أهمية علم الإحصاء في البحوث والدراسات الاجتماعية
يعتبر الإحصاء من الوسائل المهمة التي يستخدمها الباحثون في مجالات المعرفة المختلفة، فالإحصاء هو علم له قواعده وقوانينه كما أن له طريقة علمية تستخدم الأرقام والبيانات لتحليل الصفات والظواهر التي يراد بحثها، ومن هذا الطرح يمكن اعتبار علم الإحصاء وسيلة وليس غرضاً، فهو وسيلة تساعد الباحثين والمختصين في كافة العلوم سواء كانت طبيعية أم انسانية أم اجتماعية على تفهم وإنجاز البحوث بأيسر الطرق وأقل التكاليف.
يمكن تعريف علم الإحصاء (بالإنجليزية: Statistics) بأنه العلم الذي يهتم بطرق جمع المعلومات والبيانات وتبويبها وتلخيصها بشكل يمكّن من الاستفادة منها في وصف البيانات وتحليلها للوصول إلى قرارات سليمة في ظروف غير مؤكدة.
ويعرف أيضاً بأنه الطريقة التي تبحث في جمع البيانات حول خصائص الأشياء وتنظيمها وعرضها وتحليلها، واستقراء النتائج واتخاذ القرارات بناء عليها، كما يعتبر الأداة الرئيسية للتعبير الكمي عن مختلف الظواهر الإنسانية والاجتماعية.
ويعتبر علم الإحصاء أحد فروع الرياضيات وأهمها وأكثرها استخداماً ويدخل في المجالات البحثية والدراسية المتنوعة وأهمها وربما أقدمها علم الاجتماع! فالإحصاء بمعنى العدّ قديم قدم المجتمعات البشرية، استخدم في عد وحصر الأفراد والأراضي والمنتجات من أجل تبسط وتمكين النظام السياسي من التحكم والسيطرة على الموارد البشرية والمادية للحفاظ على مقومات الدولة داخلياً وخارجياً. [1]
ثم تطورت وتوسعت عمليات التعداد لتشمل بيانات الولادات والوفيات والانتاج والاستهلاك، وبذلك نشأت الحاجة إلى تنظيم وتلخيص هذه البيانات ووضعها في صورة جداول أو رسوم بيانية حتى يسهل الرجوع إليها والاستفادة منها بأسرع وقت ممكن، فأطلق عليه علم الدولة ولاحقاً أطلق عليه علم الإحصاء.
لعلم الإحصاء أهمية كبيرة في مجال العلوم الاجتماعي حيث أنه يمد الباحث الاجتماعي بالأدوات التي تساعده في كل خطوة من خطوات بحثه ابتداء من التمهيد لدراسة الظاهرة الاجتماعية من خلال اختيار العينة وجمع البيانات وتصنيفها وتلخيصها ثم تحليلها حتى مرحلة الوصول للنتائج، فتبرز أهمية علم الإحصاء في البحوث الاجتماعي من خلال:
- التفسير والتنبؤ العلمي للظواهر الاجتماعية: الإنسان منذ قديم الزمن اهتم بمشاكله الاجتماعية التي تطرأ على محيطه وحاول تفسيرها والتنبؤ بها، ولكن وبسبب أن فهم وإدراك الانسان لهذه الأمور في القديم كان محدوداً فقد كانت هذه التفسيرات ذات صبغة ماورائية يغلب عليها التعميم والأحكام المسبقة، أما بعد تطور العلوم في العصر الحديث أصبحت هذه الطرق عاجزة عن تفسير هذه الظواهر والمشكلات التي تحيط بالإنسان مما جعله يبتدع طرق ومناهج كانت الأساس والتمهيد للمعرفة العلمية.
- إتاحة الدقة العلمية للعلوم الاجتماعية: أساس المعرفة العلمية هي الشروط والضوابط والمعايير التي تفيد إدراكنا ومعرفتنا وتعاملنا وذلك لفهم الظواهر الاجتماعية ومن شروط المعرفة العلمية أيضاً الموضوعية والتنظيم كذلك شرط الاستدلال والدقة والقياس والتجريب، وكل ما سبق يجعل من الضروري التعامل مع البحث العلمي بطريقة إحصائية للتمكن من تقنين الدراسات الاجتماعية.
- تعزيز المنهجية في الدراسات الاجتماعية: الباحث الاجتماعي يحاول أن يلاحظ الظواهر الاجتماعية من خلال واقعها في الميدان ومن خلال قيامه بدراسة مجموعة الوحدات التي تؤلف المجتمع الذي يتم دراسته، كما يمكن أن يتبع أسلوب التجريب على عينة يختارها، أو يتأكد من صحة نظرياته أو فرضياته من خلال قيامه بقياس العلاقة بين الظواهر الاجتماعية والمتغيرات بشتى المجالات وذلك من خلال أسلوب رياضي وإحصائي، مما يجعل علم الإحصاء أحد العلوم المنهجية التي توفر الأساليب والطرق والمناهج والتي تساعد في دراسة الظاهرة الاجتماعية.
- تطوير العلوم الاجتماعية: فالعلوم الاجتماعية تطورت منذ أن بدأت تستعين بعلم الإحصاء وأدواته فانتقلت العلوم الاجتماعية من الأسلوب الوصفي الإنشائي إلى تكميم ومعرفة هذه الظواهر وفهم علاقاتها وذلك بشكل رقمي ورياضي دقيق جداً.
- اختبار وتأكيد الفرضيات الاجتماعية: فالإحصاء يضفي على الظاهرة الاجتماعي المدروسة الصفة العلمية مما جعل المعلومات الأكثر مصداقية هي المعلومات التي تعتمد في جمعها وتحليلها على الأساليب الإحصائية.
البحوث الاجتماعية تشمل دراسة السكان في المجتمع وتقسيم فئاته وشرائحه وطبقاته وتنظيماته، وهذه الدراسة بحاجة لقوانين لفهمها وتبويبها وتنظيمها وتقدير النتائج لها، مما يجعل البحوث الاجتماعية ترتبط ارتباط وثيق بعلم الإحصاء لدرجة استحالة نجاح هذه البحوث بدون الاعتماد على علم الإحصاء، ويمكن توضيح العلاقة بين العلمين من خلال:
- الإحصاء السكاني: يقوم علم الإحصاء بدراسة أعداد السكان وتصنيفهم ومعرفة نسبة الذكور إلى الإناث وحجم القوى العاملة بالإضافة لجمع البيانات حول أي مسألة سكانية وهذا يساعد علم الاجتماع على معرفة تأثير حجم السكان على الجوانب الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والأخلاقية للمجتمع.
- التوزع السكاني: كما يساعد الإحصاء في معرفة كيفية توزع السكان داخل أي معرفة عدد السكان في المناطق الريفية وعدهم في المناطق المدنية والحضرية ويعطي بيانات عن طبيعة حياتهم الاقتصادية وانتماءاتهم الدينية والفكرية والعقائدية وكل ذلك يفيد في معرفة خصائص المجتمع بشكل أفضل والتخطيط له.
- النمو السكاني: يدرس علم الإحصاء أيضاً النمو السكاني ويوفر الأدوات التي تساعد على تقدير أعداد السكان في المستقبل بشكل دقيق ونسبة كل فئة سكانية إلى أخرى ما يتيح التخطيط الأفضل لمستقبل المجتمع.
- التخطيط الاجتماعي: يرتبط علم الإحصاء بعلم الاجتماع من خلال مساهمته في التخطيط الاجتماعي والذي يعرف بأنه عبارة عن تغيرات اجتماعية يتم إحداثها بصورة متعمدة بهدف الاستخدام الأمثل للموارد والامكانيات وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
- توقع ورصد الظواهر الاجتماعية: يساهم علم الإحصاء في تصنيف وفرز الظواهر الاجتماعية سواء الظواهر الإيجابية لتنميتها وإبرازها أو السلبية للعمل على مكافحتها، مثل الأمراض أو تأثير العوامل الاقتصادية سلباً وإيجاباً.
الأساليب الإحصائية بشكل عام تعتمد مجموعة من القوانين والبرامج والتطبيقات العلمية في دراسة أي نوع من الظواهر، ولكن يبقى لكل علم خصوصية من حيث كيفية تطبيق هذه القوانين في دراسة ظواهره، والحقيقة أن شرح الأساليب الإحصائية في العلوم الاجتماعية يتطلب بحث متكامل، وهنا سوف نحاول التعريف بهذه الأساليب بشكل نظري، ومنها:
- جمع البيانات: في هذه المرحلة يتم العمل على جمع المعلومات المتعلقة بموضوع معين من مصادر متنوعة أولية أو ثانوية مثل الوكالات أو المكاتب أو من خلال أساليب عديدة مثل المقابلات والملاحظة ودراسة المعلومات.
- تبويب البيانات: مرحلة تبويب البيانات هي المرحلة التي يتم فيها تنظيم البيانات العددية التي تم جمعها من خلال تنقيحها وإزالة البيانات المتناقضة وغير الدقيقة الموجودة فيها، وتصنيف البيانات الدقيقة بالاعتماد على الخصائص المشتركة ثم تصنيفها في جداول استناداً إلى كل فئة أو حالة.
- الرسوم البيانية: وهي واحدة من أساليب عرض البيانات الإحصائية بحيث يتم تمثيل البيانات على شكل رسوم كالأعمدة أو الشرائح والهدف منها عرض هذه البيانات أو توضيح صورة عن التغير الحادث في أي حالة.
- تحليل البيانات: الهدف من تحليل البيانات هو فهم آلية الحركة التي تسير بها الظاهرة الاجتماعية أو أي موضوع يخص دراسة وديناميكية هذه الظاهرة، ويتم تحليل البيانات من خلال ترجمة المعطيات والمعلومات الأولية التي تم جمعها وتحويلها إلى أرقام تطبق عليها قوانين معينة ثم يستنتج منها معطيات رقمية جديدة تستند عليها الاستنتاجات المراد التوصل إليها.
- تعميم النظريات: وذلك بعد التأكد من المعلومات تستخدم العلوم الاجتماعية الإحصاء بشكل كبير في تعميم نظرياتها حول السلوك البشري لمتابعتها بقصد تحسين الحياة، فمثلاً يدرس الإحصاء الاجتماعي حالة أحد المجتمعات خلال فترة الاستقرار وخاصة الحالة الاقتصادية في المجتمع من غنى ورفاهية ويترجم هذه الحالة إلى معطيات رقمية ثم يدرس حالة نفس المجتمع عندما يطرأ عليه تغيير جديد كالحروب أو الكوارث مثلاً ويترجمها أيضاً إلى معطيات رقمية، مما يسمح بمقارنة حالة المجتمع قبل التغير وبعده ومعرفة نسبة التغيير في هذا المجتمع.
- الهيئة العامة للإحصاء في المملكة العربية السعودية والتي تم تأسيسها عام 1960 بهدف تفعيل العمل الإحصائي وتعزيز أثره في التخطيط وزيادة الوعي الإحصائي.
- المركز الإحصائي لدول مجلس التعاون الخليجي الذي تم تأسيسه في شهر أيلول عام 2011 حتى يكون المصدر الرسمي للمعلومات والبيانات والإحصاءات المتعلقة بدول مجلس التعاون.
- الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر الذي تم إنشاؤه سنة 1970 ويعتبر من أهم المراكز المتخصصة في المجال الإحصائي التطبيقي والنظري.
- دائرة الإحصاءات العامة في المملكة الأردنية الهاشمية والتي أنشئت عام 1949 والتي تقوم بتوفير البيانات الإحصائية الأساسية عن النواحي الاجتماعية والاقتصادية في المملكة.
- جميع الدول العربية يوجد فيها مراكز مشابهة خاصة بالإحصاء ونذكر منها، في سورية يوجد المكتب المركزي للإحصاء، وإدارة الإحصاء المركزي في لبنان، جهاز التخطيط والإحصاء في قطر، الديوان الوطني للإحصائيات في الجزائر.