تفاعل الأطفال مع الغرباء

ما هي مجالات تفاعل الطفل مع الغرباء؟ أين تكمن مخاطر تفاعل الطفل مع الغرباء؟ ثم ما ضرورات تفاعل الطفل مع الأشخاص الغرباء؟ وأخيراً كيف يمكن توجيه سلوك الطفل لحمايته من مخاطر التعامل مع الغرباء؟
تفاعل الأطفال مع الغرباء

تفاعل الأطفال مع الغرباء

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

نحن كبشر مخلوقات ذات طابع اجتماعي تقوم حياتنا على مجموعة من علاقات الأخذ والعطاء وتبادل المصالح، فالفرد منا لا يقوى على تلبية جميع رغباته وإشباع كل حاجاته بمفرده، ولذك هو بحاجة للعيش ضمن منظومة اجتماعية يمارس فيها دور ووظيفة معينة ويعتمد على الآخرين بالوظائف والأدوار الأخرى.
ومع تطور الحياة البشرية في مجالاتها المختلفة تطورت أيضاً هذه المنظومة الاجتماعية من حيث شكلها وتفاصيلها، أصبح الفرد البشري بحاجة للتفاعل والتواصل مع الغرباء في حياته اليومية لتحقيق مصالح تبدو لا نهائية بينه وبين هؤلاء الغرباء، وحتى الأطفال لهم حصتهم في منظومة التفاعل هذه التي قد يكون لها خصائصها من حيث ما تعود عليهم من فوائد ومصالح وما قد يكون لها من مخاطر ومضار.
 

لا يمكن للطفل الاستغناء عن التفاعل مع محيطه بكل ما يحتوي عليه من علاقات وأنظمة للتواصل تضمن له تلبية رغباته وإشباع حاجاته[1]، فهناك قواسم مشتركة بينه وبين أي شخص في الوجود تقوم على تبادل المصالح وتعلم الكثير عن حياته وممارسة دوره ووظيفته الاجتماعية، فمن خلال هذا التفاعل يتحقق:

تنمية مهارات التواصل لدى الطفل: فهو خلال تفاعله مع أشخاص جدد وغرباء في كل مرة يتعرف على شيء جديدة أو صفة جديدة وبالتالي يكون خبرة حول أصناف الأشخاص من حوله وصفاتهم وخصائصهم وطريقة تفكيرهم ووجهات نظرهم، وكل ما سبق يتحول إلى مهارة اجتماعية جديدة لديه تضاف إلى حصيلة قدراته وتكيفه وذكائه الاجتماع.

تحقيق الاستقرار الاجتماعي والذكاء التفاعلي: حيث أن هذا التعامل والتفاعل مع الأشخاص الجدد والغرباء الذين خارج إطار أسرته أو أقاربه أو بيئته الصغيرة، سوف يجعله يتعرف أكثر على حقوق الآخرين ويفرض عليه واجبات جديدة أثناء تفاعله معهم، بالتالي يعرف ما له وما عليه، ويصبح أكثر تقديراً للاستجابات التي يمكن أن يتلقاه أثناء تعامله مع من حوله، وبهذا يحقق استقراراً في علاقاته الاجتماعية وقدرة أكبر على بناء والحفاظ على هذه العلاقات.

اللعب والتعلم من الغرباء: أثناء تعامل الطفل مع أشخاص غرباء سواء أثناء اللعب أو تلبية حاجاته المختلفة وتعرفه على ثقافاتهم وأفكارهم وميولهم والسلوكيات التي تصدر عنهم، قد يتعلم الكثير من الخبرات الجديدة عن طريق الصدفة وهذه الخبرات قد لا يحصل عليها من أسرته ومدرسته، كطريقة التصرف في مواقف معينة أو تكوين رأي ووجهة نظر حيال أي شيء في الحياة.

تنمية سلوك التعاون والمشاركة في تحقيق المصالح المشتركة: كما سبق وذكرنا فإن التفاعل والتعامل مع  الآخرين هو حاجة وضرورة بشرية لا يمكن الاستغناء عنها، ويجب أن يحصل تعاون بين البشر حتى يحققوا مصالحهم المشتركة أو المتوافقة، وفي حالة الأطفال فإن هذا التعاون قد يحقق لهم رضا أفضل في الألعاب الجماعية، أو تسلية أكبر في النزهات ونجاحاً في المشاريع المشتركة.

التعرف على المحيط بما يحتوي عليه من معلومات وأفكار وثقافات: التفاعل مع الغرباء يعرف الطفل على العالم من حوله ويخرجه من حدود الأسرة التي يستقي منها عادة كل أفكاره ومعلومته ووجهة نظره في الحياة، وهذا يتيح له الاقتراب أكثر والتعامل بشكل مباشر مع الأفكار التي كونها عن الآخرين فيختبرها ويتعرف أكثر على تفاصيلها وأسبابها.
 

animate

أنشطة الأطفال وأماكن أو مجالات وجودهم لا حصر لها، سواء خلال اللعب أو القيام بالواجبات المتنوعة أو المدرسة وحتى أثناء الوجود بالمنزل، فالطفل وأثناء هذه النشاطات يتفاعل بطريقة أو بأخرى مع أشخاص غرباء بشكل شبه يومي تقريباً، حيث أن هذه النشاطات أو المجالات  موجودة في الحياة اليومية لكل الأطفال ومنها مثلاً:

الانترنت ووسائل الاتصال: حيث أن هذه التكنولوجية الجديدة أصبحت اليوم واقع وضرورة عصرية موجودة ومتاحة في كل منزل وفي أي وقت كان، ولا يمكن الاستغناء عنها، وهذه التكنولوجيا تأخذ الأطفال قليلي الخبرة في التعامل معها من وراء شاشاتهم إلى أماكن بعيدة وتعرفهم على ثقافات مختلفة كل الاختلاف عن بيئتهم، وتعرفهم على أشخاص يتفاعلون ويتواصلون معهم في مجتمع افتراضي لا تحمه أي ضوابط أو معايير تحدد شكل وحدود هذا التفاعل.

المؤسسات التعليمية: مثل المدارسة أو المعاهد التعليمية أو مؤسسات تعليم ورعاية المواهب والمهارات، فكل هذه المؤسسات تتميز بأنها أنشطة جماعية فيها أفراد من ثقافات وبيئات تربوية وأسر وشرائح اجتماعية مختلفة، وفيها يتعامل الطفل مع أشخاص جدد بعيداً عن أسرته وبيئته الأساسية، وتتميز العلاقات في هذه المؤسسات بأنها مضبوطة بمعايير وقوانين وبالإضافة لأنها تبقى تحت رقابة إدارة هذه المؤسسات. 

الشارع والأماكن العامة: خلال اللعب والتنزه في الشارع أو الحدائق مع الأصدقاء أو في الرحلات المدرسة يتعرف الطفل أيضاً على أشخاص غرباء ويتفاعل معهم لدواعي عديدة، وهذا النوع من التفاعل المباشر يمكن أن يكون الأخطر كون هؤلاء الغرباء مجهولين ولا يعرف الطفل أو ذويه شيء عن خلفيتهم الثقافة أو الاجتماعية أو حتى سويتهم النفسية.

المحلات التجارية: عند ذهاب الطفل لشراء احتياجاته أو إرساله من قبل والديه لتأمين حاجات المنزل، فإنه سوف يتعامل مع أصحاب هذه المحلات الغرباء بالنسبة له، أو خروجه بمرحلة متأخرة ليلعب مع أصدقائه في محلات الألعاب الالكترونية فإنه سوف يتعرف هناك أيضاً على الكثير من الغرباء منهم من نفس سنه أو أكبر أو أصغر منه.

الأصدقاء البعيدين بالنسبة للمراهق: فالمراهقين كثيراً ما يرغبون بالاستقلال عن ذويهم وهم يرفضون أي علاقة بين أصدقائهم ومعارفهم من جهة وذويهم من جهة أخرى، فهذا يهدد خصوصياتهم واستقلالهم من وجهة نظرهم، لذلك كثيراً ما يفاجئ الأهل بعلاقة ابنهم المراهق مع أشخاص غرباء قد لا يكونوا في مثل سنه أو مرحلته الدراسية.
 

تعامل الطفل مع الغرباء ليس آمن دائماً، فبسبب اختلاف المصالح في كثير من الأحيان أو الطبيعة والسوية النفسية للغرباء الذين يتفاعل الطفل معهم، قد يتعرض للعديد من المخاطر التي يجب أن يعرف كيف يتجاوزها ويقي نفسه منها[2]، فأثناء تفاعل الطفل مع أشخاص غرباء قد:
يتعرض مثلاً لثقافات وأفكار سيئة: أو بعيدة ومتناقضة أو مختلفة عن بيئته الأسرية وثقافته الاجتماعية، ويمكن أن يتعلق الطفل ويتبنى بعض هذه الثقافات السيئة التي تروج لسلوكيات أو قناعات مرفوضة أو متناقضة مع قيم مجتمعه مثل القيم الدينية أو العادات والأعراف وحتى فهمه لما هو مسموح أو ممنوع على المستوى الاجتماعي والأخلاقي.

تكوين علاقات مع أشخاص سيئين: وخاصة في مرحلة المراهقة فقد يتعرف المراهق على أصدقاء غريبين ولديهم سلوكيات منحرفة في بعض الأحيان كالإدمان أو التحرش أو تشكيل جماعات شريرة مؤذية.

التعرض للأذى الجسدي أو النفسي: مثل الاعتداء كالخطف أو السرقة أو حتى التحرش والاعتداء الجنسي، وهذه الحالات هي الأكثر خطورة وانتشاراً خلال تعامل الطفل مع غرباء غير معروفون من قبل ذويه.

الخوض في تجارب قد تكون خطرة أو مرفوضة: على المستوى الاجتماعي أو الأخلاقي  مثل النزوات والعلاقات والمغامرات العاطفية عند المراهقين، وخاصة بالحديث عن المراهقات الفتيات اللواتي يعتبرن أكثر عرضة للتحرش أو الخداع من قبل بعض ضعاف النفوس الذين يبحثون عن صيد سهل لإشباع بعض الرغبات المكبوتة لديهم.
 

لا يمكن بأي شكل تحديد حركة الطفل والتحفظ عليه ضمن قفص الأسرة وكبت طبيعته الغريزية ومنعه من التواصل مع الآخرين، وربما من الأجدى من ذلك إيجاد الوسائل التي تتيح بقاء هذا التواصل مع وجود معايير تحميه من المخاطر التي قد يتعرض لها خلال تفاعله مع الأشخاص الغرباء[3]، حتى يكوّن خبرة في التعامل مع الآخرين ويتقي خطرهم، فمثلاً:
يجب الحذر من المبالغة في إخافة الطفل: حيث أن هذه المبالغة تضعف ثقة الطفل بنفسه وقدرته على أن يكون علاقاته وحده، بالإضافة لأنها تجعله شخص منغلق لا يثق بالآخرين ولا يتعامل معهم ولديه دائماً مخاوف ربما تصبح مرضية من التعامل مع أي أحد غير ذويه والأشخاص المقربين.

وضع مجموعة من الضوابط والمعايير: التي يجب على الطفل أخذها بالاعتبار والالتزام بها أثناء تعامله مع أي شخص غريب مثل عدم الابتعاد معه دون استشارة الوالدين وعدم الانصياع لرغباته أو الخجل من رفضها، والبقاء دائماً في الأماكن العامة التي يمكنه فيها الدفاع عن نفسه أو طلب النجدة فيها في حال تعرضه لأي اعتداء.

مراقبة العلاقات والصداقات التي يبنيها الطفل: سواء في المنزل عبر أجهزة التواصل والانترنيت أو في الشارع أو حتى المدرسة هناك الكثير من الأشخاص الغرباء الذي قد يكونوا سيء السلوك والنوايا يتعامل  الطفل معهم، ولذلك يجب إبقاء هذا النوع من العلاقات تحت رقابة الأهل وتوجيههم ونصائحهم من خلال أساليب الإقناع والمناقشة لضمان التزام الطفل بها.

توضيح بعض السلوكيات الخطرة التي قد يقوم بها بعض الغرباء الخطرين أو بعض الطلبات التي قد يطلبوها من الطفل: مثل المساعدة في حمل بعض الأغراض أو الذهاب معهم للحصول على شيء ما، حيث يجب أن يتعلم الطفل التفريق من يستحق المساعدة وإلى أي حد وبين بعض الأشخاص الذين يستخدمون هذا الأسلوب لمآرب أخرى.

يجب تشجيع الطفل على البوح بكل ما يمر به من علاقات خلال يومه لذويه: وذلك مفيد في معرفة الأشخاص الذين يتعامل معهم بشكل يومي ويتيح للأهل تقدير وضع هؤلاء الأشخاص وتحذير الطفل منهم في حال كانوا خطرين، أو حتى الذهاب للتعرف عليهم والتأكد من عدم وجود مشكلة من التعامل معهم.

الإنسان لا يعيش وحده في هذه الحياة ولا يمكنه ذلك، سواء بدافع إِشباع حاجاته وتلبية رغباته أو بسبب طبيعته الغريزية التي خلق عليها، وهذا ما يفسر قنوات ووسائل التواصل المختلفة التي بدأت مع وجود الإنسان وتطورت مع تطوره حتى وصلت إلى الشكل الذي هي عليه في الوقت الراهن، ومع هذا التطور أًصبح التفاعل مع الغرباء أكثر تعقيداً وأقل أماناً وخاصة بالنسبة للأطفال قليلي الخبرة، ولهذا كان يجب البحث في هذا التفاعل بين الطفل والغرباء وخصائصه من أسباب وأنواع أو مجالات ونتائج.
 

[1] مقال "أهمية التفاعلات الاجتماعية عند الأطفال" منشور sandfield-day-nursery.co.uk، تمت مراجعته بتاريخ 26/6/2019.
[2] مقال "كيف ومتى يجب التحدث مع الطفل عن الغرباء" منشور في babycentre.co.uk، تمت مراجعته بتاريخ 26/6/2019.
[3] مقال Jocelyn Wiener "طرق عملية لتحدث الطفل مع الغرباء"، منشور على موقع Parents.com، تمت مراجعته بتاريخ 26/6/2019.