ما هي قوة النسيان وما علاقة النسيان بالذكاء؟

النسيان قوة ذكاء.. النسيان هو علامة على أنك ذكي وفقاً للبحث العلمي.. ما هي أهمية النسيان للمضي قدماً؟ ولماذا النسيان نعمة؟
ما هي قوة النسيان وما علاقة النسيان بالذكاء؟
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

بادئ ذي بدء.. لا تعني الذاكرة الجيدة الذكاء العالي؛ ثانياً الدماغ البشري متطور لنسيان بعض الأشياء وتذكر بعض الأشياء فقط، الخلاصة.. النسيان جزء أساسي من الذكاء، والنسيان لا يقل أهمية عن التذكر أيضاً، لماذا نسعى لنسيان الماضي.. رغم كونه جزء من التاريخ الشخصي لكل منّا؟ هل لأن التجارب الماضية مؤلمة؟ لكنك لم تصل إلى ما أنت عليه حالياً من دون المرور بهذه التجارب! كثيراً ما قيل لنا: "لا بد للمرء أن يدفع من جيبه".. لكن يبقى للنسيان قوة مدهشة في تنظيم عمليات تفكيرنا العميق في استبعاد المعلومات والأحداث والذكريات التي لا نحاج إليها للمضي قدماً.. هذا المقال عن قوة وأهمية النسيان بشروط!

النسيان لا يقل أهمية عن التذكر
وفقاً لبحث علمي تعمل أدمغتنا بنشاط على النسيان ، وفي تقرير حول أهمية النسيان للذاكرة استعرض باحثان من جامعة تورنتو الكندية؛ الأدب الخاص بالتذكر والمعروف باسم المثابرة، ومجموعة أحدث الأبحاث حول النسيان، حيث توصلت ورقتهم المشار إليها: "أن النسيان عنصر لا يقل أهمية في نظام تفكيرنا مثل التذكر"، في الواقع يقترح الباحثون أن هدف الذاكرة ليس الاحتفاظ بأدق المعلومات مع مرور الوقت، لكن توجيه وتحسين صنع القرار الذكي من خلال التمسك فقط بالمعلومات ذات الصلة، فالهدف الحقيقي للذاكرة هو (تحسين عملية صنع القرار)، ومن المهم أن ينسى الدماغ تفاصيل غير ذات صلة وأن يركز بدلاً من ذلك على الأشياء، التي ستساعد في اتخاذ القرارات في العالم الواقعي".
عندما تتذكر فقط جوهر المحادثة أو اللقاء بدلاً من كل التفاصيل، فهذا يعني أن عقلك ينسى التفاصيل، لكنه يخلق ذكريات مجردة أكثر فائدة في صنع القرار والتنبؤ بالمستقبل. 
 

animate

إيلاء المزيد من الاهتمام لعملية النسيان
في الماضي كانت البحوث البيولوجية العصبية حول الذاكرة؛ تميل إلى التركيز على الآليات الخلوية المشاركة في تخزين المعلومات، والمعروفة باسم (المثابرة)، لكن تم إيلاء اهتمام أقل بكثير لعملية النسيان، والمعروفة أيضاً باسم (العابرة)، حتى الآن غالباً ما كان يُفترض أن عدم القدرة على التذكر يرجع إلى فشل الآليات المعنية بتخزين المعلومات أو تذكرها، لكن وجد باحثون الكثير من الأدلة في الأبحاث الحديثة، التي تشير إلى وجود آليات تعزز فقدان الذاكرة  وأن هذه العناصر متميزة عن تلك المشاركة في تخزين المعلومات، بمعنى آخر تعمل أدمغتنا بنشاط على نسيان تلك المفاتيح على الخزانة مثلاً ولأسباب وجيهة، ولكن ما هي الآليات الكامنة وراء النسيان؟

واحدة من هذه الآليات هي ضعف أو القضاء على الروابط المتشابكة بين الخلايا العصبية، تلك التي يتم ترميز الذكريات من خلالها، هناك آلية أخرى، وهي توليد خلايا عصبية جديدة، بالتالي فالاتصالات الجديدة تغير الدوائر الموجودة وتستبدل الذكريات المخزنة في تلك الدوائر، مما يجعل الوصول إليها أكثر صعوبة، هذا قد يفسر لماذا ينسى الأطفال، حيث يُنتج لديهم المزيد من الخلايا العصبية الجديدة، ويمتصون الكثير من المعلومات الجديدة أيضاً.
 

لماذا من المهم أن ننسى بعد أن نعرف كل هذه المعلومات؟!
لماذا تنفق أدمغتنا الكثير من الطاقة في تخزين الذكريات، لكنها تنفق الكثير من الطاقة في محاولة نسيان المعلومات أيضاً؟! هناك سببان وجيهان للغاية وراء رغبتك في نسيان بعض المعلومات التي تصادفها على الأقل:

السبب الأول.. النسيان لشخص ما في عالم متغير باستمرار يعفو الزمن على المعلومات القديمة وليس من المهم أن يتذكرها، فإذا كنت تحاول التنقل في العالم وكان دماغك ينشر باستمرار ذكريات متعددة متضاربة، فهذا يجعل من الصعب عليك اتخاذ قرار مستنير.

السبب الثاني.. يساعدنا النسيان على اتخاذ قرارات أفضل من خلال السماح لنا بتعميم الأحداث الماضية على أحداث جديدة، في الذكاء الصنعي؛ يُطلق على هذا المبدأ اسم "التنظيم" وهو يعمل عن طريق إنشاء نماذج كمبيوتر بسيطة تعطي الأولوية للمعلومات الأساسية، لكنها تقضي على تفاصيل محددة عند تحليل مجموعات البيانات الضخمة، مما يسمح بتطبيق أوسع، وفي الوقت الذي تمتلك أدمغتنا الحق في النسيان، قد يكون من المستحيل تحقيق الأهداف القانونية للحق في النسيان في بيئات الذكاء الصنعي.

في المحصلة.. الهدف من الذاكرة هو أن تجعلك شخصاً ذكياً يمكنه اتخاذ القرارات في ظل الظروف، وجانب مهم في مساعدتك على القيام بذلك هو القدرة على نسيان بعض المعلومات.
 

هل من المهم حقا أن تنسى الماضي للمضي قدما في حياتك؟
العقل مثل طفل صغير، طفل صغير مؤذ! كلما وجهته بعدم القيام بشيء ما، كلما أراد أن يفعل الشيء نفسه، هذا هو ميل العقل (هذا القرد الخطير)، كلما حاولت تقييده.. كلما ذهب في نفس الاتجاه، بالتالي كلما حاولت أن تنسى، كلما زادت قوة الذاكرة، المسألة برمتها تتعلق بمعرفة الماضي..
لكننا لسنا بحاجة لمحاولة نسيان الماضي! نحن فقط بحاجة إلى أن ندرك أنه ذهب، من الجيد لك أن يتذكر عقلك الماضي، وهذا يساعد في الحياة اليومية الآن ومستقبلاً، أليس من الجيد أن تتذكر موقع منزلك؟.. لذلك من الجيد أن تتذكر الماضي، وكيف يبدو الأمر إذا كان عليك أن تستيقظ كل يوم وتتذكر كلمات وعبارات بسيطة مثل: "تفاحة"... أليس من الجيد أنك تتذكر اللغة التي اكتسبتها من الماضي؟ 
فحتى الماضي جيد..؛ وهذا يساعدنا.. وبدون الماضي لا يمكن أن تكون هناك معرفة ولا علم ولا تقنية ولا لغة ولا فنون، لكن ذلك الماضي نفسه، يصبح جحيماً حياً إذا لم تفهم ما يجري، ثم تصبح أسيراً للماضي.

دون ماضي لا حاضر ولا مستقبل..
يمنحك الماضي الكثير من البيانات والكثير من المعلومات، كذلك الكثير من المعرفة المفيدة، حيث لا يمكنك أن تعيش حياتك دون هذه المعلومات، كما لا يمكننا التحدث بدون هذه اللغة، وهذه اللغة تأتي من الماضي، لذا... فإن الماضي يجعل الحياة مريحة، والعقل الذي يتمتع بالمرونة يعرف ما ينسى، هل تتذكر حتى كل ما قمت به منذ صباح اليوم؟ هل تستطيع أن تتذكر كل ثانية؟ بالنسبة لقد نسيتُ بالفعل. 

كيف لا تسمح للعقل بأن ينسى؟ 
من خلال إعطاء أهمية لشيء في اللحظة التي تأخذه على محمل الجد، حيث يتم تسجيله بعمق أكبر في العقل، لن تنساه.. لذلك لا تسأل: "كيف تنسى؟" اسأل: "كيف لا تأخذ التوافه على محمل الجد؟"..
لم ينجح أحد في محاولة نسيان شخص ما أو شيء ما، كلما حاول أن ينسى أكثر، كلما تذكر أكثر، أنت لا تريد التخلي عن الذاكرة وليس هناك حاجة للتخلي عن الذاكرة.. لأنها موجودة وستكون هناك دائماً، لذا لا تحاول حتى أن تنسى! 
في محاولتك للنسيان؛ أنت تقول إنني لا أستطيع التحمل، هذه هي الحجة التي تقولها لنفسك، أنت تقول "إنه أمر لا يطاق لذلك أنا أحاول أن أنسى".
لا يوجد شيء لا يطاق، لقد حدث بالفعل.. وهذه حقيقة لا يمكنك تغييرها، فهل هناك أي شخص ما يمكن أن يذهب ويغير ماضيه!؟ لكنه قد حدث... ليس إهانة وليس متعة وليس ألماً، كما أنه ليس شيئاً تفخر به؛ إنه مجرد حقيقة.

أكثر من تعلّم هو أكثر من أخطأ في الماضي
لا تحاول أن تحكم علي بماضيّ؛ سوف ترتكب خطأ، لقد حدث ما حدث.. وأنا بخير معه، لست فخورة بذلك، كما لا أشعر بالإهانة حيال الماضي، لأنه حدث في نقطة زمنية محددة وليس الآن، لذلك لا تحكم علي.
فأنت ما أنت عليه.. وهذا لا يقلل من شأنك، مهما كان ما حدث سيء، لكنك ستقبله ولا تحتاج إلى أن يكون لديك موقف تجاهه، لا إيجابي ولا سلبي؛ نكرر.. إنها مجرد حقيقة واقعة، وتذكر أنه لا يوجد ماضٍ يمكن أن يؤذيك عندما تكون موجوداً في الوقت الحالي. 

في المحصلة.. أن نكون أذكياء هو أن ننظر مباشرة وبشكل تلقائي إلى جوهر الأشياء، بدلاً من الوقوع في الأمور الثانوية والسطحية.. (الاسم والشكل والماضي والتفاصيل)، حيث يستمر عقلك في حمل الماضي، لذلك لا يمكن محوه، ولا تحاول تجربة ذلك، فالتحرر من الماضي لا يعني غسيل المخ، وجرف كل ما تم تخزينه، إن التحرر من الماضي لا يعني محو الذكريات، لكن التحرر من الماضي يعني فهمه على أنه "الماضي" ولست رهينة له، كل ما في الأمر هو الاستفادة من الماضي، فلا تدعه يسيطر عليك. 

مشكلتنا هي أننا نأخذ تلك الأشياء على محمل الجد بينما تستحق أن نضعها جانباً، ليس لدينا أي إحساس بما هو مهم بالفعل، لذلك نحن نتذكر كل الأشياء غير المهمة والهامشية، بالتالي يجب عليك معرفة ما هو مهم والتمسك به.
اسأل نفسك: "ما هو المهم في هذه اللحظة؟" ومهما كان الأمر ابق معه في هذه اللحظة.. وكلما وجدت أنك تُنقل بعيداً، اسأل نفسك: "هل هذا مهم؟" وإذا لم يكن مهم، فسوف ينخفض اهتمامك بالشيء الذي أخذك من هذه اللحظة.. من تلقاء نفسه، (أجرب هذا التمرين البسيط كلما شردت في تفصيل ما من الماضي وهو ناجح مع المراس).
الحاضر موجود وهو المكان الذي نعيش فيه، نحن لا نعيش في ذاكرتنا، كما لا نعيش في أحلامنا، والاهم من كل ذلك؛ نحن لا نعيش مع ما ذهب، بأي حال من الأحوال ننسى ما كان، لكن لا تفعل ذلك.. لا تنس!.. تذكر.. لكن تذكر أيضاً أنه قد رحل.. ولم يعد هنا الآن.
الماضي هو فقط المعلومات التي تهمّنا الآن، استخدمها في الوقت الحالي، لكن لا تبدأ في الاعتقاد بأن هذه المعلومات بحد ذاتها هي الحاضر وتعود للحلقة المفرغة من رهن حياتك للماضي!

في النهاية.. إننا نمتلك الحق في النسيان بعكس الذكاء الصُنعي؛ الذي يطرح اليوم مشكلة حول الخصوصية، بحيث قد تصل إلى مرحلة لن تمتلك فيها ماضيك! (هذا ما سنتحدث عنه في مقال مستقل)، وحتى الآن نختم بأن نقول: للنسيان قوة وأهمية؛ لكن ليس من الضروري أن تنسى كل شيء حتى تستمتع بالحياة وتمضي قدماً، فقط عليك أن تستفيد من دروس الماضي، وتعترف بحقيقة أنه مضى وانتهى، أنت الآن هنا.. شاركنا رأيك من خلال التعليقات.