مشاعر الطفل تجاه الأساتذة والمعلمين

ما هي المشاعر التي قد يكنها التلاميذ للمعلمين والمعلمات؟ ومن أين تنشأ هذه المشاعر وكيف تتطور؟ كيف ينعكس أثر هذه المشاعر على العملية التربوية والتعليمية إجمالاً؟ وما هي واجبات المعلم في هذه الناحية كي يتمكن من تقديم الأداء الأفضل في التعامل مع تلاميذه؟
مشاعر الطفل تجاه الأساتذة والمعلمين

مشاعر الطفل تجاه الأساتذة والمعلمين

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

عندما نعود بذاكرتنا إلى مرحلة الطفولة لا بد أن تظهر في مخيلتنا صورة أحد مدرسينا الذي كان له أثر معين سواء في شخصيتنا أو أفكارنا وميولنا وحتى عواطفنا وأخلاقنا أو قيمة أو عبرة معينة تعلمناها من هذا المعلم، كنا نخاف من بعض المعلمين أو نقلد بعضهم، نكن الاحترام والمحبة والتقدير لأحدهم، أو البغض والخوف من بعضهم الآخر.
وعندما نمعن النظر في الآثار الناتجة عن علاقتنا بمدرسينا قد نجد أنها على قدر بالغ من الأهمية سواء في تحصلينا الدراسي أو بناء شخصيتنا النفسية والاجتماعية أو حتى تكوين وجهة نظرنا عن الحياة والمجتمع، ومن هنا كانت ضرورة دراسة هذه العلاقة بين الطفل ومدرسه لفهم أثرها واتجاهها وكيف يمكن تطويرها لدفع العملية التربوية باتجاه النجاح.

بحسب طبيعة تعامل المعلم مع تلاميذه وردود فعله تجاه تصرفاتهم وحاجاتهم من جهة، بالإضافة للمظهر الخارجي الذي يبدو عليه المعلم من طوال وعرض وشكل الشعر والملابس من جهة أخرى وعوامل عديدة، تتنوع مشاعر الأطفال تجاه هذا المعلم والطريقة التي ينظرون له من خلالها، ومن هذه المشاعر مثلاً:

  • مشاعر المحبة والتعلق: فبعض الأطفال قد يجدون في شخصية المعلم صفات وخصائص تجعلهم يتعلقون بهم ويحبونهم إلى درجة مبالغ بها في بعض الأحيان، ويمكن ملاحظة هذا من خلال تفاصيل عديدة مثل اهتمام الطفل بالمادة الدراسية التي يدرِّسها هذا المعلم أو الاعتناء بمظهره أمامه أو حتى الاهتمام بالظهور دائماً أمامه في الصف أو تقليده لتصرفاته والعناية بأشيائه مثل ترتيب طاولته والكثير من التصرفات الأخرى.
    وبطبيعة الحال فإن الكثير من الطلاب يختبرون مشاعر حب مع معلمهم المغاير لجنسهم مشابهة لمشاعر الحب والعشق عند الكبار، وغالباً ما تكون هذه خطوة أولى في تطوير فهم مشاعر الحب والانجذاب العاطفي نحو الجنس الآخر.
  • البغض والكره (النفور من الأساتذة): يمكن لبعض تصرفات المعلم أو حتى خصائصه الشخصية أن تنمي مشاعر سلبية لدى الطفل تجاهه مثل البغض والنفور منه، كأن يتصرف المعلم بلا مبالاة مع مشاعر الطفل أو يظهر سلوكيات غير مقبولة كالغضب الشديد أو إهانة التلميذ أمام زملائه، وكل هذا المسائل سوف يكون لها أثر سلبي على العلاقة بين التلميذ والمعلم وبالتالي نجاح أو فشل الهدف التعليمي من هذه العلاقة والعديد من المشاكل التعليمية الأخرى.
  • الانجذاب والاقتداء: قد يصل في بعض الحالات إعجاب الطفل بمعلمه ومحبته له إلى حد الانجذاب ومحاولة التماهي مع شخصيته، ويبدو هذا واضحاً من خلال تقليد بعض الأطفال لشخصيات معلميهم والاقتداء بسلوكياتهم وأفعالهم، ولا نبالغ في القول أن هذه المسألة في بعض الحالات قد يكون لها دور حاسم في رسم ملامح شخصية الطفل المستقبلية وتميزه في بعض الخصائص التي كانت موجودة لدى معلمه القدوة.
  • الخوف والرهبة: تنشأ مثل هذه المشاعر لدى الطفل تجاه معلمه من خلال تصرفات عديدة قد تكون بسيطة ولا ينتبه لها المعلم في بعض الأحيان، مثل الغضب المبالغ فيه تجاه خطأ ما يصدر عن الطفل، أو اتصاف المعلم بشخصية حازمة في التعامل مع التلاميذ، أو استخدام أسلوب العقاب بشكل مستمر وفي جميع الحلات، هؤلاء أطفال وليس لديهم خبرة الحياة، ومثل هذه التصرفات سوف تشعرهم بالخوف والتوتر والقلق من المعلم بدلاً من احترامه وتقديره.
animate

الأطفال شديدو الحساسية وهم يقيّمون كل من حولهم من خلال عواطفهم ومشاعرهم، فالمسألة لديهم أكثر بساطة مما هي عند الكبار، فسلوكك الذي تظهره أمامهم بالإضافة لمظهرك الخارجي والطريقة التي تعاملهم بها هي الأشياء التي تحدد المشاعر التي سوف يكونونها تجاهك بعيداً عن المعايير العميقة التي نتبعها نحن في تقييم مشاعرنا تجاه الآخرين:

  • الطبيعة الشخصية للمعلم: مثل سرعة الغضب اللامبالاة أو التعامل بالتعالي والفوقية مع الآخرين من جهة، أو الشخصية الودودة المحبة التي تهتم بالآخرين وبشؤونهم وتعتني بمشاكلهم من جهة أخرى، فهذه الصفات هي التي تساعدنا ككبار في تكوين وجهات نظرنا عن الآخرين وبالتالي علاقاتنا بهم ومشاعرنا نحوهم، وعند الحديث عن الأطفال ومعلميهم فتعد هذه الصفات أكثر أهمية ومباشرة في تحديد مشاعر الطفل نحو معلمه سواء كانت سلبية أو إيجابية.
  • الشكل والمظهر الخارجي للمعلم: بالنسبة للأطفال تعد الصورة الخارجية لمعلمهم مؤثرة جداً في تكوين عواطف ومشاعر معينة نحو حامل هذه الصورة، فمثلاً يجب أن يحافظ المعلم على لباس معين في الصف بحيث لا يضيع هذا اللباس هيبة ووقار المعلم من جهة ولا يظهر فروقات طبقية ومادية بين المعلم وبعض التلاميذ، هذا بالإضافة لطريقة ترتيب الشعر والنظافة الشخصية والعديد من المزايا والصفات الشكلية للمعلم.
  • ملامح المعلم وصفاته: وهي الصفات التي قد يظهرها المعلم سواء بإرادته أو بدونها، مثل الصوت المرتفع أو الوجه العبوس، أو الهدوء والتعامل بود والوجه الضحوك المبتسم من جهة أخرى، بالإضافة للغة التي يتحدث بها وحركات يديه أثناء الدروس والثقة بالنفس التي يتمتع بها وما تحمله كل هذه الصفات من إشارات يقيم من خلالها الطفل شخصية معلمه وبالتالي يكون وجهة نظره عنه ومشاعره نحوه.
  • تصرفات المعلم وسلوكياته: حيث أن بعض هذه التصرفات التي قد تكون مقصودة أو غير مقصودة من قبل المعلم مثل الفوضوية وعدم احترام الآخرين كالدخول إلى الصف دون إلقاء التحية على التلاميذ أو رمي الأشياء بطريقة عشوائية (الأوراق والأقلام) أو التدخين داخل غرفة الصف أو رمي المهملات خارج المكان المخصص لها، كلها تعد تصرفات تكوّن صورة سلبية عن المعلم لدى تلاميذه.

كيف تؤثر هذه المشاعر على تحصيل الطفل الدراسي؟
يلاحظ لدى بعض الأطفال تفوقهم أو تراجعهم بأحد المواد الدراسية دون الأخرى وكثيرا ما تكون العلاقة التي تربطهم بمدرسهم سبب في هذه المسألة، ومن هنا كان الاهتمام في دراسة وتقدير طبيعة هذا الأثر بهدف فهم اتجاهه وطريقة تكونه وذلك لضرورة هذه المسألة في تطوير المناهج الدراسية من جهة والطرق التعلمية التي يجب أن يستخدمها المعلم ويتأهل على أساسها للنهوض بالمستوى التعليمي للأطفال من جهة أخرى:

  • تعلق الطفل بالمعلم وتحصيله الدراسي: لمشاعر المحبة التي قد يكنها الطفل نحو معلمه أثر بالغ على مشاعره نحو موضوع المادة التعليمية التي يختص فيها هذا المعلم، فنظراً لتعلقه بمعلمه قد يبالغ بعض الأطفال بالاهتمام بمادة هذا المعلم دون سواها، وبهذه الحالة صحيح أن الطفل قد يبدي تقدماً وتفوقاً من حيث مستواه بهذه المادة ولكن في أغلب الأحيان سيكون هذا على حساب مستواه في المواد الأخرى، وهنا تأتي مسؤولية المعلم في توعية تلاميذه بضرورة توزيع اهتمامهم ونشاطهم على مختلف مواد منهاجهم الدراسي بهدف الرقي بمستواهم التعليمي.
  • خوف الطفل من المعلم وتحصيله الدراسي: فبعض المعلمين قد يتبعون أسلوب العقوبات والتوبيخ والغضب لإجبار الأطفال على الاهتمام بموادهم التعليمية، وهذه الطريقة لها نتائج عكسية في أغلب الأحيان على مستوى المادة نفسها من حيث تعلمها عن طريق الحفظ الصم لتجنب العقوبة بدلاً من فهمها واستيعاب محتواها العلمي، ويعود أيضا بالضرر على المواد الأخرى فيصبح الطفل مثلاً يهتم فقط بالمواد التي يؤدي تراجعه فيها لتعرضه للعقوبة ويهمل الأخرى.
  • الاعجاب والتقدير: فإذا استطاع المعلم اكتساب هذه الصورة في ذهنية تلاميذه، فيمكنه من خلالها حثهم على أداء أفضل في مستواهم التعليمي والدراسي من جهة وتصرفاتهم الأخلاقية من جهة أخرى وقدراتهم الابداعية، وذلك سعياً منهم لتقديم انطباع جيد عن أنفسهم لدى معلمهم حتى يبادلهم نفس مشاعر الاحترام والتقدير والثناء.
  • مشاعر الكره والبغضة: كون الأطفال يتميزون بالحساسية في طبيعتهم فمن البديهي أن تجدهم يشعرون بالنفور والبغضة تجاه بعض المواد التعليمة التي يكنون نفس هذه المشاعر لمدرسها، وهي ردة فعل نفسية عكسية تجاه كل ما هو متعلق بهذا الشخص غير المحبب والتعامل برفض وعناد تجاه كل ما يصدر عنه.

دور المعلم في تحسين مشاعر التلاميذ نحوه وصورته لديهم
كلنا نحاول تقديم الصورة الأفضل عن أنفسنا سواء في حياتنا اليومية أو في أعمالنا، وعند الحديث عن المعلم فإن هذه المسؤولية تتضاعف كونه يتعامل مع الشريحة الأكثر حساسية في المجتمع، فكل موقف أو تصرف أو ردة فعل من قبل المعلم سوف يلاحظه الأطفال ويقيموه ويكوّنوا مشاعرهم نحو معلمهم من خلاله، ولهذا فإن دور المعلم يعتبر بالغ الأهمية في تكوين هذه المشاعر في ذهنية تلاميذه، فمن واجبات المعلم مثلاً:

  1. الحفاظ على هيبة المعلم لدى الطفل: صحيح أن الشخصية الودودة والوجه الضحوك مطلوب من المعلم في تعامله مع الأطفال، ولكن من جهة أخرى يجب الحفاظ على قدره وهيبته واحترامه أمامهم، سواء ذلك من خلال العناية بشكله الخارجي من ملابس وترتيب أو من خلال الطريقة في الكلام والتحدث والمفردات التي يستخدمها مع التلاميذ هذا بالإضافة لفرض وجوده وشخصيته في الصف.
  2. تكوين علاقة بينه وبين تلاميذه: تقوم على المحبة والاحترام المتبادل، من خلال الاهتمام بشؤونهم وحفظ أسمائهم وفهم حاجاتهم ومساعدتهم على تجاوز مشكلاتهم وتذليل العقبات أمامهم وتنمية مهاراتهم وتخصيص وقت للترفيه وتقوية الروابط العاطفية بين المعلم والتلاميذ من خلال اللعب والأنشطة المحببة الأخرى بالنسبة بالأطفال.
  3. الانتباه للمرحلة العمرية التي يتعامل معها المعلم: حيث أن كل مرحلة عمرية لها خصوصية أو حساسية معينة في التعامل مع أفرادها، فالأطفال الحديثون في المدرسية لديهم مشاعر مختلفة عن الذين أمضوا فترة فيها وهم لم يعتادوا بعد على أنظمة المدرسة وقوانينها، والأطفال الصغار في المرحلة المبكرة مختلفون بدورهم من حيث حاجاتهم وعواطفهم عن المراهقين والمرحلة المتأخرة من الطفولة، وكل من هذه المراحل تحتاج من المعلم ديناميكية ومرونة معينة في التعامل معها وفهم حاجاتها وخصوصيتها.
  4. إبعاد مشاعره وافكاره الشخصية وعدم ادخالها في العملية التعليمية: فالمعلم انسان كجميع البشر لديه مشاكله ومشاعره وظروفه اليومية، وهذه المسائل قد تنعكس على مزاجيته أثناء تعامله مع التلاميذ بطريقة تجعلهم يفهموا تصرفاته بشكل خاطئ دون تقدير أسبابها وظروفها، ولهذا يجب عل المعلم وضع هذه المسائل جانباً أثناء تعامله مع تلاميذه حتى لا تؤثر سلباً على علاقته معهم وبالتالي مشاعرهم نحوه.

لا تتوقف صورة المعلم في ذهن الطفل من حيث أثرها على مستواه التعليمي فقط، وإنما في كثير من الأحيان قد يكون لها دور في بناء شخصيته وتكوينه النفسي وتوافقه الاجتماعي، وربما نجاحه في المستقبل في أحد مجالات الحياة، فالأطفال شديدو الحساسية وأحكامهم غالباً مبنية على عواطفهم وطريقة تعامل الآخرين معهم، ولهذا تحتاج مهنة التعليم إلى كثير من الحذر حتى يتمكن المعلم من إيجاد القنوات الأفضل للتواصل مع تلاميذه بما يحقق علاقة جيدة تقوم على المحبة والاحترام من جهة وتساعد في إنجاح العملية التعليمية من جهة أخرى.