أهمية الحصول على الاستشارة الزوجية

متى يجب أن تحصل على استشارة زوجية؟ وكيف تختار مستشاراً زوجياً؟ متى يجب أن تتوقف عن طلب الاستشارات بخصوص مشاكلك الزوجية؟ وكيف تحقق الفائدة من الاستشارة الزوجية؟
أهمية الحصول على الاستشارة الزوجية

أهمية الحصول على الاستشارة الزوجية

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

ما تزال ثقافة اللجوء لمستشار العلاقات الزوجية ثقافة خجولة في عالمنا العربي، إما لاعتقاد الزوجين أو أحدهما أن اللجوء إلى مستشار العلاقات الزوجية هو مجرد فذلكة عصرية لا طائل منه، أو لفقدانهما الأمل بإصلاح العلاقة المنهارة من خلال بعض النصائح والاستشارات.
لكن هل يمكن أن تكون الاستشارة الزوجية خطوة فعّالة لإنقاذ العلاقة الزوجية؟ ومتى يجب أن نلجأ للاستشارة الزوجية؟ ما الذي تقدمه لنا الاستشارة الزوجية؟ وكيف يمكن اختيار المستشار الزوجي الأفضل؟.
 

يعتبر ظهور مفهوم الاستشارة الزوجية أحد وجوه تطور العلوم النفسية وتفاعلها مع القضايا الاجتماعية، ولطالما كان لكل زوجين مستشار غير متخصص يساعدهما بتجاوز خلافاتهما وحلّها، لكن ظهور المستشار المختص جعل من شكل الاستشارة الزوجية أكثر وضوحاً وتحديداً.
حتى الآن لا يمكن الإشارة إلى الاستشارات الزوجية كتخصص جامعي قائم بذاته، يمكن أن تكون الاستشارات الزوجية جزءاً من التخصص أو حتى مقرراً ضمن تخصص جامعي كتخصصات إرشاد الأسرة، وغالباً ما يعتبر خريجو علم النفس والإرشاد النفسي وعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية هم الأكثر تأهيلاً لممارسة الاستشارة الأسرية والزوجية، فيما تتوفر العديد من البرامج الدراسية المكثفة التي تمنح غير المختصين شهادة في الاستشارات الأسرية والزوجية، وهذا جدل قائم بحد ذاته حول من يحق له مزاولة هذه المهنة ومن لا يحق له.
 

animate

متى يجب أن تطلب المساعدة من مستشار العلاقات الزوجية؟، حيث يرى الكثير من الأزواج والزوجات أن الاستشارة الزوجية تبدو كمحاولة لتقليد الغرب أو مسايرة طبقة اجتماعية معينة، لكن طلب الاستشارة الزوجية قد تكون حاجة ملحّة في الحالات التالية:
- غياب التفاهم ووجود مشاكل مزمنة بين الزوجين.
- وجود سلوك غريب ومرفوض من قبل أحد الزوجين.
- تعرض أحد الزوجين لحادثة أو تجربة غير طبيعية مثل التعطل عن العمل أو الخروج من تجربة الإدمان أو غيرها من التجارب القاسية.
- دخول أحد الزوجين بحالة من الاكتئاب تمتد على فترة زمنية طويلة.
- وجود مشاكل عميقة وغير جسدية في العلاقة الجنسية.
- مشاكل الأزواج التقليدية مثل الشك والغيرة والرغبة بالسيطرة وغيرها، على أن تكون درجة تأثير هذه المشكلات عميقة في علاقة الزوجين.
- الشعور بالعجز أمام المشاكل الزوجية.
- الشعور أن العلاقة الزوجية انهارت أو تكاد.
- التفكير المستمر بالانفصال.
- الرغبة بالحصول على رأي متخصص نابع من العلم والخبرة فيما يتعلق باستقرار الحياة الزوجية.
 

لا يمكن الادعاء أن جميع الأزواج يمتلكون القدرة على حلِّ مشاكلهم الزوجية بأنفسهم، وذلك لا يعني بالضرورة قصور أحد الزوجين أو كليهما عن حل المشاكل العادية باستثناء مشاكل الزواج، ولا يعني أيضاً أن أحد الزوجين أو كليهما يفتقر للمهارات الاجتماعية التي تساعده في حل مشاكله، لكن تعقيد المشاكل والخلافات الزوجية قد يبطل مفعول تلك المهارات والقدرات، وعندها قد يحتاج الزوجان إلى من يقدم لهما الاستشارة والنصح ويساعدهما على إيجاد الحلول وخلقها.

وعادة ما يقوم مستشار العلاقات الزوجية بدوره من خلال ثلاث مهمات رئيسية يتفرع عنها ما يتفرع من مهمات أخرى، وهذه المهمات هي:
- فهم أسباب المشكلة وشرحها: 
لأسباب كثير قد لا يستطيع الأزواج فهم المشكلة أو تشخيصها بالشكل الصحيح خاصة في سنوات الزواج الأولى، فالأنانية مثلاً تدفع الشريك إلى إنكار الأسباب الحقيقية للمشكلة لأنه لا يريد أن يشعر بالخيبة أو سوء الاختيار أو التقدير، كذلك الرغبة بالحفاظ على الصورة الاجتماعية للأسرة قد تجعلنا ندافع عن هذه الصورة من خلال الابتعاد عن تحليل المشاكل والاكتفاء بكتمها وعدم السماح لها بالظهور أمام الآخرين.
وأول ما يحاول فعله مستشار العلاقات الزوجية الحكيم هو فهم ظروف المشكلة وتحديدها وتسميتها وتحديد أسبابها.
فإذا اشتكى الزوج مثلاً أنه يشعر بالندم على الزواج، سيقوم المستشار بطرح بعض الأسئلة التي تساعده على فهم طبيعة وأسباب مشاعر الندم على الزواج، وسيقوم بشرح هذه المشاعر للزوج ومناقشته بها ليتأكَّد أنه وصل إلى النتيجة المرجوّة.
ويحاول المستشار الزوجي الحكيم أن يسمع من الطرفين، لكن في حال تعذر ذلك سيقوم بوضع الأمر بالاعتبار وفهم رغبة الزوج أو الزوجة بالتهرب من المسؤولية أو اتهام الآخر، وسيسأل الشريك المتعاون أسئلة كفيلة بفهم الطرف الآخر قدر الممكن.

- تقديم الحلول الممكنة: من خلال خبرته في التعامل مع مشاكل الزواج، ومن خلال معرفته العلمية لتركيبة الإنسان النفسية ولكلا الجنسين بشكل منفصل ولتأثير علاقة الزواج على شخصية الأزواج وسلوكهم؛ يقوم مستشار العلاقات الزوجية بتقديم خطة أو عدة خطط لحل المشكلة والتعامل معها، ويقوم بشرح الخطة بالتفصيل للزوج أو الزوجة أو للزوجين معاً.
ففي حالة الندم على الزواج مثلاً؛ بعد أن يتأكد المستشار النفسي أن الزوج ليس نادماً على اختياره لزوجته، وإنما نادم على إقدامه على الزواج كخطوة، وبعد أن يتفق المستشار مع الزوج أن السبب الرئيسي لهذا الندم هو شعوره بفقدان الاستقلالية من جهة وزيادة الضغوط المادية والاجتماعية عليه من جهة أخرى، ومن خلال فهم المستشار لظروف الزوج سيقدم له خطة للحل.
فيطلب منه مثلاً أن يكرس المزيد من الوقت الشخصي بالاتفاق مع الزوجة، أن يحدد يوماً بالأسبوع يقوم به بنشاطات خاصة به كلقاء الأصدقاء أو الذهاب إلى بعض الأماكن التي كان يذهب إليها عندما كان عازباً كالمقاهي أو الملاعب، ويطلب منه أيضاً أن يعزز النشاطات المشتركة مع زوجته، يشاهدان فيلماً معاً أو يذهبان للمشي كل يوم في موعد ثابت.
ثم يساعده على وضع خطة للتوفير والادخار لتنظيم مصروف البيت، ويقدم له آليات مناسبة لطرد مشاعر الندم عندما تهاجمه.... إلخ.

- المتابعة والتقييم: المستشار الزوجي المحترف يقوم بمتابعة الحالة عن كثب، يتصل بالزوج أو الزوجة ليطمئن على سير الأمور، يقدم اقتراحات جديدة في ضوء التطورات الجديدة، يطلب منهم زيارته مجدداً لتغيير الخطة إن اقتضى الأمر، ويتيح للأزواج التواصل معه بسهولة دائماً.

لكن أليس هذا ما يفعله ابن خالتي؟!
قد تفكر للحظة أن خطوات الاستشارة التي ذكرناها ليست بعيداً عن المستشار العادي الذي نقصده عادةً من الأهل أو الأقارب وبالمجان!، فعندما تذهب لابن خالتك تشتكي له إهمال زوجتك لنظافة البيت سيحاول أن يحلل أسباب المشكلة ويفهمها، ثم سيقدم لك الحل من وجهة نظره، وسيتصل بك في اليوم التالي ليطمئن إن كانت زوجتك قد نظفت الحمام؟!.
المراحل التي اتبعها ابن خالتك أو صديقك أو قريبك في تقديم الاستشارة هي ذاتها مراحل المستشار المتخصص، بل هي نفس الطريقة التي نتبعها جميعاً في التفكير (التحليل، الخطة، المتابعة والتقييم) لكن يجب أن تتذكر أن مستشار العلاقات الزوجية هو في الأصل متخصص اجتماعي أو متخصص نفسي، بمعنى أنه يعرف أكثر بكثير عن خفايا النفس البشرية وأساليب كشف أسرارها والتعامل معها مما يعرف ابن الخالة، لذلك يعتبر مستشار العلاقات الزوجية المتعدي على المهنة أقرب ما يكون لشخص عادي حصل على رخصة مزاولة الاستشارة!.
 

وهنا مربط الفرس، هل الاستشارة الزوجية ستقدم حلول حقيقة؟ هل حقاً سيكون المستشار الزوجي قادراً على كشف أمور لم يكتشفها الزوجان؟ هل سيكون قادراً على تذليل العقبات وحل الخلافات طويلة الأمد؟.
هذا يتعلق بمجموعة كبيرة من العوامل الذاتية والموضوعية، يتعلق مثلاً بهدف الزوجة والزوج من زيارة المستشار الزوجي، هل تريد أن تقلد المجتمعات الغريبة لأنك تحاول تلميع صورة زواجك؟! أم أنك تبحث عن الحلول فعلاً؟ أم تراك تتبع مبدأ سد الذرائع "زرنا المستشار ولا فائدة"؟
يتعلق ذلك أيضاً بمرونتك، فالنصائح التي سيقدمها المستشار النفسي قد تكون متوافقة إلى حد بعيد مع ما يطلبه منك الشريك منذ سنوات، فهل أنت مرن بما يكفي لتقبُّل هذه النصائح والعمل عليها؟
كما أن اتفاق الزوجين على طلب الاستشارة من عدمه يلعب دوراً مهماً أيضاً بفاعليتها، إضافة إلى قدرتهما على الالتزام بالخطط وخلق الروتين الجديد.
وبكل تأكيد فإن المستشار نفسه يلعب الدور الأكبر في جعل الاستشارة الزوجية تجربة فعالة تسير بالزوجين نحو الحل، فكلما كان المستشار خبيراً عارفاً بتفاصيل عمله وقادراً على التأثير بالزوجين كل منهما على حدة؛ كلما كانت الاستشارة فعالة.
فإن كان أحد الشركاء قد جاء إلى الاستشارة كارهاً، وإن كان يرغب بسد الذرائع، وإن كان يعاني من جمود التفكير وانعدام المرونة وقلة الالتزام، من المفترض أن يلعب المستشار الزوجي دور المعالج النفسي بإقناع الزوج أو الزوجة بفاعلية الاستشارة قبل تقديمها، والتعامل مع المشاكل الشخصية لكل من الزوجين على حدة كتعليمه مهارات التفكير المرن، وطرد الأفكار السلبية من رأسه، ومساعدته ليكون أكثر انفتاحاً على الحلول.
 

باختصار شديد هناك أربعة حالات رئيسية يجب أن تمتنع عندها عن طلب الاستشارة الزوجية؛ وهي:
1- إذا كنت تعتقد مسبقاً أنك قابل للانقياد أو أنك ستنفذ النصائح دون تحليلها والتفكير بها
، أو أنك لا تمتلك المرونة الكافية لتنفيذ الإرشادات بطريقة جيدة، فالنصائح ليست أوامر يجب تنفيذها، وإنما أفكار لا بد من تحليلها والنقاش حولها وتنفيذها عن رغبة وبطريقتك الخاصة.

2- إذا كان الشريك رافضاً لحصولك على استشارة زوجية منفرداً أو معه أو أي نوع من الاستشارات، ويعتقد أنك تكسر خصوصية الزواج من خلال لجوئك للمستشار، وإذا كان المستشار الزوجي محترفاً فيجب أن ينصحك باحترام رغبة شريكك؛ فإما أن تقنعه بفكرة الحصول على استشارة أو تتابع البحث عن الحلول ذاتياً، وليس من الحكمة الذهاب للمستشار الزوجي لنقول له أن شريكنا يعتبر الذهاب للمستشار الزوجي انتهاكاً للخصوصية وإفشاء لأسرار الحياة الزوجية!.

3- عندما تشعر أن الاستشارات الزوجية تؤثر سلباً على حياتك وعلى علاقتك الزوجية، سواء بسبب النصائح الخاطئة أو التطبيق الخاطئ للنصائح أو عدم تقبل الشريك للتغيرات الجديدة، أو عجز المستشار عن فهم المشكلة وتحليلها ما يجعلها تبدو أكثر تعقيداً مهما كانت بسيطة.

4- عندما تشعر أنَّك تتعرض للابتزاز أو النصب من قبل المستشار، لذلك يجب أن تتأكد أنك تقصد مستشاراً معتمد، وحاصل على الشهادات العلمية التي تؤهله لتقديم الاستشارات الزوجية، وصاحب سمعة جيدة في هذا المجال.
 

إن أفضل ما يمكن أن يمنحك إياه مستشار العلاقات الزوجية هو مفاتيح إيجاد الحلول ذاتياً، فقدرة الزوج و الزوجة على حل مشاكلهما ذاتياً منقطعة النظير، والحلول الذاتية هي الأكثر فاعلية والأطول أمداً.
حتَّى إن قدم مستشار العلاقات الزوجية نصائح مباشرة أو تعليمات واضحة فإن الهدف منها يجب أن يكون تطوير آلية التفكير وتطوير المهارات الشخصية في التعامل مع الشريك، وإلا لن تكون ذات قيمة وستنهار عند أول منعطف جديد من منعطفات الحياة الزوجية التي لا تنتهي.
تمسَّك إذاً بالحلول الذاتية دائماً، وابحث داخلك وداخل أسرتك عن النوافذ المغلقة التي منها يدخل النور إليكما، واجعل هدف الاستشارة أن تطوِّر مهارتك في حل المشكلات الزوجية، لا تنتظر وصفة جاهزة ولا تقبلها.

أخيراً... لا تصدق من يقول لك أن العلاقة الزوجية يمكن تشبيهها ببيت إذا تهالكت جدرانه لا بد من استدعاء متخصص بالبناء!، العلاقة الزوجية لا يمكن تشبيهها بشيء، والأزواج وحدهم من يستطيعون إعادة بناء جدرانهم والتعامل مع مشاكلهم، والاستشارة الزوجية هي استشارة نفسية تركِّز على الجانب المتعلق بالزواج، تحاول منحك خبرات وآليات جديدة تعود بها إلى بيتك لتكون أنت وحدك المسؤول عن إصلاح العلاقة الزوجية والقيام بها، ولذلك لا يسمى المستشار "معالجاً زوجياً" بل مستشاراً.