أسباب وأعراض سرطان عنق الرحم

ما هي العوامل المؤهبة لحدوث سرطان عنق الرحم؟ وما علاقة هذا السرطان مع فيروس (HPV)؟ وهل يمكن تشخيصه قبل أن ينتشر؟
أسباب وأعراض سرطان عنق الرحم
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

عنق الرحم (Uterine Cervix) هو الجزء السفلي من الرحم، وهو مفتوح على المهبل ويخرج الطفل عبره عند الولادة الطبيعية، ويحظى سرطان عنق الرحم (Cervical Cancer) باهتمام كبير في الآونة الأخيرة وخاصة في الدول النامية بسبب ازدياد معدلات حدوثه والوفيات الناتجة عنه في ظل غياب التوعية الصحية والفحص الطبي المستمر، في هذا المقال سنتحدث عن أسباب سرطان عنق الرحم التي أصبحت واضحة نوعاً ما، إضافة إلى الخطوات اللازمة للوقاية من حدوث هذا السرطان وكشفه في مرحلة مبكرة.

يحدث سرطان عنق الرحم -مثل سائر السرطانات الأخرى- عندما تتكاثر خلايا منطقة ما من الجسم بشكل سريع وغير منتظم، وتنتشر لتغزو الأنسجة الطبيعية المجاورة ثم تنتقل إلى أماكن بعيدة من الجسم تدعى الانتقالات الورمية (Metastases).

يتميز سرطان عنق الرحم (لحسن الحظ) بكونه سرطاناً بطيء الانتشار، إذ يحتاج تطوره من مرحلة التبدلات قبل السرطانية (Precancerous Legions) إلى مرحلة السرطان المنتشر سنوات طويلة، وهنا يظهر دور وسائل الكشف المبكر التي ساهمت في إنقاص معدلات الإصابة في البلدان المتطورة مقارنة بدول العالم الثالث التي بدأ السرطان يزداد فيها بشكل مثير للقلق.

غالباً ما يتم تشخيص التبدلات ما قبل السرطانية في العشرينات أو الثلاثينات من العمر، مع أن السن الوسطي للإصابة بسرطان عنق الرحم هو حوالي الخمسين، ويظهر من خلال الفرق الزمني الكبيربين التبدلات ما قبل السرطانية والسرطان أن هذا الورم ذو سير بطيء وقابل للكشف المبكر والعلاج بشكل فعال عند اتخاذ التدابير الصحية الواجبة للوقاية.

animate

العوامل المؤهبة للإصابة بسرطان عنق الرحم
يبدأ هذا السرطان على شكل تبدلات غريبة متنوعة الأشكال في النسيج المبطن لعنق الرحم، وبقيت أسبابها حتى فترة قريبة غير واضحة تماماً أما اليوم قد تم تحديد عوامل الخطورة الأساسية ومنها:

  • الفيروس الحليمي البشري (Human Papilloma Virus): ندعوه اختصاراً (HPV)، وهو العامل المؤهب الأكثر أهمية في إحداث سرطان عنق الرحم، كما يصنف هذا الفيروس إلى حوالي 150 سلالة مختلفة يتم التفريق بينها باختبار التنميط الجيني (Genotype) الذي يكشف تركيب الحمض النووي للفيروس ويحدد نوعه، تكمن أهمية هذا الاختبار في كشف الأنماط الفيروسية عالية الخطورة لإحداث السرطان (وهي 13 نوعاً أهمها النمطان HPV16 و HV18 اللذان يسببان لوحدهما 70% من جميع حالات سرطان عنق الرحم والآفات ما قبل السرطانية)، أما الأنماط منخفضة الخطورة فيقتصر أذاها على إحداث الثآليل (Warts) على الجلد (بما فيها ثآليل اليدين والقدمين والوجه..).
    يعتبر وجود الفيروس (HPV) شائعاً جداً لدى البشر حتى أن 85% من الأشخاص حول العالم مصابون به، تنتقل إصاباته التناسلية عن طريق الجنس بشكل أساسي (وليس حصرياً على الجنس)، وهو يزيد أيضاً من خطورة حدوث سرطان الفم، البلعوم، الشرج، المهبل، الفرج والقضيب.
  • التدخين: عندما يدخن الشخص يقوم باستنشاق الكثير من المواد المسرطنة التي يتم امتصاصها إلى الدم لتنتشر في جميع أنحاء الجسم لذلك لا يقتصر ضرر التدخين وتأثيره المسرطن على الرئتين أو الجهاز التنفسي، وتعتبر النساء المدخنات أكثر عرضة للإصابة بسرطان عنق الرحم بضعفين عن غير المدخنات.
  • حالات ضعف المناعة: ذكرنا أن فيروس HPV واسع الانتشار حول العالم، لذلك فمن الممكن أن تكون المريضة مصابة بالفيروس في عنق الرحم ولكن الجهاز المناعي يكبح انتشار الفيروس قبل أن يسبب إصابة ظاهرة، ويجد الفيروس فرصة للانتشار وإحداث آفات قبل سرطانية عندما يمر الجسم بحالة من الضعف المناعي مثل الإصابة بفيروس العوز المناعي المكتسب (HIV) الذي يسبب الإيدز، أو عند مرضىالداء السكريوفي حالات العلاج بالأدوية الكابحة للمناعة عند مرضى زرع الأعضاء وفي بعض الأمراض الالتهابية المزمنة، أو عند الخضوع إلى عملية جراحية كبيرة أو الإصابة بمرض شديد ينهك أجهزة الجسم بما فيها جهاز المناعة.
  • أدوية منع الحمل: أظهرت بعض الدراسات ارتفاع خطورة الإصابة بسرطان عنق الرحم عند استخدام الأدوية المانعة للحمل لفترة زمنية طويلة، ولكن الخطورة تعود للانخفاض ببطء عند إيقاف مانعات الحمل وتعود إلى المستوى الطبيعي بعد حوالي 10 سنوات من إيقافها.
  • عوامل أخرى أقل أهمية: مثل السمنة والالتهابات النسائية المرتبطة بالجنس وارتفاع عدد الحمول والولادات الطبيعية وبعض الأدوية الهرمونية، إضافة إلى وجود تاريخ عائلي من الإصابة بسرطان عنق الرحم.

بعض التغيرات التي قد تشير إلى الإصابة بهذا السرطان
لا تعاني النساء المصابات بالحالات ما قبل السرطانية أو السرطانات منخفضة الدرجة من أية أعراض في العادة، أما الأعراض فتظهر غالباً حين ينتشر السرطان ويصل إلى الأنسجة المجاورة للبؤرة الأصلية، ومن هذه الأعراض:
• النزف المهبلي الشاذ: يتضمن جميع أنواع النزف المهبلي غير الطبيعي مثل النزف بعد ممارسة الجنس، النزف بعد سن اليأس، النزف في خارج أوقات الدورة الشهرية، أو الزيادة في مدة الدورة الشهرية أو
كمية النزف خلال الدورة الواحدة، كما قد يحدث النزف عند غسيل المنطقة التناسلية أو إجراء الفحص النسائي.

• خروج مفرزات غريبة من المهبل: قد تظهر مفرزات لزجة ومختلطة بالدم في خارج أوقات الدورة الشهرية أو بعد سن اليأس.

• الألم:خلال ممارسة الجنس، أو الألم المستمر في الحوض عندما يتمدد الورم.

• الفشل الكلوي: عندما ينتشر الورم ليشكل انسداداً في الطرق البولية المجاورة لعنق الرحم مما يؤدي إلى تراكم البول في الكليتين وتخرب النسيج الكلوي.

الاختبارات اللازمة لتشخيص هذا السرطان ووسائل الكشف المبكر
يعتمد العلاج الناجح لسرطان عنق الرحم على الفحص المستمر والتشخيص المبكر لكشف الأورام المحدودة قبل انتشارها أو الحالات قبل السرطانية، ومن الاختبارات المفيدة في التشخيص نذكر ما يلي:

• اختبار مسحة عنق الرحم: يدعى أيضاً اختبار لطخة بابانيكولاو (Pap Smear) ويتم عبر مسح عنق الرحم بفرشاة صغيرة لأخذ عينة من الخلايا وفحصها تحت المجهر، يعتبر هذا الاختبار أفضل إجراءات الفحص الدوري للكشف المبكر عن سرطان عنق الرحم لما يتميز به من سهولة في الإجراء إذ لا يحتاج إلى تخدير أو استخدام أدوات حادة، كما أنه لا يسبب أذية في نسيج عنق الرحم، لذلك ينصح بإجراء الاختبار مرة على الأقل كل 3 سنوات عند جميع السيدات منذ عمر 21، ويفضل إجراؤها بشكل مكثف لدى السيدات في مجموعات الخطورة عالية مثل تعاطي الأدوية الكابحة للمناعة والأدوية الهرمونية المسببة للسرطان.
يتم تصنيف مسحة عنق الرحم إلى عدة درجات تبدأ من اللطخة السليمة مروراً بالتبدلات الالتهابية والتبدلات الورمية المتوضعة داخل بشرة عنق الرحم (CIN)ثم مرحلة السرطان الموضعي (CIS)، فإذا كانت اللطخة سليمة لا داعي غالباً لإجراءات إضافية حتى الفحص المقبل، أما إذا لم تكن سليمة يجب القيام بإجراءات إضافية.
من أجل الحصول على أدق نتيجة ممكنة من اختبار اللطخة: حاولي حجز موعد الفحص في موعد خارج التوقيت المتوقع للدورة الشهرية، وتجنبي استخدام حبوب منع الحمل أو ممارسة الجنس أو استخدام أية أدوية أو مستحضرات مرطبة مهبلية لمدة يومين على الأقل قبل موعد الفحص.

• اختبار الحمض النووي لفيروس HPV: بما أن فيروس HPV هو المسؤول الأول عن سرطان عنق الرحم، يقوم الأطباء من خلال مجموعة من اختبارات التنميط الجيني (Genotype) بكشف الفيروس ضمن خلايا عنق الرحم وتحديد نمطه إن وجد، كما من الممكن فحص الثآليل في منطقة عنق الرحم أو الفرج أو المهبل ومعرفة نمط الفيروس المسبب لها إن كان مرتبطاً بالسرطان أم لا، فهذا يلعب دوراً كبيراً في تقرير خطة العلاج.

• تنظير وخزعة عنق الرحم:إذا أظهر اختبار المسحة نتائج غير نموذجية أو إذا ظهرت أعراض تدعو للشك، يتم إجراء هذا الاختبار الذي يعتمد على إدخال أنبوب مزود بكاميرا داخل المهبل لمشاهدة عنق الرحم عن كثب وملاحظة التغيرات الحاصلة ضمنه، كما يمكن أخذ خزعة (Biopsy) أي عينة من النسيج المشكوك بإصابته وفحصها تحت المجهر، وبالرغم من كون اختبار التنظير والخزعة أعلى دقة مقارنة باختبار المسحة (Pap Smear) إلا أنه مزعج للمريضة وغير عملي للإجراء على نحو دوري خاصة عندما لا يوجد عوامل خطورة تستوجب إجراءه.

• تجريف بطانة عنق الرحم (Endocervical curettage): يدعى هذا الاختبار أيضاً باسم كورتاج عنق الرحم، ويعتبر مفيداً عندما لا يفيد التنظير في رؤية المنطقة الانتقالية (وهي المنطقة الأكثر عرضة للتحول الخبيث في عنق الرحم) إذ يتم كشط الطبقة المبطنة لعنق الرحم وفحص الخلايا المأخوذة منها للبحث عن تبدلات ورمية.
 

الأجوبة حول أكثر الأسئلة تكراراً
كثر الحديث خلال السنوات الأخيرة حول سرطان عنق الرحم وطريقة انتقاله، وهذا ما أثار الجدل حول أسبابه وطرق الوقاية منه منها:
هل زوجي يخونني إذا أصابني سرطان عنق الرحم أو التقطت الفيروس HPV منه؟ ذكرنا في السابق أن الفيروس HPV هو السبب الأكثر شيوعاً للإصابة بسرطان عنق الرحم كما أنه ينتقل بشكل أساسي عن طريق الجنس ويزداد انتشاره في حالات تعدد الشركاء الجنسيين كما في الخيانة الزوجية، ولكن انتقاله ليس حكراً على الممارسة الجنسية إنما يعتمد على التماس الجلدي بين منطقة مصابة وأخرى سليمة، حتى أنه قد يكون موجوداً منذ الطفولة بدون أعراض ويظهر لاحقاً خلال الحياة عندما تحدث ظروف مناسبة لتفعيل الفيروس.

• هل من الممكن الوقاية من سرطان عنق الرحم؟ لا يوجد طريقة واحدة لمنع الإصابة بشكل مؤكد، ولكن المشاركة بين طرق الوقاية المختلفة تفيد في تقليل نسبة الخطورة بشكل كبير، مثل المتابعة الدورية بالفحص النسائي ولطاخة عنق الرحم إضافة إلى استخدام الواقي الذكري وأخذ لقاح الفيروس الحليمومي البشري (HPV Vaccine) الذي يقوي مناعة الجسم ضد الأنماط الخطيرة من الفيروس ويؤمن حماية جيدة ضد سرطان عنق الرحم.

ما هو علاج سرطان عنق الرحم؟ يعتمد العلاج على مرحلة الورم بشكل أساسي، فقد يكون الورم قابلاً للاستئصال بشكل تام للورم والأنسجة المحيطة به في المراحل المبكرة أو حتى تخثير البؤرة الحاوية على آفة قبل سرطانية بواسطة المخثر الكهربائي دون الحاجة لاستئصال أي نسيج إضافي، أما عندما يتجاوز الورم المرحلةَ القابلة للاستئصال الجراحي تصبح المعالجة الشعاعية جحر الأساس في العلاج لكبح امتداد الورم وانتقاله إلى بؤر جديدة في الأعضاء الأخرى.

• هل يمكن اعتبار سرطان عنق الرحم مرضاً وراثياً؟ يزداد احتمال الإصابة بسرطان عنق الرحم عند وجود إصابات في العائلة مما يشير إلى دور العوامل الوراثية في زيادة الأهبة للإصابة أو المقاومة ضدها، ولكن هذا لا يكفي لاعتباره مرضاً وراثياً إذ تعتبر الأسباب غير الوراثية أكثر أهمية بكثير من العامل الوراثي.

• ما هي مدة حياة الفيروسHPV؟ ومتى يتم الشفاء والتخلص منه؟من المعروف أن الإصابات الفيروسية تختلف عن باقي الطفيليات بصعوبة القضاء على جميع الفيروسات داخل جسد المريض، إذ يبقى دوماً عدد من الفيروسات مندمجاً بالحمض النووي للخلايا الحية ومختبئاً من جهاز المناعة، لذلك يمكن أن تتفعل الفيروسات في وقت لاحق وتسبب إصابات جديدة، كما تعتبر هذه المرونة المذهلة واحدة من أسباب الانتشار العالمي الواسع للفيروس.

هل يمكن أن ينتقل الفيروس من الأم إلى الجنين؟ من الممكن أن ينتقل الفيروس من عنق رحم الحامل أو مهبلها إلى أي منطقة من جسم الطفل خلال الولادة الطبيعية، لذلك ينصح دوماً بإجراء الولادة القيصرية لدى السيدات اللواتي يعانين من الثآليل التناسلية أو الأورام الموضعية المرتبطة بالـ HPV.

وفي الختام.. نرى أن سرطان عنق الرحم -على الرغم من كونه واحداً من أشيع الأورام النسائية وخاصة في الدول النامية- هو مرض قابل للتشخيص المبكر والوقاية في معظم الحالات، وهنا يبرز دور الثقافة الصحية ونشر الوعي حول طرق الوقاية منه، والمواظبة على إجراء اختبارات الكشف المبكر لتشخيص الإصابات قبل الورمية قبل أن تكون سبباً للقلق والخطر.