تحديد مصروف الطفل وأهمية تنظيمه

ما مفهوم مصروف الطفل وما هي أهميته؟ كيف يمكن تحديد المصروف للطفل وما هي أهم معايير تحديده؟ ثم ما هي العوامل التي تجعل من مصروف الطفل سبب في تنمية بعض السلوكيات أو الميول السيئة لديه؟ وكيف يمكن للأهل استغلال مصروف الطفل في العملية التربوية؟
تحديد مصروف الطفل وأهمية تنظيمه

تحديد مصروف الطفل وأهمية تنظيمه

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

كم أتمنى أن أعود طفلاً حين استحضر في ذاكرتي ذلك المشهد الذي أعطتني فيه والدتي بعض النقود وأنا أرتدي لباس المدرسة للمرة الأولى وأخبرتني حينها أنها سوف تعطيني مثل هذا المبلغ في كل صباح وأنه من الآن سوف يصبح مصروفي اليومي الذي سأشتري به حاجاتي وطعامي في المدرسة وأي شيء أريده، هكذا بات هذا المبلغ البسيط جزءً من حقوقي ومن واجبي الحفاظ عليه وتقسيمه بشكل مناسب طوال اليوم ليكفي كل حاجاتي، كان ذلك درسي الأول الذي تعلمت منه قيم عدة الحقوق والواجبات وتحمل المسؤولية الشخصية.

يمكن تعريف الخرجية أو المصروف بشكل عام على أنه مبلغ من المال يتحدد وفق لمعايير، تهتم بحاجات الطفل الفعلية من جهة والوضع المادي لأسرة هذا الطفل من جهة أخرى، ويعتبر هذا المصروف بالنسبة للطفل بمثابة دخل دوري يحصل عليه بشكل متكرر يومي أو أسبوعي أو شهري، له حرية التصرف فيه وشراء ما يحلو له باستخدامه.
 

animate

إذا شئنا المقارنة فيمكن تشبيه مصروف الطفل بالدخل الشهري لنا ككبار، فمن خلال هذا المصروف سوف يتمكن من شراء حاجاته وأطعمته المفضلة وتحقيق بعض رغباته البسيطة كالذهاب للتنزه مع أقرانه في مرحلة عمرية متأخرة، كما لديه الحرية في توفيره لجمع مبلغ أكبر يمكنه من تحقيق غاية معينة فيما بعد، ومن هنا يمكن تحديد أهمية المصروف في بناء شخصية الطفل من خلال عدة نقاط:

- مصروف الطفل يساعده في تعلم مفهوم الملكية والحقوق: حيث أن هذا المصروف ملكيته الخاصة ومن حقه التصرف فيه كما يحلو له دون قيود، وهذا يجعل الطفل يتعلم معنى مفهوم الملكية وكيف يفرق بين املاكه وأملاك الآخرين وحقوقه وحقوقهم.

- يتعلم الطفل من خلال مصروفه مفهوم التوفير والادخار: فقد يرغب الطفل في الحصول على لعبة معينة أو أي شيء آخر، وقد لا يكفيه مصروف يوم واحد لتحقيق ما يريد، وهنا يجد نفسه مضطراً لأن يدخر مصروفه لعدة أيام حتى يجمع المبلغ المطلوب، وهكذا يتعلم فكرة التوفير والادخار.

- يساهم المصروف في تعليم الطفل مدى حدوده وقدراته: فمهما كان حجم هذا المبلغ لن يكفي لتحقيق كل الغايات والحاجات الضرورية والكمالية، وهذا يجعل الطفل يتعلم كيف يقوم بحسابات معينة يحدد من خلالها أولوياته وكيف يقسم احتياجاته ويوزع عليها مصروفه، بحيث يصل لتحقيق القدر الأكبر من ضرورياته، ولا يبذر مصروفه على أشياء كمالية لا حاجة فعلية له فيها.

- يتعلم الطفل من خلال مصروفه مفهوم القناعة والرضا: في المرحلة المبكرة من عمر الطفل يكون لم يدرك بعد من أين يأتي ذويه بمصاريفه ومصاريف المنزل ومستلزمات الحياة، ولهذا فهو لا يقدر مفهوم محدودية الدخل وأن عليه الاستغناء عن بعض كمالياته لهذا السبب، ولكن عندما يصبح لديه مصروف محدد يجب أن يكفيه لجميع حاجاته يبدأ بادراك هذه الفكرة وفهم أبعادها، وبالتالي يتكون لديه أولى بذور القناعة.
 

بما أن مصروف الطفل من حيث غايته هو مبلغ مالي يمثل دخله المحدود وكفايته المادية، كان من الواجب على الأهل عند تحديد حجم هذا المصروف [1] أن يأخذوا باعتبارهم عدة معايير ليكون مناسباً من حيث قدره، فمن جهة يجب أن يحقق هذا المصروف كفاية الطفل الحقيقية من حيث حاجاته ورغباته، ومن جهة أخرى يجب أن لا يكون مبالغ فيه بما يجعله فائض عن حاجة الطفل الفعلية والضرورية وبالتالي يصبح له أثر سلبي عليه، ولهذا يمكن ذكر بعض المعايير التي من الجيد اتباعها عند تحديد قدر المبلغ الذي سوف يعطى للطفل كمصروف شخصي ومنها: 

- المرحلة العمرية للطفل: فكل مرحلة من عمر الطفل ونموه تفرض حاجات جديدة وأولويات جديدة، يجب أخذها بالاعتبار عند تحديد مصروفه، ففي المرحلة المبكرة مثلاً لا يقدر الطفل قيمة النقود ولا يفهم معناها أو حتى اختلاف فئاتها وهو في هذه المرحلة لا يحتاج للمصروف أساساً، وفي المرحلة التالية تظهر لديه رغبة في شراء بعض المأكولات بنفسه وهنا يجب أن يكون مصروفه مناسباً لثمن هذه الأشياء، وهكذا يختلف مصروف الطفل بما يناسب احتياجات كل مرحلة من مراحل نموه.

- الأشياء والحاجات التي يجب عليه القيام بها بهذا المصروف: فقد يكون وقت دوام الطفل طويل مثلاً ويجب عليه شراء الطعام في المدرسة وربما لأكثر من مرة، أو قد تكون المدرسة تقدم الوجبات للأطفال، ومن ناحية أخرى فبض الأطفال مضطرون لاستخدام وسائل النقل للذهاب لمدرستهم والعودة منها، أو قد يكون لديهم أخ أصغر منهم يجب عليهم العناية به، وجميع هذا الظروف أو المتغيرات يجب دراستها أثناء تحديد مصروف الطفل.

- المبالغ التي يعد من الخطر وجودها في أيدي الأطفال: وهذا المعيار ضروري لتحديد سقف المبلغ الذي سوف يكون مصروف الطفل، فإذا زاد هذا المبلغ عن حاجاته الطبيعية والفعلية لدرجة كبيرة قد يستخدمه في شراء بعض الأشياء الضارة به أو التي تشكل لديه بذور الانحراف الأولى كالتدخين أو ارتياد بعض مراكز الألعاب سيئة السمعة أو الهروب من المدرسة للاستمتاع بهذا المصروف بعيداً عن أي رقابة، وقد تنمي لديه هذه الأشياء شخصية مادية تحب النقود والتبذير ولا تضع قيمة لأي شيء.

- الطبيعة النفسية والشخصية للطفل: فبعض الأطفال ولعوامل مختلفة كالعمر والتربية يعدون أكثر وعياً وإدراكاً وتقديراً للأمور من سواهم، فهؤلاء الأطفال يتحملون المسؤولية أكثر ويقدرون الأمور بطريقة أفضل، وبالتالي لديهم القدرة على توجيه مصروفهم إلى أشياء مفيدة لهم مثل تنمية المواهب أو الادخار لشراء بعض الحاجات، وهذا من المعايير المهمة في تحديد قدر المصروف الذي سوف يعطى لهم.
 

كيف يساهم مصروف الطفل في تنمية سلوكيات وقيم خاطئة لديه؟
عندما يكون مصروف الطفل غير مخطط ومدروس بعناية من حيث مقارنة حجمه مع حاجات الطفل الفعلية ومستوى وعيه وإدراكه، فسوف يؤدي هذا لحدوث خلل ما سواء في شخصية هذا الطفل أو في تربيته من الناحية القيمية والأخلاقية، فالكثير من السلوكيات السيئة قد يكون منشأها هو عدم دراسة مصروف الطفل واتباع معايير مناسبة في تقديره وتحديد حجمه، ومنها مثلاً:

- تعلم التبذير: فعندما يكون مصروف الطفل أكبر من حاجاته سوف يساهم هذا المصروف في عدم تقديره لقيمة النقود وضرورة الحفاظ عليها، وسوف يستسهل الحصول عليها، وهذا سوف يجعله يتصرف بتبذير ولامبالاة، ويرى أن كل يريده متاح ولا يردعه شيء عن فعل كل ما يحلو له حتى لول كان خاطئاً.

- تعلم البخل: حين لا يترافق حصول الطفل على المبالغ المالية مع تعليمه القيم الأخلاقية الجيدة في المجتمع مثل التعاون والمشاركة مع الآخرين والتنازل في بعض الأحيان عن بعض حقوقه في سبيل غايات أسمى من رغباته، فإنه سوف يتعلم البخل ويصبح أكثر حرصاً على ما يملكه لدرجة مبالغ فيها حتى تتحول لديه النقود من وسيلة لغاية بحد ذاتها.

- السرقة: في بعض الحالات التي قد يعتبر فيها مصروف الطفل أقل بكثير من حاجاته الفعلية أو عندما يحرم منه نهائياُ، بالإضافة لترافق هذا الأمر مع بعض الظروف الخاصة التي يشعر فيها بالظلم، فقد يلجأ الطفل للسرقة من ذويه في البداية ومن زملائه وأشخاص آخرين في مرحلة لاحقة للحصول على ما يريد وما هو محروم منه.

- الانحراف والجموح: وهنا يؤثر مصروف الطفل كعامل إضافي وليس رئيسي في هذا الموضوع، فهناك ظروف معينة تعد مواتية لبروز ميول انحرافية لدى بعض الأطفال، ومصروف الطفل بحالتيه القليل أو الكبير قد يلعب دوراً سلبياً في هذه المسألة، مثل تعلم السرقة أو التدخين أو التسول بطرقه المتعددة وارتياد بعض أماكن اللهو وما قد يتعلمه في مثل هذه الأماكن.
 

كيف يمكن للوالدين استغلال مصروف طفلهما في عملية التربية؟
انطلاقاً من الأهمية التي يعطيها الطفل لمصروف، وكونه يعتبره جزءً من حقوقه وممتلكاته وكون غياب هذا المصروف أو نقصانه أو حتى زيادته سوف يعود بأثره على مختلف جوانب حياة الطفل وحاجاته ورغباته وربما مشاعره[2]، كان من الممكن للوالدين استغلال هذه المسألة بطريقة مدروسة وهادفة، لجعلها جزءً مكملاً ومساعداً للعملية التربوية، وذلك من خلال عدة طرق ووسائل من أهمها:

- زيادة المصروف كمكافأة: ويتم ذلك في حال تحقيق الطفل نتائج جيدة سواء في دراسته أو أشياء أخرى، أو قيامه باستجابات جيدة من الناحية الأخلاقية أو غيرها، مع الحرص على أن لا يبدو الأمر على سبيل الرشوة[3] وأن يبقى في حدود المكافأة نظراً للاستجابة الجيدة التي اظهرها، حتى لا تنمو لديه شخصية انتهازية لا يقوم بأي شيء جيد إلا بدافع الحصول على مكافأته.

- توجيه العقوبات إلى مصروف الطفل: وهذه المسألة الغاية منها استبدال العقوبات المؤذية جسدياً أو عاطفياً مثل الضرب والتوبيخ، بنوع آخر يعتمد على أن يشعر الطفل بالمسؤولية وبالنتائج السيئة التي أدى إليها سلوكه الخاطئ، ولكن مع شرط أن تكون العقوبة متناسبة مع درجة الخطأ الذي ارتكبه، حتى لا يرى الطفل فيها وسيلة ضغط وابتزاز من قبل والديه للتحكم في حريته وشؤونه الخاصة وما لهذا المسائل من مخاطر على شخصيته، ووجهة نظره حول والديه.

- الربط بين رغبة الطفل في زيادة مصروفه وامكانيات الأسرة المحدودة: فيجب أن يعرف الطفل أن موارد والديه محدودة وليست نبع لا ينضب، ويجب عليه أن يدرك هذه المسألة ويتحمل واقعها جنباً إلى جنب مع أسرته، وبهذا نجنب الطفل تعلم الأنانية والتبذير واستبدالها بقيم مرغوبة كالقناعة والصبر والوعي بالواقع.

- تعليم الطفل لحسن التصرف والتدبير: ويمكن تحقيق هذا عن طريق جعل بعض حاجات الطفل من مسؤوليته هو ويجب عليه الحصول عليها من خلال مصروفه، سواء عن طريق الادخار أو تقسيم مصروفه وتوزيعه بشكل جيد على حاجاته وتوفير قسم منه، ليتمكن من شراء بعض الضروريات بالنسبة له. 

إذاً مصروف الطفل ليس مجرد مكافأة مالية يحصل عليها مقابل قيامه بسلوك معين أو استجابة مرغوبة، وليس مجرد مبلغ مالي يحصل عليه من والديه كهبة أو هدية بهدف المتعة والتسلية، وإنما يمكن النظر إليه كبعد ثقافي وتربوي، وأسلوب يمكن ان يتعلم الطفل من خلاله العديد من خبرات الحيات وقيمها، ولهذا كان من الضروري التعرف على هذا المفهوم من حيث المعنى والأهمية، وما يحمله من آثار وكيف يمكن استغلاه في العملية التربوية.
 

[1] مقال "أساسيات مصروف الجيب" منشور في raisingchildren.net.au، تمت مراجعته 25/6/2019.
[2] مقال "إعطاء الأطفال مصروف الجيب وسيلة رائعة لتعليمه المهارات" منشور في موقع moneysmart.gov.au، تمت مراجعته في 24/6/2019.
[3] مقال Aaron chua "مكافأة أصغر تحقق نتائج أكبر حول لماذا تعتبر المكافئة الصغيرة أفضل من الكبيرة" منشورة على موضع kooBits.com، تمت مراجعته في 24/6/2019.