الخيال والتخيل عند الأطفال مساحة حرة وإبداع بلا حدود

مفهوم الخيال عند الأطفال، ما الأشياء التي تدور في مخيلة الأطفال؟ وما دوافع الأطفال للجوء إلى التخيل؟ ثم ما هي فوائد ومضار الخيال عند الأطفال؟ وكيف يمكن توجيه خيال الطفل في تربيته وتطوير إبداعه؟
الخيال والتخيل عند الأطفال مساحة حرة وإبداع بلا حدود
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

الخيال بالنسبة للطفل يشبه إلى حد بعيد القلم والورقة بالنسبة للكاتب المبدع أو الريشة والألوان بالنسبة للرسام الموهوب، فمخيلة الطفل هي الأداة التي تتيح له تجاوز ظروف الواقع وحدود الزمان والمكان، وتطلق العنان للتعبير عن حاجاته ورغباته وتصور تحقيقها وحدوثها.
والتخيل أيضاً من أدوات التجريب والاختبار والتفكير والتحليل والتركيب والتعلم، فمن خلال الخيال يسافر الطفل إلى أماكن بعيدة ويتذكر أشياء حدثت في الماضي أو يفترض أحداثاً سوف يحققها في المستقبل، ولهذا كله كان للخيال أهمية كبيرة لدى مختلف العلوم التربوية أو النفسية أو حتى التعليمية وتطوير المواهب والابداع، فما هي مخيلة الأطفال وكيف يمكن تحليها والاستفادة منها؟
 

خيال الطفل هو فضاء بلا حدود، وأفق واسع للكثير من الأفكار والأمنيات والرغبات، فكل ما يعجز الطفل عن تحقيقه في الواقع يلجأ لتعويضه من خلال الخيال والأحلام، ولكن هناك بعض الأمور التي تعد عمومية يتخيلها معظم الأطفال ويفكرون بها نتيجة لتشابه اهتماماتهم وأفكارهم ورغباتهم ومن هذه الأِشياء:
- الأحلام والأمنيات:
للأطفال جميعاً أمنياتهم وأحلامهم وطموحاتهم، بعضها قد يكون من الصعب تحقيقه وبعضها الآخر يحتاج لبعض الوقت حتى يكبر الطفل ويصبح قادر على الوصول إليه، وفي هذه الأثناء يمضي الطفل معظم وقته وهو يفكر بهذه الأحلام ويتخيل تفاصيلها ويعيش فيها.

- الحاجات والرغبات: لصغر سن الطفل وقلة إمكاناته وضعف قدراته يعجز عن تحقيق الكثير من رغباته وأهدافه، وهو يعوض جزء من هذا العجز عن طريق تخيله أنه قد حصل على كل ما يريد، كالطفل الذي لم يتمكن أهله من شراء لعبة غالية الثمن فيتخيل أنه حصل على هذه اللعبة وهي الآن ملكه ويلعب بها افتراضياً.

- المخاوف والهواجس: سواء من المنامات والكوابيس أو القصص والأساطير التي يسمع بها الأطفال أو البرامج والأفلام التلفزيونية والسينمائية المرعبة؛ تتشكل لدى الأطفال الكثير من المخاوف الخيالية، هذا بالإضافة إلى المخاوف الحقيقية مثل الخوف من العقوبات على بعض التصرفات أو الرسوب في المدرسة فكل هذه تعد من المخاوف التي كثيراً ما يفكر فيها الأطفال ويتخيلون عواقبها.

- شخصيات القصص الخيالية: يعجب الأطفال بالشخصيات الأسطورية التي تعرض عليهم أو يسمعون بها، وهم لإعجابهم بمثل هذه الشخصيات كثيراً ما يتخيلون أنفسهم في مواقفها أو صفاتها أو أنهم يشبهونها.

- ألعاب تعتمد في أساسها على الخيال: ألعاب الأطفال كثيرة التنوع من حيث شكلها وأسلوبها وهدفها، وبعض هذه الألعاب تعتمد في أساسها على الخيال وهو ما يسمى باللعب الخيالي، مثل الحالات التي يتخيل فيها مجموعة من الأطفال أنهم يشكلون أسرة ويمثلون جميع أفرادها أو أنهم داخل قصة أو مغامرة معينة ويعيشون تفاصيلها من خلال الخيال.

- تمثيل الأدوار الاجتماعية: بدافع اللعب أو التسلية أو تجربة الأدوار واختبار المواقف، يتخيل الأطفال أنهم يمثلون أدوار اجتماعية معينة، مثل دور الأب أو الأم أو المعلم والطبيب أو الشرطي والكثير من الأدوار الأخرى التي تعبر عمَّا يدور ببال الطفل ومن يقتدي بهم من شخصيات.

- النجاح والتفوق: طموحات الأطفال وأهدافهم متنوعة وكثيراً ما نلاحظ عليهم أنهم يتخيلون نجاحهم في تحقيق هذه الأهداف ويتحدثون كيف يصلون إلى طموحاتهم وماذا سوف يفعلون عندما يحققونها بالفعل.

- حلول لبعض المشاكل: تواجه الأطفال خلال حياتهم اليومية ودراستهم أو ألعابهم أو علاقاتهم العديد من المشاكل، وهم كثيراً ما يعتمدون على الخيال في إيجاد الحلول لهذه المشاكل عن طريق تجريب بدائل الحلول بواسطة المخيلة.

- الانتقام من بعض الأشخاص أو المواقف: يشعر الطفل بالضعف أمام بعض المواقف أو في مواجهة بعض الأشخاص الذين لا يمتلك قدراتهم، وهو يعوض هذا النقص عن طريق تخيل أنه أقوى من هؤلاء الأشخاص وهو ينتقم منهم ويدافع عن نفسه ضدهم.

- تطوير بعض القصص والمواقف أو الأحداث وإعطائها شكل وصياغة جديدة: وهذا النوع من الخيال خاص بالأطفال الذين يملكون قدرات وأفكار إبداعية، فتجدهم لا يتوقفون عند حدود أي شيء بل يحاولون باستمرار تطويره حتى يتناسب مع إرادتهم وأفكارهم ورغباتهم وخاصة ألعابهم والقصص التي يسمعون بها.
 

animate

بين مواقف الإحباط المتنوعة التي يتعرض لها الطفل وبين قصور إمكانياته عن اشباع حاجاته وتلبية رغباته وطموحاته، تتنوع الأسباب والعوامل التي تدفع الطفل للجوء إلى الخيال والأحلام لتعويض هذا النقص الذي يشعر به، بالإضافة إلى أن الخيال يتيح للطفل تطوير قدرات وإمكانات عديدة وتعلم كل ما هو جديد بطريقة بسيطة وممتعة، من هنا يمكن ذكر مجموعة من الأسباب التي تدفع الطفل للخيال وهي:
- الهروب من مواقف الإحباط: مواقف الإحباط والفشل في الحياة التي تسبب الاكتئاب قد لا تحصى، وخاصة بالنسبة للأطفال الذين لا حدود لرغباتهم، وهم لهذا السبب يستخدمون الخيال كحل بديل يلجؤون إليه كلما وقف حائل أمام تحقيق ما يريدون وأمام كل مواقف الإحباط والفشل.

- تجاوز الصعوبات وقلة الإمكانات: يريد الطفل أن يحصل على كل شيء ويرى كل تفاصيل الحياة بالطريقة التي تناسب أفكاره وحاجاته، ونظراً لصعوبة تحقيق هذا الأمر يعد الخيال بالنسبة للطفل طريقة مثالية لتجاوز صعوبات الحياة وظروف الواقع.

- تفريغ الشحنات الانفعالية: والعاطفية والتخفيف من أعراض القلق والتوتر.

- البحث عن حلول للمشاكل وتجاوز العقبات: بطريقة تشبه إلى حد البعيد المنهج العلمي في حل المشكلات وتجاوز الصعوبات عن طريق افتراض الحلول وتجريبها بشكل مضطرد، يتبع الأطفال نفس الخطوات بطريقة أبسط في حل مشكلاتهم عن طريق الخيال والعمليات الذهنية في اقتراح وتجريب الحلول البديلة لأي عارض أو مشكلة.

- الفضول وحب التجريب: في كثير من الحالات يكون السبب وراء الأشياء التي يتخيلها الأطفال هو الفضول وحب الاستطلاع وتجريب العديد من المواقف والأشياء التي لا يتمكن الأطفال من تجريبها في الواقع نظراً لاعتبارات كثيرة مثل صغر سنه أو ضعف إمكاناته.

- عجز الواقع عن تلبية الرغبات والطموحات: للحياة الواقعية دائماً ظروفها الخاصة وشروطها التي لا يمكن تجاوزها، وهذه الظروف والشروط كثيراً ما تمثل حائلاً أمام تحقيق أهدافنا ورغباتنا نحن أو أطفالنا، وهنا يأتي دور الخيال لتعويض النقص الناتج عن هذه الظروف.
 

كما أن الخيال يعد الوسيلة التي تتيح للطفل تجاوز عقبات وظروف الواقع، هو من جهة أخرى قد يكون عاملاً يبعد الطفل عن هذا الواقع ويغيبه عن محيطه، وبين هذين البعدين للخيال تبدو فوائد عديدة قد تساعد الطفل في كثير من شؤونه وتطوير إمكاناته، كما تبدو سلبيات أيضاً قد تنعكس سلباً على توافق الطفل الاجتماعي وربما سويته النفسية إذا ما تجاوز الحدود الطبيعية، ومن هنا يمكن تقسيم آثار الخيال كما يلي:

فوائد الخيال لدى الطفل
- تجربة المواقف والادوار الاجتماعية المختلفة:
من الضروري أن يتعرف الطفل على الأدوار الاجتماعية المتعددة في بيئته حتى يتمكن من فهمها والتدرب لينجح أحدها أو بعضها في المستقبل مثل دور الأب أو الام أو الأخ أو المعلم والكثير من الأدوار الأخرى عن طريق التقليد والاختبار.

- اكتساب الخبرات: من خلال الخيال يتعرف الطفل على الكثر من المواقف وتفاصيل الحياة وهذه المعرفة التي يكتسبها تعد من الخبرات الضرورية التي تساعد الطفل في تلبية متطلبات الحياة وتجاوز صعوباتها.

- التعلم: فالخيال هو أحد أهم تقنيات وأدوات التعلم، الكثير من الأدوار التي يصعب شرحها للطفل بالوسائل العادية يعد الخيال طريقة جيدة لتبسيطها وتقريبها من قدرات الطفل الإدراكية.

- تنمية القدرات والمواهب: من شروط نجاح الموهبة أي كان مجالها سعة الخيال وتجاوز المصاعب، فالخيال يساعد الطفل في ابداع أفكار جديدة في المجال الذي يملك موهبة فيه وبالتالي سوف يطور هذه الموهبة.

- تنمية مهارات التفكير وتحليل المواقف: فمن خلال العميات الذهنية البسيطة التي تعتمد على الخيال يمكن للطفل تنمية الكثير من المهارات التي سوف تساعده على النجاح في واجباته وحاجاته وحل مشكلاته.

- توسيع المعارف والمدارك: حيث أن الخيال يتجاوز حدود الواقع والزمان والمكان، فهو يعطي الطفل الفرصة لتجريب الكثير من الأمور والدخول في تفاصيلها والتعرف على حيثياتها وبالتالي توسيع خزانه المعرفي وخبراته.

سلبيات التخيل عند الأطفال
- الشطح في الخيال والابتعاد عن الواقع:
بسبب الخيال الواسع الذي يتيح للطفل الكثير من الأشياء المحظورة في الواقع، قد يشطح الطفل في أفكاره إلى الدرجة التي تبعده عن واقعه وحياته الطبيعية والفعلية.

- التأثير على الاهتمام بالواجبات المدرسية والحياتية: بعض الأحيان ولاعتبارات كثيرة قد يهرب الطفل إلى الخيال إلى الدرجة التي تعيق تأدية واجباته سواء المدرسية أو الحياتية وهذه من السلبيات الأكثر انتشاراً لخيال الأطفال.

- النظر إلى الأمور بالطريقة التي تناسب أفكار الطفل وليس كما هي على حقيقتها: فيصبح الطفل شخص غير واقعي إلى درجة قد يصاب معها ببعض الاضطرابات النفسية إذا تطور الأمر.

- التعامل مع الخيال على أنه طريقة للهرب من الواقع بدلاً من مواجهته وتعلم دروسه.

- الانعزال والابتعاد عن المحيط: فالخيال دائماً أجمل وأسهل من الواقع وظروفه، وبعض الأطفال قد ينعزلون عن محيطهم ويستعيضون عنه بالأشياء التي يتخيلونها.

الخيال عند الأطفال من تقنيات التعلم شديدة التأثير وعالية الدقة وتتميز بأنها كوسيلة للتعلم يشعر فيها الطفل أنه يلعب ويتسلى ولا يشعر بالفتور أو الملل، من هنا يمكن استخدام هذه التقنية كوسيلة تربوية يمكن من خلالها تحقيق الكثير من الأهداف التعليمية وغرس الأشياء المرغوبة في أفكار وشخصية الطفل، وتتحقق هذه الغاية من خلال اتباع مجموعة من الخطوات:

الربط باستمرار بين الواقع وبين الأشياء التي يتخيلها الأطفال: فعندما يتخيل الطفل أنه وصل أو يريد الوصول إلى تحقيق هدف معين أو التشبه بشخصية أسطورية ما، فيمكن الربط بين الفكرة المراد تعليمها للطفل وبين هذه الشخصية على اعتبار أن هذه القيمة هي من أهم ميزات وصفات الشخصية المراد تخيلها بالنسبة للطفل مثل التعامل بشكل جيد مع الآخرين والمشاركة والعطاء.

تعليم الطفل ما هي نتائج تصرفاته من خلال تصوير هذه النتائج في مخيلته: فالأطفال يقومون ببعض الأفعال دون إدراك نتائجها أو الوعي بمخاطرها وسلبياته، ويمكن عن طريق الخيال شرح وتصوير هذه المخاطر في مخيلة وذهن الطفل وتعليمه تحمل المسؤولية، مثل الأمراض التي قد تصيبه نتيجة عدم عنايته بنظافته أو صحته أو غذائه.

شرح الأشياء المراد تعليمها للطفل من خلال تخيلها: ففي بعض الأحيان نرغب في إيصال فكرة معينة إلى ذهن الطفل وقد تعتبر صعبة الإدراك بالنسبة لسنه وقدراته الذهنية، ومن خلال الخيال وإعطاء الأمثلة الخيالية يمكن تبسيط مثل هذه الأفكار وتقريبها من وعي الطفل وقدراته الذهنية.

تطوير الابداع عند الأطفال من خلال الدمج بين الأشياء التي يتخيلها وقدراته ومواهبه الخاصة: فكما سبق وذكرنا بعض الأطفال يملكون قدرات ومواهب خاصة، فالطفل الذي يبدي مهارة في الرسم مثلاً يساعده الخيال في الابداع من ناحية الخيارات التي سوف يحاول رسمها وتصويرها، ونفس الأمر أيضاً بالنسبة للطفل الذي يملك قدرة على التأليف ورواية القصص.

خيال الطفل أكثر من مجرد لعبة أو وسيلة لتحقيق التسلية والمتعة، وإنما هو من جهة أحد مكونات الشخصية ووسائل التعلم والنمو بالنسبة للطفل وأداة من أدوات التطور، ومن جهة أخرى هناك مضار وسلبيات متعددة إذا زاد خيال الطفل عن حده وتجاوز المرحلة الطبيعية في حجم تأثيره على الطفل، هذا بالإضافة إلى أنه وسيلة مهمة تساعد في تنشئة الطفل وتوسيع مداركه ومعارفه، ولكل هذه الأسباب كان اهتمامنا في موقع حلوها لتقديم دراسة حول مخيلة الأطفال تبدأ في التعريف بمفهومها وأهميتها، بالإضافة لفوائدها وسلبياتها وأنواعها وأشكالها، وبالطريقة الأمثل لاستغلالها في تحقيق غاياتنا التربوية تجاه أطفالنا.