الكذب عند الطفل: هل يعبر عن حالة مرضية؟

مفهوم الكذب، أسبابه وأنواعه وهل يعتبر الكذب سلوك مكتسب؟ وهل يمكن للوالدين أن يكونا سبباً في تعلم الطفل للكذب؟ وهل يمكن اعتباره اضطرابا في السلوك دون بلوغ الطفل الخمس سنوات ؟ وكيف يمكن للوالدين التعامل مع هذا السلوك ؟
الكذب عند الطفل: هل يعبر عن حالة مرضية؟

الكذب عند الطفل: هل يعبر عن حالة مرضية؟

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

يتميز الطفل والطفولة بصفة عامة بالبراءة والصدق وصفاء النية، في حين أننا نلحظ عليهم بعض السلوكات التي تتنافى مع هذه الصفة كالكذب، حيث ينتشر الكذب لدى معظم الأطفال لأسباب ودوافع مختلفة قد يجهلها الأولياء ويعجزون عن  التعامل معها بحكم عدم قدرتهم على فك الشفرات الخاصة بهذا السلوك، إضافة إلى عدم قدرتهم على تحديد ما إذا كان هذا السلوك عاديا مقارنة بسنهم كون أن الطفل لا يدرك المعنى الحقيقي لهذا السلوك، أم أنه سلوك مرضي قد يترافق مع الطفل لمراحل عمرية متطورة، الأمر الذي سنحاول إبرازه من خلال المقال التالي والذي احتوى على: مفهوم الكذب، أنواع الكذب عند الطفل، أسباب الكذب عند الطفل ودوافعه، وهل يعتبر الكذب سلوكاً مكتسباً؟ وهل يمكن للوالدين أن يكونا سبباً في تعلم الطفل للكذب؟ وكيف يمكن علاج الكذب عند الأطفال؟. 

يعتبر (عسكر، 2005) أن الكذب من المظاهر الشائعة لدى الأطفال والكبار، فعند الطفل يعبر عن آلية دفاعية بينما في الكبر يعبر عن اضطراب سلوكي .
ويعرف (فهيم، 1993) أن الكذب عند الطفل يتمثل في تزوير الطفل للحقيقة مع علمه التام بذلك من أجل منفعة خاصة أو تفاديا للعقاب.
ويعرفه (J.Roy, 1992) على أنه تزوير متعمد بقصد الخداع.

animate

لا يمكن اعتبار سلوك الكذب صفة موروثة لأنه سلوك مكتسب من البيئة التي يعيش فيها الطفل الأمر الذي أكدت عليه (ملاك جرجس، 1984) التي وضحت أن سلوك الكذب صفة أو سلوك مكتسب نتعلمه كما نتعلم الصدق وليس صفة فطرية أو سلوكاً موروثاً، واعتبرته عرضاً ظاهرياً لدوافع وقوى نفسية تعيش في نفس الفرد سواء كان طفلا أو بالغاً. (فاروق أسامة، 2011)

هل يمكن للوالدين أن يكونا سببًا في تعلم الطفل للكذب؟

إن ما نلحظه من سلوكات الأطفال ما هي إلا تعبير عن دوافع داخلية تحرك سلوكه لدى لا يجب علينا الحكم على السلوك الظاهر فقط بل يجب التعرف على الأسباب والدوافع الكامنة وراء ذلك وفيما يلي سيتم التطرق للأسباب الخاصة بسلوك الكذب عند الطفل كما وضحها (فهيم، 1993):
1- البيئة التي يعيش فيها الطفل: يكتسب الطفل سلوك الكذب من البيئة التي تحيط به، فإذا لاحظ الطفل على الأولياء وعود كاذبة وعدم مراعاتهم الصدق في تعاملاتهم فسيتبنى الطفل هته الاتجاهات السلوكية والأساليب في تعاملاته مع مواقف الحياة المختلفة.
2- المبالغة في تنشئة الطفل: نتيجة إلى التشدد والتضييق على الطفل بالتحلي ببعض الصفات واعتمادهم على الأسلوب الصارم في حال عدم الخضوع إلى رغباتهم، يفتح ذلك المجال للطفل للكذب كمحاولة منه للظهور وفق ما يطلبه الوالدان.
ويضيف إلى ذلك (فاروق أسامة، 2011) الأسباب التالية وراء الكذب عند الطفل كالتالي:
3- التفكك الأسري: تنعكس النزاعات والصراعات الأسرية وخاصة تلك المتعلقة بخداع أحد الطرفين للشريك مع إشراك الطفل في ذلك إلى  التأثير على سلوك الطفل بطريقة سلبية كأن يطلب الآباء بعض السلوكات من الطفل التي توحي بالكذب على أمه لتغطية أمر ما، كما قد تؤدي قسوة الوالدين أو التفرقة في المعاملة بين الأبناء إلى دفع الطفل إلى الكذب على الوالدين بشأن الأخ الذي يفضلونه من أجل جلب اهتمامهم وحبهم له.
4- الاستعداد للكذب: ويقصد بالاستعداد في هذه الحالة تلك الاستعدادات التي تهيء الطفل للكذب كطلاقة اللسان ولباقة الحديث، وتمتع الطفل بخيال واسع وذكاء يؤهله لتأليف قصص بطريقة محبوكة، أو شعور الطفل بالنقص والدونية وعدم الثقة بالنفس التي تجعله يلجا إلى الكذب من أجل تلبية ذلك الفراغ الداخلي.
ويدرج في هذا الصدد  أيضا (شارلز شيقر، وهوارد سليمان) الأسباب العامة للكذب كالتالي:
5- الإنكار: وذلك لتجنب الذكريات والمشاعر السلبية.
6- التفاخر: من أجل الحصول على الإعجاب والاهتمام من الآخرين.
7- الولاء: وفي هذه الحالة يكذب الطفل من أجل حماية أصدقائه أو المقربين منه.
8- المكسب الشخصي: وذلك من أجل تحقيق أغراض شخصية يود الحصول عليها.
9- صورة الذات: إن تكرار نعت الطفل بالسلوك الكاذب يؤدي إلى قناعة داخلية كون أنه كاذب.
10- عدم الثقة: إن عدم ثقة الوالدين بالطفل تجعله يلجأ للكذب.
ويضيف ( الهمشري محمد وآخرون، 1997) أن سعي الطفل لإثبات ذاته والحصول على مكانة اجتماعية وتمتع الطفل بالخيال الخصب وعدم تفرقته بين الخيال والواقع إضافة إلى الرغبة في الانتقام من الآخرين يؤدي إلى الكذب عند الطفل.

هل يمكن اعتبار الكذب اضطراب في السلوك قبل بلوغ الطفل السن الخامس سنوات؟
في هذا الصدد يشير (فهيم كلير، 1993)  أن الطفل قبل الأربع سنوات قد يقول كلاماً غير صحيحاً وليس له علاقة بالواقعية ولكن لا يمكن اعتباره كذباً للأسباب التالية:
1- عجز اللغة وعدم القدرة على التعبير.
2- عدم القدرة على التمييز بين الخيال والواقع، إذ يتميز تفكير الطفل بالخيال الواسع ويحاولون سرد ما يجري في مخيلتهم على الآخرين، حيث يجب التعامل مع الطفل بحذر في هذه الحالة ونفهمه بهدوء الأمور الواقعية والخيالية .
3- التفسير الخاطئ للأمور، فالطفل يفسر الوقائع والأحداث على حسب قدرته الفكرية فقد يخطئ في ذلك ولا يعتبر ذلك كذبا حيث أنه لم يسعى للكذب.

 يقسم (J.Roy,2015)  الكذب عند الطفل إلى:
1- الكذب الدفاعي:يعتمد الكثير من الأطفال على الكذب للدفاع عن أنفسهم وذلك محاولة م للهروب من العقاب أو التستر على السلوكات التي لا يودون التصريح بها لأنه سيعاقب إذا قال الحقيقة.
2- كذب التقليد: للوالدين الدور الأساسي في تعليم الطفل الكذب فالطفل يلاحظ سلوكات الوالدين ويسعى إلى تقليدها ومنها سلوك الكذب
3- الكذب المبالغ: قد يلجا الطفل لهذا النوع من الكذب من أجل الفوز بإعجاب أو مديح الآخرين له 
4- الكذب للبحث عن الاهتمام: يسعى الطفل غلى الحصول على اهتمام الآخرين من خلال سلوك الكذب طالما لم يلقى ذلك بالسلوك الجيد
5- الكذب القهري: هذا الشكل من الكذب هو أكثر أشكال الكذب شيوعا خلال فترة المراهقة وغالبا ما يعكس الحاجة إلى الاهتمام أو الحب .
ويضيف على ذلك (الهمشري، وآخرون، 2011) الأنواع التالية للكذب عند الطفل حسب (سيرل بيرت Cyril Buet)
6- الكذب الخيالي: يقوم الطفل بتأليف القصص من نسج الخيال لا أساس لها من الواقع 
7- الكذب الالتباسي: وهنا يخلط الطفل بين الحقيقة والخيال ولا يستطيع التمييز بينهما، فقد يسمع قصص أو يحلم بوقائع معينة يسردها على أنها وقعت له بالفعل ، لدى لا يجب على الوالدين القلق بشأن هذا النوع من الكذب لأنه متعلق بالنضج العقلي فقط واكتمال الوظائف العقلية ويزول مع تقدمه في السن .
8- الكذب الإدعائي: ويقوم هذا النوع من اللكذب نتيجة لشعوره بالنقص أو الحرمان، بسبب عدم توفير البيئة الاجتماعية التي يعيش فيها متطلباته، فيبالغ في سرد ما لديه من أشياء أو العاب أو ملابس لتغطية النقص.
9- الكذب الغرضي أو الأناني: ويلجأ الطفل في هذه الحالة للكذب لقضاء حاجاته أو أمور يرغب الحصول عليها إذا مانع الوالدين على تحقيقها.
10- الكذب الانتقامي: ويلجأ الطفل إلى الكذب في هذه الحالة نتيجة إلى شعوره بالغيرة سواء من إخوته أو من أصدقائه، فيقوم بإنقاص من قدر الطفل الذي يغار منه بإلصاق تهمة أو ينسب له عملا بهدف فقد هذا الطفل لتلك الميزة التي يتمتع بها. 
11- الكذب المرضي: إن تكرار الكذب عند الطفل وإصراره على القيام بهذا السلوك بأي شكل من الأشكال مع عدم قدرته على التفريق بين الخيال والواقع وعيشه دائما في عالم غير واقعي سيؤدي ذلك إلى حالة مرضية حيث يصبح لازمة من لوازم الشخصية المرضية لمن تربى على الكذب، وقد يصدر عنه الكذب بالرغم من إرادته أي لا يستطيع التحكم في نفسه.
 

قد أشرنا من خلال سرد الأسباب أن للوالدين دور بارز في تعلم الطفل الكذب وعلى نفس النحو للوالدين دور مهم في العملية العلاجية للطفل من هذا السلوك عن طريق:
التعرف على الأسباب: إن التعرف على سبب الكذب عند الطفل يعتبر المحور الأساسي للعملية العلاجية فهل هو ناتج عن نقص داخلي ، أو غرضي أو ادعائي .....الخ حتى يتناسب العلاج مع طبيعة السبب المؤدي إليه

1- القدوة الحسنة: إن اكتساب الطفل للكذب ناتج عن تفاعلاته مع الأولياء والمعلمين والإخوة والأقران فإذا اتصفت البيئة التي يعيش فيها الطفل فالصدق وتتوفر فيها القدوة الحسنة والأفعال والسلوكات الحميدة ينعكس ذلك على سلوك الطفل، لدى من الضروري التعامل مع الأطفال بكل صدق لأن من متطلبات المراحل العمرية هي بحثه عن القدوة الحسنة لبناء شخصيته.
2- تنمية القيم الدينية والأخلاقية: إن غرس القيم الدينية والأخلاقية في المراحل العمرية المبكرة يسهم في مساعدة الأطفال على بناء نظام قيمي يوجه سلوكاتهم ويعمق لديهم الإحساس بأهمية وضرورية القيام بالسلوك بطريقة سليمة.
3- الإقلاع على معالجة الكذب بالعقاب: إن من بين أكثر الأساليب التي تسهم في ترسيخ السلوكات السلبية لدى الطفل هي العقاب، فقد يقلع عنه مؤقتا ولكن نتيجة إلى الضرر اللاحق به سيؤدي إلى الانتقام من الوالدين عن طريق تكرار ذلك إضافة إلى أن العقاب يؤدي إلى تبلد الإحساس ويتعود على ذلك.
4- استخدام المكافئات والحوافز: للتعزيز بمختلف أنواعه دور في تقوية السلوك المرغوب فيه ويزيد من احتمال تكراره خصوصا إذا احتوت الحوافز على قيم نفسية لدى الطفل، فتحفيز الطفل على قول الصدق يقوي هذا السلوك لديه.
5- التسامح: من ضروري اعتماد الوالدين على أسلوب التسامح مع أطفالهم خصوصاً في بداية ظهور الكذب لان عدم الثقة في الطفل تؤدي إلى الكذب.
6- منح الطفل فرصاً لإثبات الذات وإشباع الحاجات: من الضروري التعرف على الحاجات النفسية للطفل ومحاولة إشباعها، وخصوصا الحاجات الخاصة للتعبير عن ذاتهم وإتاحة الفرص أمامه لتنمية قدراته الخيالية عن طريق الرسم والتصوير ومحاولة امتصاص طاقاته الأمر الذي يشبع خياله ويصرف شحناته الانفعالية المكبوتة بدلا من اللجوء إلى الكذب لإشباعها. 

أخيراً...يمكن القول أن سلوك الكذب عند الطفل يعتبر حالة طبيعية دون السن الخمس السنوات والتدخل المبكر في هذه المرحلة يعتبر ضروري للتخلص حتى لا يتطور غلى حالة مرضية، لدى يجب  البحث عن الأسباب التي تؤدي به دائما غلى الاعتماد على الكذب في تعاملاته اليومية حتى يتمكن الوالدين من التعامل معها وعلاجها على حسب طبيعة السبب.

المراجع:
عسكر، عبد الله .(2005). الاضطرابات النفسية للأطفال، القاهرة: مكتبة الانجلو المصرية، الطبعة الأولى.
فهيم، كلير .(1993). الاضطرابات النفسية للأطفال الأسباب، الأعراض، العلاج، القاهرة: المكتبة الأنجلو المصرية.
فاروق، اسامة مصطفى .(2011). مدخل غلى الاضطرابات السلوكية والانفعالية: الأسباب، التشخيص، العلاج، عمان: دار المسيرة للنشر والتوزيع. الطبعة الأولى.
الهمشري، محمد قطب، محمد عبد الجواد، علي إسماعيل محمد .(1997). الكذب في سلوك الطفل، الرياض: مكتبة العبيكان: سلسلة المشكلات السلوكية للأطفال. الطبعة الأولى.
 الهمشري، علي قطب، محمد الكذب في سلوك الطفل،وفاء محمد عبد الجواد، علي إسماعيل محمد، ، الرياض: مكتبة العبيكان، سلسلة المشكلات السلوكية للأطفال، 1997 الطبعة الأولى 
J.Roy.Soc, (2015) . lying in children. University of sussex labrary