فوائد التبرع بالدم وتأثيراته الصحية

الحالات التي يمكن أن يفيد فيها التبرع بالدم، والفوائد التي يمكن أن يحققها لدى المتبرع والمتلقي على حد سواء
فوائد التبرع بالدم وتأثيراته الصحية
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

أحدث ابتكار نقل الدم ثورة في عالم الطب الإسعافي والجراحي لأنه يساعد في إنقاذ عدد لا يحصى من ضحايا الحوادث كل يوم، كما سمح بإجراء الكثير من العمليات الجراحية التي تحدث فيها خسارة كمية كبيرة من الدم ولا يمكن الإبقاء على حياة المريض خلالها إلا باستخدام نقل الدم أو أحد مكوناته المختلفة، وكل ذلك غيض من فيض فوائد التبرع بالدم.

في المقال التالي سنتحدث عن فوائد التبرع بالدم لجسم الإنسان، والآثار السلبية والاختلاطات التي قد تنتج عن نقل الدم.

يعرف نقل الدم (Blood Transfusion) بأنه سحب كمية من الدم من شخص هو المعطي بإرادته وبشكل طوعي، ونقل هذا الدم أو أحد مكوناته إلى شخص آخر هو المتلقي، يمكن أن يكون المتبرع هو نفسه المتلقي في بعض الحالات، مثل أن يسحب الشخص كميات قليلة من دمه بالتدريج ولمدة بضع أسابيع قبل القيام بعملية جراحية واستخدام هذا الدم في العملية.

نجد من التعريف السابق أن نقل الدم ليس عملية واحدة، حتى أن نقل الدم الكامل كما هو مسحوب من شخص إلى آخر أصبح أمراً تاريخياً وغير مقبول في الطب الحديث، لذلك يتم إخضاع الدم المأخوذ من المتبرع إلى عدد من العمليات من أجل فصل مكوناته إلى مكونات خلوية (الكريات الحمر المسؤولة عن نقل الأكسجين والكريات البيض المسؤولة عن المناعة والصفيحات المسؤولة عن إيقاف النزوف) ومكونات غير خلوية تدعى البلازما (وهي السائل الذي تسبح فيه جميع المكونات الدموية الأخرى ويحتوي على البروتينات وعوامل التخثر التي تلعب دوراً هاماً في الوقاية من النزوف الداخلية بشكل خاص).
 

animate

أنواع الزمر الدموية التي تقرر إمكانية نقل الدم
يشمل تصنيف الزمر الدموية بنظام (ABO) 4 مجموعات دموية أساسية يقع جميع البشر في واحدة منها، تدعى هذه المجموعات (A – B – AB – O)، كما تنقسم كل منها إلى إيجابية أو سلبية تبعاً لعامل آخر يدعى باسم عامل الريزوس (Rh Factor)، وهكذا يوجد 8 زمر دموية:
A+
A-
B+
B-
AB+
AB-
O+
O-
يهمنا في التوافق الدموي لعملية نقل الدم مكونان أساسيان هما الكريات الحمراء والبلازما الدموية، ولتوضيح التوافق والرفض بين الزمر علينا توضيح بعض المعلومات الأساسية في علم المناعة هي الأجسام المضادة (Antibodies) ومولدات الأضداد أو المستضدات (Antigens).
 

دور مولدات الضد والأجسام المضادة في التعرف على الأجسام الغريبة والقضاء عليها
الأجسام المضادة
(Antibodies) هي بروتينات تسبح في البلازما الدموية ودورها الأساسي هو الارتباط بالمواد الغريبة إن كانت جراثيم أو طفيليات أو فيروسات أو خلايا غريبة، أما الأجسام المضادة المتعلقة بالزمر الدموية الأساسية فتدعى باسم الأجسام الراصّة تمييزاً لها عن العدد الهائل من الأنواع الأخرى للأجسام المضادة في البلازما وهذه الأجسام نوعان:
- الأجسام الراصة لمولد الارتصاص A، أو الأجسام المضادة لـ A (Anti A Antibodies).
- الأجسام الراصة لمولد الارتصاص B، أو الأجسام المضادة لـ B (Anti B Antibodies).

أما مولدات الضد (Antigens) أو المستضدات الخاصة بالزمر الدموية -والتي تدعى باسم مولدات الارتصاص- فهي جزيئات بروتينية توجد على سطح الكريات الدموية الحمراء، يوجد منها نمطان يمكن أن يوجداً معاً على سطح الكريات الحمراء (في الزمرة الدموية AB) أو لا يوجد أي منهما على سطح الكرية (في الزمرة الدموية O) أو يوجد واحد فقط منهما على سطح الكرية (مثل الزمرتين الدمويتين A – B)، وهذان المستضدان هما:
- مولدات الارتصاص من النمط A (A Antigens),
- مولدات الارتصاص من النمط B (B Antigens),

لا يجب أبداً أن يكون مولد الارتصاص مع الجسم الراص من نفس النوع موجودين معاً في جسم الإنسان الطبيعي، كما تحوي البلازما دوماً على أجسام مضادة لمولدات الضد غير الموجودة على سطح الكريات الحمراء للشخص نفسه مما يساعدها على تمييز الخلايا الغريبة ومهاجمتها، فإذا كان لديك مولد الارتصاص A على سطح كرياتك  الحمر ستجد الأجسام المضادة من النوع (Anti B) في البلازما الدموية.

تبعاً للمعلومات السابقة نسمي المجموعات الدموية الأساسية الـ 4 تبعاً لمولد التراص الموجود على سطح الكريات الحمر بالطريقة التالية:
- المجموعة A (Blood Group A): نجد على سطح الكريات الحمراء مولد التراص A، أما في البلازما فنجد الأجسام المضادة (Anti B).
- المجموعة B (Blood Group B): نجد على سطح الكريات الحمراء مولد التراص B، أما في البلازما فنجد الأجسام المضادة (Anti A).
- المجموعة O (Blood Group O): لا نجد أي مولدات تراص من تصنيف ABO على سطح الكريات الحمراء، أما في البلازما فنجد نوعي الأجسام المضادة (Anti A – Anti B).
- المجموعة AB (Blood Group AB): نجد على سطح الكريات الحمراء كلّاً من مولدات التراص A و B، أما في البلازما فلا نجد أيّاً من الأجسام المضادة سابقة الذكر.

شرط التوافق الأساسي في عملية نقل الدم هو عدم تراص الكريات الحمر للمتبرع مع الأضداد الموجودة في بلازما دم الآخذ.
وبتطبيق هذا الشرط على المجموعة ABO نجد ما يلي:
- حامل الزمرة الدموية A يتبرع إلى شخص زمرته A أو AB لأن أصحاب هاتين الزمرتين لا يحملون الأجسام المضادة من النوع (Anti A).
- حامل الزمرة B يتبرع إلى شخص زمرته B أو AB للسبب المشروح في المثال السابق.
- صاحب الزمرة AB يستطيع استقبال الدم من جميع المجموعات الدموية لأن البلازما لديه لا تحتوي أجساماً مضادة، ولكنه لا يستطيع أن يتبرع إلا لشخص زمرته الدموية AB.
-  صاحب الزمرة الدموية O يستطيع نقل الدم إلى جميع المجموعات الدموية الأخرى لأن كرياته الدموية الحمراء لا تحمل أجساماً مضادة من النموذج ABO أما بالنسبة إلى تلقي الدم فهو لا يأخذ إلا من الزمرة O لأن البلازما لديه تحمل أجساماً مضادة لجميع المجموعات الأخرى.

عامل الريزوس (Rh Factor) هو نمط آخر من الأنظمة المناعية المتعلقة بنقل الدم، فإذا كانت مولدات الضد الخاصة بعامل الريزوس موجودة على سطح الكرية الحمراء كانت زمرة هذا الشخص إيجابية، أما إذا كانت مولدات الضد غير موجودة على سطح الكريات الحمراء تكون الأجسام المضادة للريزوس موجودة في البلازما ويكون الشخص سلبي الريزوس.

الشرط الثاني لنقل الدم هو عدم نقل الدم من شخص إيجابي الريزوس إلى شخص سلبي الريزوس.
بناء على القاعدتين السابقتين يعتبر صاحب الزمرة الدموية (O-) معطياً عاماً لأنه يستطيع نقل الدم إلى جميع الزمر الأخرى ولكنه لا يستقبل الدم إلا من شخص آخر زمرته (O-) فهو يمتلك جميع الأجسام المضادة للكريات الحمر في البلازما الدموية.

أما صاحب الزمرة الدموية (AB+) فيدعى بالآخذ العام لأنه يستقبل الدم من جميع الزمر الدموية الأخرى، إلا أنه لا يستطيع نقل الدم إلا إلى شخص آخر زمرته (AB+) لأن كرياته الحمراء تحوي جميع أنواع مولدات الارتصاص.
 

الفئات القادرة على التبرع بالدم
لكي تكون مرشحاً للتبرع بالدم يجب أن تتوافر لديك الشروط التالية:
- صحتك جيدة ولا تشكو من أمراض مزمنة أو منهكة للحالة الصحية العامة.
- الوزن فوق 50 كيلوجرام.
العمر: وهو مختلف تبعاً لقوانين كل بلد ولكن الفئة المفضلة بشكل عام هي من عمر 18 حتى 45، ولا يعتبر التبرع بالدم محبذاً بعد عمر - 66.
- انقضاء 12 أسبوعاً على آخر تبرع بالدم بالنسبة للذكور، و16 أسبوعاً عند الإناث.
- غياب الأمراض السارية المنتقلة بالدم، كما يتم فحص الدم المتبرع به روتينياً لكشف العوامل الممرضة التي قد تكون موجودة ضمنه، كما تعتبر فيروسات التهاب الكبد B و C وفيروس العوز المناعي البشري  HIV (المسؤول عن الإيدز) بعضاً من أكثر العوامل الممرضة شيوعاً في عملية نقل الدم.
- عدم تعاطي الأدوية المخدرة وخاصة الوريدية منها.

نلاحظ أن نسبة الرجال القادرين على التبرع بالدم أكبر من نسبة النساء وذلك لأن كمية الدم الموجودة وسطياً في جسم الرجل أكبر من تلك الموجودة لدى الأنثى، كما أن نسبة الرجال الذين يفوق وزنهم الـ 50 كيلوجراماً أكبر من نسبة النساء، إضافة إلى ذلك فالمرأة تخسر كمية من الدم كل شهر بسبب الدورة الشهرية مما يحدث نقصاً بسيطاً مستمراً يؤخر عملية تعويض الدم المتبرع به من قبل الأنثى.
 

بعض الأسباب التي قد تدفعك إلى التبرع بالدم اليوم
هناك عدد كبير من الفوائد الصحية التي قد يجنيها أي شخص نتيجة التبرع الدوري بالدم، ومنها:
- الوقاية من تراكم الحديد: يدعى تراكم الحديد بشكل يفوق قدرة الجسم على الاستيعاب باسم داء الصباغ الدموي، يمكن أن يكون السبب وراثياً (بشكل مرض وراثي يزيد امتصاص الحديد وتخزينه)، أو ناتجاً عن الاستهلاك المفرط للكحول أو بسبب أمراض دموية، وبغض النظر عن السبب يمكن أن يؤدي تراكم الحديد إلى فشل الأعضاء التي يترسب ضمنها مثل القلب والكبد والكلية، لذلك يفيد التبرع المستمر بالدم في الحفاظ على الحديد ضمن الحدود الطبيعية.

- الوقاية من بعض السرطانات: وجدت الدراسات أن منع مستوى الحديد من الارتفاع يترافق مع انخفاض في معدل الإصابة بالسرطان.

- الحفاظ على صحة القلب والكبد: التبرع بالدم يقي من إصابة الأحشاء مثل الكبد والقلب والبنكرياس، لأن تناول الأغذية الغنية بالحديد يؤدي إلى تراكمه في الدم وتخزين الكمية الفائضة في هذه الأحشاء، مما يقود إلى الكثير من التأثيرات والاختلاطات التي قد تكون خطيرة مثل تشمع الكبد (Cirrhosis) الذي يتطور إلى الفشل الكبدي، أو إصابة البنكرياس وخسارة مفرزاته الضرورية في عملية الهضم، أما الإصابة القلبية فيحدث بنتيجتها اضطراب في الألياف الناقلة التي تنقل التنبيهات ضمن العضلة القلبية ليعمل القلب بشكل متناسق ومنتظم.

- تخفيف الوزن: عندما تتبرع بكمية من الدم فأنت لا تخسر وزن الدم الذي تبرعت به وحسب، إنما تؤدي عملية تجديد الدم وتعويض هذا النقص إلى خسارة كمية كبيرة من السعرات الحرارية، كما أن تقليل كمية الدم الجائل في الدوران قد يكون مفيداً لدى مرضى الأمراض القلبية لأنهم يحتاجون إلى تخفيف العبء الدموي عن القلب.

- تجديد الدم: عند خسارة كمية من الدم بسبب التبرع، تتحفز مراكز توليد الدم (الموجودة ضمن بعض العظام مثل الوركين)، لتوليد خلايا دموية جديدة تكون أصغر عمراً وأكثر نشاطاً من الخلايا التي خسرتها بنقل الدم.
 

الحالات التي تحتاج نقل الدم
ينقذ الدم المتبرع به عدداً لا يحصى من المرضى كل عام، وخاصة في الحالات التالية:
- العمليات الجراحية الكبيرة والتي تشمل مساحة كبيرة من الجسم أو أعضاء غنية بالتروية الدموية مثل القلب والدماغ.
- العمليات الجراحية النسائية التي تندرج ضمن تعقيدات الحمل مثل الحمل خارج الرحم، أو حالات الولادة القيصرية وخاصة الإسعافية منها لأنها قد تكون نازفة بشدة.
- ضحايا حوادث السير أو الكوارث البيئية أو الإصابات العنيفة.
- بعض حالات فقر الدم وخاصة عند الأطفال.
- يحتاج بعض الأشخاص إلى نقل دم جديد كل فترة، مثل مرضى فقر الدم المنجلي الذي تكون فيه الكريات الحمر للمريض مشوهة وغير قادرة على العمل بكفاءة.
 

كم من الوقت يحتاج الشخص للعودة إلى النشاطات الطبيعية بعد التبرع بالدم؟
ينصح دوماً بالبقاء جالساً بوضعية مريحة لمدة 10 إلى 15 دقيقة بعد الانتهاب من التبرع، كما يمكن أن يقدم مركز التبرع بالدم قطعة شوكولا أو كوباً من العصير لإبقاء المتبرع منتعشاً والمساعدة على البدء بعملية تعويض الدم، يغطى مكان إبرة سحب الدم بقطعة من القطن يجب الضغط عليها بشكل جيد حتى توقف النزف.

تتعوض البلازما (القسم السائل من الدم) خلال يومين أو 3 أيام بعد التبرع، أما الكريات الحمر فتحتاج تقريباً إلى 5 أو 6 أسابيع لذلك لا يمكن التبرع لمرتين متتاليتين خلال هذه الفترة، أما الفترة التي يجب انتظارها للتبرع مرة أخرى فتختلف تبعاً للمراكز المختلفة وقوانين كل دولة لكن المدة المقترحة عالمياً هي 12 أسبوعاً عند الذكور البالغين، 16 أسبوعاً عند الإناث البالغات، و6 أشهر على الأقل عند المراهقين.
 

سلبيات عملية نقل الدم ومضاعفاتها
بالرغم من الأهمية الطبية الكبيرة لعملية نقل الدم إلا أنها قد تؤدي إلى عواقب خطيرة إذا لم يتم إجراؤها بشكل سليم واحترافي، ومن أهم هذه المضاعفات:
- عدم توافق الزمر الدموية (Blood Type Incompatibility): هي اختلاط خطير ومخيف أصبح نادراً في السنوات الأخيرة بسبب التدقيق على تسجيل الزمرة الدموية لكل عينة والتأكد منها قبل نقلها إلى جسم المتلقي الذي يتم سحب الدم منه أيضاً والتحقق من زمرته الدموية ضمن قسم الإسعاف قبل حقن أي مكونات دموية في جسمه، تتطور الأعراض بسرعة إذ قد يشعر المريض بألم في الظهر وحمى وقشعريرة وقد يتوقف التبول أو يصبح لون البول أحمر، كما تترافق الحالة مع شعور المريض بالرعب وقرب موته، ويجب معالجتها حصراً في وحدة العناية المشددة (ICU).
هناك أشكال بسيطة من عدم توافق الزمر الدموية تحدث عند نقل الدم بشكل متوافق بالنسبة لمجموعة ABO ولكنه غير متوافق في مجموعة الريزوس مثلاً كنقل دم زمرته O+ إلى مريض زمرته A-، وهي ليست بخطورة عدم التوافق بالنسبة للزمر ABO، كما أن هناك عدداً كبيراً من مجموعات الزمر الدموية الثانوية غير المجموعة ABO ومجموعة الريزوس مما يجعل التنبؤ بتوافق الدم المنقول صعباً وغير ممكن في أغلب الأحيان، لذلك يجرى اختبار يدعى اختبار الارتصاص الدموي يتم فيه مزج كريات حمراء من المتبرع مع دم الشخص المتلقي ومراقبة العينة لتحري وجود ارتصاص قبل نقل الدم.

- الإصابة بالعوامل الممرضة: قد يحدث هذا الاختلاط لدى المتبرع والمتلقي على حد سواء عند استعمال إبر حقن ملوثة، كما يمكن أن تنتقل الفيروسات من المتبرع إلى المتلقي حتى في حال كانت أدواء نقل الدم معقمة وسليمة، لكن هذه الحالات أخذت تتناقص بشكل كبير خاصة في البلدان المتقدمة ذات المعايير الصحية العالية حيث يتم فحص جميع عينات الدم المتبرع بها، إضافة إلى الاستفسار عن طبيعة حياة المتبرع لتحديد فئات الخطر المشبوهة (مثل متعاطي المخدرات الوريدية والذكور المثليين جنسياً..).

وفي الختام.. يبقى أن نؤكد على أهمية التبرع بالدم لدى جميع الأشخاص القادرين على ذلك، فالتبرع بالدم يعود بالكثير من الفوائد الصحية على المتبرع، كما أنه قد يكون سبباً في إنقاذ حياة مريض لم يكن لينجو لولا توافر كمية كافية من الدم الموافق لزمرته.