التقليد عند الأطفال بين اللعب ووظيفة التعلم

سر التقليد عند الأطفال، لماذا يقلد الأطفال ومن يقلد الطفل؟ ما هي الأشياء التي تغري الأطفال لتقليدها؟ وما هي فوائد وسلبيات التقليد والمحاكاة عند الأطفال؟ ثم كيف يمكن توجيه التقليد عند الأطفال للاستفادة منه في أهداف تربوية وتعليمية؟
التقليد عند الأطفال بين اللعب ووظيفة التعلم
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

كثيراً ما ينعت الطفل ويوصف بأنه كالببغاء في التقليد، ولكن مع فارق أن الببغاء يقلد الأصوات كما هي، أما الطفل فهو يقلد كل شيء الأصوات والكلام والشخصيات والتصرفات والسلوكيات وحتى ردات الفعل أو المواقف ووجهات النظر، وفي بعض الأحيان يقلد صفات معينة لدى أحد الأشخاص ويتقمصها، وقد يصل فيه الأمر في بعض الأحيان إلى تقليد الحيوانات في أصواتها وطريقة سيرها أو طعامها وجميع سلوكياتها، فهذا التقليد يعطي للطفل الفرصة لاختبار كل عالمه وتجريبه في الواقع، ولا نبالغ في القول أن الأطفال في بعض الأحيان يطورون ما يقلدونه ويضعون لمساتهم أثناء تكرار الأشياء التي تعجبهم.
فما هو سر التقليد والمحاكاة عند الأطفال؟ وكيف يمكن أن يستفيد الأهل من التقليد عند الأطفال؟ وهل يعتبر التقليد عند الطفل مشكلة تحتاج إلى العلاج؟ أم أن التقليد والمحاكاة جزء من نمو الطفل يجب تعزيز إيجابياته وتجنب سلبياته؟
 

هو عملية محاكاة لموقف أو شخصية معينة، وتماهي مع صفات وخصائص الشخص أو الشيء الذي يقلده، وفيه يجد الطفل المتعة في تكرار وتقليد خصائص الشخصية أو الموقف الذي يقلده والصورة التي يعكسها، ويمارس هذا التقليد وظيفة تعليمية من حيث أنه يسمح للطفل بتجريب واختبار مواقف لاحظها ونالت إعجابه، أو محاكاة شخصيات أثرت فيه.

animate

بين المتعة واللعب، أو المحبة والإعجاب، أو التعلم والتجريب، تتعدد دوافع وأهداف الطفل في تقليده لبعض الأشخاص وتصرفاتهم وسلوكياتهم أو بعض الأشياء في صفاتها وميزاتها، فالتقليد هو وظيفية نفسية وعقلية غايتها التعلم واكتساب الخبرات، وأسلوبها التكرار والتماهي والمحاكاة.
وهنا يمكن الحديث عن الأسباب والعوامل التي تدفع الطفل إلى سلوك التقليد ومنها:
أهداف وأسباب مباشرة للتقليد والمحاكاة عند الأطفال
- المتعة واللعب والتسلية:
فالنسبة للأطفال يمثل التقليد نوع من اللعب والتسلية، وهذا اللعب يعطيهم شعور بالمتعة وهم يجربون بعض الأدوار والمواقف والأشياء التي تعجبهم ويجدون فيها ما يجذبهم ليقلدوه.
- المحبة: أما الدافع الذي يحدد من يرغب الطفل بتقليده فهو درجة ومعيار محبته له، فمن جهة يقلد الطفل الأشخاص الذين يحبهم ويجد معهم صفات مشتركة من منطلق الاقتداء بهم والتماهي مع صفاتهم، ومن جهة أخرى قد يقلد الأطفال شخصاً يكرهونه بدافع السخرية من تصرفاته.
- الاقتداء والإعجاب: قد يعجب الطفل بإحدى الشخصيات الأسطورية في برامج الأطفال أو الألعاب والروايات ويقلد هذه الشخصية بقصد التشبه بها وبصفاتها البطولية أو الجمالية.
- تحقيق بعض الأهداف المحببة: مثل نيل الإطراء والإعجاب أو إضحاك الآخرين ولفت انتباههم أو تمثيل الأحلام والأفكار التي يتمناها ويطمح إليها.
- الظهور بمظهر الكبير: فمن أكثر الأشياء التي تغري الأطفال هي التي تجعلهم يبدون وكأنهم كبار ناضجون، ويدفعهم هذا إلى تقليد سلوك الكبار عموماً وطريقة كلامهم وربما اهتماماتهم.

أسباب غير مباشرة لتقليد الأطفال
- التعلم:
فكما سبق وذكرنا فإن التقليد يمارس وظيفة تعليمية لدى الأطفال من خلال إتاحة الفرصة لهم ليضعوا أنفسهم مكان الشخص أو الموقف الذي يقلدونه ومن ثم فهم ظروف وأفكار الآخرين. 
- الغيرة: قد يقلد الطفل بعض الأشخاص الذين يشعر بالغيرة منهم كونهم يملكون أشياء أو صفات ليست لديه، وهو من خلال تقليده لهم يشعر وكأنه مكانهم ويحصل على ما يحصلون عليه.
- بناء الهوية الذاتية: حيث أن الطفل من خلال التقليد يتعرف على الفروق بينه وبين الآخرين وهنا يمارس التقليد وظيفة نفسية لدى الطفل في بناء هويته الذاتية وشخصيته الاجتماعية وتمييزها عن شخصيات وهويات الآخرين.
- البحث عن الشبيه: يرغب الطفل في التعرف على من يشبهه ويحمل صفات وخصائص قريبة إليه، وتمثل هذه الرغبة دافعاً لديه ليقلد الآخرين ويتعرف على صفاتهم.
- اختبار بعض المواقف: يتيح التقليد أمام الطفل الفرصة لكي يجرب بعض المواقف التي يرغب بفهمها والتعرف عليها وبعض الأدوار الاجتماعية التي يلاحظها كدور الأم أو الأب والخال والعم أو المعلم.
 

بعض الأشخاص أو الأشياء وأنماط السلوك والاستجابات تعد أكثر إغراءً ورغبة في تقليدها من قبل الطفل، سواء لأنه يرى فيها ما يعجبه ويشعر بالمتعة في تقليده ومحاكاته أو لأنه يشعر بالمحبة والإعجاب والاقتداء تجاه من يقلده.

الأشخاص الذين يرغب الطفل في تقليدهم
- أفراد الأسرة الوالدين أو الأخوة:
للعديد من الأسباب وأهمها محبته لهم أو غيرته من بعضهم أو كثافة اتصاله بهم وتعامله معهم؛ فإن أكثر الأشخاص الذين يرغب الطفل في تقليدهم هم أفراد أسرته، فتقلد الفتاة أمها في طريقة لبسها أو بعض أعمالها ويقلد الذكر والده في حركاته وتصرفاته وطريقة كلامه.
- المعلم أو المدرب: في كثير من الأحيان تنال شخصيات معلمي المدرسة أو المدربين على اختلاف اختصاصاتهم إعجاب التلاميذ لديهم، وهذا ما يدفع الأطفال لتقليدهم بغية التماهي مع شخصياتهم وتجربة لعب دورهم.
- أحد أفراد أو أصدقاء العائلة: كالعم أو الخال أو الخالة أو العمة فقد يجد الطفل في شخصية هؤلاء سبباً لتقليده كالإعجاب به أو حتى المتعة في تقليده، أو إثارة إعجاب الأهل عند تقليد أحد الأقارب.
- تقليد الأطفال لأطفال آخرين: لدوافع عدة كالغيرة أو اللعب وتمثيل الأدوار؛ يلجأ الأطفال لتقليد شخصيات وتصرفات أقرانهم وسلوكهم وردود أفعالهم إزاء بعض المواقف.
- شخصية أسطورية تلفزيونية أو ملحمية: حيث أن بعض هذه الشخصيات تحمل صفات البطولة كالقوة والشهامة والمحبة والجمال تجعلها تنال إعجاب الأطفال، وقد يسعى الطفل لتقليد هذه الشخصيات في صفاتها أملاً بنيل ما تناله من إعجاب وإطراء ومحبة الآخرين.

الأشياء التي يقلدها الأطفال بكثرة
- تقليد مواقف وأدوار اجتماعية:
فالطفل يجرب كل الأدوار الاجتماعية المحيطة به ويقلدها، مثل دور المعلم أو الأب والأم أو الشرطي أو المذيع التلفزيوني.
- تقليد الأطفال للحيوانات: بعض الأطفال وبدافع اللعب والتسلية قد يقلدون أصوات الحيوانات وتصرفاتها وطريقتها في الطعام والشراب أو المشي.
- تقليد مشاهد تلفزيونية: الكثير من المشاهد التلفزيونية والتي تعرض مواقف درامية مؤثرة أو رومنسية وبطولية، تنال إعجاب الطفل وتحفز لديه دافعاً لتقليدها.
- تقليد في الرسم أو الغناء أو طريقة الكلام: فالطفل يقلد كل شيء ويختبره من خلال هذا التقليد فكل شخص لديه خاصية أو صفة أو موهبة معينة فهي عرضة للتجريب والتقليد من قبل الأطفال.
 

إذاً لا نبالغ إذا قلنا أن التقليد يمكن اعتباره منهج تعليمي، وهذا المنهج يتصف بأنه تلقائي من حيث الخيارات التي تغري الطفل كي يتعلمها، وكون هذه الخيارات عفوية وخارجة عن السيطرة فإنها قد تنعكس سلباً أو إيجاباً من حيث آثارها على الأمور التي يتعلمها الطفل، فقد يتعلم من خلالها الكثير من الأشياء والعادات أو السلوكيات الجيدة من ناحية، وقد يحاكي تصرفات ومواقف وأنماط سلوكية مرفوضة وضارة من ناحية أخرى، ويمكن إجمال هذه الآثار الناتجة عن التقليد كما يلي:


النتائج الإيجابية لسلوك التقليد عند الأطفال
- اختبار مواقف الحياة الجدية:
وتجريبها بجميع ظروفها ومتغيراتها بطريقة غير مؤذية، تعرف الطفل بطبيعة هذه المواقف وما قد تتطلب من ردود أفعال وتصرفات.
- تحديد وتكوين الهوية الذاتية: من خلال التقليد يتمكن الطفل من التميز بين ذاته وذات الآخرين وبالتالي تحديد الفرق بينهما وفهم الاختلاف بين رغباته وحاجاته ورغبات الآخرين، ومن خلال هذا يتعرف الطفل على ذاته ويكون هويته.
- تعلم الكلام واللغة والمهارات الحركية: عندما يقلدنا الطفل فيما يلاحظه من طرق كلامنا وإجاباتنا ونطقنا للكلمات، فإنه ومن خلال الملاحظة والتكرار يتعلم النطق والتحدث بالطريقة الصحيحة.
- تحديد الدور الجنسي والاجتماعي: فالطفل يتعرف من خلال التقليد على هويته الذاتية وشخصيته الاجتماعية وبالتالي دوره وموقعه في هذا المجتمع، فيتعرف مثلاً على جنسه عندما يلاحظ ويحاكي التشابه بينه وبين والده من نفس الجنس، كما يتعرف على ما هو مطلوب منه في المجتمع بالنسبة لعمره وجنسه وترتيبه بين أخوته.
- التقليد له فوائد في التحفيز على الدراسة: مثل حالات الغيرة والتقليد بين الأقران، فالطفل عندما يشعر بالغيرة من زميله المتفوق فإن هذا الشعور سوف يمثل حافز لديه لتقليد التفوق الذي يلاحظه.

سلبيات أو مضار التقليد
- استخدام بعض الأدوات الخطيرة:
أثناء تقليد الكبار مثل الغاز أو السكين أو الأوبر والشفرات.
- في مرحلة الطفولة المتأخرة قد يقوم الطفل بأشياء خطرة: كمحاولة تقليد الكبار فيقوم بسرقة السيارة وقيادتها أو التدخين أو تعاطي الخمور والمخدرات. فضلاً عن تقليد الشخصيات التلفزيونية والكرتونية الخارقة.
- اكتساب بعض السلوكيات السيئة: عن طريق ملاحظتها لدى الشخصيات موضوع التقليد مثل الإهمال أو السلوكيات العدوانية والغضب أو العناد.
- تقليد بعض القيم الخاطئة: يحدث هذا عندما يقلد الطفل أشخاصاً ليسوا على صفات حميدة، كرمي الأوساخ في غير مكانها أو السلوكيات التخريبية.
- التدخل في بعض الأمور التي لا تناسب سن الطفل: ومن أكثر هذه الأمور انتشاراً ملاحظة تدخل الأخ الأكبر في شؤون الأصغر منه وكأنه والدهم، أو التدخل في بعض أحاديث وأمور الكبار التي لا تعنيه.
 

توجيه سلوك التقليد عند الأطفال نحو أهداف تربوية
الطفل يقلد الأشياء التي أحبها ونالت إعجابه ومن هنا وإذا أحسن استخدام هذه الخاصية يمكن توجيه سلوك الأطفال وأفعالهم إلى أمور مفيدة على الصعيد التربوي والتعليمي عن طريق الملاحظة والاختبار، فهو يقلد بشكل شبه حرفي تقريباً وعندما يعجبه سلوك أو صفة معينة لدى أحد الأشخاص فإنه سوف ينتظر الفرصة الأولى ليقلد هذا السلوك ويعيد تكراره، ومن هنا كان من الممكن توجيه سلوكيات الأطفال عبر التقليد عن طريق اتباع عدة خطوات:


- الانتباه جيداً لتصرفات الأهل أمام أطفالهم: فالطفل شديد الملاحظة لجميع التصرفات والسلوكيات التي تصدر عن والديه سواءً كانت جيدة أو سيئة وهو باستمرار يحاول تقليد ما لاحظه وتعلمه منهم.
- تعريض الأطفال لنماذج سلوكية جيدة ومحببة وتحفزيهم لتقليدها: في برامج الأطفال أو القصص والروايات والحواديت الشعبية الكثير من الشخصيات ذات الصفات الحميدة، ويمكن من خلال الربط بين صفاتها وسلوكيات الطفل تحفيزه على تقليد تصرفاتها وخصائصها الجيدة. 
- استخدام أسلوب الثواب والعقاب في تحفيز بعض السلوكيات: فعند تقليد الطفل لأحد النماذج السلوكية الجيدة يجب تحفيزها وربطها بشيء محبب بالنسبة إليه والعكس صحيح فعندما يظهر تصرفات وسلوك خاطئ يجب معاقبته أو منعه أو إخافته من مثل هذه السلوكيات.
- يمكن أن يتعلم الطفل العادات الجيدة من خلال التقليد: كالنظافة وغسيل الوجه والأسنان والترتيب والنظام وعادات النوم والاستيقاظ باكراً أو الالتزام بالمواعيد والواجبات المنزلية أو المدرسية.
- استخدام الغيرة للتحفيز: ولكن بطريقة مدروسة ومدركة كالغيرة من أحد الأقران لتحفيزه على النجاح بدراسته، والتقليد في التفوق والقيام بالواجبات على أكمل وجه.

التقليد هو نمط سلوكي أو ردة فعل يقوم بها معظم الأطفال، وهذا النمط أو يكون مفيد أو ممتع ومضحك في بعض الأحيان، أو يكون مزعج ومضر في أحيان أخرى، فمن جهة قد يختصر الكثير من الجهد والوقت لتعليم الطفل بعض السلوكيات والتصرفات والعادات المرغوبة والمفيدة، ومن جهة أخرى قد يتمادى الطفل ويتجاوز حدوده وهو يقلد بعض الأشخاص أو الأشياء أو قد يؤدي التقليد إلى نتائج عكسية من حيث تعلم الطفل لسلوكيات وعادات خاطئة ومرفوضة، وذلك تبعاً لما يلاحظه الطفل عند الكبار ويقلده من سلوكيات وتبعاً للتعزيز أو التشجيع الذي يجده نحو بعض تصرفاته دون الأخرى.