تأثير الذكاء الصناعي على فرص العمل ومعدلات البطالة

من أكثر المجالات التي يتم الحديث فيها حول أثر الذكاء الصناعي، هي تلك الآثار لتطوره على أسواق العمل وفرص التوظيف ومعدلات البطالة، فالذكاء الصناعي كغيره من منعطفات التطور سوف يؤدي لاندثار نوع من المهن وخلق مهن جديدة، وسوف يقلل الحاجة للعنصر البشري في بعض الوظائف والأعمال، في هذا المقال نناقش تأثيرات الذكاء الصناعي على سوق العمل ومعدلات البطالة المرتبطة به.
في دراسة راجعت البيانات والمعلومات بين عامي 2005 و2021 عن اتجاهات الذكاء الصناعي وعلاقتها بالبطالة تبيّن أن الذكاء الصناعي يقلل من البطالة! لكن ذلك كان قبل مفاجأة نماذج الذكاء الصناعي المتطورة في عام 2023، حيث أشار تقرير منشور في منصة CNBC الشهيرة أن 29% من الموظفين يعتقدون أن مهامهم قابلة للاستبدال بالذكاء الصناعي، فيما يرى 37% من المدراء أن الذكاء الصناعي سيحل مكان الموظفين!
حتى الآن ما زال تأثير الذكاء الصناعي على الوظائف والعمل ومعدلات البطالة غير واضح تماماً، وهناك من يرى أن الذكاء الصناعي سيكون سبباً في رفاهية الموظفين وتقليل المجهود وخلق فرص عمل جديدة، فيما يرى آخرون أننا مقبلون على عصرٍ مختلف تعمل فيه الآلة ولا يعمل فيه الإنسان!

يشهد العالم تحولاً جذرياً في سوق العمل نتيجة التطورات المتسارعة في مجال الذكاء الاصطناعي، حيث أصبحت الأتمتة، وتحليل البيانات الضخمة، والتعلم الآلي عوامل رئيسية في إعادة تشكيل ديناميكيات الوظائف، حيث يُسهم الذكاء الاصطناعي في تحسين الكفاءة التشغيلية، وتسريع تنفيذ المهام، وتقليل الأخطاء البشرية، ما يعزز الإنتاجية في العديد من القطاعات، ومع ذلك يثير هذا التقدم تساؤلات جوهرية حول تأثيره على معدلات البطالة وسوق العمل والمهارات المطلوبة مستقبلاً.
فمن المتوقع أن تشهد بعض المهن التقليدية تراجعاً أو اندثاراً نتيجةً لأتمتة المهام المتكررة أو التي تعتمد على معالجة البيانات بالاعتماد على الذكاء الصناعي، على سبيل المثال، ستتأثر الوظائف في خطوط الإنتاج والتوزيع، والعمليات المالية والمحاسبية، وخدمات العملاء التقليدية، والمهن التي تعتمد على التحليل النمطي للبيانات، حيث يمكن للخوارزميات الذكية تنفيذ هذه المهام بدقة وسرعة تفوق القدرات البشرية، وفي المقابل، ستبرز الحاجة إلى وظائف جديدة تتطلب مهارات إبداعية، وتفكير استراتيجي، وقدرة على التعامل مع التكنولوجيا المتقدمة.
تشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي لن يُلغي المهن والأعمال بقدر ما سيعيد هيكلتها، ما يتطلب إعادة توجيه القوى العاملة نحو مهارات أكثر توافقاً مع العصر الرقمي، ستزداد أهمية التخصصات المتعلقة بتطوير الذكاء الاصطناعي نفسه، مثل هندسة البرمجيات، وعلوم البيانات، وأمن المعلومات، بالإضافة إلى المجالات الإبداعية مثل تصميم المحتوى، والإنتاج الفني، وإدارة الذكاء الاصطناعي في البيئات الصناعية والتجارية.
وفي ظل هذه التحولات، أصبح من الضروري أن تتبنى الحكومات والمؤسسات التعليمية استراتيجيات استباقية لمواكبة هذه التغيرات، من خلال تعزيز برامج التدريب المستمر، وإعادة تأهيل القوى العاملة، وتطوير مناهج تعليمية تركز على مهارات التفكير النقدي، والإبداع، والمرونة التقنية، كما أن إنشاء بيئات عمل مرنة تتيح للموظفين التكيف مع التطورات التكنولوجية سيصبح عاملاً حاسماً في دعم استدامة الوظائف المستقبلية.
رغم المخاوف من ارتفاع معدلات البطالة نتيجة لأتمتة الوظائف، تشير الدراسات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيسهم أيضاً في خلق فرص عمل جديدة، حيث يتوقع المنتدى الاقتصادي العالمي أن تُستحدث الكثير من الوظائف بحلول عام 2030، خصوصاً في القطاعات التي تستفيد من تقنيات الذكاء الاصطناعي بدلاً من استبدال القوى العاملة البشرية بها، لذا فإن التحدي الحقيقي يكمن في سرعة تبني المهارات الجديدة، وليس في فقدان الوظائف بحد ذاته.
في النهاية يمكن القول أن المستقبل لن يكون محكوماً باختفاء الوظائف بقدر ما سيكون مرتبطاً بمدى قدرة الأفراد والمجتمعات على التكيف مع الثورة الصناعية الرابعة، التكنولوجيا ليست عدو، بل أداة يمكن تسخيرها لدفع عجلة التطور البشري إذا ما أُحسن استخدامها.
يؤثر الذكاء الاصطناعي بشكل كبير على بيئة العمل، مما يجعله عاملًا رئيسياً في تحسين الأداء وزيادة الكفاءة، وبالتالي تقليل فرص العمل في عدة مجالات بسبب أداءه الأفضل والأقل تكلفة، إليك كيف يحدث ذلك:
- يسرّع العمل: من خلال الأتمتة الذكية ينجز الذكاء الاصطناعي المهام المتكررة بسرعة فائقة، مما يقلل من الوقت المستغرق في بعض الأعمال خاصة تلك التي تعتمد على العمليات التقليدية.
- يزيد إتقان العمل: يساعد الذكاء الصناعي في تحسين دقة العمل عبر تقليل الأخطاء البشرية، خاصة في المجالات التي تتطلب حسابات معقدة أو تحليلات دقيقة، أو تتضمن عمليات متكررة نموذجية لا تحتاج لإبداع أو حدس بشري.
- يزيد الإنتاجية: يساعد الذكاء الصناعي في تحسين الكفاءة في العمل من حيث السرعة والاتقان والعمل المتواصل، وهذا يساهم بشكل كبير في زيادة الإنتاجية بسبب التخلص من عوائق مثل الظروف التي يتعرض لها الإنسان من تعب أو إهمال أو حالة نفسية وعاطفية تؤثر على الإنتاجية.
- تقليل تكاليف العمل: من خلال تقليل الحاجة إلى القوى العاملة في المهام الروتينية وزيادة الانتاجية، يساعد الذكاء الاصطناعي الشركات على تقليل التكاليف التشغيلية وتحقيق أقصى استفادة من الموارد.
- تسهيل الوصول للمعلومات: من فوائد الذكاء الصناعي أنه يسهل للوصول للمعلومات من خلال استخدام تقنيات البحث الذكية والتحليل الفوري، حيث يمكن للموظفين الوصول إلى المعلومات والبيانات بسرعة، وهذا يسهل عمليات اتخاذ القرار، وبالتالي تحسين الأداء في العمل.
- التقليل من الأخطاء: يقلل الذكاء الاصطناعي من الأخطاء الناتجة عن التدخل البشري، خاصة في المجالات التي تتطلب دقة عالية، مثل الحسابات والبرمجة والتحليل المالي.
يمكن القول أنه يوجد تأثير مزوج للذكاء الصناعي على الوظائف التي يقوم بها الإنسان، فمن ناحية هو يساهم في خلق فرص عمل جديدة في مجالات متقدمة مثل تحليل البيانات الضخمة، تطوير الخوارزميات، أمن المعلومات، وهندسة الذكاء الاصطناعي، وهذا أدى إلى زيادة الطلب على المهارات التقنية والتكنولوجية المتقدمة، ومن ناحية أخرى أدى الاعتماد المتزايد على الأتمتة والروبوتات إلى استبدال العديد من الوظائف التقليدية، خاصة تلك التي تعتمد على المهام النمطية والمتكررة، مثل عمليات التصنيع، وإدخال البيانات، وخدمة العملاء الروتينية.
فقد أصبح من الواضح أن الوظائف التي تعتمد على إجراءات مكررة أو مهام يمكن برمجتها تخضع بشكل متزايد للأتمتة، يقلل الحاجة إلى العمالة البشرية في بعض القطاعات، على سبيل المثال تعتمد العديد من الشركات اليوم على أنظمة الذكاء الاصطناعي في تحليل المعاملات المالية، وإجراء التشخيصات الطبية، وإدارة المخزون، والتعامل مع استفسارات العملاء عبر روبوتات المحادثة، وتشير التوقعات إلى أن بعض الوظائف مثل موظفي خدمة العملاء، وسائقي الشاحنات، وموظفي إدخال البيانات قد تكون الأكثر عرضة للاستبدال خلال العقد القادم.
ومع ذلك فإن الذكاء الاصطناعي يُسهم أيضاً في خلق وظائف جديدة تتطلب مهارات متقدمة في البرمجة، تطوير النماذج الذكية، وأمن المعلومات السيبراني، إلى جانب ذلك تظهر الحاجة المتزايدة إلى متخصصين قادرين على تفسير وتحليل مخرجات أنظمة الذكاء الاصطناعي، وضمان توافقها مع المعايير الأخلاقية والقانونية، كما أن مجالات مثل تطوير الذكاء الاصطناعي التوليدي، وصناعة المحتوى الرقمي، والروبوتات الذكية أصبحت تفتح آفاقاً جديدة لفرص عمل مبتكرة.
ومن منطلق آخر فإلى جانب تأثيره على الوظائف التقليدية، يفتح الذكاء الاصطناعي الباب أمام ظهور أفكار جديدة لمشاريع ريادية، فمن خلال الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، يمكن للأفراد والشركات الناشئة إنشاء حلول مبتكرة في مجالات مثل تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والتجارة الإلكترونية الذكية، وحتى إنشاء محتوى إعلامي وتحليلات متقدمة للسوق، وبالتالي فإن التحدي الرئيسي لا يكمن في استبدال الوظائف بقدر ما يتمثل في إعادة تشكيل سوق العمل، وتهيئة الأفراد لاكتساب المهارات التي تواكب هذا التحول.
وهذا يجعل الشركات والحكومات والمؤسسات بمختلف أنواعها بحاجة إلى استراتيجيات دمج الذكاء الاصطناعي في بيئة العمل دون إقصاء العنصر البشري، بل من خلال تعزيز التعاون بين الإنسان والآلة لتحقيق أقصى درجات الإنتاجية والابتكار.

غالباً ما سوف يؤدي تطور الذكاء الصناعي لخلق تغيير في نوع الموارد البشرية لمطلوبة في بعض الأعمال، حيث يوجد موارد سوف يقوم بدورها الذكاء الصناعي بشكل جزئي أو كلي، ويوجد موارد سوف يحتاجها مستقبلاً لمواكبة التطور وفرص العمل والوظائف الجديدة التي تتطلب القدرة على التعامل مع تقنيات الذكاء الصناعي:
- زيادة الحاجة للمطورين: مع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي يزداد الطلب على المطورين والمتخصصين في برمجة الأنظمة الذكية، حيث تحتاج الشركات إلى مهارات هندسة البرمجيات، وتعليم الآلة، وتحليل البيانات لتطوير حلول مبتكرة.
- زيادة الحاجة للمبدعين: رغم قدرة الذكاء الاصطناعي على تنفيذ المهام الروتينية، إلا أن الإبداع يبقى عنصراً إنسانياً لا يمكن استبداله، لذلك تزداد الحاجة إلى المصممين، والكتّاب، والمبتكرين في مجالات التسويق والإعلام وصناعة المحتوى الفريد.
- تراجع الحاجة للأعمال النمطية: تقل الحاجة إلى أصحاب الأعمال أو الوظائف أو الحرف التقليدية مثل إدخال البيانات، والعمل في خطوط الإنتاج، والمهام المتكررة، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي قادراً على تنفيذها بسرعة ودقة أعلى، ما يدفع الشركات نحو الأتمتة.
- توجه القوى العاملة للجوانب التي تحتاج مهارات بشرية خاصة: مع تقلص الوظائف النمطية تتجه القوى العاملة نحو مجالات تعتمد على الذكاء العاطفي، والتواصل الإنساني، وحل المشكلات الإبداعي، مثل الاستشارات، وخدمة العملاء المتخصصة، والإدارة، حيث يبقى التفاعل البشري أمراً لا يمكن الاستغناء عنه في هذه المجالات.
- تغيير معايير التوظيف: سوف يؤدي الذكاء الصناعي لتغيير في معايير التوظيف واختيار العمال والموظفين، بسبب تغير المهارات المطلوبة في سوق العمل، حيث أصبح التركيز أكثر على المهارات التقنية مثل تحليل البيانات، التعلم الآلي، وإدارة الأنظمة الذكية، وزادت الحاجة إلى مهارات التفكير النقدي، والإبداع، والتكي ، حيث تتولى الآلات المهام الروتينية، كما ارتفع الطلب على ما يعرف بالمهارات اللينة (Soft Skills) مثل التواصل الفعّال، حل المشكلات، والعمل الجماعي، لأن الذكاء الصناعي لا يستطيع استبدال الحس الإنساني بالكامل.
- هل سيؤثر الذكاء الاصطناعي على الوظائف؟ بالطبع سوف يكون للذكاء صناعي تأثيرات عديدة ومن أكثر من جانب على الوظائف والتوظيف، فبعض الوظائف سوف يتم فيها الاستغناء عن البشر كلياً أو جزئياً، بينما سوف تظهر الحاجة لنوع آخر من الوظائف والمهارات.
- كيف يؤثر الذكاء الاصطناعي على مستقبل العمل؟ يؤثر الذكاء الصناعي على مستقبل العمل من خلال دخوله لبعض المجالات والقيام ببعض المهام التي كان يقوم بها البشر وغالباً بدقة أعلى وسرعة أكبر، وهذا سوف يكون له تأثير سلبي على العالمين بهذه المهن، ولكن سوف يزيد الإنتاجية ويرفع الكفاءة.
- من المهن المهددة بالاندثار؟ أكثر المهن المهددة بالاندثار في ظل تطور الذكاء الصناعي، هي المهن التي يعتبر الذكاء الصناعي شكل مطور لها وبالتالي سوف يتم فقدان الحاجة لها، أو المهن التي سوف يدخل فيها الذكاء الصناعي ويؤدي للاستغناء على العمالة البشرية خاصة بالنسبة للمهن التي تتضمن عمليات متكررة ومنتظمة ولا تحتاج للإبداع والحدس البشري.
- ما تأثير الذكاء الاصطناعي على النمو الاقتصادي؟ يؤثر الذكاء الصناعي على النمو الاقتصادي بصور عديدة، حيث خلق الذكاء الصناعي العديد من مجالات العمل بالنسبة للشركات التي تعمل على تطوير تطبيقات أو اختراعات تعتمد على الذكاء الصناعي، أو من خلال الدخول في بعض مجالات العمل وتحسين الإنتاجية فيها، وفي نفس الوقت فإنه سوف يؤدي لتغيرات في سوق العمل، بما يؤثر على معدلات البطالة في مهن معينة، وخلق فرص عمل جديدة.