أحلام اليقظة عند المراهقين ودورها في تكوين شخصية المراهق

ما هي أحلام اليقظة؟ ما هي أسباب الشرود والسرحان عند المراهقين؟ كيف تساعد أحلام اليقظة على تطوير الشخصية؟ وكيف يمكن أن تؤثر سلباً على الحياة؟
أحلام اليقظة عند المراهقين ودورها في تكوين شخصية المراهق

أحلام اليقظة عند المراهقين ودورها في تكوين شخصية المراهق

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

بين أفكار يصعب تحقيقها في الواقع وأمنيات ترسم صورة مفترضة عن حياة مرغوبة ومثاليات يحلم كل انسان في تحقيقها يحتاج ابنك المراهق إلى ما هو أكثر من الأساليب المعتادة في اشباع رغباته، أحلام اليقظة هي تلك التقنية الجبارة التي يعتمد عليها ابنك المراهق كي يرى من خلالها ما يحلو له رؤيته ويصل من خلالها إلى ما يتمنى الوصول أليه.

يوجد ارتباط قد يصل إلى حد الخلط  بين معنى أحلام اليقظة ومعنى الخيال، ومن هنا يمكننا أن نعرف أحلام اليقظة كظاهرة نفسية بأنها نوع من الخيال الذي يمارسه الانسان بشكل مقصود وموجه وربما ممتع، وبما أن الخيال يعرف في علم النفس بأنه قدرة بشرية فريدة في جوهرها تسمح لنا باكتشاف أفكار عن الأشياء غير الموجودة أو ربما غير الحقيقية، فإن أحلام اليقظة تتمتع بخصوصية أكبر وفردية أعمق في هذا الإطار كونها قابلة لأن تتناغم أكثر مع رغباتنا وطريقتنا في توجيها حسب أهوائنا وظروفنا وحاجتنا.

animate

ما إن يصل ابنك إلى مرحلة الطفولة المتأخرة أو كما تسمى المراهقة سرعان ما تلاحظ عليه التغير في طباعه وعاداته وتصرفاته إلى حد لم تألفه من قبل فيصبح مثلا كثير الشرود والتفكير في أمور يحاول أن يبقيها غامضة كما يبدأ بالميل للتواجد فترات أطول مع أقرانه أو يميل أيضاً للبقاء وحيداً في غرفته كي يسترسل فيها في خياله.
وبالطبع هناك سبب ما يفسر هذا التغير، فالإنسان في هذه المرحلة العمرية الحساسية تتغير حاجاته ورغباته وطموحاته، وبما أن الواقع لا يسمح دائماً بتحقيق ما يرنو إليه هذا المراهق فيدفعه هذا إلى أحلام اليقظة التي تعتبر بمثابة بيئة مثالية ومساحة حرة تتيح له تصوير أفكاره دون قيود وممارسة رغباته المكبوتة التي يصعب التعبير عنها في العالم الواقعي.
فقد يلجأ من خلال هذه الأحلام للهروب من واقع مرفوض أو تحقيق أمنية صعبة المنال، أو حتى لتفريغ حاجاتٍ عاطفية أو جنسية مكبوتة، أو قد ينتقم من أشخاص أقوى منه لديه خلاف معهم في الواقع، وقد يصل بأحلامه لبناء عالم مثالي يرغب فيه أو سمع عنه في فيلم شاهده أو رواية قرأها أو يمثل نفسه في شخصية بطولية يحبها ويقتدي بها. 

دور أحلام اليقظة في ثقافة المراهق وتكوين شخصيته

يمر ابنك المراهق بالعديد من التجارب والمشاكل  والأفكار ويتعرف على أصناف متنوعة من الناس والأصدقاء كما أنه يطلع على ثقافات وقيم منها ما هو مألوف ومنها الغريب عن مجتمعه وربما أسرته.
هذا بالإضافة إلى أنه قد يختبر أصدقاء يختلفون كل الاختلاف عن بيئته من حيث الحالة المادية أو الاجتماعية أو حتى الثقافية والدينة ، وكل هذه الأمور تجعل مرحلة المراهقة بالغة الحساسية كفترة من حياة الانسان ولها بالغ التأثير على شخصيته وأفكاره وقيمه التي سوف يستمر معها بقية حياته.
ومن هنا كان الباب مفتوحا على مصراعيه لهذه الآلية النفسية التي تسمى أحلام اليقظة للتأثير في بناء ثقافة المراهق وبالتالي صياغة وصقل شخصيته، فهذه اللحظات التي يستغرق المراهق خلالها في شروده وأفكاره تأخذه أبعد ما يمكن للأهل أن يتصوروه فهو يجتاز خلالها حدوداً زمانية ومكانية وثقافية واجتماعية وحتى الحدود المنطقية.
باختصار أنه في أحلامه هذه يقفز بعيداً عن أسوار وحواجز الواقع ليجرب ويختبر كل ما يصعب عليه ويعجز عنه فيرى نفسه مكان والده أو مدرسه تارة وفي تارة أخرى يرى نفسا بطلاً في شيء ما أو يشبّه نفسه بشخصية أسطورية عظيمة، يتمنى مستقبلاً ما ويتخيل تفاصيله، وفي كلما سبق وباللاشعور يبني المراهق أرائه حول العديد من الأشياء وفق ما حلم به وتمناه أو ما رفض أن يكون عليه واستبعده.

كلنا نحلم ونسترسل في خيالنا خلال تلك الأحلام، فقد نستخدم هذه النعمة في نفض غبار ضغوطات الحياة التي نتعرض لها خلال حياتنا اليومية، من منا لا يتمنى شيء ما ويتخيل أنه قد حقق أمانيه بالفعل فيجد المتعة وربما النشوة في تصور ما يتمناه فيحصل بذلك على بعض السعادة حتى لو كانت مصطنعة في جوهرها، ومن هنا كان لأحلام اليقظة الكثير من الإيجابيات في حياتنا، فعلى سبيل المثال تساهم في:
1 ـ  خلق انسان صاحب شخصية مبدعة يمتلك أفكار خلاقة قد تؤهل صاحبها ليكون كاتباً محنكاً أو عالماً أو مخترعاً عبقري أو حتى فيلسوفاً حكيماً وربما فناناً موهوباً.
2 ـ  تساعد أحلام اليقظة المراهق على اكتساب الخبرات في المجالات الحياتية المتنوعة التي قد لا تكون متاحة في العالم الواقعي أو صعبة المنال، كما تساعد أيضا على اختبار بعض التجارب صعبة التنفيذ من حيث الكلفة أو الأدوات والامكانات التي تحتاجها وذلك باستخدام عمليات ذهنية مجردة.
3 ـ  ولأحلام اليقظة أيضاً أهمية كبيرة في تطوير مهارات التفكير لدى المراهق، فهو وفي تكراره للحلم نفسه في كل مرة يجرب شيء جديد أو يدخل عليه تعديلاً بسيطاً أو جوهرياً والمراهق بهذا يطور خبراته عبر أحلامه فيتعلم أساليب جديدة في بناء حلمه القادم وبالتالي تتسع أمامه آفاق جديدة تتيح له أفكار جديدة ومهارات وخبرات جديدة.
4 ـ  ولا يمكن إغفال أهمية أحلام اليقظة في تطوير الطموح، فالمراهق عندما يفكر بالأمنيات والطموحات التي يرغب في تحقيقها، فهو هنا يتخيلها ويحلم بها ويساعده هذا الحلم على رؤيتها جيداً واختبارها والتمتع بها وبالتالي زيادة الحافز لديه لتحقيقها.
5 ـ  يتعرض المراهق في حياته اليومية لضغوطات عدة قد تنتج عن الواقع المحبط لبعض الرغبات أو عن وقت الفراغ الزائد لديه ومشكلات عديدة معرض للوقوع فيها، وهنا يأتي دور أحلام اليقظة في أنها تتيح له الاسترخاء وإشغاله عن كل ما يزعجه وبالتالي تفريغ انفعالاته عبر هذه الأحلام وتهدئة نفسه.
6 ـ  تعبر أحلام اليقظة تقنية جيدة تمكن المراهق من إعادة النظر في المشاكل التي تعترضه ومن ثم إعادة تحليلها وتركيبها وإدراك أسبابها وحلولها وتجريب أفضل هذه الحلول وإعادة صياغتها ذهنياً قبل تنفيذها.
7 ـ  تعتبر أحلام اليقظة الملجأ المثالي للمراهق الذي يمكنه الهروب إليه من كل ما يتعرض له في واقعه المحبط وبالتالي إعادة التفكير في أي حدث يمر فيه وتقدير هذا الواقع بحيث يتعرف أكثر على جوانبه وحيثياته بعيداً عن الظروف المحيطة به وبالتالي إعادة فهمه وتقديره وإدراكه لمضمونه.
 

كما تعددت الإيجابيات تتعدد أيضاً سلبيات أحلام اليقظة بالنسبة لابنك المراهق، عندما ترافق هذه الأحلام بعض الظروف التي تجعل منها نقمة بعد أن كانت نعمة متنوعة الفوائد، فقد تتحول هذه الفوائد إلى مشكلات واضطرابات متعددة نفسية أو اجتماعية أو حتى عقلية إذا خرجت عن نطاق السيطرة وعن حدود المعقول والمألوف، وهنا قد تتعدد وتتنوع سلبياتها فمثلاً:
1- قد ينغمس المراهق في أحلامه وأفكاره إلى حد قد يصل إلى الوقوع في فخ المقارنة والخلط بين الواقع المحبط والخيال المرغوب حتى يصعب على المراهق التميز بين ما هو حقيقي وبين الأشياء التي يتمناها في خياله وأحلامه.
فقد يفكر المراهق ملياً في أنه يملك الكثير من الأموال وقد يصل فيه الأمر إلى تصديق هذه الكذبة التي اخترعها والتعامل في حياته اليومية على أنها حقيقة واقعية فيتصرف على هذا الأساس ويتعامل بإسراف وتبذير وإهمال في كل شيء بل قد لا يبقى قيمة مهمة لأي شيء في نظره.
2- في بعض الأحيان قد يتخيل المراهقون أشخاص وعلاقات غير موجودة في الحقيقة خلال أحلام يقظتهم (خاصة في الحالات العاطفية) مثل العلاقات الغرامية أو أصدقاء وهميون
وفي بعض الحلات والتي ترافقها ظروف وضغوط نفسية واجتماعية معينة قد يتعامل المراهق مع هؤلاء الأشخاص وهذه العلاقات المفترضة على أنها حقيقة موجودة للهروب من الواقع الذي لا يسمح له ببنائها بالفعل، وهنا قد تختلط عليه الأمور نظراً لقلة خبرته الحياتية ومن هنا قد تنبت البذور الأولى لأعراض انفصام الشخصية.
3- وقد يسترسل المراهق في خياله وأحلام يقظته إلى درجة كبيرة قد تشغله عن أعماله وواجباته في الحياة الفعلية، مثل دراسته وأعماله اليومية أو طلبات ذويه وكل ما عليه من متطلبات ومسؤوليات.
4- قد تؤثر أحلام اليقظة أيضاً على الاندماج الاجتماعي بالنسبة للمراهق، فهو في كثرة تفكيره واستغراقه في أحلامه قد يؤدي به كل هذا إلى الانغلاق على نفسه والانعزال عن مجتمعه والابتعاد عن كل ما قد يعيده إلى واقعه المرفوض بالنسبة له فيصبح كثير الشرود والتفكير في أمور يحاول إخفائها فقد يتبنى أفكاراً وقيماً وفلسفات غريبة وربما خطيرة وبعيدة كل البعد عن عالمه الحقيقي ومجتمعه وثقافته. 
 

كيف يمكن التدخل في توجيه أحلام اليقظة؟

بعد الاتفاق على أن أحلام اليقظة تساهم إلى حد بعيد في بناء شخصية المراهق وتشكيل قيمه وأفكاره ومعتقداته، وبعد الحديث عن إيجابيات هذه الأحلام وكيف يمكننا تحويلها إلى مصدر للتربية أو الإلهام والأبداع، وعن سلبياته وكيف يمكن أن تؤدي بصحة المراهق النفسية والعقلية إلى حدود لا تحمد عواقبها، فكل ذلك استوجب التدخل من قبل المربين والأهل لتوجيه هذه الاحلام وتنظيمها بحيث يتمكن هذا المراهق من تجاوزها مستفيداً من محاسنها ومبتعداً عن مساوئها قدر ما يمكن، ويمكن تحقيق ذلك من خلال:
1 ـ لا بد أن يعكس كلام المراهقين وأحاديثهم واهتماماتهم بعضاً من الأفكار التي تدور في بالهم وجزء من الأحلام التي  تجول في خاطرهم وتبعدهم عن واقعهم واستقراء البعض من هذه الأفكار وتلك الأحلام لا بد أنه بإمكاننا أن نستشف ما هو في صالحهم وما يمكن أن يضرهم من هذه الأحلام، وهنا بالضبط وجب التدخل لتدعيم خيالهم المبدع وأفكارهم الفريدة لمساعدتهم على تطويرها وتوظيفها في الإطار الذي يخدم صالحهم في الحاضر والمستقبل.
أما إذا لوحظ على هذه الأفكار والقيم أنها ضارة لأفكارهم ولمسار حياتهم اليومية وجب التدخل أيضاً لضبطها وإبعادهم عنها بطريقة مرنة لا يشعرون معها أنهم مرغمون على شيء حتى لا يأتي تدخلنا بنتائج عكسية قد تفقدنا السيطرة على طبيعة علاقتنا معهم وطريقة نظرتهم إلينا.
2 ـ من الجيد أن تقنع ابنك المراهق في تخصيص وقت يمكنه فيه أن يفكر بما يحلو له حتى لا يسترسل في أحلام يقظته إلى درجة تبعده عن واقعه من جهة، ,وأن لا نحرمه من هذه النعمة التي يمكن توظيفها في عملية التربية أو تطوير أفكاره وتجريب كل ما يحلو له من جهة أخرى، ويتحقق ذلك مثلاً من خلال وضع برنامج منظم لنشاطاته اليومية يساعده دائماً في العودة لواقعه ولا يحرمه من متعة أحلامه.
3 ـ من الطرق الجيدة في توجيه أحلام المراهق أن ندخل معه في أحلامه ونحاول أن نفهمها فعلا وأن نتصورها بطريقته لنبني جسراً من الثقة بيننا وبينه بحيث يسمح لنا بالدخول معه أكثر في عالمه واستخدام خبرتنا في اضفاء ما فيه فائدة له على أحلامه، وأن نشرح له باستمرار لكن دون تكرار ممل أو استفاضة بلا فائدة عن معنى هذه الأحلام والطريقة الأمثل لتوظيفها والاستمتاع بها.


إذاً لأحلام اليقظة دور كبير في مختلف مراحل حياة الإنسان ولكنها تحصل على خصوصية معينة في مرحلة المراهقة لما لها من تأثير في بناء شخصية المراهق وفي تكوين أفكاره ورغباته ووجهة نظره عن الحياة وبالتالي في رسم شخصيته وصياغة الشكل الأخير لمستقبله، قد حاولنا في هذا المقال تناول أحلام اليقظة من حيث تأثيرها على شخصية المراهق وعوارضها النفسية وكيف يمكن مساعدته في توجيهها لتجاوز هذه المرحلة الحساسة من حياته.