ثقافة الرسوم المتحركة وأثرها على شخصية الطفل

علاقة مفهوم الثقافة عند الطفل بالرسوم المتحركة وأهمية الرسوم المتحركة في عالم الأطفال، كيف تؤثر الرسوم المتحركة على ثقافة الطفل؟ وكيف يمكن الاستفادة منها والوقاية من سلبياتها في تربية الطفل؟
ثقافة الرسوم المتحركة وأثرها على شخصية الطفل

ثقافة الرسوم المتحركة وأثرها على شخصية الطفل

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

جميع الأطفال يتابعون الرسوم المتحركة ويندمجون إلى حد بعيد مع الأحداث والقصص الخيالية الجذابة التي تعرضها، وقد يستغرقون فيها إلى درجة مبالغ بها فنجدهم يقضون ساعات طويلة من أوقاتهم في مشاهدتها ويقتبسون منها في ألعابهم وتصرفاتهم ويقلدون شخصياتها وربما يقتدون بما تعلموه منها من استجابات وسلوكيات أو حكم ومواقف.
فالرسوم المتحركة وبرامج الأطفال عموماً مصممة خصيصاً وبطريقة مدروسة بعناية كي تناسب الذوق العام للأطفال وخيالهم وطريقة رؤيتهم للحياة، وانطلاقاً من هذا يمكن تقدير المدى الذي قد يصل له تأثير هذه البرامج على أطفالنا، فما هي الآثار المتنوعة للرسوم المتحركة على ثقافة الأطفال وشخصياتهم، وكيف يجب جعلها مفيدة للطفل؟

إن القصد من الربط بين الرسوم المتحركة وبين مصطلح الثقافة هو تلك الأفكار الخيالية كالحيوانات المتكلمة والمخلوقات الغريبة التي تمتلك حياة شبيهة بحياة البشر، أضف إلى ذلك أنواع الفنون الموجودة في هذه البرامج كأغاني الشارات مثلاً، فجميع هذه المكونات هي ما يمثل ثقافة الرسوم المتحركة بما تحتوي عليه من عبر وحكم ومواعظ لها أثر بالغ في شخصية وثقافة الأطفال.

animate

أصبحت الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال اليوم، واحدة من مكونات ثقافة الأطفال ووسيلة من وسائل التربية بالإضافة لأنها من أهم الموارد المعرفية التي يمكن أن يستقي منها الطفل الكثير من معلوماته، كما أن لهذه البرامج أثر واضح على سلوكيات الأطفال وتصرفاتهم وشخصياتهم، ولكن مع ذلك فلا يمكن إغفال الأثر السلبي لبعض الأحيان لهذه البرامج سواء الناتج عن تعامل الطفل معها أو طبيعة المحتوى التي تعرضه، ومن الآثار السلبية:

  • إدمان الطفل على الرسوم المتحركة: فالجاذبية التي تنطوي عليها الرسوم المتحركة بالنسبة للأطفال وما يجدونه فيها من إشباع لرغباتهم وشعور بالمتعة والتسلية قد يؤدي لاندماج الطفل بشكل مبالغ فيه مع ما تحتويه من شخصيات وقصص إلى درجة الاقتداء بأفعال هذه الشخصيات وتقليدها والدمج بين أحداث هذه القصص وعالم الواقع.
  • عرض محتوى لا يناسب ثقافة الطفل: في بعض الأحيان قد يكون هناك تناقض أو عدم تناسب بين ثقافة الطفل التي يتربى عليها من جهة والثقافة التي تعرض في الرسوم المتحركة من جهة، فعلى سبيل المثال المحتوى الذي تعرضه الرسوم المتحركة المدبلجة أو المواد الموجهة لأطفال فئة اجتماعية أو دينية دون سواها، فكل هذه العوامل سوف تحدث شرخاً بين ثقافة الطفل الاجتماعية وما يشاهده في هذه البرامج. 
  • المبالغة في الخيال والبعد عن الواقع: فلأهداف فنية أو تجارة أو حتى ترويجية قد تعرض الرسوم المتحركة مواد وقصص بعيدة جداً عن الواقع ولا تمس به من أي جهة، ويمكن لهذا في حالات معينة أن يجعل الطفل يبالغ في الاندماج معها ويسقطها على واقعه الذي يراه عاجزاً عن مضاهاتها، وقد يذهب نحو رفض الواقع جراء هذه المقارنة.
  • إشغال الطفل عن واجباته: قد يزيد تعلق الطفل بالرسوم المتحركة واندماجه معها لدرجة قد يشغل جل وقته في متابعتها، وهذا سوف ينعكس سلباً غلى أداء واجباته ويشغله عن وظائفه ومهامه الضرورية.
  • تعلم بعض القيم والأخلاقيات: الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال غالباً ما تحتوي في قصصها على معاني وقيم مرغوبة، أو تحث الطفل على تقليد سلوكيات شخصياتها المحبوبة مثل النظافة أو مساعدة الآخرين وتعلم تحمل المسؤولية، بالإضافة للأخلاق الحميدة وهنا فإن برامج الأطفال تأخذ على عاتقها جزء كبير من مهمة تربية هذه القيم في شخصيات الأطفال.
  • تسلية الطفل حتى لا يشعر بالملل: الأطفال دائماً يتذمرون ويشعرون بالملل ويودون فعل أشياء جديدة أو الذهاب في نزهات أو الخروج للعب، فالطفل لا يحتمل أن يبقى فترة طويلة يفعل الشيء نفسه أو لا يفعل شيء أطلاقاً، وبرامج الأطفال قللت كثيراً من هذه المشاعر عند الأطفال. 
  • الحصول على العديد من المعلومات: فبعض هذه البرامج تعرض محتويات علمية ودروس بمجالات مختلفة وكثيراُ ما تكون متوافقة مع المناهج التي يتعلمها الأطفال بالمدرسة، ولكن الطريقة التي تتناول برامج الأطفال فيه هذه المعلومات تعتبر أكثر جاذبية للأطفال وتدخل المعلومة إلى عقولهم بشكل أسرع وربما أكثر رسوخاً.

الرسوم المتحركة التي تبدو بسيطة في طريقة عرضها وطرحها لبعض الأفكار والمعلومات، هي في الحقيقة منتجة ومصممة خصيصاً لتعجب ذوق الأطفال عموماً، ويقف وراء عملية إنتاجها فرق متكاملة من المختصين بمختلف المجالات الفنية والعلمية من مصممين وخبراء نفسين يقومون على عملية الإنتاج والترويج آخذين باعتبارهم كل ما من شأنه أن يجذب الأطفال لمشاهدة المواد التي يعرضوها، ولكن بشكل عام يمكن ذكر بعض العوامل الفنية التي تجذب الأطفال للرسوم المتحركة وهي:

  • الرسوم المتحركة تحاكي خيال الطفل: فهي لا تلتزم كثيراً بقوانين الواقع وأحكامه وموضوعيته، وهذا يناسب الطبيعة المزاجية للأطفال وأفكارهم الخلاقة المتجددة، فالطفل لا يريد أن يقف عند حدود الواقع وبرامج الأطفال تطلق العنان لمخيلته وتشاركه فيما يتخيل فنجذب نحوها ويرى أفكاره من خلالها.
  • تشتمل على قصص ممتعة ومسلية: وهذه القصص منتجة خصيصاً للأطفال على اختلاف أذواقهم ورغباتهم فمنها ما هو مخصص للإناث ومنها الموجه للذكور، وهذه القصص تعتبر مسلية للأطفال وفيها الكثير من الحكم والمواعظ، التي تختزل الموروث الثقافي والفكري في بعض الأحيان للتاريخ الإنساني أو الاجتماعي.
  • تتيح الفرصة للتجريب والاختبار: حيث أن المحتويات والمواد الموجودة في الرسوم المتحركة منتجة بشكل مناسب لأفكار الأطفال وطبيعتهم الذهنية بشكل عام، والكثير من التجارب التي يفكر الأطفال فيها تعرض عليهم في هذه البرامج وتتيح أمامهم الفرصة لاختبارها ورؤية نتائجها، فيشعر الطفل بأنها تحاكي تفكيره وتفهم رغباته وينجذب نحوها.
  • بعض وسائل الترويج المستخدمة: على غرار الألبسة المطبوع عليها صور شخصيات الرسوم المتحركة وألعاب الفيديو المرتبطة بقصصها وأفكارها وشخصياتها، وكل هذه الأشياء تجعل الرسوم المتحركة واحدة من مكونات ثقافة الأطفال وجزء من مواردهم المعرفية. 

إذاً من خلال تفنيد العوامل التي تجعل من الرسوم المتحركة جذابة بالنسبة للأطفال بالإضافة إلى الآثار شديدة التنوع التي قد تعكسها على شخصية وثقافة الطفل، يمكن القول أن للرسوم المتحركة أهمية بالغة في تربية الطفل وتكوين ثقافته، وتتجلى هذه الأهمية من خلال العديد من النقاط ومنها:

  • تأخذ قدر كبير من تفكير الأطفال وأوقاتهم: حيث أن الأطفال يعيشون القصة المعروضة في الرسوم المتحركة ويندمجون مع أحداثها ويتابعون تطورها، حتى يمكن القول بأنهم يبنون علاقة مع شخصياتها ويشعرون بهم، وكل هذا يجعل الأطفال يتعلمون من هذه البرامج وينهلون من أفكارهما ومعلوماتها، هذا بالإضافة لأن المرحلة العمرية التي يتعلق فيها الأطفال بالرسوم المتحركة تعتبر الأخصب من ناحية المرونة التي يبديها الطفل لتكوين أفكاره وقناعاته.
  • يتأثر الأطفال بما تعرضه هذه البرامج من أفكار: الرسوم المتحركة في أغلب الأحيان تكون في أساسها أعمال أدبية على درجة كبيرة من الأهمية ولها أهداف محددة وأفكار يراد إيصالها من خلالها، وبسبب أسلوب الحبكة والتشويق التي تعتمد عليهما الأعمال الأدبية تجعل الأطفال أكثر تأثراً بأهداف هذه الأعمال والقيم التي تهدف إليها.
  • ربما يستقي الأطفال معلوماتهم من الرسوم المتحركة: برامج الأطفال عموماً قد تكون ذات طابع علمي تعليمي تربوي، مثل المسابقات التي تعتمد على الأسئلة والأجوبة التي يجب أن يتفاعل معها الأطفال بطرق متنوعة للفوز بجائزة ما، فكل هذا الكم من المعلومات سوف يترسخ في ذهن الطفل المشاهد بطريقة أسرع من ما يتلقاه في المدرسة بمراحل.

بما أن الرسوم المتحركة تؤثر إلى حد بعيد في شخصية الأطفال وتعتبر من أهم مكونات ثقافتهم وموارد معلوماتهم ومعارفهم، فلا بد من إيجاد وسائل تساعد في تطويعها واستغلالها في العملية التربوية، ويمكن تحقيق هذه الغاية من خلال محورين وهما إبعاد الأطفال عن السلبيات والمساوئ الناتجة عنها من جهة وتعزيز القيم الجيدة التي تطرحها من جهة أخرى، وذلك من خلال بعض الخطوات: 

  1. تعلم اللغة الصحيحة عن طريق الرسوم المتحركة: فغالباً ما تكون الرسوم المتحركة ناطقة باللغة الرسمية الصحيحة، وعند تشجيع الأطفال على تقليد طريقة كلام شخصيات القصة التي تعرضها، فإن هذا سوف يساعد الطفل على اكتساب لغته بشكل أفضل عن طريق السماع والتقليد حتى قبل دخول المدرسة والبدء بتعلم قواعد اللغة.
  2. استغلالها في جذب الطفل من الشارع: حتى لا يقضي الطفل معظم أوقات فراغه وعطله في الشارع وبين الأزقة وما قد تحويه هذه الأماكن من مخاطر صحية وتربوية، فيمكن للرسوم المتحركة أن تساعد في جذبه للمنزل ليبقى تحت أعين ورعاية ذويه، ولكن إلى درجة محدودة حتى لا يتعلق هذا الطفل بالرسوم المتحركة وبرامج الأطفال وينعزل عن عالمه الخارجي.
  3. ربط قصص برامج الأطفال مع بعض القيم والأخلاق المرغوبة: من الضروري توجيه اهتمام الأطفال نحو البرامج التي تعرض محتوى يحمل قيم وأخلاقيات وعادات جيدة ومرغوب غرسها في شخصية الطفل، والربط باستمرار بين هذه القيم وبين تصرفات الطفل على أرض الواقع مثل الحفاظ على النظافة وتعلم الأدب والأخلاق الحميدة والاهتمام بالواجبات المدرسية والمنزلية.
  4. جعلها طريقة لتنظيم وقت الطفل: من خلال تحديد الأوقات التي يسمح فيها للطفل بمتابعة هذه البرامج وربطها بالواجبات التي عليه إنهاءها أولاً، وتحديد أوقات النوم أو الدراسة وعدم إغفالها والانشغال بمشاهدة الرسوم المتحركة عنها.
  5. تعريف الطفل بحقيقة بعض المحتويات الخيالية التي تعرضها: من الضروري أن يعرف الطفل حقيقة المحتوى الذي تعرضه الرسوم المتحركة وتحديد إمكانية حدوثها في الواقع، حتى لا يندمج فيها الطفل لدرجة كبيرة ويبتعد بسببها عن واقعه.

الرسوم المتحركة وغيرها من برامج الأطفال التلفزيونية تعتبر بمثابة الجزء الثاني في عالم الأطفال من حيث الأهمية بعد اللعب في بناء ثقافة الأطفال وشخصيتهم وربما تربيتهم أيضاً، فمن هذا الجزء يحصل الطفل على معلومات متنوعة وأفكار عديدة هادفة وموجهة بشكل مباشر لمرحلة الطفولة، ولكن لا يمكن أن نغفل أيضاً ما لهذه البرامج من مساوئ وآثار سلبية منها ما يتعلق بالطفل ومدى تأثره بها ومنها ما هو ناتج عن هذه البرامج ذاتها، ومن هنا كان يجب التعرف على طبيعة هذه البرامج والمحتوى الذي يتلقاه أطفالنا منها، وكيف تؤثر سلباً أو إيجاباً على تربيتهم، وذلك من منطلق استغلال فوائدها ووقاية أطفالنا من سلبياتها.