تربية الطفل من قبل الأقارب بين الأسباب والآثار

ما هي الحالات التي تجعل الطفل يتربى على يد الأقارب؟ وما هي خصائص وآثار تربية الأقارب للطفل؟ ثم ما واجبات الأقارب بتربية الأولاد؟ وأخيراً ما هي مساوئ تعلق الطفل بأحد أقاربه أكثر من ذويه؟
تربية الطفل من قبل الأقارب بين الأسباب والآثار

تربية الطفل من قبل الأقارب بين الأسباب والآثار

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

المسؤولية الطبيعية والمعروفة في تربية الأطفال تقع على عاتق والديهم، لكن في بعض الحالات يضطر أقارب الطفل لحمل مسؤولية تربيته والقيام بهذه الوظيفة بالنيابة عن ذويه، وهذه المسألة لها أبعادها التربوية الخاصة وأسبابها المختلفة التي يجب معرفتها ودراستها لتقدير آثارها ونتائجها.
فما هي الحالات التي تستوجب تربية الطفل من قبل الأقارب؟ وما هي آثار تربية الأقارب للطفل وخصاص هذا النمط من التربية؟ وما هي واجبات الأقارب تجاه الأطفال؟
 

عوامل وأسباب عديدة تجيز أو تستوجب أو تؤدي لتلقي الطفل التربية على يد أحد أقاربه، ومن هذه العوامل ما يرتبط بظروف وحالات خاصة تصبح فيها رعاية الأقارب لطفل أقربائهم واجب وضرورة أخلاقية واجتماعية ومنها حالات أخرى مرتبطة بالعلاقة بين الطفل نفسه وقريبه الذي يتلقى التربية على يده وأسباب أخرى متعلقة بالوالدين أنفسهم ومن هذه الحالات:

- تبني الأطفال: حالات وأسباب التبني عديدة ومتنوعة ولها درجات مختلفة، ولكن الأكثر شيوعاً منها أن يحصل هذا التبني من قبل الأقارب، مثل  التكفل بتعليم الطفل نظراً لعجز الوالدين عن القيام بهذه المهمة أو تربية الطفل من قبل أخيه الأكبر بسبب تقدم الوالدين بالعمر، بالإضافة للكثير من الحالات والأسباب.

- فقدان أحد الوالدين: أكدت بعض الأبحاث أن عمر الشخص يؤثر على طبيعية استجابته لوفاة والديه أو أحدهما [1]، حسب دراسة لمركز علم النفس الوظيفي في جامعة جودسون، والأطفال هم غالباً الأكثر تأثراً بهذه المسألة، وهذا ما يلقي المسؤولية الأخلاقية على أقارب الطفل لرعايته عند فقدان والديه في كثير من الحالات.

- عدم أهلية الوالدين: سواء لأسباب مرضية أو عمرية أو مادية أو حتى قانونية أو نفسية قد يصبح الوالدين غير مؤهلين من وجهة نظر المجتمع أو القانون والأعراف لتربية طفلهم، مثل إدمان أحد الوالدين على المخدرات كما يرى الباحث (روزان جياروسو) في دراسته حول أسباب تربية الأجداد لأحفادهم أو أشكال الانحراف كافة، وهنا تصبح تربيته واجب على الأقرباء الأكثر نضجاً وأهلية للقيام بهذه الوظيفة.

- تربية المواهب: في هذه الحالة  يكون الطفل متمتع بقدرة أو موهبة خاصة، وبسبب انشغال الوالدين أو جهلهم بمتطلبات هذه الموهبة أو طريقة تنميتها قد يتدخل أحد الأقرباء مثل الأخ الأكبر أو العم أو الخال الذي يقدّر هذه الموهبة ويقوم بالعناية بهذا الطفل والعمل على تطوير مواهبه.

- إصابة أحد الوالدين بأمراض: وهذه أيضاً لها حالات وأشكال مختلفة مثل عدم قدرة الأم على إرضاع الطفل وبالتالي قيام الخالة أو العمة بهذه المهمة، أو الإصابة بمرض خطير بحاجة لعزل صحي أو يسبب عجز جسدي لأحد الوالدين عن تلبية متطلبات وحاجات الطفل.

- عمل الوالدين: فظروف الحياة القاسية أو بسبب معايير ثقافية معينة قد ينشغل كلا الوالدين بالعمل عن العناية بطفلهما وتربيته، وفي أغلب الحالات تلقى هذه المهمة على عاتق الجد أو الجدة حسب رأي الكاتبة جودي باسكال في مقالتها عن تربية الطفل من قبل أقاربه [2].

- انفصال الوالدين: ففي حالات الانفصال قد يعيش الطفل مع أحد والديه ويبتعد عن الآخر ولكن التربية الصحية بحاجة لوجود مربي من كلا الجنسين إلى جانب الطفل، وفي حالة وجود الطفل مع الأم مثلاً قد يأخذ خاله أو جده هذا الدور.

- تعلق الطفل بأقاربه: وهي أيضاً من الحالات الشائعة التي يتعلق فيها الطفل بأحد أقاربه مثل العم أو الخال أو الأخ الأكبر أو بأبنائهم، وقد يذهب في أيام العطل أو الإجازات لقضاء وقت لديهم وتعتبر هذه الحالة من أشكال التربية الجزئية فوجود الطفل خارج المنزل لا يعني السماح له بالخطأ أو فعل ما يحلو له دون رقابة أو توجيه
 

animate

خصائص التربية التي يتلقاها الطفل على أيدي أقاربه بدلاً من والديه
من البديهي أن تختلف نوعية التربية والمعاملة التي يحصل عليها الطفل من بعض أقاربه عن تلك التي من المفترض أن يحصل عليها من قبل والديه في الحالات العادية والطبيعية، وهذا يعود للعديد من الأسباب منها ما يتعلق بالظروف والأسباب التي اقتضت وأوجبت رعاية الطفل من قبل أقاربه أو درجة القربة بين الطفل والمربين أو حتى الاختلاف الثقافي بين أقارب الطفل ووالديه وطريقة ونهج كل منهما في التربية:

- العلاقة العاطفية بين الطفل والمربين: فبين الطفل ووالديه الحقيقيين رابط أو علاقة عاطفية غريزية أو فطرية قد لا تكون ظاهرة أو واضحة، وتربية الطفل من قبل أقاربه قد لا تحقق هذا الرابط بينه وبين المربي وبالتالي لن تكتمل عملية التربية من حيث جانبها المتعلق بالبعد والعمق العاطفي والنفسي للطفل.

- اختلاف منظومة العلاقات الأسرية: في الأسرة الطبيعية للطفل يتربى في كنف أب وأم وأخوة وأخوات، أما في حال تربيته خارج إطار الأسرة فإن هذه العلاقات سوف تتغير فبدلاً من الأب قد يكون الخال أو العم وبدلاً من الأم قد تكون زوجة الخال أو العم وبدلاً من الأخوة سوف يعيش مع ابنائهم، واختلاف منظومة العلاقات الأسرية هذه سوف ينتج عنه اختلاف في نوع استجاباته أو طريقة تفاعله ضمنها.
 

بعيداً عن الحسابات الأخلاقية أو العاطفية ببعديها السلبي والايجابي التي عادةً ما قد تترافق مع فكرة العناية بطفل من قبل أحد ما غير ذويه فإن أي مسالة فيها خروج عن البديهي والطبيعي والمألوف في أي موضوع كان سوف يسبب خلل وظيفي بالضرورة في أحد جوانب إتمام هذه المهمة على النحو الصحيح والمتوقع، ومن هنا فيمكن التنبؤ ببعض المساوئ الناتجة عن حالة تربية الطفل من قبل أقاربه والتي ليس بالضرورة من جهة أخرى أن تترافق جمعيها مع جميع الحالات فهي مسألة نسبية:

- اعتياد الطفل على الحياة خارج إطار الأسرة: فالأسرة هي المكان الطبيعي الذي يجب أن يتربى فيه الطفل ويعيش ضمنه،  وفي حال لا يوجد ضرورة لتلقيه التربية على يد أحد آخر غير والديه فمن الأفضل أن يبقى في كنفهما [3].

- شعور الطفل بالغربة: لأسباب نفسية وشخصية متعلقة بالطفل ذاته أو لأسباب متعلقة بعادات وقوانين القريب الذي يتربى في منزله أو طريقة وأسلوب تعامله معه فيمكن أن يشعر الطفل أنه غريب ولا يحصل على نفس الحقوق والواجبات وبالتالي قد لا يتجاوب مع هذه التربية أو تتكون لديه العديد من المشاكل الشخصية والاجتماعية.

- ضعف العلاقة بين الطفل ووالديه الحقيقيين: فالبعد دائماً يتسبب بالجفاء وبحكم الاعتياد على البعد قد تضعف العلاقة العاطفية والرابط الطبيعي بين الطفل ووالديه، ولهذه المسألة سلبيات عديدة على نفسية الطفل وعلى طريقة تعامله مع والديه ونظرته لهم.

- الاختلاف في الوسائل التربوية: فنتيجة للاختلافات الشخصية بين والدي الطفل الفعليين وبين أقاربه الذي يقومون على تربيته قد  يتعرض الطفل لنمطين من التربية مختلفين من حيث الثقافة أو قائمة الممنوعات والأشياء المسموح بها وهنا قد يقع الطفل في تناقض التوجيهات التي تحدث في كثير من الأحيان بين الأهل والأقارب..

- مستوى قليل أو مبالغ فيه من الاهتمام: من ناحية فبدون قصد قد لا يولي الأقرباء المربين الطفل الرعاية والاهتمام الكافي، ومن ناحية أخرى قد يكون هذا الاهتمام مبالغ فيه ويشعر الطفل بأنه بحالة غير طبيعية مثل الشفقة أو التعاطف الزائد وهذا أيضاً له آثار سلبية على تربيته.

- التفريق بين الطفل وأولاد القريب: وهي قد تحصل بشكل مقصود أو غير مقصود خلال تفاصيل الحياة اليومية وفي أبسط الأمور مثل شراء الألعاب والملابس، وهذه التفرقة حتى وإن لم يشعر بها الكبار إلا أنها عميقة الأثر في نفس الطفل.
 

تربية الطفل والعناية بشؤونه هي مسؤولية أخلاقية وإنسانية لا يستهان بها، هذا بالإضافة لأنها مهمة متنوعة الوظائف والواجبات والمجلات فالتربية تعني من جهة الرعاية الصحية والغذائية والنظافة بالطفل، ومن ناحية أخرى تعني التربية التعليمية وتوريث الأخلاق والثقافة، وكل هذه المسائل تفرض واجبات خاصة على من يربي طفل ليس له بالإضافة للواجبات العاطفية

- عدم التفرقة  بين الأطفال: فكما سبق وذكرنا التفرقة التي قد تحصل سواء بشكل مقصود أو غير مقصود بين الطفل الذي يقوم القريب على تربيته وبين أطفاله لها آثار سلبية بالغة على نفسية وشخصية هذا الطفل، وبالتالي يجب الانتباه لأن الأطفال لديهم حساسية بالغة تجاه كل ما يلاقوه من معاملة.

- العناية بأدق التفاصيل: حيث أن للطفل وحاجات ومتطلبات ورغبات وضروريات متعددة ومتنوعة، وهو غير قادر دائماً على تلبيتها بنفسه مثل الغذاء واللباس والنظافة وحتى مواعيد دخول الحمام التي قد يحرج منها في منزل أقربائه، ويجب الانتباه لكل هذه المسائل بالإضافة للتعليم والتربية الأخلاقية والرعاية الصحية، وأيضاً المتعة واللعب والتسلية والأنشطة الترفيهية، فلا يجب إهمال أي ناحية من هذه التفاصيل.

- تحمل المسؤولية بشكل كامل أو الاستغناء عنها: لا أحد يفرض على القريب العناية بطفله أو يجبره على ذلك، وبالتالي فيجب على القريب الذي يأخذ على عاتقه هذه المهمة تحمّل مسؤولياتها كاملة، وعدم إشعار الطفل بالضجر أو الانزعاج  منه.

- الإبقاء والحفاظ على علاقة الطفل بوالديه: فمهما كان سبب تربية الطفل من قبل أقاربه يجب أن يبقى على علاقة جيدة بوالديه، كما يجب الحفاظ على صورتهما الايجابية أمامه، فضعف هذه العلاقة أو تشوه تلك الصورة لهما آثار اجتماعية وتربوية عديدة على الطفل مثل الشعور بالوحدة أو العار وذلك طبعاً تبعاً للسبب الذي أبعده عن والديه.

إذاً في كثير من الحالات المختلفة من حيث سببها يضطر بعض الأطفال لتلقي نوع من التربية الجزئية أو الكاملة على يد أقاربهم أو أحد غير ذويهم، ومثل كافة الظروف الخاصة التي يتربى فيها الطفل لهذه المسألة أبعادها وآثارها على نوع التربية الذي يتلقاه وعلى خصائصه وصفاته الشخصية، ولهذا كان يجب التعرف على هذه الأسباب والحالات وما يحيط ها من ظروف ونتائج بغية الوصول لتحسن الأداء في التعامل مع الطفل فيها وضمان حصوله على تربية أفضل.