الانتهازية عند الأطفال والفرق بين الرشوة والمكافأة في التربية

ما المقصود بمفهوم الانتهازية أو الاستغلال في شخصية الطفل؟ ما الفرق بين المكافأة والرشوة في تربية الطفل وكيف يكتسب الأطفال الانتهازية؟ أثر الانتهازية على شخصية الطفل، وكيفية تجنب تعليم الطفل للسلوك الانتهازي؟
الانتهازية عند الأطفال والفرق بين الرشوة والمكافأة في التربية

الانتهازية عند الأطفال والفرق بين الرشوة والمكافأة في التربية

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

إذا حصلت على مجموع جيد في امتحانات نهاية العام سوف أخذك في رحلة أو أشتري لك لعبة، وإذا قمت بتنظيف غرفتك سوف أعطيك مكافأة؛ هذه الجمل ليست غريبة أو بعيدة عن أسلوبنا في التربية عندما نرغب في تحفيز أطفالنا على القيام باستجابات مرغوبة أو إنجاز أعمال معينة، وفي الحقيقة أن هذه الوسائل تحقق في معظم الأحيان الغاية منها.
لكن في بعض الحالات عند المبالغة باستخدامها أو تطبيقها على جميع أفعال الطفل دون أخذ وعي الطفل بها وفهمه لسببها فإنها سوف تحقق الغاية منها لكن من ناحية أخرى فإنها سوف تعود بآثار لا تعتبر جيدة دائماً على شخصية وصفات الطفل مثل أن يتعلم الانتهازية والاستغلال.
 

الأطفال كائنات بريئة ولم يدركوا بعد فكرة العلاقات التي تقوم على تبادل المصالح أو استغلال الظروف التي تحكم واقع الكبار وتحدد مواقفهم واستجاباتهم فكيف يمكن وصف بعض هؤلاء الأطفال بالانتهازية أو الاستغلال، ونحن هنا لا نلغي حقيقة براءة الأطفال من هذه المعاني، وإنما نقصد الطبيعة التي يمكن وصفها مجازياً بالانتهازية لبعض سلوكيات واستجابات الأطفال في بعض الحالات التي يعتاد فيها الطفل على توقع مكافأة على جميع أفعاله دون الوعي بقيمة أو ضرورة هذه الأفعال أو الاستجابات بحد ذاتها.
 

animate

تكمن ضرورة معرفة الفرق بين الرشوة والمكافأة في إدراك الحدود التي يجب التوقف عندها عن مكافأة الطفل حتى لا يتحول لشخص انتهازي يستغل الظروف ويتوقع مقابلاً لتصرفاته الجيدة وفي هذا الإطار يمكن القول أن:
المكافأة هي نتيجة جيدة يستحقها الطفل الذي قام باستجابة جيدة ومرغوبة من قبل ذويه أو معلميه بعد قيامه بهذه الاستجابة ودون أن يتوقعها والهدف منها حمله على تكرار هذا النوع من الاستجابات وإشعاره بالأثر الجيد المباشر الناتج عنها.
أما في حالة الرشوة فتكون المكافأة غالباً سابقة لسلوك الطفل أو متوقعة من قبله كشرط للاستجابة أو حتى مخطط لها في بعض الأحيان، فتتحول من ثواب ونتيجة جيدة تقديراً من الأهل لسلوكه الجيد إلى ثمن مسبق يشترطه الطفل إزاء قيامه بالاستجابة أو التصرف المطلوب.
 

صحيح أن الطفل عموماً منذ ولادته يكون مزوداً بغرائز فطرية تدفعه لتلبية حاجاته والسعي للحصول عليها من خلال بعض الأفعال أو الاستجابات مثل البكاء عند الشعور بالجوع والألم، ولكن بالحديث عن الانتهازية فالأمر مختلف عن هذه الغرائز فهناك أسباب تجعل الطفل يفكر في استغلال الظروف والمواقف المختلفة وتحوليها وتسخيرها لخدمة مصالحه وأغراضه بشكل واعي، ومن هذه الأسباب: 
نوع المكافأة التي يأخذها الطفل تجاه أفعاله: فكلما كانت هذه المكافأة ذات طبيعة مادية وغير مرتبطة بحاجات ورغبات الأطفال الطبيعية فإنها سوف تؤسس لشخصية مادية لديه تفضل هذا النوع من المكافآت كالمال مثلاً، فالمال هو وسيلة وليس غاية ليحقق بها الطفل أهداف أخرى ولكن عندما يصبح هذا المال هو المكافأة سوف يتحول لغاية بحد ذاتها.

الانصياع لجميع رغبات الطفل والدلال: عندما يعرف الطفل أنه مدلل وأن جل اهتمام والديه هو تلبية رغباته وتأمين متطلباته مهما كانت بدافع محبتهم له وعطفهم عليه، فقد يفهم الطفل هذا الأمر عندما يزيد عن حده بأنه يستطيع أن يستغل هذه المسألة ليحقق من خلالها مكاسب فيتصرف بطريقة انتهازية كإظهار الحزن أو الغضب لعدم حصوله على ما يريد من ألعاب أو أموال أو أي رغبات أخرى.

استباق المكافأة للاستجابة المرغوبة: المكافأة من حيث معناها هي ردة فعل لاحقة تجاه سلوك أو استجابة أو أنجاز جيد ومقبول يظهره الطفل والهدف منها تحفيزه على تكرار هذا النوع من السلوكيات والاستجابات، ولكن عندما تسبق هذه المكافأة الاستجابة المطلوبة يتحول الأمر لما يشبه عملية مقايضة أو بيع وشراء وبالتالي نوع من الرشوة بمعنى "أعطني مكافأتي حتى أفعل ما تريد".

اقتران المكافأة دائما بكل استجابة يجب على الطفل القيام بها: فيوجد أشياء أو أعمال فعلاً يستحق الطفل مكافأته عليها أو صفات يعتبر من الضروري جداً غرسها وتثبيتها في شخصية الطفل عن طريق مكافأتها، وليس ما يقوم به الطفل من واجبات بديهية فهذا سوف يحوله لشخص انتهازي استغلالي يرى كل شيء قابل للبيع والشراء بدافع المصلحة المادية.

الحرمان والشعور بالحاجة: حيث أن الطفل الذي يشعر بالحرمان وأنه لا يحصل على كل حقوقه وحاجاته تنمو لديه صفة أو خاصية استغلال الفرص، فمن وجهة نظره ما هو متاح الآن قد لا يتاح في وقت لاحق ويجب استغلاله إلى أقصى حد ممكن قبل أن تضيع الفرصة، وهي مسألة جيدة تجعل الطفل يتأقلم مع الظروف ويستغل الفرص ولكنها بذات الوقت تنمي لديه شخصية مادية انتهازية عندما يكبر إن زاد الأمر عن حده.
 

عندما يتجاوز سلوك الطفل الانتهازي مواقف معينة أو الحدود المعقولة تتحول المسألة من طريقة للحصول على ما يريد بأحد المواقف إلى خاصية وصفة في شخصيته تنعكس بدورها وأثرها على نواحي أخرى من شخصيته وغالباً ما تكون هذه الآثار سلبية الطابع، فمثلاً:

من آثارها أنها تخلق شعور زائف لدى الطفل باستحقاق المكافأة: وتوقعها حتى بالنسبة للأشياء البسطة والتي هي في صالحه أو من واجباته البديهية، فكل عمل يقوم به يريد له مقابل أو ثمن وأن هذا حقه الطبيعي وواجب الآخرين تجاهه، وهنا تتحول المكافأة من وسيلة تحفيزية تربوية إلى حق مزيف يفقدها قيمتها التربوية والهدف أو الغاية الأساسية منها.

فقدان القيمة المعنوية للأعمال والأشياء: فكل شيء مرتبط بأثر أو نتيجة مادية متوقعة تجاهه، دون إدراك أو وضع أي اعتبار للقيمة المعنوية لهذا الشيء أو العمل أو الإنجاز، فالنجاح بالامتحان بدرجات عالية وجيدة مثلاً الهدف منه هو المكافأة التي سوف تليه وليس التفوق أو التحصيل العلمي أو التأهيل للانتقال للمرحلة التعليمية التالية.

يمكن أن تصبح الرشوة نمط مستمر: بحيث يتوقعه الطفل في إطار فهمه للعلاقة القائمة بين جهوده والمكاسب الناتجة عنها أو الأسباب التي يقوم بها بهذه الجهود، فكل ما سوف يقوم به بعد الآن من سلوكيات واستجابات جيدة أو إنجازات مهمة يجب أن ينتج عنه بالضرورة مكافأة مادية معينة، وعندما لا يحصل على هذه المكافأة سوف يشعر بالخيبة والإحباط ووجود خلل ما.

تغرس في الطفل صفات استغلالية: فتجده يستغل المواقف والظروف وينتهز جميع الفرص المتاحة وليس بالضرورة بالوسائل الأخلاقية المشروعة كالمنافسة وتطوير الذات والتأقلم مع الواقع، وإنما قد يسرق عندما تتاح له الفرصة أو يقوم بتصرفات يجبر أهله من خلالها على إرضائه بمكافأة  حتى يتوقف عنها.

تعلم سلوكيات العناد: مثل الامتناع عن تنفيذ أي شيء دون الحصول على ثمن، فالطفل الذي اعتاد على المكافأة تجاه كل تصرفاته وبطريقة سهلة دون أن يقوم بإنجاز مهم فعلي ويتوقع هذه المكافأة حتى قبل أن يقوم بأي فعل، فإنه سوف يفهم المكافأة بطريقة خاطئة، وبالتالي يظهر سلوكيات كالغضب والعناد عند عدم الحصول عليها والامتناع عن تنفيذ ما طلب منه.

تربية شخصية مادية: فعندما يكبر الطفل المتصف بالانتهازية فإنه غالباً ما سيكون صاحب شخصية مادية ويتصف بصفات هذه الشخصية مثل البخل والاستغلال والتفكير دائماً بمصلحته بعيداً عن الاعتبارات الأخرى كالحقوق والواجبات، فكل شيء متاح لتحقيق رغباته ومصالحه والحصول على ما يريد دون اكتراث بواجباته أو حقوق الآخرين عليه.
 

في إطار السعي والبحث عن الوسائل التربوية الأفضل التي ينتج عنها طفل يتمتع بأفضل شخصية ممكنة تتميز بالاستقرار العاطفي والانفعالي والتأقلم النفسي والاجتماعي، كان لا بد من البحث أيضاً عن الطرق التي تقي الطفل من تعلم الانتهازية والاستغلال كصفة في شخصيته، وبالنظر لأسباب هذه المشكلة يمكن تحقيق هذه الغاية عن طريق:
تحديد حجم المكافأة والتأكد من  كونه مناسب لحجم الاستجابة الجيدة: فالمكافآت الصغيرة أفضل من المكافأة الكبيرة[3]، حيث أن المكافأة الصغيرة قادرة أكثر على تحقيق الغاية منها والحفاظ على قيمتها ومعناها، فعندما يكون حجم المكافأة أكبر من حجم الإنجاز الذي قام به الطفل أو أكبر من توقعاته، سوف يبدو الأمر بالنسبة له وكأنه قام بفعل عظيم ولا يكرره إلا عند حصوله على مكافأة مماثلة أو أكبر.

عنصر المفاجئة مهم في المكافآت: حتى لا يتحول الأمر إلى شرط أو نتيجة متوقعة وبالتالي تصبح المكافأة نوع من الرشوة يستغل الطفل رغبة ذويه في استجابته بطريقة معينة للحصول عليها، فيجب أن تكون المكافأة بشكل مفاجئ غير متوقع ولاحقة لاستجابة الطفل بالطريقة المطلوبة.

تعليم الطفل قيم الرضا والقناعة والصبر: فهذه القيم تجعله يفرح بالمكافأة التي يحصل عليها مهما كان نوعها أو حجمها دون تذمر أو شكوى أو توقع المزيد، وبالتالي فإن هذه القيم تجعل المكافأة تكرس تماماً الغاية منها.
تعليم الطفل تحمل المسؤولية دون توقع مكافأة مباشرة عليها: يجب أن يعرف الطفل أن عليه واجبات معينة مطلوبة ومتوقعة منه، وهي ليست أعمال متميزة يستحق أن يكافئ عليها.

توعية الطفل بضرورة قيامه ببعض الأشياء: مثل الدراسة فهي بحد ذاتها مسألة في صالحه على المدى البعيد ونتائجها سوف تعود عليه هو بالنفع والفائدة، ويجب على الطفل أن يعرف ويدرك ذلك ولا يطلب مكافأة أو ثمن مقابل اجتهاده واهتمامه بدروسه.

لا نبالغ في القول أن خصائصنا الشخصية اليوم ما هي إلا حصيلة ما مررنا به من تجارب وتعلمناه واعتدنا عليه في الأمس وخاصة في مرحلة الطفولة، فما يغرس في هذه المرحلة من صفات ونماذج من السلوك أو الاستجابات التي تحقق لنا أفضل النتائج هو المرجح أكثر من غيره لأن يصبح جزء من صفاتنا وخصائصنا وطبيعة فهمنا للحياة عندما نكبر، ومن هنا فإن تعلم الطفل لسلوكيات مثل الرشوة والانتهازية في هذه المرحلة الحساسة سوف يستمر وينتقل معه لمراحل حياته التالية ويحدد خصائص شخصيته فيها إلى حد كبير.
 

[1] مقال Erin Schlicher "مكافأة الأطفال V.S رشوة الأطفال على السلوك الجيد: ما الفرق؟"منشورة على موقع empoweringparents.com، تمت مراجعته بتاريخ 24/6/2019.
[2] مقال الدكتورة Laura Markham "ما هو السيء للغاية في رشوة الطفل" منشور على موقع psychologytoday.com، ربط مع موضوع الآثار. تمت مراجعته بتاريخ 24/6/2019.
[3] مقال Aaron chua "تحفيز الطفل: مكافآت أصغر تحقق نتائج أكبر" منشورة في koobits.com، تمت مراجعته بتاريخ 24/6/2019.