أسباب نفور الأبناء من الآباء وكره الأهل
الكثير من الآباء والأمهات تتملكهم الحيرة بسبب التطورات السلبية لعلاقتهم مع أبنائهم، وتتكرر شكواهم من عدم طاعة أبنائهم لهم أو عنادهم، وتصرفاتهم العدائية تجاههم، وسلوكياتهم الغريبة وتصرفاتهم الحادة، وبالتأكيد هناك أسباب لتلك السلوكيات، لابد أن تعرفها لكي تعرف كيف تبحث عن طرق جديدة للتواصل بينك وبين أبنائك وتوطيد أواصر الثقة والمحبة بينكم.
في الغالب توجد خمس مراحل لحدوث النفور بين الأبناء وآبائهم، ولكن لا يشترط أن يبدأ كل الآباء من نفس المرحلة، وكذلك لا يشترط أن يتفقوا على مرحلة معينة للانتهاء عندها، فالأمر يختلف من شخص لآخر، وبحسب طبيعة العلاقة والثقافة السائدة داخل الأسرة أو المجتمع بشكل عام، وإليكَ هذه المراحل:
- الصدمة: في هذه المرحلة تبدأ العلاقة بين الأب و الابن في التوتر، ويلاحظ الأب تمرد ابنه وعصيانه، وغالباً ما تنتهي هذه المرحلة بالإنكار حيث أن الأب يأبى أن يقر بفشله في تربية هذا الابن، ويدفعه الشعور بالصدمة لتجاهل الأمر مبدئياً أو إنكاره تماماً.
- الغضب: بعد تكرار الصدمات والمواقف التي تؤكد للأب نفور الابن منه، يبدأ الأب في الخروج من دائرة الإنكار والصدمة، ويظهر غضبه تجاه تصرفات ابنه، وتبدأ حدة العلاقة بينهما تزداد تدريجياً، وغالباً ما تنتهي هذه المرحلة باليأس من الابن وفقدان الأمل في إصلاح ما فسد في العلاقة.
- المساومة: يبدأ الأب بعدما وضحت ملامح العلاقة بينه وبين ابنه بمساومة الابن على تلبية طلباته واحتياجاته مقابل تقديم الطاعة والانصياع للأوامر وتنفيذها، وربما يحدث أن الابن هو الذي يساوم والده على الطاعة، وأياً كان الطرف الذي يقدم المساومة ففي النهاية غالباً ما تنتهي تلك المرحلة أيضا بالفشل، وزيادة الخلافات بين الطرفين ويعود الأب للشعور باليأس من جديد.
- الحزن والتسليم: بعدما بات الوضع بين الأب وابنه أمراً واقعاً لا بد منه ولا مفر، يلجأ الأب إلى الاعتراف وقبول ما وصلت إليه الأمور، ولكن يلجأ الكثير من الآباء لمحاولة تغيير هذا الوضع، فغالباً ما تنتهي تلك المرحلة بالرغبة في البحث عن مخرج آمن من تلك الأزمة، ورغبة حقيقية في الإصلاح والتغيير.
- الإصلاح: هنا يبحث الأب ويبذل ما في وسعه لمعرفة الأسباب وكيف يمكن أن يتعامل مع تلك الأزمة حتى لا تتفاقم ويستحيل حلها، بعدما أتعبه طول الشقاق والخلاف بينه وبين ابنه، ويسعى جدياً لاحتضانه من جديد وتقليص المسافات بينهما.
تتعدد الأسباب وتختلف من أسرة لأخرى، ولكن النتيجة واحدة، لذا يجب على كل أب وأم البحث في تلك الأسباب بعناية لتفسير تمرد الأبناء ونفورهم:
- التمييز بين الأبناء: التفرقة في المعاملة بين الأبناء تدفع الابن إلى الشعور بالكره أو النفور من والديه، خاصة أن هذا التمييز يعود لأسباب خارجة حقاً عن إرادة الطفل المنبوذ، كما أن التمييز بين الأبناء يؤدي بالضرورة إلى توتر العلاقة بين الأخوة.
- السخرية و الاستهزاء: للأسف بعض الآباء يستهزئون بأبنائهم أمام الغرباء أو حتى الأقارب، ويظنون أن هذا سيكون مجرد موقف عابر لن يتأثر به الطفل ولن تتأثر به شخصيته، أو ربما يظنون أن هذا سيصلح من شأنه لكن في الحقيقة أن الابن تتولد لديه مشاعر كراهية ونفور تجاه أبويه يكون من الصعب تغييرها.
- فساد الأخلاق: يظن الآباء أن الأبناء خاصة في المراحل الأولى من عمرهم لا يدركون معنى الأخلاق وقيمتها، فيتصرفون بانحراف أو بشكل سيء أمام أبنائهم، ويطلقون عبارات وألفاظ تسيء لهم أمام أبنائهم، وتجعلهم يشعرون بالتناقض بين نصائح أبائهم وبين أفعالهم، ومن ثم يشعرون بالنفور منهم، ويرفضون تنفيذ أوامرهم.
- البخل: الأب والأم اللذان يتسمان بالبخل العاطفي أو المادي يفسدان مراحل الطفولة والمراهقة لدى الأبناء، فما يشعر به الأبناء من قسوة وبخل يجعلهم ينفرون من آبائهم.
- القسوة: بالطبع إن العنف اللفظي أو الجسدي ضد الأطفال يشوه العلاقة بينهم وبين أبائهم، فبدلاً من أن يكون الأب والأم مصدر الأمان والحماية، يصبحان مصدر الخوف والفزع بالنسبة لأبنائهم مما يدفعهم حتماً للنفور والرغبة الدائمة في البعد.
- عدم تقديم الدعم الكافي: يصبح الابن بحاجة ماسّة للحصول على الدعم المادي والمعنوي من أبويه، خاصة في مراحل عمره الأولى، وليس كما يعتقد معظم الآباء بكفاية تقديم الدعم المادي فقط، وفي حالة غياب الدعم بأي شكل من أشكاله تبدأ العلاقة بالانحدار حتى تصل لمرحلة النفور.
- انعدام التقدير: هذه آفة تربوية متشعبة الأضرار والمخاطر، فسعي الآباء للكمال يجعلهم يضاعفون المسؤولية والحمل على أبنائهم، ولا يقبلون بأي تقصير أو خطأ مهما كان بسيطاً ويمكن تجاوزه، وفي المقابل لا يبدون إعجابهم بإنجازات أبنائهم التي ربما تكون عظيمة في نظر الابن وكل ما يأمل به هو سماع كلمة "أحسنت"، لكن على العكس لا يجد سوى التوبيخ واللوم والاتهامات المتلاحقة، وهنا تتهيأ عقلية الطفل ونفسيته للنفور من أبويه.
كيف تتجنب الوصول لحالة نفور أبنائك منك؟
- عليك أن تنتبه جيداً لما يجعل الابن الطبيعي ينفر من والديه، وعليك أيضا مراجعة سلوكك وتصرفاتك داخل نطاق أسرتك وخارجها، فربما لا تلقِ بالاً لقول أو فعل وهو بكل تأكيد يكون السبب الأول والشرارة التي أشعلت الكره والنفور في نفس ابنك تجاهك.
- ويجب أن تكون حذراً تجاه عاطفة ابنك وعقليته فهو لا ينسى ما تقوله، ولا تأمره بفعل ما وتفعله أنت كي لا تفقد ثقته واحترامه لك.
- لا تقلل من شأنه أمام الآخرين ولا تستهزئ به أو بمشاعره فهو مهما كانت طبيعته وشخصيته ما زال طفلاً يؤثر فيه التشجيع والتوبيخ.
- وتذكر أنك أنت المسؤول الأول عن شكل العلاقة بينك وبين أبنائك، فقبل أن تغضب من ابنك الذي يعصيك أو يتعمد استفزازك ويتمرد عليك راجع علاقتك به أمام الناس، وهل تقدره حقاً؟ هل تشعره بتميزه وذكائه؟ هل ترفع دوماً من شأنه أمام الآخرين؟ هل تقدم له الدعم الذي يحتاجه حقاً؟ هل تكتفي بدعمه مادياً أم أنك تدرك أهمية الدعم النفسي والمعنوي؟ هل تكلفه ما لا يطيق وتطلب منه الكمال والمثالية في كل شيء؟.. أجب عن هذه الأسئلة بصدق أولاً ثم بعد ذلك أجب لماذا يتمرد عليك أو ينفر منك.
إن كنت بالفعل أدركت أن علاقتك بابنك تمر بإحدى مراحل النفور المذكورة سابقاً، عليك الانتباه جيداً لما يجب فعله وتنفيذه بجدية واهتمام:
- تجاوز الصدمة: تجاوز الصدمة وابحث عن الحل في مرحلة الصدمة، حين تدرك أن هناك أمراً غير مألوف في علاقتك بابنك ثم تتساءل في ذهول "أيعقل أن يحدث هذا؟ كم كنا قريبين!"، هذا يعني أنه ليس بالضرورة أن ينشأ الطفل على النفور، فربما كان حقاً أقرب ما يكون من أبويه ولكن حدثت بعض الأمور التي أفسدت العلاقة، وهنا مادمت أدركت، فلا تنشغل كثيراً بالوقوف مذهولاً ومصدوماً مما وصل إليه الوضع، وابحث عن السبب الذي أدى إلى ذلك واسع لإيجاد حل فوري للأزمة، فإدراكك السريع للصدمة وتجاوزك السريع لها يساعدك على تدارك الخطأ وتصحيحه قبل أن يتفاقم الأمر وينفر منك ابنك للأبد.
- امنحهم مساحتهم الخاصة: سعيك العاجل والسريع للحل لا يعني الانتهاء الفوري للمشكلة، فإن لم تحصل على استجابة إيجابية، لا تمارس الضغط أو العنف ضدهم حتى لا تفقد السيطرة على الأمر، اتركهم بعض الشيء يشعرون بتلك الفجوة، فإن كانت علاقتك بهم من قبل إيجابية وجيدة؛ سيساهم ذلك في سرعة رجوعهم إليك وإنهاء المشكلة، وإن لم تكن العلاقة من البداية على ما يرام إذن فعليك أن تتعلم أولاً كيف يمكن أن تعالج هذا الأمر.
- لا تساوم: إن كنت في مرحلة المساومة توقف عن ذلك فوراً، فأنت تزيد الأمر سوءاً لأنك لا تتقرب من ابنك ولا تقربه منك بمساومته على طاعتك ومحبتك، بالعكس فأنت تؤكد له بشكل غير مباشر أن تقبلك له ومحبتك له مشروط ومرهون فقط بتنفيذ أوامرك، فهو على أفضل الاحتمالات ربما يجاريك كي ينال ما يريده، وبذلك تكون قد أعددت منافقاً خالصاً، لذلك لا تساوم واسعى للحوار والمناقشة بعطف ووضوح وكُن له الأب الذي يسعى هو لإرضائه والتقرب منه دون شرط.
- كن إيجابياً: يجب ألا تمكث كثيراً في مرحلة اليأس والقبول والتسليم، وكن إيجابياً ومبادراً دائماً، واعلم أن حرصك على كسب ابنك يجب أن يكون أهم لديك من حرصك على ضمان طاعته وتنفيذ أوامرك.