"رمضان والكورونا" هل سيؤثر فيروس كورونا على الصيام؟

هل يؤثر الصيام على المناعة؟ وهل سيؤثر فيروس كورونا على صيام شهر رمضان؟ أحكام الصيام في ظروف الوباء والآراء حول جواز إفطار رمضان بسبب كورونا، وتأثير الوباء على طقوس رمضان 2020
"رمضان والكورونا" هل سيؤثر فيروس كورونا على الصيام؟

"رمضان والكورونا" هل سيؤثر فيروس كورونا على الصيام؟

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

 يحل شهر رمضان المبارك 2020 بالتزامن مع انتشار وباء كورونا كوفيد-19، ما دفع الكثير من الناس للتساؤل إن كان الصيام سيؤثر على المناعة أو انتشار كورونا، وإن كانت هناك فتوى تبيح إفطار شهر رمضان بسبب ظروف الوباء؛ في هذا المقال نتناول الموضوع بشقيه الشرعي والطبي، من خلال استعراض الفتاوى بخصوص رمضان 2020 ووباء كورونا، ومراجعة الدراسات العلمية حول تأثير الصيام على المناعة والجسم، كما نستعرض تأثير كورونا على رمضان هذا العام ونصائح للصائمين في زمن الكورونا.

هل يجوز الإفطار في ظروف وباء كورونا المستجد؟
أعلن مفتي الديار المصرية من خلال لقاء تلفزيوني مع الإعلامي عمرو أديب أن الصيام واجب ديني يجب الالتزام به "ولا يسقط بحالٍ من الأحوال إلا لذوي الأعذار" وأن ظروف انتشار وباء كورونا المستجد لن تؤثر على صيام رمضان، وأما المصابين بالفيروس فيجب عليهم استشارة الطبيب المختص حول تأثير الصيام على حالتهم، وبناءً عليه يحق لهم الامتناع عن الصيام لرخصة المرض.[1]
وجاء تصريح المفتي د. شوقي علام بعد اجتماع مع لجنة طبية في دار الإفتاء لبحث تأثير الصيام على المناعة وعلاقة ذلك بانتشار فيروس كورونا، وأكد المفتي أن الصيام يعزِّز المناعة بمواجهة كورونا وعلى المسلمين أن يلتزموا بالصيام في رمضان، إلا لمن كان له عذر ورخصة مما ذكر في أصول الشريعة.
وخصَّ المفتي المصري طواقم العمل الطبي والعاملين في الرعاية الصحية برخصة الإفطار في رمضان إن وجدوا في الصيام خطراً عليهم في ظروف انتشار وباء كورونا كوفيد-19.

وهذا الرأي هو ما أعلنت عنه أيضاً الشؤون الدينية التركية في الرابع عشر من أبريل/ نيسان 2020، حيث أكدت رئاسة الشؤون الدينية في تركيا أنه لا يوجد سبب لتعليق الصيام في رمضان 2020 وأن الصيام فرضٌ على المسلمين وفيه أحكام واضحة لرخصة الإفطار للمريض والمسافر وقضاء أيام الإفطار بعد زوال السبب، لكن لا يوجد أي علاقة بين الصيام في رمضان وانتشار وباء كورونا المستجد، لذلك لا سبب لتعليق الصيام.[2]

وأما السيد علي السيستاني المرجعية الشيعية العليا في العراق؛ فقد صرّح أن إفطار رمضان في ظروف انتشار وباء كورونا مباح لمن كان في خوف من الوباء، ولم يكن لديه من إجراءات تمنع سبب هذا الخوف، كأن يعزل نفسه في بيته ويتبع إجراءات الوقاية، وأما من استطاع تضعيف أسباب الإصابة بالمرض مهما كانت الوسيلة؛ فلا يجوز له الإفطار ولا يسقط عنه وجوب الصيام.[3]
وأشار السيد السيستاني أن وجوب الصيام في رمضان تكليف فردي، فكل شخص توفرت فيه أسباب وجوب الصيام كان واجباً عليه بغض النظر عن وجوبه على الآخرين، بمعنى أنه لا يجوز الإفتاء بالإفطار للجماعة، وإنما لحالات خاصة، وكل من يجد سبيلاً لتقليل الخوف من الإصابة وتفادي العدوى كان الصيام عليه واجباً.

وأما ما ذكر عن فتوى السعودية بخصوص رمضان 2020 وجواز الإفطار فهو عارٍ عن الصحة، ولا يعتقد أن أي من المرجعيات الدينية الإسلامية ستفتي بجواز الإفطار للجماعة بسبب كورونا المستجد، وإنما سيظل الحكم الشرعي قائماً كما هو للحالات الخاصة.

animate

في دراسة أجراها عدد كبير من الباحثين حول تأثير الصيام في رمضان على الجسم وعلى المناعة بشكلٍ خاص؛ أشارت النتائج بعدم وجود آثار خطيرة على المناعة مرتبطة بصيام رمضان، حتى لدى بعض الحالات المرضية، وظهرت نتائج الدراسة على الشكل التالي:[4]

  1. قد يؤثر الصيام في رمضان على المناعة تأثيراً معتدلاً فقط، وهي تغيرات عابرة تعود إلى الحالة ما قبل رمضان.
  2. الصيام في رمضان كان آمن تماماً للمرضى الذين يعانون من نقص المناعة المكتسب HIV (الإيدز)، هذه النتيجة مهمة جداً للتأكيد أن الصيام لا يؤثر على المناعة حتى لدى الأفراد الذين يعانون من اضطرابات المناعة الذاتية ونقص المناعة المكتسب.
  3. الصيام آمن تماماً على الحوامل في الثلث الثاني من الحمل، وقد يحمل الصيام في رمضان آثاراً مفيدةً لمرضى القلب، كما أن الصيام آمن تماماً بالنسبة لمرضى الربو.
  4.  سبَّب الصيام في رمضان زيادة بعلامات المناعة لدى المرضى النفسيين، مثل الذين يعانون من الفصام.
  5. الرياضيون الذين حافظوا على التمارين الرياضية والصيام خلال شهر رمضان أظهروا تقلباً وتأرجحاً بعلامات المناعة.

هذه النتائج التي تثبت أن الصيام لا يؤثر على المناعة سلباً -مع عدم وجود ما يثبت أن الصيام يعزّز المناعة- تؤكَّد عدم وجود سبب مباشر لتعليق الصيام في رمضان، علماً أن هذه الدراسة أجريت عام 2017 أي قبل انتشار وباء كورونا المستجد، وقد أكدت دراسة سابقة في 2014 أن تأثير الصيام في رمضان على المناعة تأثير ملائم ولا يشكل أي خطر.[5]

لكن هذا لا ينفي ضرورة استشارة الطبيب حول الصيام في ظروف انتشار كورونا بالنسبة للحالات الخاصة والفئات الأكثر تعرضاً للعدوى، على رأسها كبار السن والذين يعانون من أمراض مزمنة أو الذين يتلقون علاجاً لأمراض المناعة الذاتي أو علاجاً يؤثر على عمل المناعة مثل علاج السرطان.

الشائعة حول شرب الماء بكثرة للوقاية من كورونا واحدة من الأسباب الرئيسية للجدل حول الصيام في رمضان وتأثيره على انتشار فيروس كورونا المستجد، على الرغم من تأكيد منظمة الصحة العالمية أن شرب الماء مهم لصحة الجسم لكنه لا يؤدي بشكل من الأشكال للحماية أو الوقاية من الإصابة بفيروس كورونا المستجد كوفيد-19.

الخلاصة هي التالي: شرب الماء الدافئ أو الغرغرة بالماء والملح أو الماء والخل وكل ما يتصل بذلك؛ ليس إجراءً ذا أهمية للوقاية من فيروس كورونا المستجد، ولن يلعب ترطيب الحلق أي دور مثبت حتى الآن في حماية الجهاز التنفسي من عدوى كورونا، ما ينفي وجود علاقة مباشرة بين الصيام وفرص الإصابة بفيروس كورونا المستجد لهذا السبب.
وقد تناولنا في مقال سابق جملة الشائعات المتعلقة بالوقاية من كورونا بطرق طبيعية بالتفصيل، يمكنكم مراجعة المقال من خلال النقر على هذا الرابط.

وبناءً عليه؛ على المسلمين الصائمين في شهر رمضان اتباع النصائح التي من شأنها أن تحافظ على رطوبة الجسم خلال ساعات الصيام، والالتزام بنظام غذائي مناسب يدعم رطوبة الجسم لفترات طويلة، لتجنب أي أثر سلبي محتمل للجفاف من باب الاحتياط، دون وجود ما يثبت أن الصيام سيكون سبباً لرفع فرص الإصابة بعدوى كورونا.

أصدرت منظمة الصحة العالمية قبل أيام من بدء الشهر الفضيل ورقة بعنوان "الممارسات الرمضانیة الآمنة في سیاق جائحة كوفید -19" والتي تهدف إلى تقديم الإرشادات للدول والأفراد المعنيين بخصوص أفضل طرق الوقاية من كورونا والحد من انتشار كوفيد-19 خلال فترة الصيام في شهر رمضان المبارك، وأهم النقاط التي ذكرتها منظمة الصحة العالمية حول رمضان 2020 والصيام في ظروف انتشار الوباء:[6]

  1. منع التجمعات الرمضانية الحاشدة في أمكان التسوق والترفيه للتخفيف من فرص انتقال العدوى.
  2. تدريب الأفراد على التباعد الجسدي الصارم لمسافة لا تقل عن متر واحد أثناء التجمعات.
  3. استخدام أساليب التحية دون تماس مباشر مثل التلويح والإيماء.
  4. حث الأشخاص الذين يشعرون بأعراض صحية، وكبار السن والفئات الأكثر عرضة للإصابة؛ على تجنب التجمعات في شهر رمضان المبارك والتزام الحجر المنزلي الوقائي.
  5. ضمان التباعد الجسدي بين المشاركين في الفعاليات الرمضانية وتنظيمها في أماكن مفتوحة ولأقصر مدة ممكنة.
  6. النظر في التدابير التي يمكن أن تسهل عملية تتبع المخالطين أو المصابين المحتملين في حال اكتشاف إصابة جديدة بين الحاضرين في فعالية رمضانية معينة.
  7. تشجيع الناس على الالتزام بتوجيهات منظمة الصحة العالمية المتعلقة بطرق الوقاية والحفاظ على النظافة الشخصية.
  8. التشجيع على ممارسة التمارين الرياضية والأنشطة الصحية والابتعاد عن العادات السئية في ظروف الحجر الصحي في رمضان المبارك.

بالمجمل هناك اتفاق بين المرجعيات الدينية ومعظم الجهات الصحية حول غياب سبب علمي ثابت يترتب عليه إباحة الإفطار في شهر رمضان 2020 للعموم، مع التمسك بالرخصة الشرعية المعروفة والمعمول بها في الإسلام للحالات الخاصة، لكن هذا لا يعني أن رمضان في ظل انتشار كورونا سيكون طبيعياً! هذه أبرز آثار انتشار وباء كورونا على شهر رمضان المبارك في عام 2020:

  • أعلنت معظم الدول الإسلامية عن تعليق صلاة الجماعة في المساجد كإجراء احتياطي لمنع انتشار فيروس كورونا، ومع اقتراب حلول شهر رمضان أعلنت عن تعليق صلاة التراويح التي تعتبر من أكثر الطقوس والسنن الرمضانية أهمية وتميزاً.
  • من التغيّرات الكبير في شهر رمضان بسبب كورونا إلغاء موائد رمضان "موائد الرحمن" التي تقام لإفطار الصائمين من الفقراء والمساكين وعابري السبيل، والتي شكّلت على مرّ التاريخ واحدة من الطقوس الثابتة في الشهر الكريم.
  • من التغيّرات الملفتة المرتبطة بكورونا أيضاً تقديم زكاة رمضان عن موعدها؛ حيث أكّد شيخ الأزهر الإمام أحمد الطيب أن إخراج الزكاة في هذه الظروف قبل موعدها جائزٌ، بل ومحمود.
  • أما على مستوى حياة الأفراد؛ سيخلو شهر رمضان المبارك من الولائم الكبيرة واجتماع العائلات على الإفطار، كما لن يجد الصائمون منتزهات أو مطاعم مفتوحة لتقديم الإفطار والسهرات الرمضانية والسحور كما جرت العادة.
  • يعتقد أن رمضان 2020 في ظل أزمة الكورونا سيدخل تغييراً كبيراً أيضاً على المائدة الرمضانية، وذلك لسببين رئيسيين:
    • الظروف الاقتصادية التي يشهدها العالم بسبب أزمة كورونا وانخفاض الدخل وارتفاع البطالة؛ ستؤثر بشكل كبير على شكل المائدة الرمضانية ومكوناتها خاصة بالنسبة للأسر الأكثر تضرراً.
    • كما أن سياسات الابتعاد الاجتماعي ستجعل من المائدة الرمضانية أقل تنوعاً، مع غياب الضيوف أو حتى غياب اجتماع العائلة الكبيرة؛ ذلك بالنسبة لمن يلتزمون بتعليمات الوقاية من كورونا.

بعد أن تعرفنا لفتاوى جواز الإفطار ووجوب الصيام في رمضان 2020 تزامناً مع وباء كورونا، وتأثير الصيام على المناعة؛ هناك مجموعة من النصائح للصيام في زمن الكورونا تتعلق بالوقاية من الوباء وبعيش رمضان بطريقة صحيحة في ظروف انتشار كورونا:

  1. التزام الابتعاد الاجتماعي: قد يكون من الصعب على البعض الالتزام بسياسة البقاء في المنزل والابتعاد الاجتماعي في رمضان، لكن الحجر المنزلي في هذه الظروف ضرورة قصوى لا يمكن التهاون معها، لذلك يجب الالتزام بالحجر المنزلي وفق السياسات التي تتبعها الجهات الصحية والحكومية.
  2. التخلي عن العزومات والتجمعات: يجب أن تبقى كل أسرة في منزلها خلال رمضان، متنازلةً عن دعوة الأقارب والأهل على الإفطار أو السهرة الرمضانية، ومتنازلةً أيضاً عن تلبية مثل هذه الدعوات.
  3. التزام تعليمات الوقاية من كورونا: عندما كان الصيام تكليفاً شرعياً يلتزم به الفرد المسلم، لا يفترض أن يؤثر ذلك على عادات الوقاية الرئيسية من وباء كوفيد-19، فأنت تحمي نفسك بالأيام العادية من خلال غسل اليدين وتجنب الزحام وارتداء الكمامة عند الضرورة؛ وكذلك يجب أن تفعل وأنت صائم.
  4. ضبط العادات الغذائية في شهر الصيام: على الرغم أن التحكم بعادات الطعام في رمضان مهم دائماً؛ إلا أن الأهمية في هذه الظروف تزداد، من جهة للحفاظ على صحة جيدة ومناعة قوية، ومن جهة أخرى للحفاظ على مزاج جيد، فهناك رابط قوي بين الغذاء والحالة المزاجية، وبين المزاج والمناعة.
  5. فعل الخير لا يتوقف بسبب كورونا: حتى لو تم تعليق موائد الرحمن بسبب انتشار كورونا، فإن هناك عشرات الطرق لمساعدة المساكين والفقراء في شهر رمضان المبارك، بل أن هذه الظروف هي الأنسب لتقديم المساعدة للمتعطلين عن العمل ومحدودي الدخل والعمالة اليومية.
  6. احترام ما يمر به العالم: من الأمور التي يجب التمسُّك بها في رمضان الامتناع عن رمي الطعام أو تحضير طعام فائض عن الحاجة للتباهي أمام المعازيم! الآن يجب أن نكون جميعاً على قدر من المسؤولية بالحفاظ على النعمة ونبذ مظاهر البذخ في الطعام، احتراماً لشهر الصيام من جهة، واحتراماً للظروف التي يمر بها أكثر من نصف مليار إنسان مهددين بالبطالة والفقر حول العالم من جهة أخرى.
  7. الابتعاد عن الإشاعات المتعلقة بالفتاوى الدينية الخاصة برمضان والكورونا، أو طرق الوقاية من كورونا وعلاجه، وذلك لما تعود به من الضرر على الصائمين وعلى المجتمع ككل.

المراجع