تأثير وباء كورونا على الاقتصاد العالمي وسوق العمل

تأثير كورونا على اقتصاد العالم وتوقعات انهيار اقتصادي لبعض الدول، بالأرقام والاحصائيات كيف يؤثر كورونا على الاقتصاد ومعدلات الفقر والبطالة؟ وماذا بعد الوباء؟
تأثير وباء كورونا على الاقتصاد العالمي وسوق العمل

تأثير وباء كورونا على الاقتصاد العالمي وسوق العمل

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

يرى المراقبون أن المخاوف الاقتصادية في الدول الكبيرة كانت سبباً مباشراً لازدياد انتشار وباء كورونا، حيث آثرت قيادات تلك الدول تأجيل إجراءات العزل والحظر الصارمة قدر الممكن خوفاً من توقف عجلة الاقتصاد، لكن الحظر والعزل كان شراً لا بد منه، كذلك هي التأثيرات الاقتصادية لوباء كورونا التي تعتبر أخطر أزمة يعيشها العالم في تاريخه الحديث.
سنحاول أن نتتبع الخسائر والآثار الاقتصادية التي خلفها انتشار وباء كورونا كوفيد-19 حتى الآن، وأن نبحث في تأثير كورونا على سوق العمل ومعدلات البطالة والفقر حول العالم، ونستكشف معاً التوقعات حول مستقبل الاقتصاد العالمي مع أزمة كورونا.

معظم دول العالم تعاملت مع بداية ظهور فيروس كورونا المستجد كوفيد-19 بداية العام الحالي كأمرٍ لا يستحق إجراءات استثنائية، خاصةً إذا ما تمت مقارنته مع الموجات السابقة للفيروسات التاجية؛ السارس في 2002 والميرس في 2012، لكن سرعان ما أثبت فيروس كورونا المستجد قدرة كبيرة على الانتشار بسرعة بين الدول وداخل المجتمعات، وتفوّقاً غير متوقع على أفراد عائلته.
ويمكن القول إن استهتار بعض الحكومات والشعوب بخطورة فيروس كورونا جعلهم يفوِّتون فرصة العزل والابتعاد الاجتماعي المبكر، ما انعكس بصورة مباشرة على طريقة انتشار الوباء، وعلى طريقة التعامل معه، وتأثير هذا كله على الاقتصاد.

باختصار؛ سياسة الابتعاد الاجتماعي والعزل التي تعتبر هي كل ما تمتلكه الدول اليوم لمحاربة كورونا؛ هي السبب الرئيسي للأزمة الاقتصادية التي يعيشها العالم اليوم بسبب توقف النشاط الاقتصادي وتعطل عجلة الإنتاج وتوقف تدفق السلع والأفراد، ويعتقد أن تأخير إجراءات العزل في بعض الدول كان وسيكون سبباً لتأثيرات أكثر حدة على الاقتصاد عندما تكون هذه الدول مرغمة على إقفال المدن وإيقاف الحياة خارج البيوت لفترة أطول.
من جهة أخرى الاقتصاد العالمي يواجه أزمة جديدة من نوعها لم يختبرها حتى في أسوأ الأزمات التي نعرفها، وربما أسوأ ما في أزمة كورونا أننا لا نستطيع بناء توقعات منطقية وواضحة حتى على المدى القصير، فسلوك الفيروس غير مفهوم بشكل دقيق، وردود أفعال الناس والسكان والحكومات غير مفهومة والتنبؤ بها شبه مستحيل[1].

animate

كما ذكرنا؛ من الصعب التنبؤ بالتأثيرات بعيدة الأمد لوباء كورونا على اقتصاد الدول أو على الاقتصاد العالمي، لكن يمكن أن نتتبع التأثيرات الحالية التي خلّفها انتشار كورونا على اقتصاد العالم حتى الآن والتوقعات قريبة الأمد لأزمة كورونا المستجد كالآتي:

  1. انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي والانكماش: في تقرير نشرته شركة الاستشارات العالمية Roland Berger في نهاية مارس/آذار 2020، توقع التقرير انخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بمعدل بين 3.1 و5.2 نقطة مئوية، حيث سينخفض الناتج المحلي الإجمالي للصين بين1.9 و3.3  نقطة مئوية حسب مدة الاضطراب الاقتصادي، فيما توقع التقرير انخفاض نمو الناتج الإجمالي في الولايات المتحدة بين 4.2 و7.1 نقطة مئوية -انكماش- وانخفاض نمو الناتج المحلي الإجمالي لأوروبا 3.4 و5.8 نقطة مئوية[2]، وهذه الأرقام لا تعبر عن أسوأ سيناريو يمكن أن يحصل!.
  2. انخفاض الطلب العالمي: يعتبر انخفاض الطلب من أكبر التحديات التي تواجهها الدول الصناعية مثل الصين، حيث انخفض الطلب على السيارات الصينية مثلاً حوالي 86% في شهر شباط/فبراير 2020، يمكن أن نرى نسب مشابهة في مختلف الصناعات والقطاعات الاقتصادية، حيث يعود انخفاض الطلب إلى تعطل الحركة وتوقف تدفق البضائع والأفراد من جهة؛ وإلى انخفاض مستويات الدخل وازدياد معدلات البطالة من جهة أخرى[3] وتشير التوقعات أن الطلب على السلع غير الأساسية سيشهد انخفاضاً مستمراً حتى نهاية الأزمة والبدء بفترة الانتعاش.
  3. تعثر الاستثمار: في ظل ظروف عدم التأكد وعدم اليقين التي يعيشها المستثمرون اليوم؛ هناك توقعات بتعثر الاستثمار حول العالم وإحجام الشركات عن الدخول في استثمارات جديدة ذات مخاطر مرتفعة، كما أن ظروف عدم التأكد وفقدان قدرة التنبؤ لدى الشركات والحكومات وحتى الأفراد من شأنه أن يضاعف المخاطر الاقتصادية لانتشار وباء كورونا المستجد[4].
  4. أزمة الرهونات والديون: من المتوقع أن يشهد الاقتصاد العالمي أزمة حادة نتيجة التخلف عن سداد الديون والقروض والوفاء بالرهون العقارية، أزمة شبيهة بالأزمة المالية العالمية عام 2008 لكن من المتوقع أن تكون أكثر شدة وقسوة وأطول أمداً[5]، ليس على مستوى الأفراد والشركات فقط، بل ستتخلف الدول المدينة عن سداد ديونها.
  5. قطاعات مهددة بالانهيار: أبرزها قطاع الطيران الذي تلقى ضربة مركزة بإلغاء الحجوزات وتوقف حركة الطيران في معظم مطارات العالم ما يهدد عمالقة صناعة الطيران بأزمة خانقة، إضافة إلى قطاع السياحة وما يتصل به من خدمات المطاعم والفنادق، وبكل تأكيد ستواجه البنوك أزمة خانقة لا يمكن التنبؤ بنتائجها النهائية.

كل يوم ينضم أشخاص جدد إلى فئة العاطلين عن العمل بسبب تداعيات أزمة كورونا، ومن المتوقع أن يشهد العالم أكبر معدل للبطالة في التاريخ الحديث!
في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها يُعتقد أن عدد العاطلين عن العمل سيتضاعف ثلاث مرات على الأقل، وقد رصدت الحكومة الأمريكية ميزانية خاصة لإعانة المتضررين من البطالة بسبب أزمة كورونا، وسجلت مطلع أبريل/ نيسان أكثر من 6.6 مليون طلب إعانة من العاطلين عن العمل[5].
يأتي ذلك بعد وضع حوالي 95% من الأمريكيين بشكل من أشكال التوقف عن العمل والحجر الصحي، وتعطل أكثر من 80% من القطاعات في البلاد، ما دفع الحكومة الأمريكية لرفع تعويضات البطالة حتى 600 دولار أمريكي.
هذا التزايد بمعدل البطالة لن يكون في الولايات المتحدة فقط، بل سيكون ظاهرة عالمية تتمثل بانخفاض فرص العمل وتعطل العمالة اليومية وإفلاس وإغلاق عدد كبير من المؤسسات والشركات والمصانع، ويعتقد حتى الآن أن دخل  الفرد سينخفض بنسبة 20% حتى بالنسبة للعاملين وعلى أقل تقدير.

على الرغم من تباين تأثير أزمة كورونا على اقتصاد الدول؛ إلا أن الدول الفقيرة ستكون الأكثر تضرراً من الأزمة الاقتصادية التي يشهدها العالم في ظل انتشار وباء كورونا كوفيد-19، حيث حذرت الأبحاث أن دول أفريقيا الأكثر فقراً ستكون الأكثر تضرراً من أزمة كورونا الاقتصادية [6]ويعتقد الخبراء أن أسوأ السيناريوهات المتوقعة في الدول الكبيرة ليست بمستوى كارثية ما ستشهده الدول الفقيرة!

وعندما كان أعلى خط الفقر هو 5.5 دولار أمريكي في اليوم الواحد؛ فإن أكثر من 548 مليون إنسان سيتراجع دخلهم اليومي إلى ما دون هذا الحد، ما يعني أن أكثر من نصف مليار إنسان سيدخلون في حالة الفقر بمعدل دخل يتراوح بين أقل من1.9 دولار أمريكي وأقل من 5.5 دولار أمريكي يومياً، ما دفع منظمة أوكسفام العالمية للتحذير من خطورة الوضع الاقتصادي في الدول الأكثر فقراً[7] حيث من المتوقع أن ترجع ساعة الفقر العالمية ثلاثين سنة إلى الوراء، وتتبخر جميع جهود مكافحة الفقر المبذولة في العقود الثلاثة الماضية!

الظروف الصعبة التي يمر بها العالم ليست فقط نتيجة ظروف كورونا المستجد وانتشار الوباء؛ وإنما يعيش العالم اليوم ظروفاً استثنائية من إعادة تكوين المفاهيم الاقتصادية والسياسة وأدوار الدول في قيادة العالم، حيث يشير الخبراء إلى أن الظروف التي نمر بها اليوم قد تفضي لحرب مصيرية بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين ما ينذر بانتهاء عصر الهيمنة الأمريكية الذي استمر قرابة تسعة عقود.

على رأس المتنبئين بالتغيرات الكبيرة المقبلة في النظام العالمي هو المفكر ورجل الأعمال الفلسطيني طلال أبو غزالة، الذي يعتقد أن الصراع على قيادة العالم في أوجه بين الصين وأمريكا، وأن أزمة كورونا جاءت لتضاعف الضغط على النظام الاقتصادي العالمي ما جعل تطور هذا الصراع أسرع وقد لا ينتهي إلا بحرب عالمية ثالثة!
ويضيف أبو غزالة: عندما تنتهي هذه الأزمة -أزمة كورونا- وذلك ليس قبل سنة من الآن، سنجد العالم مدمراً اقتصادياً، والمشكلة لن تنتهي بالحفاظ على الأرواح وحصار المرض، بل يجب على الدول أن تستعد لمواجهة الأزمة الاقتصادية[8]

كما يتوقع المراقبون أن أزمة وباء كورونا قد تكون آخر مسمار في نعش الاتحاد الأوروبي، حيث لن تتمكن دول الاتحاد الأوروبي من الحفاظ على تكتلها بعد العاصفة الصحية والاقتصادية التي عصفت بها، خاصّةً مع عجز دول الاتحاد عن مساندة بعضها.

  1. مقال Martin Reeves وآخرين "فهم الصدمة الاقتصادية لوباء كورونا" منشور في hbr.org، تمت مراجعته في 11/4/2020.
  2. تقرير "تأثير كورونا على النمو الاقتصادي العالمي" منشور في rolandberger.com، تمت مراجعته في 11/4/2020.
  3. مقال Lora Jones, David Brown "التأثيرات الاقتصادية المرئية لأزمة فيروس كورونا" منشور في bbc.com، تمت مراجعته في 11/4/2020.
  4. مقال Ruchir Sharma "هكذا سيدمّر فيروس كورونا الاقتصاد!" منشور في nytimes.com، تمت مراجعته في 11/4/2020.
  5. مقال "بلغ عدد مطالبات البطالة الأسبوعية الأمريكية 6.6 مليون بسبب كورونا" منشور في bbc.com، تمت مراجعته في 15/4/2020.
  6. مقال Samuel Lovett "وباء كورونا سيدفع نصف مليار إنسان إلى الفقر" منشور في independent.co.uk، تمت مراجعته في 15/4/2020.
  7. مقال "منظمة أوكسفام تحذر أن نصف مليار إنسان ستدفعهم أزمة كورونا إلى الفقر" منشور في theguardian.com، تمت مراجعته في 15/4/2020.
  8. مقابلة مع رجل الأعمال والمفكر طلال أبو غزالة حول تأثيرات فيروس كورونا على العالم، منشور في youtube.com، تمت مراجعته في 15/4/2020.