أهمية التحدث إلى النفس وقوة الحديث مع الذات

تغلّب على الإحساس بالتوتر بحديث مع ذاتك؛ كيف يمكن للتحدث إلى النفس مساعدتك على التحكم بعواطفك؟ ما هي أهمية الحديث إلى الذات وقوة التحدث إلى النفس؟
أهمية التحدث إلى النفس وقوة الحديث مع الذات
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

فكر في الطريقة التي تتحدث بها عادة مع صديق يحتاج إلى الدعم؛ تمده بالتعاطف والتفاهم.. لكن كيف تتعامل مع مشكلاتك العاطفية والشخصية؟.. هل تتعامل معها بنفس الشعور بالوضوح والتوازن، الذي تعامل من خلاله صديقك المقرب؛ عندما يكون متعباً نفسياً؟ على الأغلب.. لا، لسبب وجيه من الصعب إدارة المشاعر السلبية الذاتية، عندما لا توجد بينك وبين الموضوع الذي يزعجك تلك المسافة.. لكن هل جربت الحديث عن نفسك إلى نفسك؟! أي أن تقف أمام المرأة مثلاً عند الصباح؛ لتناقش مع هذا الشخص الذي يعكس صورتك.. مشكلة تؤرقك؟! أنا أقوم بذلك حتى لو بدى في الأمر بعض من الجنون أن تتحدث عن ذاتك؟ لكن دعنا نتعرف على أهمية ذلك وخاصة لو تحدثت عن نفسك بضمير المُخاطب (أنت) أو الشخص الثالث (هو).

كيف تتحدث مع ذاتك بطريقة فعالة؟
قوة التحدث الإيجابي إلى النفس موثّقة علمياً، لأن التحدث إلى الذات في صيغة الشخص الثالث (أي اسمك) أو هو، بدلاً من ضمير الشخص الأول (أي.. أنا)؛ يمكن أن يساعدك في إدارة عواطفك الصعبة وبشكل أكثر فعالية.
في دراسة جديدة، اكتشف الباحثون أنه عندما يشير الناس إلى أنفسهم بأسمائهم الخاصة أو بضمير الشخص الثالث (هو)؛ فإن ذلك يساعدهم على اكتساب مسافة نفسية من الحديث السلبي عن النفس، بما يكفي لتعزيز سيطرتهم العاطفية بشكل كبير على ما يمرّون به.. على وجه التحديد وجد الباحثون، "أن المشاركين تعرضوا لضيق أقل عندما قاموا بتحليل مشاعرهم تجاه الأحداث باستخدام أسمائهم في الحديث مع أنفسهم، بدلاً من الضمير (أنا)"، كما وجدوا "أن هذه الحيلة لا تستهلك الكثير من الطاقة العقلية أو الوقت، على عكس التأمل مثلاً، حيث أن التأمل العميق يحتاج إلى الطاقة والوقت أكثر، كما يمكن أن يساعد التحدث إلى الذات في تحسين ثقتك بنفسك، ويمكن أن يتم ذلك من خلال:

- التعامل مع ناقدك الداخلي: في الأعمال التجارية والإبداعية مثلاً، تتعرض في كثير من الأحيان لصراع مع ناقدك الداخلي، في أفكار مثل: "لماذا لا يمكنني معرفة ذلك؟ - أنا جيد، لكن لست جيداً بما فيه الكفاية؛  يجب أن أستسلم"، فعندما تواجه مشاعر سلبية قوية مثل: القلق أو الإجهاد أو الشك الذاتي، يمكن أن يكون استخدام التحدث مع نفسك بضمير الشخص الثالث؛ بمثابة (تغيير في اللعبة) يمنحك ميزة نفسية، وبدلاً من إخبار نفسك: "لا يمكنني القيام بذلك" أو "هذا أمر صعب للغاية، فأنا أخاف"؛ تشير الدراسة التي أشرنا إليها أعلاه، إلى أن مجرد التعبير وإعادة صياغة الحديث مع نفسك مثل قولك: " [اسمك] يشعر الآن؟.. [اسمك] يشعر بالخوف والغضب"، وهذا يمكن أن يقلل من الضيق، فنتيجة التحدث عن الذات بضمير الشخص الثالث.. من الناحية المعرفية أيضاً، هو نشاط الدماغ الأقل تعاطفاً، ومن الناحية العملية؛ يمنحك المزيد من التحكم بعواطفك، حتى تتمكن من التعامل مع المشاكل بهدوء.

- لا تحكم حتى تجرب: عند محاولة تطبيق هذه التقنية لأول مرة، قد تشعر بالسخافة! لكن من خلال جعلها جزء معتاد في روتين حياتك اليومي أو عندما تشعر بسيطرة العواطف الصعبة عليك؛ فإنك تختبر أن تكون أقل تأثراً بالعواطف والأفكار السلبية، التي تؤثر بشكل كبير على نجاحك في العمل والحياة، لأن نظرتنا إلى أنفسنا لها تأثير كبير على ما يمكننا تحقيقه، وأي خدعة تجعل الأفكار السلبية أقل قوة "تستحق الاستكشاف"، وإذا كان الأمر صعباً في البداية.. تحدث بصمت في رأسك أو اكتب أفكارك بصيغة الشخص الثالث على الورق، أو إذا كنت تفضل ذلك؛ تحدّث بصوت عالٍ واحتضن غرابة الأمر، على أي حال يمكنك تغيير المحادثة السلبية عن نفسك.. وهذا ما يهم.
 

animate

قلب الحديث عن النفس من شكله الضار إلى الإيجابي
كثير من الناس خبراء في اتخاذ موقف سيئ عن طريق الحديث السلبي عن وإلى النفس، حيث يمكن أن يأخذ الحديث الذاتي الضار عدة أشكال، بعضها يقع تحت ما يسمى (التشوهات المعرفية)، وهي أخطاء في التفكير تقودك إلى التحدث مع نفسك بطرق غير عقلانية، هذا يمكن أن يتخذ أشكالا عديدة: كالمبالغة وأخذ كل شيء بصورة شخصية والتمسك بمعايير عالية وبشكل غير واقعي، ومع وضع ذلك في عين الاعتبار، إليك بعض المواقف الشائعة التي يمكنك من خلالها تحويل الحديث الذاتي الضار إلى حديث مفيد، وهي مقسمة إلى فئتين:

أولاً: عند التحدث مع النفس؛ فيما يتعلق بتفاعلك مع الآخرين: 
- عندما لا تقول ما تتمنى لو قلته:
وما يضرك أن تقول مثلاً: "لماذا لم أرد بهذه الطريقة على ما قالت؟ يا لي من مغفلة، لا ينبغي علي حتى أن أزعج نفسي بالتفاعل معها"، في المقابل من المفيد لك أن تقول: "سيكون من الجيد لو كان بإمكانك دائماً قول الشيء الصحيح في اللحظة المناسبة، لكن لا أحد يستطيع فعل ذلك، وليس من العدل بالنسبة لك، أن تتوقع الكمال من نفسك بهذه الطريقة".

- عندما تبالغ في رد الفعل على ما قاله أو فعله شخص ما: من الضار أن تقول: "ما هو الخطأ معي؟ لماذا كان رد فعلي هكذا على ما حدث، أفعل هذا دائماً.. أنا أكره نفسي"، من المفيد أن تقول: "عفواً أعتقد أن رد فعلك (فعله في حال اخترت مخاطبة نفسك بالضمير هو) مبالغ فيه قليلاً، ليس مهماً.. في المرة القادمة حاول أن تتذكر التفكير أكثر قبل أن تتكلم"، هذا كل ما يمكنك أن تقوله لنفسك إلى حد ما.

- عندما تشعر بالتجاهل من قبل شخص ما: فالحديث الضار أن تقول: "إما أنه يعتقد بأنني لست مثيرة للاهتمام أو لا بد أن يكون لديه شيء ضدي"، من المفيد القول: "ربما لم يقل مرحباً لكِ لأنه في عجلة من أمره للوصول إلى مكان ما، أو ربما يشعر بأنه مريض اليوم أو يعاني من الكآبة وليس في مزاج جيد للحديث".

- عندما تشعر بخيبة أمل من شخص أو صديق مقرب: الحديث الضار عن النفس كأن تقول: "لن أتصل بها أبداً.. إنها لا تهتم بي، لماذا يجب أن أهتم بها؟ "، لكن كي تحوّل هذا الكلام الضار عن النفس إلى كلام إيجابي مع أو عن النفس؛ من المفيد أن تقول: "لقد شعرت بخيبة أمل في تلك الزيارة، حاول أن تقنع نفسك أن هذه الصداقة لن تستمر".

- عندما تجد نفسك تنتقد الآخرين باستمرار: من الضار أن تقول مثلاً: "أنا أكره كل الأطباء"، ويمكن أن يكون الكثير من فئات الأشخاص هدفاً لهذا النوع من الحديث الضار عن النفس، لكن من المفيد القول: "الأطباء (أو غيرهم) مثل أي شخص آخر: بعضهم صادقون ولديهم معايير أخلاقية صلبة والبعض الآخر مهتم فقط بالكسب، وهذا يجعلك تشعر بالسوء تجاه الناس بشكل عام، بالتالي يجعلك تشعر بالسوء من نفسك".

ثانياً: التحدث عن النفس فيما يتعلق بسلوكك الشخصي: 
- عند تلف أو كسر شيء ما:
الكلام الضار أن تقول: "لا أصدق أنني أسقطت هذا الكوب، أنا خرقاء بشكل لا يصدق، لا يمكنني الوثوق بلمس أي شيء قيّم"، لكن حوّل هذا الكلام الضار عن نفسك إلى إيجابي إلى نفسك؛ من المفيد القول: "لقد أسقطتَ كأساً وهو المفضل لديك، لا بأس أن تشعر بالحزن حيال ذلك، ومن الإنساني كسر الأشياء من حين إلى آخر".

- في يوم حزين: من الضار أن تقول: "لن أتغلب على هذا المزاج السيء، حياتي ستكون بائسة من الآن فصاعداً"، ومن المفيد أن تتحدث مع نفسك: "أنت حزين اليوم.. حزين حيال ذلك، لكنك لن تزيد الأمر سوءاً والحزن يأتي فجأة مثل تغيرات الطقس، بدلاً من القلق بشأن المدة التي ستستغرقها حزيناً، ما رأيك أن تكون لطيفاً مع نفسك قدر الإمكان".

- عندما تكافح من أجل عمل ما: من الضار القول: "أنا لست جيداً في هذا ولن أكون جيداً أبداً، يجب أن أستقيل"، من المفيد أن تقول لنفسك: "هذه مهارة صعبة لإتقانها، لكنك ستستمر في محاولة إتقانها، طالما تستمتع بالعمل، وتكون ممتناً لأي مهارات جديدة.. ستتمكن من تطويرها".

- عند مواجهة تقصيرك: من الضار أن تحدث نفسك بقول: "أنا فاشل لأنني لا أستطيع (إتمام العمل أو تلبية حاجات أولادي... الخ)، هذا غير عادل أكره فشلي"، ومن المفيد أن تقول: "تتمنى أن تفعل كل ما تريده، لكن الحقيقة هي أن الحياة ليست عادلة، لا أحد يحصل على كل ما يريد.. ستحاول الاستفادة من حياتك وعيشها وتقبلها.. كما هي".
 

فوائد التحدث عن النفس بضمير الشخص الثالث
ستبدو كالمجنون لكن ستزداد ثقتك بنفسك، بحيث تنأى بنفسك عن الأضرار التي تسببها العواطف الصعبة أو المواقف الحرجة التي تتعرض لها في حياتك اليومية، فالحديث عن وإلى النفس بصيغة الشخص الثالث (هو) أو المُخاطب (أنت باسمك)؛ يشكل دعماً عاطفياً وهي أكبر فوائد هذه التقنية.

يقول أستاذ السيكولوجيا في جامعة ميتشغان الأمريكية إيثان كروس (Ethan Kross): "ننخرط جميعاً في الحديث مع أنفسنا بضمير المخاطب، عندما نحتاج القليل من تعزيز النفس"، كما اكتشف كروس في واحدة من تجاربه التي تحدث فيها المشاركون مع أنفسهم بشكل ذاتي أو كتابة على الورق؛ بأن تأثير الحديث عن النفس ومعها (بصيغة الشخص الثالث أو المخاطب)، له تأثير إيجابي تلقائي، وفي استراتيجيات التنظيم العاطفي.. يقول كروس: "قد يكون الحديث عن النفس بضمير المخاطب أسهل بالنسبة للأشخاص، لأن التكاليف ضئيلة والنتيجة المحتملة قيّمة جداً"، حيث تخلق مسافة نفسية مع المشكلة العاطفية أو الموقف العصبي الذي تكون تحت ضغطه، كما أن الحديث مع النفس يمكنّك من اتخاذ القرارات المهمة بصورة موضوعية!

في النهاية.. الطريقة التي تتحدث بها مع نفسك يمكن أن تحدث فرقاً هائلاً في نوعية حياتك، وإذا كنت تلوم نفسك دائماً على الطريقة التي تتعامل بها مع الأشياء أو الأشخاص؛ ستشعر بأنك لا تستحق الكثير، ومن الصعب عليك الاستمتاع بالحياة، لكن الخبر السار هو أنه يمكنك تحويل الحديث السلبي عن نفسك إلى حديث إيجابي... أتمنى أن تبدأ الآن.