الحب من طرف واحد وعلاج المشاعر غير المتبادلة

ماذا تفعل إذا لم يبادلك أحدهم الحب؟ هل الحب من طرف واحد صحي وهل يستمر؟ ما هي المخاطر التي تترتب على وجود شخص لا يبادلك مشاعر الحب؟ وكيف تؤذيه بالحب من طرف واحد؟!
الحب من طرف واحد وعلاج المشاعر غير المتبادلة
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

أن لا يبادلك الطرف الآخر الحب أو لا يعبر عن محبته لك كما تفعل أنت؛ هذا ما نسميه عادة الحب من طرف واحد، فهو حب ليس متبادل بشكل علني.. قد لا يكون المحبوب على وعي بالعاطفة الرومانسية العميقة والقوية التي تكنّها له أو قد يرفضها بوعي كامل منه.
وما سنتحدث عنه هنا ليس الوقوع في الحب، فهذا موضوع آخر تماماً، في مقالنا الحالي سنتحدث فقط عن المراحل المبكرة من الحب وتحديداً الحب من طرف واحد، فهل هو مشكلة للطرفين؟ وكيفية التخلص من حالة حب غير مستجابة من طرف المحبوب؟ وهل للحب من طرف واحد مخاطر؟...
 

الحب من طرف واحد.. شائع جداً
غالباً ما يكون الطرف المحبوب في قضية الحب من طرف واحد؛ هو أحد الأصدقاء أو المعارف، أو شخصاً ما تصادفه دائماً في مكان العمل، أو المدرسة أو أي أنشطة أخرى تتضمن عدداً كبيراً من الأشخاص، كما أن الحب من طرف واحد موضوع شائع في الكثير من الدراما التلفزيونية أو الثقافات الشعبية أو الأدب أيضاً، مثل الرواية المشهورة (غاتسبي العظيم).. لكن هل يجعله حباً صالحاً وصحيحاً؟
تقول المستشارة في الشئون الأسرية؛ الدكتورة تارا دوفورد (Tarra Bates-Duford): "إن الدراسات التي أجريت حول موضوع العلاقات؛ تشير إلى أن الأشخاص الذين ينخرطون في العلاقات بقلق، هم أكثر عرضة لتجربة الحب دون مقابل من أولئك الذين يدخلون في العلاقات بثقة"، كما تجدر الإشارة أيضا إلى أن الأشخاص الذين يحاولون تجنب علاقات الحب هم أقل عرضة لتجربة الحب من طرف واحد، لكنهم يتمتعون "بالمشاعر الرومانسية المثالية" من مسافة بعيدة!.. وتقول الدكتورة دوفورد: "إن الأشخاص الذين لديهم أنماط تعلق آمنة؛ هم الأقل عرضة للحب من طرف واحد".

في الدفاع عن الحب من طرف واحد
ربما يكون أفضل مثال والأكثر صلاحية للحب أحادي الجانب؛ حب الوالدين وهو حب من دون مقابل وغير مشروط، فالمحبة دون قيد أو شرط.. حب الطفل بغض النظر عما يفعله، لأن هذا جزء من كونهما والدان جيدان، فالعديد من الآباء يدركون أن "الحب غير المشروط" بين أنفسهم وأطفالهم يكاد يكون إلى حد ما أحادي الجانب، إنهم يحبونه حتى عندما لا يحب الابن العودة إليهم عندما يكبر وينطلق في حياته، كما أنه شيء متوقع من قبل الوالدين دوماً، لكن ماذا عن الحب الرومانسي؟ هل نصف الحب من طرف واحد أفضل من عدم الحب؟ هل هو صحيح وصحي حتى؟

- الحب السلبي دون مقابل: الحب الذي تملكه ربما لا يزال حب.. من الناحية الفنية؛ أنت تريد الأفضل للمحبوب وما زلت تحبه كشخص، لكنك لم تعد تستثمر طاقتك أو وقتك أو اهتمامك بنشاط.
- لكن الحب نصف الرومانسي ... لا يزال حب: إذا كان "الحب الحقيقي" فعلا اختيارا؛ فلا يمكننا أن نختار حب من نريد.. إذا كان الحب غير أناني بشكل أساسي، واعتبر الطبيب النفسي الكندي اريك بيرن (Eric Berne) أن "الرجل الذي تحبه امرأة محظوظ بالفعل، لكن الشخص الذي يجب أن يُحسد هو الذي يحب، رغم أن ما يحصل عليه في المقابل قد يكون قليلاً"، كما قال الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه: "ما لا غنى عنه للحبيب هو حبه الذي لا مقابل له، والذي لن يتنازل عنه بأي ثمن من أجل حالة من اللامبالاة من طرف المحبوب"، لكن إذا كان "الحب اختياراً"، فعندئذٍ لن يكون اختيار حب أحادي الجانب حب... أليس كذلك؟

رأي ضد الحب من طرف واحد
يقول الطبيب النفسي إريك بيرن في كتابه (الجنس في المحبة الإنسانية): "يقول البعض أن الحب من طرف واحد أفضل من لا شيء، لكن مثل نصف رغيف الخبز، فمن المرجح أن ينمو عليه العفن عاجلاً أو آجلاً"، كما أن الناحية الأخرى من "اختيار الحب" في قضية الحب أحادي الجانب؛ هي أن أفعالك تهدف إلى تلبية احتياجات المحبوب وليس احتياجاتك، وإذا كانت "الحاجة" الأولى بالنسبة له هي "عدم تلقي أو إعادة حبك"، ففي كل مرة تقوم بتلبية المزيد من حاجته على أي حال مهما كان ردّ فعله؛ فإنك إنما تنتهك - لا تلبي – رغباته! وهذا ليس حب، لكنه أنانية من قبلك!.. ولتوضيح الفكرة بالتفصيل:
- الضغوط العاطفية للحبيب هي الاحتياجات غير الملباة: فقد يؤدي عدم قدرة المحبوب غير المستجيب لمشاعرك على التعبير عن احتياجاتك العاطفية والوفاء بها؛ إلى إصابتك بمشاعر مثل الاكتئاب وتدني احترام الذات والقلق وتقلبات مزاجية سريعة بين الحزن والنشوة.
- الضغوط العاطفية على المحبوب هي الاحتياجات المنتهكة: هناك جانبان سيئان للحب بلا مقابل، لكن واحد فقط هو مألوف في ثقافاتنا؛ ذاك الذي يشمل المحب وليس رافض هذا الحب، في الواقع.. موضوع المودة بلا مقابل يواجه مجموعة متنوعة من المشاعر السلبية لدى المعشوق في المتفاعل على قدم المساواة مع مشاعر العاشق المتفاني في حبه من طرف واحد، بما في ذلك والإحباط والذنب!.. تخيل يشعر المحبوب بالذنب بأنه لا يستطيع مبادلتك المشاعر ذاتها.
- ضغوط علاقة الحب من طرف واحد على الطرفين: إن الأكثر شيوعاً بين هذه الضغوط التي تسببها مشاعرك، هو القلق بسبب عدم الارتياح لوجود شيء يضغط على المحبوب، كما يتناقض ذلك بشكل مباشر مع رغباتك واحتياجاتك، ويمكن توصيف هذا الإحساس بدقة بالقول: هذه المشاعر النبيلة والأحاسيس الفاتنة التي تمتلكها اتجاه محبوب ما؛ مترجماً مشاعرك وعواطفك السعيدة، ما هي إلا وإزعاج ضمني و"اغتصاب" لمشاعره..! من خلال منح الإذن لنفسك للدخول في حالة نزاع وكأنك في مباراة تحاول أن تكسب من خلالها!

animate

مخاطر الحب من طرف واحد على كلا الطرفين
نحن نحب قصصا عن الحب وحالات حب من دون مقابل؛ لأن معظمنا عانى من الحب، أو نتمنى أن يكون هناك شخص ما متلهف علينا ونحب أن نشعر أنه صادق، كما اعتدنا وصف الحب من طرف واحد على أنه نبيل، ورغبة غير أنانية ورزينة لقبول المعاناة من أجل المحبوب.. لكن المشكلة هي أنه ليس علاقة صحية ومتوازنة... فمخاطر الحب من طرف واحد هي:

- عدم الاستقرار العاطفي: يعتقد العشاق من طرف واحد أن مشاعرهم تحدد العلاقة بينهم وبين المحبوب، حيث يركزون على شعورهم حول المحبوب ولا يفكرون أبدا في شعوره، إنهم لا يتوقفون عن التفكير في مدى التساؤل الذي ستثيره محبتهم عند الطرف رافض هذا الحب!. إنهم يطاردون المحبوب لأنهم دائما رافضون بطبيعتهم، أو غاضبون في كثير من الأحيان بسبب الرفض التي يتلقونه ويشكل عقبة في طريق رضاهم وهذا ليس حب، كما أن الحب بدون رعاية تجارب حياة الشخص الآخر ليس حب، إنه أنانية وسيبقى حب من دون مقابل.

- الحب من طرف واحد حالة خيالية صرفة: هذا ما يجعله يعطيك شعوراً بالأمان، فواقعك في هذا الحب هو الواقع الوحيد، لذا لا يمكن أن ينازعك أحد عليه أبداً، ولا يمكن أن تتعرض "للأذى" أبداً، وهذا لا يجعله حباً بالمعنى الصحيح للكلمة، لذلك نقول للأشخاص الواقعين في حب من طرف واحد عندما يقولون أنهم "مغرمون بشخص لا يريدهم"؛ إنهم لا يحبون الشخص بحد ذاته لكنهم يحبون حالة حبهم له والمتجسدة في خيالهم فقط!... فأنت مغرم خيالياً ببعض الصفات الجميلة في هذا الشخص، حالة حب مجردة من الأشياء التي لا تعجبك ولا تراها وتحديداً لا ترى حقيقة أنه لا يريدك، بالتالي أنت لا تحبه كما هو موجود واقعياً.

- الحب من طرف واحد غير جيد للصحة: فهل يكون الحب من طرف واحد... بعد كل ما قلنا؛ هو الحب الوحيد الدائم؟؟!!.. قد يكون هذا الحب مستداماً مع وقف التنفيذ وإيقاف تغيير وضع هذا الحب، لكن هذا الحب لن يحافظ عل استمرارك وصحتك وسيبقى كما في حالة الغاز عديم اللون، بالتأكيد ستستمتع بلوحة تمثل سلة فاكهة متقنة الرسم؛ لكنك بحاجة للفاكهة الحقيقية في حياتك، ففي حياتك الواقعية لماذا تهتم بأشخاص لن يهتموا إن بقيت أو رحلت!!؟

كيف تتجاوز مشكلة الحب من طرف واحد؟
تم وضع الكثير من العلاجات على مر السنين، فالشاعر الروماني أوفيد اقترح في كتابه الشعري عن الحب (Remedia Amoris) علاجات مثل: "السفر - الشيخوخة – رحلة ريفية - السخرية - تجنب الشعر عن الحب"، وكي نكون صادقين.. ربما يتلخص الأمر في تقدير الذات، لذا قم بتطوير احترامك لذاتك، وسيبدو تبديد طاقتك واهتمامك بالأسباب المفقودة لمحبة شخص ما؛ أقل جاذبية بشكل ملحوظ، لأن وقتك واهتمامك هما أهم الأشياء التي تمتلكها، استثمرها على الناس المهمين في حياتك والأشياء المفيدة لك، كما إن أفضل شيء يجب القيام به عندما تكون مشاعرك غير متبادلة هو محاولة تجاوزها من خلال الطرق التالية:

- فكّر.. لماذا تريد علاقة رومانسية مع هذا الشخص في المقام الأول: إحدى الطرق التي يمكنك من خلالها التخلص من الحب من طرف واحد بسرعة؛ هي تحديد أسباب رغبتك في هذه العلاقة في المقام الأول، فهل أنت عالق مع شخص ما؛ لأنك تخاف من أن تكون وحيداً؟ حيث يحتاج الأشخاص الذين يكافحون في كثير من الأحيان بسبب الحب دون مقابل؛ إلى التفكير في كيفية تقديرهم لذواتهم، على سبيل المثال قد لا يرى بعض الأشخاص قيمة أنفسهم ما لم يكونوا جزءاً من علاقة.. لذلك إذا كنت ترغب في تجاوز حالة حب لا يبادلك فيها المحبوب أي مشاعر؛ بادر إلى معرفة سبب رغبتك في علاقة مع هذا الشخص، ثم اكتشف علاقتك مع ذاتك، فعندما تحب نفسك سيكون من الأسهل عليك اتخاذ قرارات أكثر صحة.

- أعطي نفسك فرصة للحزن: عندما تكتشف أن حبيبك قد ارتبط رسمياً مع شخص آخر، أو أن يصارحك بعدم امتلاك مشاعر الحب نفسها؛ سينفطر قلبك من الحزن.. إن القهر الذي ستشعر به لفترة من الوقت هو إحدى الطرق لمحاولة تحسين مشاعرك، فلا مانع من أن تكون حزين، وتقول مستشارة العلاقات أليشا باول (Alisha Powell): "من المهم الإقرار بألمك ومنح نفسك الإذن بالبكاء أو الغضب وإعطاء نفسك بعض الوقت لتندب ما كان يمكن أن يكون"، وتضيف: "قد لا تتجاوز الحالة بسرعة كما تتمنى، لكن في النهاية ستتذكر أن الحياة تستمر بدونه".

- تعلّم من التجربة: "من السهل أن تنظر إلى الشخص الذي أحببته من دون أن يبادلك المشاعر؛ كشخص لا يمكنه أن يخطئ، لكن من المهم أن تنظر إلى الوراء وتدرك تلك اللحظات في علاقتك، حيث تكون قد منحته الكثير من اهتمامك وحبك في مقابل لا شيء منه، ربما تستطيع التحدث مع صديقة أو صديق شهد فترة علاقتكما معاً، وتخبره بأنك لا تخجل أو تشعر بالأسف.. لكنك تعلمت من هذه العلاقة، وفي المرة التالية التي تشعر فيها أنك قد تتورط في علاقة حب من طرف واحد، فإنك تمتلك آلية تحميك من الوقوع في مأزق مماثل.

- تعرف على المميزات السلبية والإيجابية في شخصيتك: عندما يستمر الناس في الوقوع في حب من طرف واحد، فإنهم يميلون إلى جعل المحبوب مثالياً، وعادة ما تخرج جميع العيوب من حسابهم، لكن رؤية شخص ما على أنه شخص "مثالي" لك يمكن أن يبقيك في عالم خيالي، وأنت تعلم إن القدرة على رؤية الأخطاء والعيوب كذلك نقاط القوة والتميز لدى شخص ما والاستعداد لها؛ هي طريقة جيدة للبقاء على أرض الواقع، بالتالي هذا سيجعل شوقك للحبيب أكثر واقعية طبعاً، كما تدرك جيداً نقاط قوتك وسلبياتك ومع من تريد أن تكون فعلاً.

- كن فخوراً بقدرتك على الحب: إن أفضل طريقة لتجاوز هذه التجربة هي أن تعترف لنفسك بأنك قادر بشجاعة على الحب، بغض النظر عن المعاملة بالمثل، وتقول مستشارة العلاقات والمتخصصة بشؤون الأسرة غريس تشاركوشيان (Christie Tcharkhoutian): "قد يكون من الصعب التفكير بهذه الطريقة بعد أن تمّ رفضك، لكن ذكّر نفسك بأن لديك الكثير من الحب لتقديمه وأن أي شخص سيكون محظوظاً ليلتقي بك".. بالتالي عندما تلتقي الشخص المناسب؛ ستشكر نفسك لعدم السماح لتجربة الحب من طرف واحد بتحطيم فؤادك، لكن بدلاً من ذلك افتح قلبك لتقدير كل الحب الذي ستعطيه للشخص المناسب.. والذي سيرعى هذا الحب في المقابل.

في الختام.. أن تكون مغرماً بشخص لا يبادلك الحب؛ لهو أمر مؤلم حقاً،  لكن تذكر أن الحياة لن تبخل عليك بفرصة اللقاء مع الشخص المناسب يوماً ما، وكما قلنا إن الشجاعة التي تمتلكها كي تحب وتتحمل شخصاً لا يبادلك المشاعر؛ لهي مصدر للفخر بنفسك، لكن تذكر أن الحب من طرف واحد يؤذي المحبوب رافض هذا الحب، لذا إن كنت من ضحايا حب من طرفك فقط؛ حاول أن تتخلص منه سريعاً لأنك تعشق الحالة وليس الشخص نفسه، تعرف على ما تريد من علاقة كهذه واتبع بقية الخطوات التي ذكرناها سابقاً وستتجاوز الحالة.. شاركونا آرائكم من خلال التعليقات على هذا الموضوع.