير الذات في العمل في الفقرات القادمة.
وعلى الرغم أن الخضوع للدورات المهنية المتعلقة بالعمل نفسه يعتبر جزءاً من تطوير الذات، إلا أن المنهج الرئيسي لتطوير الذات هو منح الموظفين القدرة المستمرة على تطوير خبراتهم ومهاراتهم بشكل ذاتي، أي أن التنمية الذاتية للموظفين تقوم على منحهم التقنيات والأساليب العقلية والنفسية التي تجعلهم أكثر قابلية لاكتساب مهارات أخرى.

وفي هذا المجال يمكن التمييز بين نوعين من أنواع التنمية البشرية للموظفين:
 الأول هو التنمية الممنهجة وتطوير الذات الهادف، وهو الذي تقوم الإدارة بتنظيمه في سبيل تعزيز مهارات معينة عند الموظفين، قد تستهدف مهارات حياتية مثل العمل مع الفريق وإدارة الغضب ومبادئ الاتصال الفعال وغيرها من المهارات الأساسية، وقد تكون أكثر تحديداً كتعزيز القدرة على التفاوض ودراسة عملية التفاوض دراسة عميقة، وقد تكون التنمية البشرية في المؤسسات أكثر تخصصاً، على غرار أن تقوم الشركة بتنظيم دورات مهنية هدفها إبقاء الموظفين على اطلاع بكل ما هو جديد في المهنة نفسها.

وأما النوع الثاني فهو التنمية الذاتية التي يقوم بها الموظف منفرداً، والتي تشمل مجموعة المهارات التي يحاول الموظف اكتسابها لتعزيز مهارته المهنية والمهارات الشخصية المتعلقة بمكان العمل، سواء من خلال اغتنام فرص التطوير التي تقدمها الشركة أو من خلال البحث عن فرص خاصة.
 

animate

في ضوء وما ذكرناه سابقاً يمكن تحديد أهم وأبرز المجالات التي يتم العمل عليها في المؤسسات أو الشركات أو بشكل فردي والتي تنتمي إلى منهج تطوير الذات كالآتي[1]:

التدريب الذاتي والمهارات الشخصية: تستهدف برامج تطوير المهارات الشخصية والحياتية التي تنظمها المؤسسات والشركات منح الموظفين أهم وأبرز الأساليب والتقنيات المتعلقة بتحسين قدرتهم على التواصل، تعزيز مهارات اتخاذ القرارات وحل المشكلات، وتطوير مهارات القيادة للمدراء، كما تلجأ بعض الشركات لبرامج تدريبية أكثر اتصالاً بمهارات الحياة بسبب طبيعة عملها.
فإذا أرادت الشركة تدريب فريق البيع المباشر أو فريق خدمة الزبائن عبر الهاتف، ستعمل على تعزيز مهارات إدارة الغضب ومهارات التفاوض واحتواء الزبون الغاضب، كذلك تسعى الشركات التي تعمل في أكثر من دولة على منح الموظفين الأجانب أهم ما يلزم للتعامل مع العملاء المحليين، الثقافة المحلية، وفهم السكان المحليين بالشكل الأمثل.
وعلى وجه العموم تستهدف المدرسة الحديثة في التنمية البشرية تعليم الموظفين وتدريبهم على تقنيات التعلم السريع والتفاعل السريع مع المعارف والمهارات الجديدة، وتقنيات الاستجابة السريعة للتغيرات المتسارعة في أسواق الأعمال، فالهدف الأساسي من عملية تطوير الذات ليس إعطاء الموظفين المعلومات أو المعرفة كما هي؛ إنما تحفيزهم على الاتصال الدائم والطوعي بالمعرفة وتعزيز ميلهم نحو تطوير أنفسهم بأنفسهم.

التعليم الرسمي أو شبه الرسمي للموظفين: في هذا النمط من التنمية البشرية تقوم المؤسسة أو الشركة بمنح موظفيها الفرصة للحصول على شهادات من جهات تعليمية رسمية أو شبه رسمية في مجالات تكون متصلة بمجال العمل نفسه، هذه الطريقة قد تستهدف مجموعة من الموظفين بشكل منظم ودوري، أو قد تمنح لفرد بعينه.

ورشات العمل المهنية للموظفين: تقوم المؤسسات بتنظيم ورشات عمل مهنية خاصة بها بهدف مراجعة آخر التطورات المهنية وإبقاء الموظفين على اتصال دائم بمجال العمل، كما يشارك الموظفون بورش عمل على مستوى أوسع خارج الشركة لنفس الأهداف.
حيث تقوم وزارة التربية مثلاً بتنظيم ورشة عمل للمدرسين من مدارس مختلفة بهدف تبادل الخبرات حول تقنيات التربية والتعليم الحديثة وأهم المشاكل التي يواجهها المعلمون وكيفية حلِّها، كذلك تقوم الشركات التجارية بتنظيم ورشات عمل بين موظفي الأقسام المختلفة والفروع المختلفة، أو مع موظفي الشركات الأخرى التي تعمل في نفس المجال.
 

يوماً بعد يوم يزداد اهتمام المؤسسات والشركات حول العالم بتقنيات التنمية الذاتية ودورات تطوير الذات التي من شأنها أن تحسّن من أداء الموظفين على الأصعدة المختلفة، حيث تعتبر المؤسسات الزبون الثاني من حيث الأهمية لمدربي التطوير والتنمية البشرية[2].
إن اهتمام الشركات في العصر الحديث بالتنمية الذاتية ليس عبثياً، حيث أثبتت التنمية الذاتية فاعليتها في كثير من الحالات وفي عدد كبير من المجالات، ليس فقط في جعل الموظفين أكثر إنتاجية وأكثر قدرة على أداء العمل باحترافية، وإنما أيضاً في تخفيض التكاليف، وتقليل الأخطاء، وتعزيز الاستقرار الوظيفي وغيرها من المجالات، كما يستفيد الموظفون من التنمية في مجال عملهم وفي حياتهم الشخصية أيضاً.

كيف يستفيد الموظفون من التنمية الذاتية؟
1- المعرفة الذاتية المهنية:
إن أحد أهم أهداف التنمية الذاتية للموظفين هو أن يعرف الموظف إمكاناته وقدراته ومهاراته الحالية[3]، وأن يحدد نقاط الضعف ونقاط القوة في أدائه الوظيفي من جهة، وفي شخصيته الوظيفية من جهة أخرى، والمقصود بالشخصية الوظيفية هو تأثير السمات الشخصية على الأداء في العمل والعلاقات مع الآخرين، مثل سرعة الغضب أو التردد أو قلة الثقة.
هذه المعرفة هي التي تتيح للموظفين العمل على تطوير الجوانب التي تعتبر نقاط ضعف في مهاراتهم المهنية وفي شخصياتهم، وتعزيز نقاط القوة وتنميتها.

2- اكتساب مهارة التنمية الذاتية: ما تفكر به الشركات عندما تنظم دورات تدريبية وتنموية لموظفيها ليس فقط حصولهم على المهارات الجديدة أو تنمية مهاراتهم القديمة، وإنما تعزيز رغبتهم المستديمة في تطوير أنفسهم ذاتياً، وهذه مهارة قائمة بحد ذاتها.
فالعالم اليوم يتطور بشكل سريع وجميع المهن تتخذ أساليب متغيرة كل يوم، والموظف الذي يدرك أهمية تطوير نفسه بشكل مستمر على الأصعدة المختلفة هو الموظف المؤهل دائماً للبقاء على قيد العمل، كذلك المؤسسات التي تضمن أن موظفيها قادرون على تطوير أنفسهم بشكل مستمر هي المؤسسات الجديرة بالنمو.

3- الاستمتاع في العمل: من أهداف وفوائد التطوير الذاتي في العمل هو أن يتمكن الموظف من جعل تجربة العمل تجربة حياتية متكاملة وليس مجرد مصدر للدخل، حيث يكفل التطور والتقدم المستمر في مكان العمل تحقيق هذا الهدف واكتساب هذه الفائدة.

4- السلام في مكان العمل: تضمن تقنيات تطوير الذات المختلفة وخاصة الأكثر اتصالاً بالمهارات الشخصية تحقيق السلام في مكان العمل، حيث يكتسب الموظف أو العامل القدرة والمهارة اللازمة للتعامل مع الصراعات في بيئة العمل، من خلال مهارات الاتصال والإدارة والتعامل مع الضغوطات، كما تعتبر فترات التدريب على تطوير الذات من الفترات المميزة لتعزيز العلاقات الإيجابية مع الزملاء والإدارة.

5- الأمان الوظيفي: على وجه العموم يمكن القول أن أيام الأعمال الجامدة أو المستقرة قد ذهبت بلا عودة، فلا يوجد مجال من المجالات لا يشهد تغيرات جذرية بسرعة قياسية، لذلك يعتبر تطوير الذات المستمر الطريقة المثالية لتحقيق الأمان الوظيفي، نعتقد أن العصر الحالي هو عصر القتال للحفاظ على الوظيفة، والسلاح الفعال في هذا القتال هو التنمية الذاتية المستمرة، والحصول بشكل دائم على مهارات ومعارف وخبرات جديدة في مجال الاختصاص والمجالات الرديفة.

 

1- استفادة الموظفين أنفسهم: تنظر الإدارة الحكيمة إلى استفادة الموظف من النقاط التي ذكرناها سابقاً كجزء مهم من عملية التنمية الذاتية، فإذا كانت دورات تطوير الذات في الشركات ستخلق الأمن والاستقرار الوظيفي للعاملين في الشركة، وستحقق فاعلية الأداء وسرعة الاستجابة، والاتصال الدائم مع كل جديد، فهذا أقصى ما تتمانه الإدارة.

2- ارتفاع فرص الاستمرارية والترقية الداخلية: ينظر خبراء التنمية البشرية إلى بقاء الموظف مدة أطول في الشركة كجزء مهم من أهدافهم، ذلك ليس فقط لأن الكادر المستقر يعني استقراراً أكبر بالعمل، بل لأن استمرارية الموظفين تعني تكاليف توظيف أقل على الأمد الطويل، وتكاليف تدريب أقل، والاستفادة من خبرة الموظف التي حصل عليها من الشركة لصالح الشركة نفسها[4]، حيث لا توجد إدارة حكيمة لا ترغب باستمرار الموظفين وخاصة الأكفاء والمميزين على رأس عملهم، وتساعد فرص تطوير الذات التي تقوم بها الإدارة على تحقيق هذه الرغبة.
في سياق متصل؛ يعزز تطوير الذات في الشركات والمؤسسات من فرص الترقية الداخلية، فإذا كان هناك منصب إداري شاغر سيكون من الأجدى مالياً وإدارياً وجود من هو جدير من الموظفين القدامى مقارنة باستقدام موظف جديد يملك الكفاءة لشغل الشاغر، حيث تنعكس الترقيات الداخلية على ولاء الموظفين للشركة، وعلى فهم الموظف الذي تتم ترقيته لسياسات الشركة دون الحاجة لفترات تدريبية جديدة.

3-  تحسين الأداء والانتاجية: من خلال برامج التنمية الذاتية الهادفة يمكن أن تحقق الشركة أداءً وظيفياً أفضل بكثير، وانتاجية أعلى للموظف، ذلك يتعلق بنوعية الخبرات والمهارات المهنية والشخصية التي يكتسبها، وبمدى حكمة الإدارة باختيار البرامج التدريبية الملائمة.

4- تقليل التوتر والصراع الوظيفي: خاصة في المؤسسات والشركات الكبيرة يشكل الصراع بين الموظفين عبئاً كبيراً على الإدارة، وستقود مهارات التواصل والتعامل وتقنيات تطوير الذات المختلفة إلى تخفيض التوتر والصراع بين الموظفين، وإزاحة الجزء الأكبر من هذا العبء.

5- اصطياد المواهب: تعتبر عملية التنمية الذاتية للموظفين من أهم الفرص أمام الإدارة للبحث عن الموظفين الموهوبين والمميزين، وكما ذكرنا فإن البحث عن موظف مميز داخل الشركة نفسها أسهل وأقل تكلفة وأكثر نفعاً من استقدام موظف جديد.

6- ضغط النفقات في مجالات مختلفة: ما زالت بعض الإدارات تتجنب دورات التنمية الذاتية وتدريب الموظفين باعتبارها نفقات إضافية لا طائل منها، فيما تخصص مؤسسات أخرى 10% من ميزانيتها لدعم التطوير الذاتي للموظفين.
تساهم عملية التنمية الذاتية للموظفين بضغط النفقات على الأمد الطويل من خلال عدة فوائد، منها مثلاً تقليل الحركة الوظيفية بين استقالة وترك، وزيادة انتاجية الموظفين وفاعليتهم، إضافة إلى تقليل الأخطاء من خلال الحصول على مهارات جديدة، ومواكبة متطلبات السوق، وتعزيز انتماء الموظفين للشركة أو المؤسسة ما يساهم بحرصهم على مواردها ومردودها، وغيرها من الأمور التي تنعكس مباشرة على النفقات.

أخيراً... تحقيق أهداف التنمية الذاتية ودورات تطوير الذات في الشركات يتوقف إلى حد بعيد على حكمة الإدارة باختيار البرامج التدريبية المناسبة وتنفيذها بالشكل الأفضل، في حين نرى أن بعض الإدارات تتبع التنمية الذاتية من باب الموضة والسير مع التيار، ما يجعل هذه التدريبات غير الهادفة معدومة الفاعلية إن لم نقل أن لها آثار سلبية.

[1] مقال "تطوير الذات للموظفين" منشور في brighthr.com، تمت مراجعته في 22/7/2019.
[2] مقال Norm Schriever "عشرون حقيقة عن التنمية الذاتية وصناعة تطوير الذات" منشور في sacramentochiropractic.com، تمت مراجعته في 22/7/2019. 
[3] مقال "أهمية التنمية الشخصية في العمل" منشور في http://resumeperk.com، تمت مراجعته في 22/7/2019.
[4]  مقال  Kayla Matthews"ست فوائد تدفع أصحاب العمل لتشجيع التنمية الذاتية" منشور في productivitytheory.com، تمت مراجعته في 22/7/2019.