نصف مصيبة... تلك التي أنجبت أنثى!

من أخبرهم أني أبحث عن عوض لأنني أنجبت أنثى؟!، ومن أخبرهم أن الأنثى هي مصيبة؟!، فإن كانت الأنثى الجميلة نصف مصيبة... فبكِ أنتِ اكتملت كل حياتي
نصف مصيبة... تلك التي أنجبت أنثى!

نصف مصيبة... تلك التي أنجبت أنثى!

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات
animate

كم كنت سعيدة بإنجاب طفلتي الأولى، تلك الملاك التي شعرت معها بلذة الأمومة وحلاوة الحياة، أنجبتها بعد ساعات وساعات من آلام المخاض التي أجهدت جسدي الضعيف...   وصرخة المخاض كانت آخر ما أذكر... لأستيقظ فأجدها بين ذراعي... شعرت بأنني ملكت العالم.
خرجت من المشفى لنبدأ رحلة الاستكشاف أنا وهي،  فأنا أم للمرة الأولى... كان كل شيء جميلاً قريباً للخيال.
كل مرة كنا نستعد لاستقبال الضيوف المهنئة بسلامتنا أشعر وكأنني حققت أعظم إنجازات عمري، حتى حضرت تلك السيدة الطيبة،  فجهّزتُ طفلتي كما في كل مرة، ودخلت بها، حملتْ طفلتي بين يديها... وابتسمتْ.. ونظرتْ إلي وقالت: "البنت الحلوة نصف مصيبة...".
تجمّدتُ في مكاني ونظرتُ لزوجي... وأجهشتُ بالبكاء..  عمرها أسابيع قليلة... فأي مصيبة تلك التي تخبرني بها!.
شعرتْ أنها أخطأت... فسارعتْ لتوضيح أنها جملة اعتادت سماعها عند إنجاب الإناث.. كنوع من العوض للأم، من أخبرهم أني أبحث عن عوض لأنني أنجبت أنثى؟!... ومن أخبرهم أن الأنثى... هي مصيبة؟!.

مضت الأيام... وكبرت ملاكي... فكتبت لها كلماتي...
يا صغيرتي...  يوماً ما شعرت أنني كنت أمّاً ضعيفة لم أحمكِ من مجتمع يراكِ "مصيبة" لأنكِ أنثى، لكني عاهدت الله أن أجعلك ملكة في بيتي...  فكان السلاح الذي أهديته لك هو العزة والكرامة، فأحسنتُ تربيتك بشهادة كل من حولنا...  كنتُ شديدة قاسية في أيام ومواقف..  كنتِ تتساءلين "لماذا؟" بنظراتكِ الحزينة.
نعم كنت قاسية لأني أردتكِ صلبةً كالسنديانة...  وأردتكِ نقية كياسمينة جدتكِ...  فمنعت عنكِ كل من سيقترب منكِ محاولاً قطف أزهاركِ... أردتك مثقفة متعلِّمة...  متحدِّثة في كل المجالس؛ لم أمنعك يوماً من التعبير عن ذاتك، فأعطيتكِ حرية مشروطة... أردتكِ كنورسٍ يحلِّق بين الموانئ، تبحثين عن أحلامكِ..  فتحققين ذاتكِ.. رغم نظرة مجتمعنا الذي لا يرحم ضعفكِ أنتِ وكل النساء.
علّمتكِ منذ خطواتك الأولى... أنك وإن سقطتِ.. لن تجدي إلا نفسك لتنهضي.. وتعودي.. منتصبة القامة بعفة ووقار.
أخبرتكِ أن العورة الحقيقية تكمن في التخلف والجهل في مجتمعات لا تراكِ إلا فريسة سهلة المنال،  فكان لا بد أن تخرج اللبؤة فيكِ...  ليخافكِ الجميع.

كانت جملة تلك السيدة الطيبة لي هو الدافع لأعطيكِ خلاصة عمري، كنتِ تصرخين متمردة "لا أريد أن أكون انعكاسكِ" فأصرخ... ولا أنا أريدكِ مثلي بل أريدكِ الأفضل.
يا طفلتي إياكِ التخلي عن تخصص دراسي تحبينه...  فشغفك هو الذي سيقودك للنجاح، فإياكِ... فلن تجدي الراحة إلا بما تختارينه أنتِ
واياكِ التوقف يوماً عن القراءة واجعلي من المكتبة محرابك ومن الكتب أصدقاء العمر..  فالكتاب هو الصيغة المذكرة في الحياة التي لا تعرف الخيانة... ولن تقودك رفقته يوماً إلى طريق الخذلان.
ستكبرين وتبحثين عن رجل...  فاحذري رجلاً يرى جمالك نصف مصيبة... فتصبحين تحفته الفنية المركونة بعيداً، واحذري من رجل رآكِ بعينيه قبل روحه وقلبه...  اختاري رجلاً يعرف كيف يكون الحب تشريعه في احترامك، وكيف يكون العشق دستوراً ليحفظ حقكِ.. اختاري رجلاً يقود جيشاً..  ليستحضر لكِ الفرح... ويقود حرباً وحيداً لأجلكِ.. اختاري رجلاً... لا يريد الحياة إلا معك.
يا صغيرتي...  مجتمعنا قاسٍ... يحتاج إلى أنثى حديدية، لن يسقطها الحب.. ولن تسقطها.. عادات موروثة؛ فإن كانت الأنثى الجميلة نصف مصيبة...   فبكِ أنت اكتملت كل حياتي #خرابيش_عبير.