هل إدمان المخدرات وراثي والوقاية من توريث الإدمان

توريث الإدمان على المخدرات يعتبر من المواضيع التي تسبب مخاوف كبيرة للمجتمع أو الأبوين المقبلين على انجاب طفل، بل أن ذلك قد يجعلهما يتجنبا الإدمان بسبب إدمان أحدهما، ومن ناحية أخرى يخاف الأبوين من نقل الاستعداد للإدمان لأبنائهم، في هذا المقال نتعرف فيما إذا كان الاستعداد للإدمان يتأثر بالوراثية، وكيف يتم ذلك، وافضل آليات الوقاية.
تعاطي المخدرات قد يكون له أساس وراثي، لكن سبب الإدمان عموماً لا يُعزى إلى العامل الوراثي وحده، بل هو نتيجة لتفاعل معقد بين العوامل الجينية والبيئية، تعتبر فيه الوراثة من العوامل المؤهِّبة أو التي تزيد من فرص الإدمان بصورة عامّة أو الإدمان على المخدرات.
وفقاً للمعهد الوطني لتعاطي المخدرات في الولايات المتحدة الأمريكية (NIDA) فإن الوراثة قد تزيد القابلية للإدمان بنسبة تتراوح بين 40% إلى 60%، وهذا يعني أن بعض الأشخاص قد يرثون استعداداً جينياً يجعلهم أكثر عرضة لتجربة المخدرات أو الإدمان عليها مقارنة بغيرهم، على سبيل المثال تم ربط بعض الجينات مثل DRD2 المرتبط بمستقبلات الدوبامين بزيادة احتمالية الإدمان نتيجة تأثيرها في نظام المكافأة في الدماغ.
مع ذلك فإن وجود هذا الاستعداد الوراثي لا يعني بالضرورة أن الشخص سيصبح مدمناً، بل إن العوامل البيئية والسلوكية والاجتماعية تلعب دوراً حاسماً في هذا الأمر، مثل التعرض المبكر للمخدرات، أو المرور بالضغوط النفسية، أو غياب الرقابة الأسرية، بالإضافة للصحبة السيئة.
وبالتالي فإن الوراثة قد تزيد فعلاً من قابلية تعاطي المخدرات، لكنها ليست العامل الوحيد المحدد، وعوامل مثل الوقاية، والدعم الأسري، والتوعية يمكن أن تقلل من خطر الإدمان حتى لدى الأشخاص الذين لديهم استعداد وراثي لتعاطي المخدرات والإدمان عليها.

هل يمكن الوقاية من توريث الإدمان؟ نعم يمكن الوقاية من تأثير العوامل الوراثية المرتبطة بالإدمان على المخدرات، فرغم أن الاستعداد الجيني لا يمكن تغييره، إلا أن الوقاية ممكنة من خلال تقليل التعرض للعوامل البيئية التي تعزز هذا الاستعداد الوراثي وتزيد تأثيره، ومن خلال تعزيز آليات الحماية السلوكية والاجتماعية والنفسية، حيث تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين لديهم تاريخ عائلي للإدمان يمكنهم تقليل خطر تطور الإدمان لديهم من خلال الخطوات التالية:
- التدخل المبكر: يفيد التدخل المبكر في استبعاد العامل الوراثي للإدمان من خلال تشخيص الاضطرابات السلوكية والنفسية في وقت مبكر ومعالجتها ما يقلل من فرص اللجوء إلى تعاطي المخدرات.
- برامج التوعية والتثقيف: للتقليل من تأثير العامل الوراثي في الإدمان يجب تعزيز الوعي بالمخاطر لدى الفئات الأكثر عرضة، خصوصاً في سن المراهقة، لأن ذلك يساهم في تقوية اتخاذ القرار وتجنّب السلوكيات عالية الخطورة.
- الدعم الأسري والاجتماعي: الدعم الذي يحصل عليه الفرد من الأسرة والمجتمع يحصنه إلى حد كبير من الإدمان، من خلال توفير بيئة داعمة، ومستقرة نفسياً واجتماعياً، فهذا يحدّ من تأثير العوامل الجينية ويعزز عوامل الحماية.
- تعزيز المهارات الشخصية والسلوكية: يجب مساعدة الشخص منذ وقت مبكر في تعزيز مهاراته الشخصية مثل مهارات الرفض، وإدارة الضغط، وحل المشكلات، فهي من مكونات الوقاية السلوكية الأساسية المعتمدة في برامج الصحة العامة.
- المراقبة والمتابعة المستمرة: خصوصاً لدى الأفراد الذين لديهم أقارب مدمنون، وذلك للكشف المبكر عن أي سلوكيات تشير إلى بداية الاعتماد.
في الواقع لا يمكن القول أن الشخص المدمن ينجب طفلاً مدمناً بالمعنى المباشر أو الفعلي للإدمان، إذ لا يُورّث الإدمان كحالة مكتملة أو كإدمان فعلي، بل يورث ما يُعرف بالاستعداد الوراثي أو القابلية الجينية للإدمان، حيث أن أطفال الأشخاص المدمنين قد يرثون طفرات جينية أو أنماط وراثية تجعلهم أكثر عرضة للتفاعل مع المواد المخدرة بطريقة تؤدي إلى الإدمان، مقارنة بمن لا يملكون هذا الاستعداد.
ومع ذلك لا يظهر هذا الاستعداد الوراثي تلقائياً بعد الولادة، بل يعتمد تحققه على عوامل أخرى من أهمها البيئة الأسرية والاجتماعية التي ينشأ فيها الطفل، ومستوى التعرض للمواد المخدرة، ومستوى الصحة النفسية العامة، ووجود عوامل وقائية أو محفّزة
كما أظهرت بعض الدراسات أن تعاطي الأم للمخدرات أثناء الحمل قد يؤثر على تطور الجهاز العصبي للجنين، ما يؤدي إلى اضطرابات عصبية وسلوكية لاحقة، لكنها لا تُعد إدماناً بالمعنى الإكلينيكي، بل تُصنف كآثار ناتجة عن التعرض قبل الولادة.
إذاً الطفل لا يولد مدمناً، ولكنه قد يولد وهو يحمل قابلية وراثية للإدمان، وقد يتأثر أيضاً بالبيئة المحيطة والسلوكيات الأسرية، ما يزيد أو يقلل من احتمال تطور الإدمان لاحقاً في حياته.

نعم تشير الأدلة العلمية المستندة إلى دراسات جينية وسريرية متعددة إلى أن العوامل الوراثية تسهم بشكل مؤثر في زيادة احتمالية الإصابة بإدمان المخدرات، لكنها لا تعمل بمعزل عن العوامل البيئية والنفسية.
فمن الناحية البيولوجية تؤثر الجينات المرتبطة بوظائف النواقل العصبية وأنظمة المكافأة في الدماغ مثل نظام الدوبامين، في كيفية استجابة الأفراد للمواد المخدرة، ما يجعل بعض الأشخاص أكثر عرضة لتجربة مشاعر المتعة الشديدة بعد التعاطي، وبالتالي أكثر قابلية لتكرار الاستخدام والتطور نحو الإدمان.
إضافة إلى ذلك يمكن أن تؤثر الجينات في القدرة على ضبط النفس والتحكم في السلوك، ودرجة الاستجابة للضغوط النفسية، والاستعداد للإصابة بالاضطرابات النفسية مثل القلق والاكتئاب، التي تُعد عوامل خطر مرافقة للإدمان.
وبعض الدراسات على التوائم والأسر أثبتت وجود معدلات تكرار للإدمان أعلى بين الأقارب البيولوجيين، ما يدعم تأثير العوامل الجينية، ولكنها في الوقت نفسه أكدت أن وجود الاستعداد الوراثي لا يعني حتميّة الإدمان، بل يتطلب تفاعلاً مع ظروف خارجية مثل بيئة التنشئة، ونمط الحياة، والتجارب الشخصية.
بالتالي فإن العوامل الوراثية تُعد عامل خطر وليست سبب مباشر أو قاطع، ويجب النظر إليها ضمن سياق متعدد الأبعاد يشمل الجينات، والبيئة، والسلوك.
الأب والأم يورثان نفس القدر من الجينات بنسبة 50% لكل منهما، لذلك لا يوجد فرق جوهري في الكمية الجينية الموروثة من كل منهما فيما يتعلق بالاستعداد للإدمان، ومع ذلك بعض الدراسات تشير إلى وجود اختلافات في التعبير الجيني، قد تتأثر بنوع الجين وما إذا كان موروثاً من الأم أو الأب، إلا أن هذه الفروق لا تزال موضع بحث ولم تُثبت بشكل حاسم فيما يخص إدمان المخدرات تحديداً.
في حالة كانت الأم مدمنة أثناء الحمل، فإن الجنين قد يتعرض مباشرة للمادة المخدرة عبر المشيمة، وهو ما يؤدي إلى تغيرات في نمو الدماغ والجهاز العصبي، وأعراض انسحابية بعد الولادة، ومشاكل سلوكية ونفسية لاحقة، هذا لا يحدث في حالة كان الأب مدمن، ما يجعل خطر التأثير المباشر أعلى لدى الأم المدمنة من الناحية الفسيولوجية.
من حيث البيئة والتنشئة فإن وجود أب مدمن غالباً ما يرتبط بعوامل مثل العنف الأسري، وغياب الانضباط، أو ضعف الإشراف، وكلها عوامل تؤثر في احتمالية تطور الإدمان لدى الأبناء، أما وجود أم مدمنة قد يكون مرتبط بإهمال الرعاية، وضعف الاستقرار النفسي للأسرة، وتأثير أقوى في مرحلة الطفولة المبكرة، وهي مرحلة حساسة لتكوين السلوك.
نستنتج من ذلك أنه من الناحية الوراثية تحديداً لا يوجد فرق كبير في قابلية التوريث بين الأب والأم، لكن يُمكن لبعض التغيرات الجينية الخاصة أن تُورّث بطريقة مختلفة، وهذا لا يزال تحت البحث، أما وظيفياً وسلوكياً فتأثير الأم قد يكون أكثر مباشرة وخطورة إذا تم التعاطي أثناء الحمل، في حين يكون تأثير الأب أكبر من حيث البيئة والقدوة السلوكية، بمعنى أن كلا الوالدين يلعب دور في نقل الاستعداد الوراثي، لكن طبيعة المخاطر تختلف بحسب الدور البيولوجي والسلوكي لكل منهما.