سلوك التحدي عند الأطفال بين السلبيات والإيجابيات

ما أسباب سلوك وتصرفات التحدي عند الأطفال؟ وما أشكال سلوك التحدي عند الأطفال؟ ثم ما هي آثار سلوك التحدي على شخصية الطفل ومتى يكون إيجابي ومتى يكون سلبي، وكيف يجب التعامل مع الطفل صاحب سلوك التحدي؟
سلوك التحدي عند الأطفال بين السلبيات والإيجابيات

سلوك التحدي عند الأطفال بين السلبيات والإيجابيات

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

أن يتحدى المرء يعني أن يصل إلى أقصى حدوده في محاولة فرض رأيه وتنفيذ رغباته، والتحدي كمفهوم أو صفة وخاصية من خصائص بعض الشخصيات عادةً ما يتم فهمه على أنه الرغبة في المواجهة والتغلب على المصاعب بالإضافة لعدم الرضوخ أو الإذعان أو التخاذل أمام أي عائق أو حاجز يحول دون إدراك الغاية، ولكن بالنسبة للأطفال فقد يعتبر الأمر أكثر حساسية ودقة من حيث أن الطفل لا يدرك دائماً الحدود التي يجب التوقف عندها قبل أن يتحول تحديه إلى نوع من التهور والعناد، وهنا لا بد من التوقف للإحاطة أكثر بهذا السلوك عند الأطفال.

من شكل وأسلوب وغاية استجابة الطفل بسلوكيات وتصرفات التحدي يمكن توقع الأسباب التي قد تقف وراء هذه السلوكيات والتنبؤ بمنبعها ومنشأها[1]، فكل تصرف يقوم به الطفل له هدف يبرره ودافع يؤدي له، ولذلك فإن العديد من العوامل المختلفة قد تفسر سلوك التحدي لدى بعض الأطفال:

شعور الطفل بالغيرة يؤدي لسلوكيات التحدي: والمقصود هنا بالغيرة هو الشكل أو ذلك المنشأ التنافسي، ففي محيط الطفل المدرسي أو السكني أو حتى الأسري غالباً ما يوجد طفل آخر يشعر بالغيرة منه ويتنافس معه على اكتساب الآخرين فيدخل معه في صراع وتحدي، كحالة التنافس بين طفلين مجتهدين في الصف على المركز الأول.

إثبات الذات والوجود كسبب لتصرفات التحدي: في كثير من الأحيان تكون سلوكيات التحدي لدى الطفل نابعة عن مشاعر خاصة لديه مثل الشعور بالضعف أو عدم الثقة بالنفس أو عدم تلقي الانتباه الكافي من الآخرين، وهنا يرغب الطفل في إثبات أنه نداً للآخرين وأفضل منهم فيدخل في تحديات معهم آملاً بالانتصار عليهم بأي مجال كان حتى يثبت وجوده وأهميته ويحقق ذاته.

التحدي والغرور: هناك علاقة بين اتصاف الطفل بالغرور وتصرفه بسلوكيات التحدي، حيث أن الطفل المغرور يرى أنه يجب أن يرضي غروره من خلال تحقيق بعض الانتصارات من خلال التنافس مع الآخرين، بالإضافة لأنه يرغب بإثبات قدراته التي يشعر بالغرور بسببها.

مواجهة العراقيل والصعوبات: بعض الأطفال لديهم شخصية لا تقبل بالهزيمة ولا تعترف بالضعف، وهؤلاء كغيرهم من الأطفال سوف تواجههم الكثير من العراقيل أثناء تحقيق رغباتهم وإشباع حاجاتهم، وهم بسبب صفاتهم الشخصية هذه لا يرضخون لهذه العراقيل ويتحدون ما يعترضهم من صعوبات حتى الوصول إلى هدفهم المنشود.

كبت الرغبات والأمنيات وسلوك التحدي: طبيعة الأطفال النفسية وقلة خبراتهم وعدم استقرارهم الانفعالي والعاطفي تجعلهم أكثر عرضة لمواقف إحباط تحقيق الرغبات وكبت الأمنيات، كحالة الطفل الذي يرغب بالذهاب في رحلة مع أقرانه ولا يسمح له بذلك لسبب ما، فقد نجد هذا الطفل في بعض الأحيان يلجأ لتصرفات التحدي كرفض أوامر وتوجيهات الوالدين والتمرد على قراراتهم كطريقة من قبله لتحدي سلطتهم عليه وانتقاماً من إحباطهم لرغبته.

الاتصاف بشخصية اندفاعية: بعض الأطفال يملكون صفات اندفاعية حماسية أكثر من غيرهم، وتعتبر هذه المسألة من العوامل الهامة في سلوكيات التحدي لديهم، فهؤلاء لا يقدرون كثيراً عواقب الأمور ولا يكترثون بنتائج أفعالهم، فيتعاملون مع أي شخص على أنه نداً لهم ويجب الفوز والتغلب عليه.
 

animate

سلوك التحدي عند الأطفال هو استجابة لموقف معين يواجه الطفل ويرى فيه حائلاً دون تحقيق هدف معين لديه، وعلى أساس ما يتطلب هذا الموقف من استجابات بغية التغلب عليه وتجاوز عراقيله تتحدد نوع استجابة التحدي أو شكله الذي يقوم به الطفل، ومن أشكال التحدي الشائعة بين الأطفال:

سلوكيات التحدي الايجابية
الإرادة والعزيمة والإصرار:
في معظم الحالات ينظر للتحدي على أنه سلوك إيجابي مرغوب في شخصية الطفل ومطلوب تنميته وتطويره وتحفيزه، فهذا السلوك ينبع عن إرادة قوية وعزيمة متينة وإصرار على بلوغ الأهداف والغايات، وتنمية هذه الصفات لدى طفلنا تعد وسيلة لحثه على النجاح والتفوق.

الوقوف من جديد بعد كل مشكلة: جميع الأطفال يتعرضون لمشاكل عديدة ولا تحصى خلال حياتهم اليومية ونشاطاتهم المختلفة وهذه المشاكل تعيق تحقيق أهدافهم وتقف حائلاً دون رغباتهم، الأطفال الذين يتسم سلوكه بالتحدي والإصرار على تحقيق الأهداف وبلوغ الغابات هم القدر على تجاوز هذه المشاكل والوقوف من جديد بعد التعرض لخيبة الأمل بسببها.

المظاهر السلبية لسلوك التحدي
التهور والاندفاع:
وهي الحالة التي يكون فيها سبب التحدي هام ومستفز جداً بالنسبة للطفل مثل شعوره بالغيرة أو الإهانة، وهنا يصبح سلوك التحدي لديه أكثر تهوراً وأقل تفكيراً أو حساباً لعواقب ونتائج أفعاله، فتأتي استجابته على شكل عصبية زائدة أو قيامه بتصرفات عدوانية تجاه موضوع التحدي ويمكن أن يؤذي نفسه أو غيره.

العناد كشكل سلبي لتحدي الأطفال: وهي الحالة التي يأخذ فيها سلوك التحدي شكل الامتناع عن التفاهم ورفض أي حلول تقدم لمشكلته بالإضافة لعدم الرضوخ لقرارات أو سلطة الوالدين أو النزول عند رغباتهم، ومن مساوئ هذا الشكل أن الطفل لا يضع حداً أو سقفاً أو غاية يتوقف عناده عند بلوغها وإنما يعاند لمجرد العناد وكأنه يتقصد إزعاج الآخرين والامتناع عن إيجاد حل للمشكلة.

التمرد ورفض الأوامر والتوجيهات: غالباً ما يكون التحدي بهذا الشكل موجه للوالدين بالذات وسلطتهم على الطفل وقراراهم فيما يخصه وتحكمهم بتصرفاته، ويرى الطفل بهذه الحالة أنه مضطر للتمرد على هذه السلطة ورفض توجيهاتها وقراراتها وكأنه يقوم بثورة يرفض فيها كل أشكال التحكم به، وغالباً ما يأتي هذا الشكل من التحدي عند الأطفال الكبار والمراهقين.

الغضب والعدوانية كشكل للتحدي: أيضاً تأتي هذه الحالة عندما يكون موضوع التحدي مستفز جداً بالنسبة للطفل ويتعلق أكثر بكيانه الشخصي ونظرته لذاته، فنراه يستشيط غضباً عندما يشعر بالضعف أو الإهانة تجاه موضوع التحدي أو المنافسة وقد يتصرف بعدوانية تجاه هذا الموضوع أو سببه.
 

متى تكون تصرفات وسلوكيات تحدي الأطفال إيجابية ومتى تكون سلبية
إذاً هل اتسام شخصية الطفل بسلوك التحدي تعد مسألة إيجابية أم سلبية؟ الحقيقة أن الإجابة على هذا السؤال تحتاج أولاً لمعرفة الحدود التي قد يصل لها الطفل في تحدياته بالإضافة لمواضيع وأسباب ونتائج هذه التحديات وعلى هذا الأساس يمكن تقييم سوء أو جودة تصرفات التحدي عند الأطفال من خلال عدة معايير، فمثلاً:

معايير  إيجابية لاتصاف سلوك الطفل بالتحدي
- عندما يكون التحدي حافز  ويحث على التفوق:
تعتبر سلوكيات التحدي عند الأطفال جيدة ومفيدة إذا أخذت شكل المنافسة البناءة والرغبة الدائمة بالنجاح والفوز، ففي هذه الحالة ستكون حافزاً للتفوق والإبداع وسبباً يبعد الطفل عن أشكال الإحباط والشعور بالاكتئاب، وهذا النوع من مظاهر التحدي يجب تنميته وتعويمه في سلوك الطفل.
- عندما يعرف أين يجب أن يتوقف: فتصرف الطفل وسلوكه المتميز بالتحدي يجب أن يكون له سقف أو حد أو غاية يقف عند تحقيقها وإلا أصبح مجرد شكل من العناد والتمرد الذي لا طائل منه، وهنا يتحول هذا السلوك من تحدي إلى دافع وحافز لتحقيق الغايات وبلوغ الأهداف.
- عندما يكون التحدي عامل في زيادة الثقة بالنفس: الثقة بالنفس ضرورية لتوافق الطفل مع ذاته واحترامه وتقديره لها وهي صفة محبذة بشكل عام، وعندما تكون نتائج التحدي لديه عاملاً في زيادة ثقته بنفسه تصبح إيجابية وضرورية ويجب تشجيعها وتنميتها، فشعور الطفل بأنه انتصر في منافسة مع ند له أو نجح في بلوغ غايته من شأنه زيادة احترامه لذاته وتقديره لنفسه.
- تقوية الإرادة والعزيمة: فتميز الطفل بصفة التحدي تعد دافعاً له للوقوف من جديد بعد كل كبوة ويزيد من إصراره وعزيمته وإرادته عند الشعور أو المرور بهزيمة أو فشل وهي طريقة للتغلب على الصعاب وعدم الرضوخ للعراقيل والتحديات، وهذه تعتبر من أهم إيجابيات سلوكيات التحدي وأكثرها فائدة.

حالات يعتبر فيها تحدي الأطفال سلوك سلبي
- عندما يكون التحدي موجه نحو الوالدين:
في هذه الحالة يرغب الطفل بتحدي سلطة والديه والتمرد على قراراتهم ونصائحهم وارشاداتهم[2]، وهذه المسألة قد تعيق العملية التربوية برمتها، فبسبب هذه المسألة يرفض الطفل كل ما يأتي من والديه لمجرد العناد والتمرد دون وجود أسباب موجبة ومحقة.
- في الحالات التي يكون الغرور أو الغيرة سبب ومنشأ التحدي عند الطفل: فهذا النوع أو الشكل من التحدي لا يهدف ولا يخدم معاني قوة الإرادة والعزيمة والإصرار على النجاح والتفوق وإنا مجرد تحدي ومنافسة مع من يشعر الطفل بالغيرة منه أو مجرد إرضاءً لغروره. 
- عندما يقوم الطفل ببعض التصرفات الضارة: حيث أن بعض أشكال التحدي أو طرق التعبير عن الرغبة به تعتبر ضارة ولا يمكن أن تؤدي لنتائج إيجابية لا بالنسبة للطفل ولا بالنسبة لأهدافه ورغباته، مثل التصرف بعناد أو غضب وعدوانية وتمرد.
 

سلوك التحدي لدى الطفل لا يمكن أن ننظر إليه على أنه سلبي بالمطلق أو جيد وإيجابي بالمطلق، فالمسألة نسبية بناء على ما سبق من معايير وشروط، أما عن كيفية التعامل مع سلوك التحدي الذي قد يبديه الطفل[3]، فيمكن من خلال عدة خطوات الحفاظ على آثاره الإيجابية وتحويل مساوئه أو ضبطها والسيطرة عليها قدر الإمكان وذلك يحتاج إلى:

تجنب أسباب التحدي السلبية كالغيرة الغرور التمرد: فهذه الأسباب السلبية هي التي تجعل من التحدي صفة وسلوك سلبي عندما ينتج عنها، وتجنب هذه الأسباب من شأنه تحويل التحدي كصفة من الحالة والمواضيع السلبية إلى موضوعات أكثر فائدة وجدوى.

بناء روابط عاطفية بين الطفل ووالديه: حيث أن هذه الروابط التي تقوم على الصداقة والمحبة والمودة وبالإضافة للاحترام المتبادل تقلل من مشاعر التوتر التي عادةً ما تكون سبب لسلوكيات التحدي أثناء العملية التربوية مثل حالات التوجيه والنصح والإرشاد.

تجنب الرضوخ لتصرفات التمرد والعناد الصادرة عن الطفل: ففي بعض الأحيان يبدي الطفل هذه السلوكيات كوسيلة من قبله لإجبار ذويه على النزول عند رغباته تحاشياً لتصرفاته المزعجة وهو يعلم ذلك، ولهذا فمن الخطأ الرضوخ دائماً لرغباته عندما يتصرف بتحدي وتمرد ويحاول متعمداً إزعاج ذويه فهذا الرضوخ سوف يجعله يكرر الطريقة دائماً إذا نجحت في المر الأولى.

تحويل موضوع التحدي تجاه الأهداف الإيجابية البناءة: فالحل لا يعني كبت صفة وخاصية التحدي عند الطفل وكبح جماح رغباته وإنما من الأفضل تطوير هذه السلوكيات وتوجيهها نحو أهداف أفضل مثل النجاح والتفوق والابداع والتغلب على الصعوبات والمشاكل بالإضافة لتعليم الطفل الفرق بين اللين والشدة ومتى وقت كل منهما.

يمكن وصف التحدي بأنه سلوك أو خاصية شخصية ذات أثر مزدوج من حيث سلبية أو إيجابية نتائجه وذلك تبعاً لطبيعة الاستجابة نحوه وطريقة التفاعل معه، فمن جهة قد ينمي في الشخصية صفات القوة والثقة بالنفس والثبات على الرأي وقوة الإرادة والإصرار والعزيمة على النجاح وتحقيق الأهداف، ومن جهة أخرى قد ينمي خصائص شخصية مثل العناد والعدوانية والتمرد على جميع أشكال السلطة سواء في المدرسة أو المنزل، ولذلك يجب الحذر عند التعامل مع هذا الموضوع الحساس عند بعض الأطفال.
 

[1] مقال "سلوك التحدي" منشور في childdevelopment.com.au. تمت مراجعته في 20/7/2019.
[2] مقال الدكتور Carl Pickhardt  "سبب التمرد في مرحلة المراهقة" منشور في Psychologytoday.com. تمت مراجعته بتاريخ 20/7/2019.
[3] مقال "سلوك التحدي: ما أسبابه وكيف يمكن إدارته" منشور في goodschoolsguide.co.uk، تمت مراجعته في 19/7/2019.