أساليب تربية الأطفال وأنماط الأبوة والأمومة المختلفة

أنماط الأبوة والأمومة المختلفة وتأثيرها على تربية الأطفال، أساليب وطرق تربية الأطفال وأهمية أنماط التربية، أشهر النظريات والدراسات حول أساليب وطرق تربية الأطفال
أساليب تربية الأطفال وأنماط الأبوة والأمومة المختلفة

أساليب تربية الأطفال وأنماط الأبوة والأمومة المختلفة

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

مما لا شكَّ فيه أن أساليب تربية الأطفال وأنماط تربية الأولاد المختلفة من أكثر القضايا التي تشغل الأهل، حتى الأهل الأقل اهتماماً بنظريات تربية الأطفال العلمية وأساليب التربية المدروسة يهتمون دائماً بحصول أطفالهم على أفضل تربية ممكنة.
في هذا المقال نحاول أن نتناول مفهوم أنماط الأبوة والأمومة وأساليب التربية المختلفة، أن نحدد أساليب تربية الأبناء والفروق بينها وإيجابيات وسلبيات كل نمط من أنماط التربية، بالاعتماد على أشهر الدراسات والنظريات التربوية وأهم كتب تربية الأطفال.
 

تحدثنا في مقال سابق عن مفهوم السياق التربوي، ومعنى أن ينتهج الأهل سياقاً تربوياً متكاملاً في تربية الأبناء تربية صحيحة، ويعتبر مفهوم أساليب وأنماط التربية مفهوماً رديفاً للسياق التربوي، لكنه يتعلق بشكل أساسي بطبيعة الأمومة والأبوة التي تميّز الأهل.
وقد اهتم علماء التربية وعلماء نفس الطفل اهتماماً استثنائياً بأنماط وأساليب التربية وتأثيرها على سلوك الأطفال وشخصيتهم على المدى الطويل والقصير، ذلك أن أنماط الأبوة وأساليب تربية الأطفال تنعكس على الأطفال في مرحلة مبكرة جداً، حتى أن أشهر نظريات التربية أقيمت على دراسة الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة.
ولطالما كان السؤال التربوي الأهم؛ لماذا الأطفال الذين نشأوا في بيئة مختلفة وفي ظروف مختلفة قد يبدون متشابهين فيما بعد؟ وفي نفس الوقت الأطفال الذين يتربون في نفس المنزل وفي بيئة متشابهة إلى حد بعيد قد يختلفون بشكل كبير وتكون لديهم شخصيات مختلفة؟ هذه الأسئلة كانت الدافع الأساسي لدراسة أساليب تربية الأبناء وأنماط التربية المختلفة [1].
 

animate

في واحدة من أهم نظريات التربية التي ناقشت أساليب أنماط تربية الأبناء؛ استنتجت عالمة النفس ديانا بومريند Diana Baumrind أن هناك ثلاثة أساليب تربوية رئيسية أو ثلاثة أنماط للأبوة والأمومة يمكن اعتباراها الخيارات التربوية الرئيسية[2]، وقد اعتمدت بومريند في دراستها على أبعاد استراتيجيات التأديب، أساليب التواصل، الدفء والتعاطف، التوقعات والانضباط وغيرها من الأبعاد التربوية التي تحدد النمط، وفيما يلي نذكر هذه الأنماط والأساليب.

الاستبدادية في تربية الأبناء Authoritarian
أول أسلوب أو نمط من أنماط التربية هو أن يكون الأهل مستبدون، وهناك مجموعة من الخصائص لأسلوب تربية الأبناء الاستبدادي:
- أهل متسلطون وصارمون واستبداديون بكل معنى الكلمة.
- يمتلك الأهل المستبدون توقعات مرتفعة جداً من أطفالهم، ويطلبون منهم الكثير دون منحهم الدفء ودون الاستجابة لاحتياجات الأطفال (راجع مقالنا عن توقعات الأهل المرتفعة من الأطفال).
- يفرض الأهل في أسلوب التربية الاستبدادي قواعدهم على الأطفال دون تبرير أو توضيح، فإذا سأل الطفل "لماذا يجب أن أفعل ذلك"، يكون جواب الأهل "لأنني قلت لك أن تفعله"!.
- يعتبر الأسلوب الاستبدادي في تربية الأبناء قائماً على الانضباط القاسي الذي يمكن تشبيهه بالتربية العسكرية.

غالباً ما يكون هذا الأسلوب التربوي سلبياً على الأطفال وشخصيتهم ومستقبلهم، حيث يواجه الأطفال الذين يخضعون للاستبداد العائلي صعوبة في تكوين علاقات اجتماعية سوية وصحية، ويواجهون صعوبة في تكوين شخصية مستقلة ومتوازنة.

التربية الموثوقة والداعمة Authoritative
المشترك بين أسلوب التربية المستبد وأسلوب التربية الموثوقة أن الآباء في الحالتين يضعون توقعات كبيرة لأطفالهم ويراهنون رهانات كبيرة عليهم، لكن في التربية الموثوقة فإن الأهل أكثر توازناً في تلبية احتياجات الطفل المختلفة بالتزامن مع مطالبته بمزيد من الإنجازات، ويمكن تلخيص خصائص هذا النمط من التربية:
- الأهل أكثر مرونة واستجابة لحاجات الطفل المختلفة، وهم أكثر ميلاً للاستماع الحوار والنقاش للوصول إلى حلول جيدة.
- الآباء والأمهات الذين ينتهجون التربية الواثقة يعلمون أطفالهم الاعتماد على الذات واحترام الآخرين، ويعلمونهم الانضباط والاستقلالية.
- يمتلك الآباء والأمهات في هذا النمط من التربية هامشاً كبيراً من التعاطف والدفء في العلاقة مع أبنائهم.
- على الرغم أن توقعات الآباء مرتفعة لكنها معقولة، هم يقدمون لأبنائهم شرحاً وافياً عن كل ما يطلبونه ويعتمدون على أن يتصرف الطفل من قناعاته لا بشكل إجباري.
- يعتبر هذا النمط التربوي من أكثر أنماط التربية الإيجابية نجاحاً.

الآباء المتساهلون Permissive
النمط الثالث من أنماط الأمومة والأبوة التي رصدتها بومريند هو أسلوب التسامح أو التساهل في تربية الأطفال، حيث يسجل الأبوان في هذا النمط درجات مرتفعة على مقاييس الدفء والحنان والاهتمام العاطفي بالأبناء، فيما يسجلان نقاط أقل بكثير على مقايس الضبط والتحكم والقواعد.
بمعنى أن الطفل يفعل ما يشاء مع أقل قدر ممكن من الحدود الضوابط للسلوك، وغالباً ما يصطدم الأطفال الذين نشأوا في أسرة متساهلة مع المجتمع وضوابطه، ويجدون صعوبة في إدراك المعايير العامة والالتزام بالقواعد العامة سواء في المجتمع ككل أو حتى في بيئات محددة، وقد يعانون أيضاً من الاندفاع والتهور.

الآباء والأمهات المهملون أو غير المشاركين Permissive 
يعود الفضل في إضافة هذا الأسلوب في تربية الأطفال إلى الأنماط التي اقترحتها ديانا بومريند إلى عالمي النفس اليانور ماكوبي وجون مارتن Eleanor Maccoby and John Martin، حيث أضافا نمط الأبوة غير المشاركة أو المهملة تعبيراً عن أسلوب التربية المهملة أو الآباء الذين يعتقدون أن الأطفال يتربون وحدهم ولا يحتاجون للكثير من الجهد أو القواعد[1].
هذا النمط من الأمومة والأبوة يقوم على تأمين احتياجات الطفل الأساسية من طعام وشرب وسكن وحماية والحاجات الأولية، مع إهمال كامل أو شبه كامل لحياة الطفل والقواعد التي تنظم سلوكه وتكوّن شخصيته، وبطبيعة الحال فالطفل في هذا النمط متروك للصدفة وللمربين الخارجيين لرسموا له ملامح شخصيته.

التربية الحرة Free-Range Style
يعتبر نمط التربية الحرة أسلوباً يقوم على تفادي أنماط الأبوة الصارمة التي اقترحتها بومريند ونمط الأبوة المهملة، ذلك من خلال إمساك العصى من النصف، وقد كثر الحديث عن نمط التربية الحرة عام 2008 بعد مقال لينور سكانينزي Lenore Skenanzy في صحيفة نيويورك ذا صن بعنوان "لماذا أترك طفلي ذو التسع سنوات يركب المترو لوحده؟"[3]، حيث اعتقدت الكاتبة إن الإفراط في حماية الطفل سيكون مشكلة كبيرة، ولا بد من منح الأطفال الاستقلالية ومساعدتهم على خوض التجارب بحرية والاستفادة منها.
وتقوم التربية الحرة على تخفيف القيود على حركة الأطفال بمفردهم دون أن يشكل ذلك خطراً عليهم أو إهمالاً لهم [4]،  وتشجيع الأطفال على اللعب في الطبيعة والأماكن المفتوحة ومع أقرانهم أكثر من الألعاب الالكترونية والمنزلية، وتحميل الأطفال مسؤولية أنفسهم بشكل معتدل مع منحهم الاستقلالية (راجع مقالنا عن تربية طفل مستقل).
 

تخضع خيارات الأهل التربوية إلى معايير كثيرة ومتداخلة، منها السياق التربوي الذي تلقاه الأهل أنفسهم في طفولتهم، والمعايير الاجتماعية والتربوية السائدة في مجتمع من المجتمعات، فبينا يعتقد الأب الأمريكي أن السماح لابنه اللعب في الشارع يعتبر نمطاً تربوياً جريئاً؛ فإن اللعب في الشارع مع أبناء الجيران والأقران من نفس السن يعتبر أمراً عادياً جداً لدى الكثير من فئات المجتمعات العربية.
على وجه العموم إن أنماط الأبوة الموثوقة والتربية الحرة تحظى بالتأييد الأكبر في الأوساط التربوية، وهي الأنماط الأكثر نجاحاً والتي تلبي احتياجات الطفل من العطف والانضباط والاستقلال وغيرها، لكن وحسب رأي واضعي هذه الأنماط فإن التربية المستبدة مثلاً قد تكون ضرورة حتمية في سياق اجتماعي معين.
اقرأ مقالنا عن التربية الإيجابية وفوائدها

خلاصة القول، مهما اختلفت وجهات النظر حول طرق وأساليب التربية وأنماط الأبوة والأمومة؛ لا بد أن يقوم كل أب وأم بوضع قواعد تربوية مدروسة في ضوء معرفتهم باحتياجات أطفالهم وطبيعة المعايير الاجتماعية والتربوية المحيطة بهم، وأهم قاعدة في اختيار أسلوب التربية الصحيحة هو المرونة، حيث يجب أن يتحلى المربون بالمرونة الكافية لاكتشاف أخطائهم وإصلاحها قبل فوات الأوان.

وإليك بعض الأفكار التي لا بد من النظر إليها في سبيل اختيار الأسلوب الأفضل في تربية الأبناء:
- الآباء المستبدون لا يقدمون فهماً واضحاً للقواعد، إنها أشبه بأوامر عسكرية، على الرغم أن هذا الأسلوب سيكون مريحاً للأهل لكنه لن يكون مثمراً بالنسبة للأبناء، فيما يقدم الآباء الموثوقون شرحاً واضحاً للقواعد والمعايير التي يطلبون من الطفل تنفيذها والالتزام بها، وهذا سيجعل من تطبيق هذه القواعد أمراً أكثر فاعلية واستقراراً.

- التربية المتساهلة على الرغم مما تقدمه للطفل على الصعيد العاطفي والنفسي من راحة وطمأنينة ودفء؛ لكنها تهمل الآثار طويلة الأمد لغياب القواعد التربوية الصارمة والواقعية، الحب وحده لن يجعل من طفلكم طفلاً جيداً.

- نمط التربية الإيجابية يهتم بتعزيز نمو القدرات والمهارات عند الأطفال مع الدعم العاطفي اللازم، لكن تطبيق التربية الإيجابية في سياق تربوي غير متناسق قد يبطل مفعولها، اقرأ مقالنا عن التربية الإيجابية عندما تصبح غير نافعة.

- إن اختيار نمط تربية متوازن يتطلب النظر إلى العوامل الموضوعية (البيئة، المجتمع، الطبقة والمستوى الاقتصادي، قدرات الطفل الخاصة...إلخ) والعوامل الذاتية (نظرة الآباء إلى التربية، المنطلقات والمبادئ الفكرية للأهل، أهداف الأهل التربوية ورسالتهم...إلخ).

أخيراً... على الرغم من أهمية مواكبة النظريات التربوية وفهمها ودراسة أنماط التربية؛ إلَّا أن العلماء الذين صاغوا هذه النظريات أو الأنماط كانوا أول من حذَّر من اعتبارها دستوراً أو خيارات مغلقة يجب الاختيار من بينها وتنفيذها بحذافيرها، فأفضل أسلوب تربوي هو الذي يقوم الأهل بصياغته بشكل مدروس اعتماداً على معرفتهم هم بأنفسهم وبأبنائهم وبمحيطهم وبأهداف العملية التربوية.
 

[1] مقال Kendra Cherry "لماذا تعتبر أنماط الأمومة والأبوة مهمة في العملية التربوية" منشور في verywellmind.com، تمت مراجعته في 23/6/2019.
[2] مقال KATHRYN ESPLIN "نظرية بومريند لأنماط الأبوة والأمومة" منشور في livestrong.com، تمت مراجعته في 23/6/2019.
[3] مقال Lenore Skenanzy " لماذا أترك طفلي ذو التسع سنوات يركب المترو لوحده؟" منشور في nysun.com، تمت مراجعته في 23/6/2019.
[4] مقال Amy Morin "ما هو نمط التربية الحرة؟" منشور في verywellfamily.com، تمت مراجعته في 23/6/2019.