لقاح جديد شامل للإنفلونزا قد يدوم لعشر سنوات

العلماء يعملون على تركيب لقاح للإنفلونزا يتفوق على اللقاح السنوي المعتمد حالياً، إذ يمكن أن يبقى فعالاً لمدة 10 أعوام
لقاح جديد شامل للإنفلونزا قد يدوم لعشر سنوات
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

الإنفلونزا هو مشكلة صحية عالمية تهدد جميع بلدان العالم تقريباً وبشكل مستمر، إذ تسمح الطبيعة الوراثية لفيروس الإنفلونزا بالتطور والتبدل الوراثي لإعطاء أشكال جديدة بشكل دائم وهذا ما يعيق عمل اللقاحات التي يتم إنتاج أنماط حديثة منها في كل عام من أجل استهداف السلالات الوراثية الرائجة في هذا العام.
ولكن الأمل في تجاوز هذه المشكلة أصبح حقيقياً من خلال العمل على لقاح واحد طويل الأمد بدلاً من اللقاحات السنوية، فما هو الجديد في هذا المجال؟ سنعرف ذلك وأكثر في المقال التالي.
 

animate

ما هو هذا لقاح الإنفلونزا الجديد؟
وصل الباحثون من كلية بيرلمان للطب (The Perelman School of Medicine) التابعة لجامعة بنسلفانيا (University of Pennsylvania) الأميركية إلى تركيبة تجريبية قد تصبح في المستقبل لقاح الإنفلونزا الشامل (Universal Influenza Virus)، والذي قد يؤمن حماية لمتعاطيه من معظم السلالات الوراثية لفيروس الإنفلونزا، ولمدة طويلة قد تصل إلى 10 سنوات.
في دراسة نشرت في مجلة (Nature) العلمية، ذكر الباحثون أن اللقاح الجديد يولد ردة فعل مناعية موجهة إلى أحد أجزاء سطح الفيروس الثابتة، أي أنه لا يهاجم النقاط القابلة للتبدل بشكل مستمر كما يفعل اللقاح السنوي للفيروس، وهذا ما يجعله قادراً على القضاء على سلالات فيروسية متنوعة بغض النظر عن الطفرات الوراثية التي تغير من تركيب الفيروس بشكل مستمر.
منذ وقت طويل والعلماء يحاولون إيجاد طريقة وقائية متفوقة على اللقاحات السنوية المحدودة من ناحية الفعالية والمدة الزمنية، إذ تكون موجهة ضد 3 أو 4 أنماط وراثية شائعة عالمياً في موسم ما، ويجب تجديدها كل عام لتناسب الأشكال الوراثية الجديدة للفيروس، لهذا السبب يعمل أطباء علوم الأوبئة حول العالم لإنتاج لقاح شامل يهاجم الفيروس بغض النظر عن نمطه الوراثي، ويعطي مناعة طويلة الأمد -أو مناعة دائمة إذا أردنا أن نكون متفائلين قليلاً- إذا نجحوا في تحويل الفكرة إلى واقع.


لماذا نحتاج إلى هذا اللقاح؟
خلافاً للاعتقاد الشائع، يعتبر الإنفلونزا مشكلة صحية عالمية خطيرة تودي بحياة عشرات الآلاف من المرضى كل عام، وهو من أكثر الفيروسات قابلية للانتشار والعدوى، إذ يكون المريض معدياً للآخرين قبل أن تظهر عليه أية أعراض، وتعتبر العدوى خطيرة بشكل خاص بالنسبة إلى الأطفال الصغار، الكبار في السن، والأشخاص المصابين ببعض الأمراض المزمنة، حتى أن الشباب السليمين قد لا يسلمون من اختلاطات الإنفلونزا، وهذا ما رأيناه مراراً في الجائحات والأوبئة العالمية خلال التاريخ الحديث والمعاصر.
لكن لقاحات الإنفلونزا الحالية لم تنجح في الحصول على شعبية كبيرة بسبب الحماية المحدودة التي تؤمنها والتي لا يمكن أن تصل إلى 100% أبداً، كما أن الحاجة إلى تناول اللقاح بشكل سنوي يجعل الكثيرين ينفرون منه ويعتبرونه عديم الفائدة وإن كان اعتقادهم خاطئاً بالطبع.
أما الأمل الجديد فهو الحصول على لقاح يستطيع تأمين الحماية من العدوى بفيروس الإنفلونزا (أو على الأقل الحماية من اختلاطاته الخطيرة)، وتجاوز السلبيات الأساسية في اللقاح الموسمي بفعالية أعلى واستمرارية تدوم لعدة سنوات مثل باقي اللقاحات العالمية الأساسية (لقاح شلل الأطفال ولقاح الحصبة والحصبة الألمانية والنكاف..)، وهذا ما سيدفع المزيد من الأشخاص إلى تقبل لقاح الإنفلونزا وأخذه على محمل الجد.
هناك مبدأ أساسي معروف في علم التمنيع واللقاحات يدعى باسم تمنيع الجماعة (Community Immunization) وهو يعتمد على هذا المفهوم البسيط: كلما زاد عدد الأفراد المنيعين ضد مرض معين من الجماعة البشرية، كلما توفرت حماية أكبر لباقي الأفراد من المجتمع، وخاصة أولئك الذين لا يستطيعون أخذ اللقاح لأسباب مرضية أو عمرية أو لوجستية، ولكن تمنيع الجماعة لا يكون فعالاً إلا إذا تم نشر اللقاح لغالبية الأفراد الموجودين في الجماعة البشرية.


التطور الحالي في مجال إيجاد اللقاح
هناك عدد من الفرق البحثية الطبية التي تحاول تطوير لقاحات شاملة للإنفلونزا، وهي تستهدف في عملها أجزاء مختلفة من جسم فيروس الإنفلونزا وخاصة تلك الأجزاء التي لا تتبدل بشكل مستمر بين موسم وآخر، والأمل كبير بأن يلاقي واحد من هذه المشاريع النجاح ويصبح اللقاح الموجود متوفراً وفعالاً بشكل مرضٍ.
ولكن اللقاحات تحتاج إلى سنوات حتى يتم تطوير الشكل النهائي القابل للاستعمال على البشر، حتى لو نجح اللقاح داخل المخبر فهذا لا يعني أبداً أنه اصبح جاهزاً للنشر والاستعمال حول العالم، أو حتى للاستعمال في التجارب على البشر، فالعملية تتم على مراحل قد تحتاج كل منها إلى سنوات.
يبدو أن عدة فرق بحثية عالمية لاقت نجاحاً في تجاربها الأولية على الحيوانات لهذا اللقاح الشامل، أما الخطوة التالية فهي إيجاد تركيبة آمنة وفعالة وقابلة للتجريب على البشر، وعندما تنجح التجارب البشرية يمكننا أن نعتبرها نهاية مرحلة اللقاحات السنوية محدودة الفاعلية.


وفي الختام.. لا أحد يعلم متى سنصل إلى مرحلة يصبح فيها الإنفلونزا من الماضي، ولكن نظرة بسيطة إلى الكوارث الصحية المرعبة التي سببها هذا المرض من أوبئة إسبانيا وهونج كونج وكوريا الجنوبية تكفي لنعلم أهمية الوصول إلى لقاح عالمي شامل في أقرب وقت ممكن، فالأمر قد يكون أخطر بكثير من مجرد نزلة برد عابرة.