أسباب وعلاج القزامة عند الأطفال

ما هي أسباب قصر القامة في الطفولة؟ هل يعتمد نقص النمو على الأسباب الوراثية فقط؟ وما هي علاقة القزامة بالتطور العقلي والمعرفي للطفل؟
أسباب وعلاج القزامة عند الأطفال

أسباب وعلاج القزامة عند الأطفال

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

يعتبر طول القامة عند الأطفال موضوعاً معقداً إلى حد ما، فمن الصعب تقدير تأخر النمو الجسدي بالنظر إلى طول الطفل ومقارنته مع أقرانه فحسب (مع أن هذه العملية هي الأساس في التشخيص) لأن هذه الطريقة تتجاهل العوامل العائلية في العائلات قصيرة القامة، كما أنها لا تأخذ بعين الاعتبار مرحلة تسارع النمو التي يدخل بها الطفل في سن المراهقة، ونعلم أن الكثير من الأطفال كانوا قصيري القامة مقارنة بأقرانهم في مرحلة ما، قبل أن يزداد طولهم بسرعة كبيرة ويصبحوا طوال القامة كبالغين.
في المقال التالي سنتحدث عن أنواع وأسباب القزامة عند الأطفال، بالإضافة إلى مضاعفات قصر القامة والإجراءات التي يمكن اتخاذها لتلافي هذه المضاعفات.
 

ما هي القزامة؟ وما هي أهم المغالطات والالتباسات المتعلقة بها؟
يتم تعريف القزامة (Dwarfism) طبياً تبعاً للجمعية الأميركية لطب الغدد على أنها طول القامة الذي يقل عن 4 أقدام و 10 إنشات (أي حوالي 147.3 سم تقريباً)، وتعتبر أسباب القزامة صعبة التعداد والحصر إذ يمكن لأكثر من 300 حالة مرضية أن تسبب قصر القامة، أما أكثر هذه الأسباب شيوعاً فيدعى باسم الودانة أو عدم التصنع الغضروفي (Achondroplasia).
غالباً ما تحدث القزامة لدى الأطفال من والدين طبيعيين من ناحية الطول، ويقدر أن 4 من كل 5 أطفال مصابين بعدم التصنع الغضروفي هم أبناء لأبوين متوسطي طول القامة.

ومن المهم في هذا السياق أن نطرح بعض الأفكار الشائعة والخاطئة عن القزامة:
- الأقزام متأخرون عقلياً:
هناك عدد من الحالات المرضية التي تسبب نقص النمو الجسدي والتأخر العقلي على حد سواء مثل متلازمة داون وغيرها من الأمراض الوراثية، ولكن هذه الحالات هي الاستثناء وليست القاعدة، إذ تعتبر الغالبية العظمى من الأفراد المصابين بالقزامة طبيعيين تماماً من الناحية العقلية.
- القزامة هي مرض ويحتاج إلى علاج: معظم الأقزام أشخاص طبيعيون لا يختلفون عن باقي أفراد المجتمع إلا من ناحية الطول، لذلك يعتبرون النظر إليهم على أنهم مرضى أمراً مهيناً إلى حد ما.
- القزامة أحد أشكال الإعاقة: هذا الافتراض غير دقيق تماماً، ففي حين لا يمكن للأقزام المنافسة في المسابقات الرياضية للمحترفين، يمكنهم القيام بجميع متطلبات الحياة الأساسية دون مشاكل، مثل الذهاب إلى المدرسة، قيادة السيارة، التزوج وإنجاب أطفال..
 

animate

ما هي الأمراض والاضطرابات التي تسبب القزامة؟
هناك أكثر من 300 مرض معروف يمكن أن يسبب القزامة في جسم الطفل، والغالبية العظمى من هذه الأمراض يعود مصدرها إلى طفرات وراثية تحدث في الحيوانات المنوية للذكر أو البويضات للأنثى قبل أن تتحد البويضة مع الحيوان المنوي لتشكيل البيضة التي تعطي جنيناً، في هذه الحالة يكون جسدا الأب والأم طبيعيين وغير مصابين بالقزامة لأن التغير الوراثي حدث على مستوى الخلايا المكونة للبيضة الملقحة.
 في حالات أخرى يكون سبب القزامة وراثياً، وهنا يكون أكثر من شخص في تاريخ العائلة مصاباً بالقزامة، كما يمكن بكل تأكيد أن يولد طفل طبيعي الطول لأب وأم مصابين بالقزامة.
بما أن العمليات الحيوية التي تحدث في المادة الوراثية للحيوانات المنوية والبويضات كثيرة ومعقدة، لم يصل العلماء إلى فهم شامل حول الأسباب التي تحرض حدوث الطفرات في هذه المورثات، فالمعروف أن هذه العمليات عشوائية بشكل يجعل التنبؤ بها بشكل دقيق أمراً يفوق قدراتنا الحالية، ولكن احتمال حدوث القزامة لدى طفل لأبوين قزمين يفوق هذا الاحتمال لدى والدين طبيعيي الطول، وهناك عدد من الاختبارات الوراثية التي تساعد في حساب احتمال انتقال مورثات القزامة من جيل إلى آخر.

ومن الأسباب الأخرى للقزامة عند الأطفال:
- الأمراض الغدية:
مثل قصور الغدة الدرقية، قصور الغدة النخامية، الداء السكري..
- الأمراض الاستقلابية خلال الطفولة: وهي مجموعة كبيرة من الأمراض المعقدة التي تصيب إنزيمات معينة مسؤولة عن القيام ببعض التفاعلات الحيوية، من هذه الأمراض داء نيمان بيك، بيلة الفينيل كيتون، داء هالرمان ستريف...
- الشذوذات الصبغية: أي التشوهات التي تصيب الصبغيات (الكروموزومات) المكونة للمادة الوراثية البشرية، أشهر هذه الشذوذات هو تثلث الصبغي 21 المعروف باسم متلازمة داون (Down Syndrome).
- أمراض سوء الامتصاص: وهي الأمراض التي يفشل فيها الجهاز الهضمي بامتصاص أنواع محددة من المواد الغذائية، مثل الداء الزلاقي (Celiac Disease) أو عدم تحمل الجلوتين، وفيه يتم تخريب الأمعاء الدقيقة بشكل متكرر مما يؤذي قدرتها على الامتصاص.
- الأسباب الكلوية: مثل التشوهات البولية الوراثية والفشل الكلوي.
 

ما هي أنواع القزامة؟ وما الفرق بينها؟
تصنف معظم الأسباب المؤدية إلى القزامة على أنها سوء تصنع هيكلي (Skeletal Dysplasia) أي نمو العظام بشكل غير طبيعي، وتقسم إلى مجموعتين كبيرتين هما: القزامة مع جذع قصير، والقزامة مع أطراف قصيرة، في الشكل قصير الجذع يكون طول الساقين أقرب إلى الطبيعي، وفي القزامة قصيرة الأطراف يكون طول الجذع قريباً من الطبيعي (ليس من الضروري أن يكون طبيعياً تماماً ولكنه ليس قصيراً جداً مثل الساقين).
نعلم أن الودانة هي أكثر أسباب القزامة شيوعاً من دون منازع، وهي من أشكال القزامة قصيرة الأطراف التي تحدث في واحدة من كل 26000 إلى 40000 ولادة من كل الأعراق والأجناس البشرية، في 80 بالمئة من الحالات تكون الودانة نتيجة طفرة وراثية حدثت قبل الإلقاح أو خلال الحمل، كما يمكن للطفل أن يرث الجين الشاذ من الوالدين إذا كان أحدهما مصاباً بالودانة.
أما عن الصفات المميزة للأقزام المصابين بالودانة، فهي جذع طويل نسبياً مقارنة بطول الجسم، أما أكثر المناطق المتأثرة بقصر القامة هي الأجزاء القريبة من الأطراف (أي الفخذين والعضدين)، كما يمكن أن نلاحظ بعض الصفات والملامح الجسدية المشتركة لدى الأفراد المصابين بالودانة مثل:
- كبر الرأس.
- الجبهة البارزة.
- الأنف المسطح (أو الأفطس).
- اليدان والأصابع القصيرة.
- نقص القوة العضلية.

من الحالات المرضية المسببة للقزامة نذكر أيضاً عسر التشكل المشاشي الفقري (SED) وهو مصطلح يشير إلى مجموعة من الأمراض المؤدية إلى قصر طول العمود الفقري (وبالتالي قزامة قصيرة الجذع)، في بعض أشكال هذا المرض لا يبدو قصر القامة على الطفل في مرحلة الطفولة المبكرة، ويبدأ بالظهور في سن المدرسة، وفي بعض الأشكال الأخرى يكون الطفل قصيراً منذ الولادة، عادة ما تترافق هذه الحالة مع بعض التشوهات الجسدية مثل الحنك المشقوق، الشفة المشقوقة، القدم القفداء الفحجاء أو ما يعرف باسم قدم مضرب الغولف (Clubfoot)، ومشاكل في عظيمات السمع مما يؤدي إلى نقص في السمع.

كما يمكن تصنيف القزامة من خلال النسبة بين طول الجذع والأطراف إلى قزامة متناسبة أو غير متناسبة:
- القزامة المتناسبة (Proportionate Dwarfism):
تكون قياسات أجزاء الجسم طبيعية بالنسبة إلى بعضها البعض ولكن الجسم ككل يكون قصيراً، ومن الأمثلة على أسباب هذا النمط نذكر أمراض سوء الامتصاص والمشاكل الغدية والهرمونية.
- القزامة غير المتناسبة (Disproportionate Dwarfism): أهم أسباب هذا النمط من القزامة هو الودانة التي سبق لنا ذكرها، وهنا يكون قصر القامة على حساب جزء من الجسد بشكل خاص (أي الطرفين السفليين أو الجذع).
 

ما هي العلاجات المتوفرة لقصر القامة في الطفولة؟
تهدف العلاجات المتوفرة إلى تلافي الاختلاطات والمشاكل الصحية التي قد تأتي مرافقة للقزامة، بالإضافة إلى تعزيز قدرة الطفل على العيش بشكل طبيعي ومستقل، ومن الوسائل العلاجية المتوفرة نذكر:
- العمليات الجراحية: تهدف هذه العمليات إلى تصحيح المشاكل الجسدية لدى الأطفال المصابين بالقزامة غير المتناسبة على وجه الخصوص، قد يمكن من خلال الجراحة تصحيح تقوس الأطراف وإعادة توجيهها بشكل سليم، أو يمكن تطويل الساقين بضعة سنتمترات من خلال عمليات دقيقة تعتمد على كسر العظام في عدة نقاط وتطبيق قوة شد على الساق من أجل التئام الكسر واكتساب طول إضافي.
- العلاج الهرموني: بتعويض الهرمونات الناقصة من الجسم، وأهم الأمثلة على هذا العلاج هو تعويض هرمون النمو عن طريق حقن من هرمون مركب مخبرياً يعطى للطفل بشكل منتظم حتى يصل إلى نهاية مرحلة النمو، يعطي هذا العلاج نتائج رائعة، ويعالج القزامة بشكل جيد في حالة نقص هرمون النمو.
- العناية الصحية المستمرة: يمكن أن يحتاج بعض الأطفال المصابين بالقزامة إلى علاجات خاصة بهم من أجل المضاعفات الصحية في حال الإصابة بمرض وراثي أو استقلابي ما، ولذلك قد تكون الخطة العلاجية مميزة ومختلفة بالنسبة إلى كل طفل.
- العلاج الفيزيائي: من أجل تقوية العضلات وتحسين مجال حركة المفاصل.

وفي الختام.. من المؤكد أن نقص النمو لدى الطفل هو أمر مقلق ومريب للوالدين، ولكن الواقع يقول أن قصر القامة ليس إعاقة حقيقية ولا يمنع الطفل من ممارسة حياته بشكل طبيعي، وهنا يقع على الوالدين مهمة الدعم النفسي من أجل زرع الثقة في نفس الطفل، والتعامل معه بشكل مناسب لسنه حتى لو كان أقصر وأصغر حجماً من إخوته الذين يصغرونه في العمر، لأن هذه التفاصيل الدقيقة هي التي ترسم شخصية الطفل وتساعده على تقبل شكل جسده كما هو.