تعريف المواطنة لغةً واصطلاحاً ومبادئ المواطنة
المواطنة بالمعنى العام مشتقة من الوطن والمواطنين، وهي مفهوم يشمل العديد من الحقوق والواجبات التي تنظم حياة أبناء مجتمع ما في دولة ما، فكيف يمكن توضيح هذا المفهوم وما هي عناصر المواطنة وخصائصها؟ وكيف يتم تعزيز هذا المبدأ؟ هذا ما سنتعرف عليه في المقال التالي.
المواطنة في اللغة العربية مشتقة من الوطن وهو المكان الذي يولد فيه الإنسان ويعيش فيه، وهي مصدر للفعل واطن بمعنى يشارك بالمكان الذي يعيش فيه مولداً أو إقامة، يعود أصل مصطلح المواطنة (بالإنجليزية: Citizenship) إلى الحضارة اليونانية، حيث كان الفرد له حق في اتخاذ القرارات مع الدولة، وهو مشتق من كلمة City والتي تعني المدينة.
المواطنة اصطلاحاً هي صفة رسمية يحصل عليها الأفراد الشرعيين القانونيين الذين ولدوا على أرض دولة ما، واكتسبوا جنسيتها، ولهم الحق في الاستفادة من كل ما الحقوق التي تمنحها تلك الدولة لمواطنيها وعليهم الواجبات التي تقرها الدولة على مواطنيها.
وفي المعنى السياسي المواطنة هي علاقة محددة بدستور وقوانين تربط ما بين الفرد والدولة، تضمن المساواة بين المواطنين والعيش المشترك، وتشير المواطنة إلى الحقوق التي تمنحها الدولة لمن يحمل جنسيتها والالتزامات التي تفرضها عليه ومشاركة الفرد في أمور وطنه وقيامه بما يشعره بالانتماء إليه بهدف تحقيق المصلحة والغاية المشتركة بين مواطني الدولة بما يحقق التكامل والعمل الجماعي المشترك. [1-2]
يعتمد مفهوم المواطنة على خمس عناصر رئيسية يتوضح المفهوم من خلالها، على الشكل التالي:
- العنصر المدني: يضمن العنصر المدني للمواطنة الحرية الفردية للمواطنين وحرية التعبير عن الرأي، وحق التملك في الوطن الأم، والحق في العدالة، وحرية الإيمان والاعتقاد الديني، بالإضافة إلى حقه في العدالة في الأنظمة القضائية.
- العنصر السياسي: يشمل العنصر السياسي حقوق المواطنين المتعلقة بالأمور السياسية، كالحق في المشاركة في الحياة السياسية بوصف المواطن عنصر فعال في السلطة السياسية من خلال البرلمان فيحق له الانتخاب الحر لمن يمثله في سلطات الدولة.
- العنصر الاجتماعي: يمثل العنصر الاجتماعي بالدرجة الأولى إشباع حقوق المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والتي تضمن لهم التعليم وحسن الرعاية الصحية والعمل المناسب بالإضافة إلى تمتع المواطن بخدمات الرفاهية الاجتماعية التي تؤمنها الدولة.
- العنصر القانوني: العنصر القانوني للمواطنة يتمثل بتبادل الحقوق والواجبات بين الدولة والمواطن الذي يقيم في كنفها ويحمل جنسيتها وضمان تأدية كلا الطرفين لواجباتهم وتمتعهم بحقوقهم كافة، بالوقت نفسه يضمن العنصر القانوني الحق للمواطن بالعدالة في حال التقصير من أي جهة عامة أو خاصة بإعطائه حقوقه في الدولة والمجتمع.
- العنصر السلوكي: يوضح العنصر السلوكي للمواطنة السلوكيات العامة التي يتوضح من خلالها علاقة الفرد بالمجتمع من جهة وبالدولة التي يتمتع بجنسيتها من جهة أخرى. [2]
- علاقة تبادلية: تعتبر المواطنة علاقة تبادلية كونها تحدد علاقة الفرد بوطنه وعلاقة الوطن به، ويتم النظر في هذه العلاقة من مختلف اتجاهاتها، حيث يقف تطور ونجاح البلدان بناءً على نجاح هذه العلاقة التي يتم فيها تأدية المواطن لواجباته والتي تعتبر حقوق للدولة، والعكس صحيح، حيث يجب أن تقوم الدولة بواجباتها التي تعتبر حقوق للمواطنين.
- علاقة طوعية: المواطنة تعتبر أمر طوعي واختياري يقوم على التعايش السلمي بين كل أطياف الشعب مهما كان دينهم أو المذهب الذي ينتمون إليه، فلا يمكن لدولة أن تفرض على مواطنيها دين أو معتقد معين، وإن فرض بشكل قانوني لن تتشكل هنالك أي مشاعر حب أو انتماء للوطن.
- الفردية: من خصائص المواطنة أيضاً الصفة الفردية وهي الحقوق الخاصة التي يتم منحها للأفراد والتي تتعلق بحقوقهم المدنية والسياسية وضمان تأديتها بشكل حر ومستقل.
- قابلية الاكتساب: المواطنة ليست فقط أمر فطري تمنح للفرد الذي يخلق على أرض بلد ما، بل يمكن أن تكتسب أيضاً، وهذه من أهم خصائص المواطنة أنها قابلة للاكتساب والفقدان، فهنالك مجموعة من الإجراءات في كل دولة والتي يمكن أن يتحول فيها الفرد من مقيم إلى مواطن مجنس في بلد غير بلده الأم.
- قابلية الفقدان: أما عن فقدان المواطنة فلم تلقى الصدى نفسه مقارنة باكتساب المقارنة ولكن يمكن في حالات خاصة ومعينة أن تقوم الدولة بتجريد المواطنين من مواطنهم نتيجة لقيامهم بجرائم معينة إرهابية أو عند كشف التزوير في إجراءات الحصول على المواطنة أو غيره من الحالات التي تختلف وفقاً لقوانين البلدان. [3]
لكي يأخذ الفرد صفة المواطن في دولة ما يجب أن يحقق الشروط فيها وهي عبارة عن شرطين إما أن يكون صاحب الجنسية الأم أو مجنس:
- الجنسية: الصفة التي تربط الفرد بالدولة الأم، ويحصل الفرد على صفة المواطنة عندما يأخذ جنسية البلد التي يولد فيها وهي تعتبر مسقط رأسه فيتجنس بجنسية هذا البلد، أو له أجداد عاشوا طوال حياتهم فيها وولدوا على أرضها حينها يحق لهم الحصول على جنسيتها، وفي بعض الدول أصبحت الأم قادرة على إعطاء الجنسية لأبنائها إذا كانت تملك كافة حقوقها الدستورية التي تؤهلها لمنح الجنسية ضمن القوانين المعتمدة في البلاد.
- التجنيس: يحصل بعض الأفراد على حق المواطنة من خلال التجنيس وهو أن ينتقل الفرد للعيش في بلد غير بلده الأم للدراسة أو العمل أو للهجرة لفترة زمنية طويلة يحقق خلال هذه الفترة الشروط المطلوبة من قبل الدولة التي تؤهله لأن يتجنس بجنسية البلد ويصبح مواطناً من مواطنيها بعد أن يتم التأكد من ولائه للدولة وألا يوجد عليه حكم قانوني أو ملاحق قانونياً.
- من خلال الأسرة: العائلة هي حجر الأساس الأول الذي يغرس الروح الوطنية وحب الوطن في نفوس الأطفال الناشئة، من خلال تنمية شعورهم بالوطنية والانتماء والمسؤولية تجاه وطنهم، وترسيخ أهم القيم الأخلاقية والإنسانية بداخلهم، فالأسرة من أوائل وأهم الأشياء التي تعزز مبادئ المواطنة بداخل أبنائها.
- من خلال المدرسة: المدرسة هي الأم الثانية التي يتعلم من خلالها الأطفال مشاعر الولاء والانتماء، حيث توضح لديهم مفاهيم الوطنية والعمل للنجاح في المجتمع، وتعزز لديهم حب الوطن وخدمته لكي يكون لهم دور فعال في المجتمع.
- من خلال المنابر الدينية: يتم تعزيز مبادئ المواطنة من خلال المنابر الدينية كالمساجد أو الكنائس حيث أن الدين ينشر ثقافة التسامح والمودة والرحمة بين أبناء المجتمع على اختلاف دياناتهم، وتعمق المنابر الدينية الفهم الصحيح للدين وتساهم في تقبل الآخرين.
- من خلال الدولة: الدولة هي المحرك الأهم لتعزيز مواطنة الأفراد وحبهم لبلادهم واعتزازهم بها، من خلال قدرتها على جعل المواطن يفتخر بوطنه وإنجازاته، وتأمين كافة احتياجاته وضمان حقوقه داخل البلد وخارجها.
- من خلال الإعلام: للإعلام دور كبير في تعزيز مبادئ المواطنة أو نفيها في حال كان إعلام مهني وصادق، حيث يعد من أهم المجالات التي يأخذ منها الأفراد خبراتهم وقيمهم المعرفية من خلال متابعة البرامج الحوارية الوثائقية التي يتم تقديمها، فهي تملك دور كبير في تنشئة الأجيال، وفي يومنا هذا تطور مفهوم الإعلام ليشمل المنصات الالكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي التي عملت على زيادة الانفتاح والتعرف على الثقافات الأخرى والتي يمكن الاستفادة منها للنجاح أكثر في الوطن وتعزيز الشعور بالمواطنة والانتماء إليه.
من جهة ثانية قد تكون مضادة تماماً قد تكون سبباً لدمار الشعور بالانتماء والوطنية عند التعرف على حياة البلدان الأخرى، وقد يكون الإعلام صادق ويؤدي دور إيجابي وقد يكون إعلام غير صادق وغير مهني وهو ما نشهده في العديد من البلدان حيث ينشر الإعلام الأفكار التي تريد الدول تغذية شعوبها بها بما يخدم مصالح الدول السياسية بغض النظر عن مصداقية المعلومات مما يفقد الثقة بين الشعب والإعلام الخاص بدولته. [4]
- تساعد المواطنين في معرفة حقوقهم: الوعي تجاه مفاهيم المواطنة يساهم في معرفة الأفراد لحقوقهم وبالتالي عدم السماح بالمساس بها، من خلال اللجوء للمطالبة بحقوقهم عندما يتم انتهاكها من قبل أي منظمة أو دولة أو فرد، وتتمثل هذه الحقوق بحماية الأفراد وتأمين مستقبلهم من خلال إعطاؤهم الحق في التعليم والعمل وممارسة الحياة السياسية والمدنية بشكل حر وتأمين الأفراد ورعايتهم الصحية واحترام مساحتهم الشخصية الحرة.
- تعزيز المواطنة المسؤولة: بالنقيض الإيجابي للبند السابق تأتي أهمية المواطنة من خلال فهم الواجبات المطلوبة من الفرد تجاه المجتمع والحكومة وبالتالي عند التزامه بأداء هذه الواجبات بشكل طوعي سوف يتعزز لديه الشعور المسؤول بالمواطنة من داخله دون قيود أو إجبار وتظهر مسؤوليته من خلال مشاركته في النشاطات والفعاليات الوطنية والمساهمة بالمشاريع المدنية، والمشاركة الانتخابية.
- تعزز الوحدة في الدولة: احترام الاختلاف بين أبناء المجتمع وحصولهم على كافة حقوقهم دون أي تمييز يعزز من وحدة الأطياف داخل هذا المجتمع، فاحترام الاختلاف يحد من المشكلات المتطرفة التي قد تقع كالحروب الأهلية وتعزز روابط الوحدة الوطنية التي تعطي صورة جميلة وحضارية عن البلد.
- تعزز القانون والنظام في المجتمع: الالتزام بتأدية الواجبات يجعل من أبناء المجتمع أفراد منظمون تحت سقف القانون دون أي تجاوز، ويعتبر حصول المواطنين على جميع حقوقهم من أهم الأسس التي تعزز النظام وتحد من الفوضى وتنشأ مجتمع حر منظم وآمن مما يعزز من التنمية والتقدم في المجتمع، وينظم سلوك الأفراد من خلال معرفة الحقوق والواجبات والاطلاع على العقوبات التي يمكن أن تحصل في حال مخالفة القوانين.
- تضمن الاستقرار السياسي في الدولة: تظهر أهمية المواطنة من خلال فهم مفهومها العام وتطبيقه في الدولة مما يساهم في ضمان الاستقرار السياسي من خلال ضبط علاقة المواطنين مع بعضهم وضبط علاقتهم مع الدولة. [4]