كيف تغير الأبوة الرجل؟

بماذا يفكر الرجل عندما يعرف أنه سيصبح أب؟ بماذا يشعر الزوج عندما يحمل طفله لأول مرة؟ كيف يتغير جسم الرجل وأفكاره مع الأبوة؟
كيف تغير الأبوة الرجل؟
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

هل يفتقد الرجل تفاصيل حياته قبل إنجاب الأطفال؟ وما هي مشاعره في اللحظة التي عرف فيها أنه سيصبح أباً؟ بحيث مهما كان استعدادك النفسي لتصبح والداً؛ لن تستطيع وصف اللحظة التي تحمل فيها طفلك بين يديك لأول مرة.. هذا المقال عن الأب.. وكيف يتغير الرجل مع الأبوة.. وماذا تأخذ من حياته وكيف تضيف إليها.. وما الذي يقع على عاتقه في تربية الطفل وتنشئته مذ يكون رضيعاً ضعيفاً ويحتاج رعاية والديه معاً بكل طاقتهما وحبهما وما يكتنفه ذلك من تعب وهمّ وخوف وسعادة.

العلم يشرح الأسباب التي تساهم في تغيير الأبوة.. للرجل
فكرة أن الرجل يمكن أن يمتلك غريزة الأبوة والأمومة ليست مجرد ملائمة، هي فكرة جديدة نسبياً بالنسبة لجيل آبائنا وأجدادنا، فعندما ولدنا نحن جيل الثمانينات.. كان توقع قيام آبائنا بدور في العناية بنا ونحن رضع؛ أمر مستبعد وكانوا ربما.. يُعدون بديلاً سيئاً لأمهاتنا!
في الواقع حتى هذه اللحظة ينظر العلماء الذين درسوا تطور الأطفال المبكر إلى الأمهات حصرياً دون الآباء، ويقول رائد أبحاث الأبوة منذ سبعينات القرن العشرين والمدرس في جامعة كامبردج البروفسور مايكل لامب (Michael Lamb): "كان منتصف سبعينيات القرن العشرين ذروة نظرية التعلق (attachment theory)، والتي كانت متجسدة في ذلك الوقت، وركزت بشدة على الأهمية البالغة للتعلق بين الرضيع وأمه في السنوات الأولى من حياته، فتماشى ذلك مع الافتراض بأنها العلاقة (الأولية) الوحيدة التي يمكن للأطفال تكوينها"، ومع ذلك توصل لامب وعدد من الباحثين الآخرين في ذلك الوقت إلى نتيجة: "يمكن أن يشكل الأطفال ارتباطاً قوياً مع آبائهم وأمهاتهم معاً"، ومن تلك النتيجة نمت مجموعة من الأدلة المثيرة للاهتمام ولكنها محدودة؛ تفيد بأن الرجال ليسوا فقط مبنيون لرعاية الأطفال، لكن كونهم أباء.. سيؤثر ذلك على الأطفال نفسياً وفسيولوجيا لبقية حياتهم.

باختصار.. الآباء يُحدثون فرقاً في حياة الطفل الرضيع؛ فلماذا عندما نرى رجلاً مع طفله الرضيع في أحد أيام الأسبوع، ما زلنا نتساءل بغرابة عن مكان وجود والدة ذلك الطفل، حتى لو كنا نعتقد أنه لطيف للغاية، حتى لو كان "جليساً للأطفال"؟.. الحقيقة هي أنه كما كانت لدى النساء دائماً ما يلزمها لأداء دورها كأم، فإن الرجال يتمتعون أيضاً بالقدرة على تنشئة الطفل ورعايته دائماً.
 

animate

التغيرات الهرمونية والجسدية التي تحدث للرجل مع الأبوة
لم تأتي نهاية القرن العشرين حتى اكتشف العلماء أن أجساد الرجال تتغير مع الأبوة أيضاً! فإن الأنظمة الهرمونية لدى الرجال تتغير بشكل كبير عندما يصبحون آباء، وهو كشف مدهش بشكل أساسي مما يعني أنه على الرغم من الدور المحدود في تربية الطفل، الذي يضعه الآباء على أنفسهم منذ فترة طويلة؛ فإن الكيمياء الداخلية الغريزية؛ قد تدفعهم دائماً نحو مزيد من المشاركة في تربية الطفل.
لقد عرفنا منذ فترة طويلة أن الأوكسيتوسين (هرمون الحب) يلعب دوراً في ارتباط الأم الأولي مع طفلها بعد الولادة، لكن في الآونة الأخيرة لاحظ الباحثون أن نفس الارتفاع في الأوكسيتوسين يحدث عندما يرعى الآباء ويلعبون مع الأطفال حديثي الولادة، فالطبيعة تعمل على تغيير عقلك وجسمك بطرق تضمن لك أنك الرجل المناسب لهذا المنصب (الأبوة)، كما ينخفض مستوى هرمون تستوستيرون عادة عند الرجل، مما يجعله أقل عرضة لسلوك المخاطرة وأكثر قدرة على رعاية مولوده الجديد، كذلك من الغريب أنه يسجل زيادة في البرولاكتين (وهو هرمون يشتهر بمساعدة النساء على إنتاج الحليب)، اتضح أن الغرض منه أكبر من ذلك، ويقول عالم الأنثروبولوجيا لي غيتلر (Lee Gettler): "البرولاكتين يعلو عند الرجال الذين يلعبون مع أطفالهم الرضع، ويكون الآباء عندها أكثر استجابة وحساسية لصرخات الرضيع أثناء الليل"، بعبارة أخرى يلعب هذا الهرمون دوراً في زيادة رغبة الأب في أن يكون قريباً من طفله.

تقول متخصصة علم الغدد الصماء هايلي اللواي (Hayley Alloway): "إن وجود وقت يكون فيه الرجل مسئولاً عن التفاعل الجسدي المباشر مع طفله الرضيع، حيث يقدم له الرعاية كاملة؛ له تأثير أكبر على تغير مستوياته الهرمونية"، ووفق للواي: "التغيرات الهرمونية لدى الآباء خلال المراحل الأولية من حياة الطفل لا تستمر بمجرد أن يكون للاثنين اتصال جسدي أقل، لكن الأطفال يكون لهم تأثير طويل المدى على أجسام الرجال، على الرغم من أن البحث في هذا المجال ضئيل، إلا أن إحدى الدراسات التي أجريت عام 2004 وجدت أن الرجال الذين تقل أعمارهم عن 40 عاماً ولديهم أطفال يتمتعون بصحة أسوأ من أولئك الذين ليس لديهم أطفال وهم في نفس العمر، والعكس صحيح بالنسبة للرجال الذين تزيد أعمارهم عن 40 عاماً، وإذا وصل الأب إلى 60 عاماً؛ فقد وجدت دراسة أجريت عام 2017 في السويد؛ أن وجود طفل يضيف نحو عامين إلى متوسط عمر الرجل المتوقع".

لعبت الحركة الاجتماعية لإيجاد قدر أكبر من المساواة بين الجنسين؛ دوراً في أن أصبح الرجل أكثر انخراطاً في عملية رعاية الطفل، على الرغم من أن هذا الاتجاه ربما كان من أجل تحقيق التوازن في العمل ورعاية الأطفال بين الوالدين، إلا أن الأبحاث التي تحدثنا عنها أعلاه هي محاولة لإظهار أن الآباء كانوا أكثر من مجرد نسخة احتياطية عن الأمهات، ففي النهاية الآباء يمكن أن يكون لهم تأثير إيجابي بالغ على الطفل، في مختلف جوانب تطور الطفل وحمايته من التأخر المعرفي، واستعداده الأفضل للدراسة، كذلك انخفاض في نوبات الغضب والسلوك العدواني عند الأطفال الصغار، كما أن استخدام الأب للمفردات له أكبر الأثر على التطور اللغوي عند الطفل.

بالإضافة إلى التحولات الهرمونية عند الآباء، فإن العديد منهم سيختبرون تغيرات جسدية أثناء حمل الأمهات، وهذا ما تحدث عنه عالم أنثروبولوجيا بريطاني في عام 1865، حيث تتراوح هذه الأعراض الجسدية أثناء حمل الأم عند الرجل؛ بين التقلبات في الشهية وزيادة الوزن إلى زيادة انتفاخ البطن وآلام الظهر وحتى "غثيان الصباح"! ويمكن أن يكون هذا استجابة متعاطفة لتجربة الزوجة، والآثار الناجمة عن التغيرات الهرمونية التي تحدث خلال القرب من الأم، أو ببساطة نتيجة لحالة القلق الاستباقية في أنك تصبح والداً.
 

بماذا يفكر الرجل عندما يكتشف أنه سيصبح والداً؟
ستكون أباً... تغمرك النشوة والحماس والفرح وتفكر: "سأكون مثل أبي".. ربما يستغرق الأمر دقائق أو ساعات أو أيام... هذه النشوة تفسح المجال للذعر.. ثم تعود النشوة.. ثم ينبثق الهلع مرة أخرى، ومن ثم فهو مزيج غريب من الاثنين معاً، فأن تصبح أحد الوالدين يعني أن تعيش في حالة مستمرة من السعادة والقلق، ومن أهم الأفكار التي تسيطر على ذهنك:
- أنا الآن وإلى الأبد مسؤول عن إنسان آخر: يجب عليك المساهمة في تشكيل هذا الإنسان الصغير.
- من الصعب ألا تبدأ التفكير في ما ستكون عليه الحياة مستقبلاً: ثم قد تسأل زوجتك عن المدة حتى يتمكن الطفل فعلاً من المشي والقيام بأشياء رائعة معك، كلعب الكرة مثلاً!
- سيخبرك الآباء الأخرون أن هذا سيكون صعباً للغاية: ناهيك عن استنزاف جسدياً وعاطفياً.. ولن تصدقهم.
- هل سأتحول إلى أحد الوالدين المهووسين بأطفالهم؟ هذا خوف حقيقي!
- كيف أخبر الجميع؟ لا يوجد آداب حقيقية عندما يتعلق الأمر بالكشف عن الحمل، يجب أن تخبر الجميع على حدة؟ وهل يهتم الناس حقاً.
- هل هذا ما كان عليه والدي؟ ربما حتى لا تعرف كيف كان تفكيره عندما كنت طفلاً.
- ماذا لو حدث شيء ما للطفل؟ تبدأ بالقلق.. والخوف.
- ماذا لو كان طفلي غاضباً؟ كيف سيكون هذا الطفل؟ هل يشبهني بالطباع؟..
 

نصائح مفيدة للأب أول مرة
إن وجود طفلك الأول سيكون دائماً تجربة مخيفة.. بصفتك أباً لأول مرة، على الرغم من أنك لا تقلق بشأن الولادة، فأنت في مهمة حمل ولا تزال خائفة من كل شيء سوف يحدث بعد ولادة الطفل، فأنت خائف قليلاً قبل ولادة زوجتك، كما أن هناك الكثير من الترقب.. لكنك متحمس بشكل عام، إليك بعض النصائح التي نقدمها لكل أب جديد بشأن الأدوار، التي يجب عليه مراعاتها خلال الأسابيع القليلة الأولى من الأبوة وبعد ولادة طفلك الأول:

1- ساهم متى يمكنك ذلك: سيحتاج جسم زوجتك إلى وقت للتعافي، وستقوم بالرضاعة الطبيعية كنشاط الرعاية الوحيد للطفل، حيث يمكن للآباء أن يساهموا في حمام الرضيع وتغير الحفاضات، كما يمكن لهم أن يساهموا في الحفاظ على نظافة المنزل أفضل من الأمهات خلال فترة النفاس.

2- إعطاء زجاجات الرضاعة من حليب الأم أو الحليب الصناعي للطفل: مما يمنح الأم فترة راحة وفرصاً إضافية لك للترابط مع طفلك، حيث تحضنه إلى صدرك وتعطيه زجاجة الحليب. 

3- فترة المناوبة الليلية: ستكون الأسابيع الأولى من ليالي بلا نوم، وهناك الكثير مما يمكنك فعله: كأن تحمل الرضيع وأن تغير الحفاضات، كذلك إعطاء الطفل لزوجتك من أجل الرضاعة وإعادته إلى سريره، بحيث لن تكون متصلاً فقط بطفلك، بل ستعطي الأم بعض الراحة التي هي بأشد الحاجة إليها.

4- الأبوة هي أكثر من وظيفة بدوام كامل في الأسابيع القليلة الأولى: مما يعني أن الأعمال المنزلية ستتراكم، لذا قم بتنظيف (الأطباق والغسيل والغبار...) التي ستتراكم.

5- اقبل المساعدة متى تم تقديمها: دع أهلك وأهل زوجتك يطبخون أو يحضرون وجباتكم، أو اسمح لأختك بتغيير الحفاضات أو حمل الطفل، الأهم من ذلك لا تدع أي فرصة تفوتك لأخذ قيلولة.

6- الشخص الأكثر أهمية للاستماع إليه بمجرد وصول الطفل هي شريكة حياتك فقط: شجعها على إخبارك بما تشعر به وما تحتاج إليه، ومن المرجح أن تفعل الشيء نفسه بالنسبة لك، يجب أن تدعما بعضكما البعض في هذه المرحلة الصعبة والجميلة.

في النهاية.. عندما تسأل أحد أقاربك من الرجال عن مشاعره لحظة حمل طفله لأول مرة، يقول ببساطة: "كنت خائفاً جداً.. سعيداً وحزيناً على ضعف هذا الطفل بين ذراعي... حتى يضم بيده الصغيرة إبهامي بقوة غريبة، ويسري دفئها من أعلى رأسي حتى أخمص قدمي، وتعتري معدتي اضطرابات شديدة فتشتد حرارتي ويخفق قلبي بسرعة.. عندها أعرف معنى الأبوة وأدرك أن مهمتي في هذه الحياة قد تجسدت على شكل هذا الإنسان الصغير، الذي لن يمضِ العام حتى ينطق ويقول بابا ربما قبل أو يقول ماما حتى".