كيفية الاختيار المناسب وقواعد المفاضلة الصحيحة

ما هو مفهوم الاختيار وأنواع الخيارات؟ كيف نقوم بالاختيار الصحيح، وما هي قواعد المفاضلة الجيدة؟ وما هي الأخطاء التي نرتكبها أثناء الاختيار؟
كيفية الاختيار المناسب وقواعد المفاضلة الصحيحة

كيفية الاختيار المناسب وقواعد المفاضلة الصحيحة

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

الحياة قرار؛ وكل ما في حياتنا هو انعكاس لخياراتنا وقراراتنا قبل كل شيء، ورمي المسؤولية على القدر أو لوم الآخرين أو تعليق المشاكل على شماعة الحظ والنصيب ما هي إلَّا محاولات يائسة لتبرير الخيارات والقرارات الخاطئة.
ولمَّا كانت المفاضلة أهم مرحلة من مراحل اتخاذ القرار الصائب والاختيار الصحيح بين خيارين أو أكثر؛ فإن دراسة قواعد المفاضلة وطريقة تقييم الخيارات المختلفة وترتيبها تعتبر الأداة الأهم والخبرة الأكثر تميزاً في سبيل اتخاذ قرار جيد في الوقت المناسب، لنتعرف معاً إلى مفهوم الاختيار وكيفية الوصول إلى الخيار الصحيح من خلال قواعد المفاضلة الذهبية.
 

ليس مفهوم الاختيار من المفاهيم الغامضة أو المعقدة التي تحتاج إلى شرح مستفيض وبيان مسهب، لكن تحديد مفهوم الاختيار أمر مهم في سبيل فهم طبيعة المفاضلة وترتيب الأولويات.
فالاختيار هي العملية العقلية التي يقوم بها الإنسان عندما يجد نفسه أمام مفترق طرق، كما في حل المشكلات أو في وضع الرؤى والخطط، أو حتى في أمور حياته الشخصية، والاختيار يخضع لسلسلة معقدة من العوامل الذاتية والموضوعية التي تتحكم إلى حد بعيد بكيفية الوصول إلى الخيار الصحيح.
 

animate

وقد يكون الحديث عن أنواع الاختيار والخيارات مفيداً في بيان كيفية اتخاذ الخيار الصحيح والقرار الأنسب:
1- الخيارات المتعددة والخيارات المفتوحة:
- الخيار من اثنين،
كخيار القبول والرفض بدون مفاوضات، أو الاختيار بين الانسحاب والاستمرار، وعادة ما تكون الخيارات متناقضة في اتجاهها، لكن لا يشترط أن تكون شديدة التباين في النتيجة النهائية.
- الخيار من متعدد؛ وفي هذه الحالة تكون أمامنا خيارات متعددة تمنحنا حرية أكبر في الاختيار، وهنا يبرز دور عملية التقييم والاختيار بناء على الدراسة لتضييق الدائرة والوصول إلى الخيار المثالي.
- الخيارات المفتوحة، وهي التي تعتمد على الإبداع الفردي في خلق الخيارات، حيث لا تكون الخيارات أو الاحتمالات محددة مسبقاً، وتكون الحدود مرنة، ما يمنحنا فرصة خلق خيارات جديدة وتعديلها ونحتها بما يتوافق مع مصلحتنا وأهدافنا من الاختيار.

2- دائرة تأثير الخيارات، وعناصر دائرة تأثير الخيارات هي المدى والشدة، بمعنى إلى أي درجة يكون تأثير الخيار عميقاً ومصيرياً من جهة، وما هو مدى تأثير الخيار على مناحي حياتنا وعلى الأشخاص الآخرين.
- الخيارات ذات التأثير المرن، سواء كانت متعددة أو مفتوحة أو حتى مغلقة -نعم أو لا- فهي ذات تأثير يمكن التحكّم به وتقويمه ما يمنحنا مرونة أكبر في وضع الخطط البديلة وتصحيح المسار في أي لحظة.
- الخيارات ذات التأثير العميق وشبه النهائي؛ نادراً ما نواجه في حياتنا خيارات ذات تأثير نهائي لا يمكن إصلاحه، لكن هناك نوع من الخيارات التي يصعب التراجع عنها أو تعديلها بعد اتخاذها، وهي تحتاج إلى دراسة مستفيضة وعقلانية.
- الخيارات الشخصية والعامة: بعض الخيارات الشخصية قد لا يتعدى تأثيرها الشخص نفسه، فيما تعتبر بعض الخيارات ذات تأثير مباشر على حياة الآخرين كالأسرة أو الموظفين أو غيرهم.

3- مجالات الدراسة للاختيار:
- الخيارات المحسوبة:
وهي تتميز بطبيعتها أنها تمنحنا الوقت الكافي لدراسة الخيارات المختلفة وتقييمها، وغالباً ما يحتاج هذا النوع من الخيارات إلى خبرة أقل من الخيارات المفاجئة.
- الخيارات المفاجئة: هي التي تتعلق بأحداث مفاجئة وتتطلب اتخاذ قرار سريع من خيارين أو أكثر، وعادة ما تتطلب خبرة جيدة في المفاضلة السريعة واستغلال الحدس، ووضع الخطط البديلة والإنقاذية.
 

كما ذكرنا في المقدمة فإن المفاضلة هي المرحلة الأهم في عملية تقييم الخيارات واتخاذ القرار الصحيح، وتقوم المفاضلة على انتقاء مجموعة من الخيارات الجيدة ووضعها على سلم أولويات يجعل من السهل إعادة تقييمها واختيار الأنسب منها في النهاية، وسنتعرف في الفقرات القادمة إلى قواعد المفاضلة الذهبية وإلى أبرز الأخطاء التي يجب تجنبها عند الاختيار لتحقيق مفاضلة منطقية وصحيحة.
 

لكلٍ منا دوافعه وأهدافه من الخيارات التي يتخذها بحياته، لكن التسرع باتخاذ القرار وعدم دراسة الخيارات جيداً هو ما قد يضعنا أمام تجربة الخيار السيئ، وما يجب أن نفهمه هنا أن تعلُّم مهارات الاختيار وقواعد المفاضلة لا يعني أننا في كل مرة نحتاج إلى السير وفق هذه القواعد بترتيب معين أو بوصفة جاهزة، وإنما اكتساب هذه الخبرة يجعلها جزء من طريقتنا الأوتوماتيكية في الموازنة بين الخيارات وتقييمها ومفاضلتها، فقراءة القواعد مرة واحدة وتجريبها ستكون كفيلة بتطوير آلية الاختيار لدينا، وإليكم أهم خمسة قواعد تعتبر القواعد الذهبية للاختيار وتحقيق المفاضلة الصحيحة:

تحديد نوع الخيارات المتوفرة
أول ما يجب فعله هو تقييم وضعنا الحالي، هل نحتاج أولاً لاتخاذ إجراءات سريعة لتجميد الوضع قبل البدء بتقييم الخيارات، ما هي نوعية الخيارات المتاحة، وهل نمتلك رفاهية الوقت، ثم ما مدى تأثير عملية الاختيار عموماً، وهل الاختيارات مغلقة أو مفتوحة، يجب تحديد شكل عملية الاختيار في ظل أنواع الاختيارات التي ذكرناها مسبقاً كخطوة أولى.

توسيع دائرة الضوء
دراسة الخيارات كل خيار على حدة وفهم تأثير كل خيار بشكل منفصل والحصول على المعلومات اللازمة عن كل خيار يعتبر بمثابة تشغيل الأضواء الكاشفة، فكل معلومة مهما بدت بسيطة تساههم أكثر مما نتخيل في جعل خيار ما أفضل من الآخر أثناء عملية المفاضلة.

اختبار الخيار
في حالات معينة تتاح لنا الفرصة لاختبار الخيار بشكل مباشر، إليك مثالاً مبسطاً؛ عندما تواجه عطلاً ما في سيارتك وتريد إصلاحه بنفسك، تلجأ فوراً إلى اختبار الاحتمالات، ومع اختبار الاحتمالات ورصد النتائج تستطيع معرفة أي الخيارات يعتبر فعالاً وأيها يعتبر غير فعال أو غير مهم، فلا تقوم مثلاً بتثبيت الأسلاك بشكل نهائي حتى تتأكد أنك وجدت الخيار الأفضل.
لكن يجب التأكد أن اختبار الخيارات يحتاج إلى الكثير من الحذر والخبرة في جعل الخيارات تعبر عن نفسها بسرعة، وامتلاك زمام الأمور كي لا تصبح الخيارات مفروضة علينا فجأة.
ومن أشكال اختبار الخيارات أيضاً هو الاستشارة والاطلاع على التجارب السابقة، وضع المعنيين في محاكاة للخيارات من خلال جلسات العصف الذهني، واستخدام تقنيات رصد الاحتمالات، والتجريب على دائرة صغيرة قبل تعميم التجربة...إلخ.

تضييق الاحتمالات
من خلال دراسة الخيارات والإضاءة على تفاصيلها واختبار ما يمكن اختباره منها نكون قد صلنا إلى مرحلة المفاضلة، تقوم مرحلة المفاضلة في جوهرها على تحييد الاحتمالات البعيدة وترك الاحتمالات القريبة، بحيث نصل إلى أفضل وأقل عدد من الخيارات المتاحة، وكلما كانت الخيارات أوضح وأقل كلما كانت عملية المفاضلة أسهل وأكثر فاعلية.
ويتم تضييق الاحتمالات والخيارات من خلال المقارنة بين السلبيات والإيجابيات لكل خيار من الخيارات، وصولاً إلى عملية اتخاذ الخيار الأنسب واعتماده.

وضع خطة التقييم والمتابعة
لتتأكد أنك تقوم باختيار خيارات موفقة لا بد من تطوير آلية فعالة لمراقبة وتقييم مفاعيل وآثار هذا الاختيار أو القرار، وذلك من خلال تتبع النتائج وقياسها، لنفترض مثلاً أنَّك مدير قسم التسويق في شركة صناعات غذائية، وقمت بتحديد بعض الخيارات التسويقية لترويج منتج جديد، منها التسويق المباشر، وتصوير إعلانات مع نجوم التلفزيون، أو استخدام مشاهير السوشيال ميديا، أو استخدام عروض مضاعفة الكمية بسعر أقل.
بعد الدراسة والتفكير وضعت خطة تقوم على التسويق المباشر من خلال سيارات تجوب الشوارع وتعرض المنتجات بشكل مباشر على المستهلكين، كذلك استخدمت أحد مشاهير السوشيال ميديا ليقوم بتصوير فيديوهات عن منتجك.
لا بد أن تقوم بمتابعة فاعلية الخيارات التسويقية التي اتخذتها بشكل مباشر للتأكد أنك تحصل على النتائج التي توقعتها، فيمكن أن تقوم بمتابعة التعليقات على الفيديوهات لتكتشف أن سمعة الشخص أثرت سلباً على سمعة المنتج، أنت بحاجة للتراجع فوراً عن خيارك، وفي الوقت نفسه قد تجد أن عربات التسويق المباشر تحقق سمعة جيدة ومبيعات مرتفعة وقد تتحول لحديث الناس لفترة من الزمن.
 

في سبيل تحقيق خيارات جيدة ومفاضلة منطقية وصحيحة لا بد من تجنب الأخطاء التالية:
1- لا تتسرع أبداً بالاختيار،
حتى إن كنت تحت الضغط وإن لم يكن الزمن في صالحك تأكد أنك تتأخذ خياراتك بحكمة وبعيداً عن تأثير الضغط.

2- لا تستخف بالمفاجآت، هل سمعت عن المثل الذي يقول غلطة الشاطر بألف؟!، ما يجعل غلطة الخبير غلطة كبيرة أنه يركن إلى خبرته ويستريح إلى حدسه أكثر من اللازم ويستخف ببعض الإجراءات الأساسية في عملية اتخاذ القرار وتحديد الخيارات الأفضل، لذلك تجده يقع في هفوات لا يقع بها المبتدئون الذين يتحلون بنعمة الحذر.

3- لا تتهرب من المسؤولية؛ فتحمُّل المسؤولية يساعدك دائماً على اختيار خيارات صحيحة من جهة، ويدعمك في تجربة التراجع عن الأخطاء والعودة إلى مرحلة المفاضلة مجدداً.

4- اخلق الخيارات: حتى في أكثر ظروف الاختيار تعقيداً وجموداً يمكنك خلق الخيارات، يجب أن تفكر دائماً ألَّا شيء في هذا العالم يمكن أن يكون بخيارين اثنين فقط، هناك دائماً خيارات أخرى لكنها تحتاج للبحث والإبداع، وقد تعود في النهاية للاختيارات الموجودة مسبقاً، لكن البحث عن خيارات جديدة سيجعل من عملية الاختيار أكثر نجاحاً حتى وإن انتهى الأمر إلى الخيارات الموجودة مسبقاً.

5- لا تختر الأسهل: فالفخ الكبير في عملية الاختيار هو اختيار الأسهل والأسرع، علماً أنه لا يوجد ما يثبت أن الأسهل هو أسوأ دائماً، لكن اختيار الأسهل يعني تحييد الخيارات الصعبة مهما كانت فعالة.
حتى على مستوى الخيارات البسيطة بين الطعام الجاهز والطعام المعد منزلياً، وبين الوجهات السياحية الراقية والشعبية، وبين المواصلات العامة والسيارة الشخصية؛ يفوِّت علينا اختيار الأسهل كل المميزات التي تمنحنا إياها الخيارات الصعبة أو التي تحتاج إلى المزيد من الجهد، ربما الأصح القول: لا تختر الأسهل ولا تختر الأصعب؛ بل ابحث عن الخيار الأنسب.

أخيراً... في كثير من الخيارات قد نستخف بعملية المفاضلة بين الخيارات ونعتبر أننا نمتلك القدرة على اختيار الأفضل دون الحاجة إلى النظر بعين فاحصة إلى الظروف والخيارات المختلفة، لكن حتى في الخيارات البسيطة يجب أن نتأكد أننا نختار الأنسب، فالخيارات العادية واليومية التي تبدو سخيفة تنعكس على حياتنا بشكل كبير حتى وإن كان تأثيرها بطيئاً في الظهور، لذلك لا بد من التوقف ولو لدقائق قليلة قبل تحديد الخيار واتخاذ القرار.