مشكلة تذكر الماضي والتفكير بالمستقبل (التخلص من التفكير في الماضي والمستقبل)

لا تفكر بالماضي ولا المستقبل.. هل تعبت من التفكير بالماضي والخوف منه؟ كيف تتجنب التفكير في الماضي والمستقبل؟ كيف يكون النسيان جزء من معالجة مشكلة تذكر الماضي والتفكير بالمستقبل؟
مشكلة تذكر الماضي والتفكير بالمستقبل (التخلص من التفكير في الماضي والمستقبل)

مشكلة تذكر الماضي والتفكير بالمستقبل (التخلص من التفكير في الماضي والمستقبل)

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

أعاني من التفكير في الماضي والمستقبل ولا أريد التفكير في الماضي، وكيف اترك التفكير في الماضي وهل تذكر الماضي مرض، كيف اتخلص من التفكير في الماضي والمستقبل... كل هذه العبارات والأسئلة؛ تشغل تفكير العديد من الأشخاص الذين يبحثون عن علاج كثرة التفكير في الماضي أو في المستقبل! وكأنه مرض! هو كذلك.. إذا سيطر على عقلك وجعل حياتك كاملة تتركز على ماضِ مضى أو تتوقع الأسوأ في المستقبل، في هذا المقال نتحدث عن التخلص من التفكير بالماضي والمستقبل بوصفه مشكلة.

اسباب تذكر الماضي والتفكير بالمستقبل ونسيان الحاضر
أسباب كثرة التفكير في الماضي، أو لماذا الإنسان يتذكر الماضي، هي عملية ترتبط بتعقيد عمل الدماغ البشري في تخزين الذكريات، وترتبط مشكلة تذكر الماضي بتلك الذكريات المؤلمة، كما أن رفضك وكرهك لما حصل في ماضيك هو ما يدفع هذا الماضي إلى وقتك الحاضر لتعيشه بألم، وبالضرورة يجعلك تتوقع أن الأسوأ حتماً سيأتي في المستقبل، وليس كل من يتذكر الماضي شخص مخطئ، خاصة عندما يتذكر الدروس التي ارتبطت بهذه الذكريات، لكن ما نتحدث عنه هنا تلك الذكريات التي ترفض التلاشي وتسمم حاضرك دون أن تستفيد من تلك الدروس، ويتم استرداد ذكريات الأحداث بوجود نفس المحتوى العاطفي المشابه للحالة العاطفية التي رافقت الأحداث في الماضي، خاصة إذا علمت أنه لا يوجد تمييز حقيقي بين فعل التذكر وعمل التفكير، فالذكرة البشرية تتمتع بكفاءة مذهلة [1].

من السهل تحت تأثير محفزات معينة (Triggers) تذكر الماضي فجأة، والتأثر بتلك الذكرى برد فعل عاطفي قد يكون مزعجاً أو حزيناً، ولفهم كيف تتذكر؛ عليك أن تفهم لماذا تنسى، لأن النسيان عملية مهمة وربما يكون عمل دماغنا مبني على النسيان! بمعنى أن فقدان العديد من الذكريات ليست عملية سلبية، لأن النسيان آلية نشطة تعمل في الدماغ باستمرار، "وكي تحصل على وظيفة تذكر مميزة عليك أن تنسى".

النسيان جزء مهم في عملية التذكر الفعّالة (بحيث لا يكون تذكر الماضي مشكلة)
رغم الدراسات المستمرة للذكريات والذاكرة والألغاز المرتبطة بها، فقد اُعتبر النسيان دائماً مجرد عملية لاحقة وتم تجاهله، ودون خوض الكثير من تفاصيل الدراسات المتخصصة للذاكرة والنسيان، فقد أكد علماء أن النسيان ليس فشلاً في الذاكرة بل جزءاً منها، للسماح لمعلومات جديدة فوق القديم تساهم في عملية التكيف، وهكذا تنخرط أدمغتنا في النسيان الخاضع للرقابة [2]، لكن بالنسبة للأشخاص الذين لديهم قدرة ونوع من الهوس في تذكر تفاصيل الماضي؛ فإنهم لا يستطيعون تذكر أحداث معينة في حياتهم بوضوح! إلا أنهم مميزون في الوظائف التي تعتمد التفكير المجرد بحيث يستطيعون حل المشكلات، هذا إذا فكرنا بتذكر الماضي كعملية تخيل إبداعية! وهذه نقطة جيدة لصالح تذكر الماضي اليس كذلك؟
وهكذا.. فإن الفهم الأفضل لكيفية مساعدة الناس على جعل الذكريات المؤلمة أقل تطفلاً على حاضرهم، يمكن أن يساعد الباحثين في علاج بعض الحالات المرضية الصعبة (مثل علاج اضطراب ما بعد الصدمة)، كما قد يتمكن الباحثون من فهم مرض الزهايمر بشكل أفضل، على أنه عطل في النسيان بدلاً من مشكلة في التذكر، وخلل في نشاط عملية النسيان أو "عملية نسيان مفرطة تسير في مهب الريح وتمحو أكثر مما ينبغي".
هناك حاجة لمزيد من الأبحاث لفهم النسيان كجزء من كل العملية المرتبطة بالذاكرة، الموجودة لخدمة غرض تكيفي، لأنها تمنحنا المعرفة حول العالم، ثم تقوم بتحديث تلك المعرفة، بينما يمكننا كأفراد وكنوع من خلال النسيان؛ المضي قدماً.. فللتذكر فضائل وللنسيان فضائله أيضاً.

في المحصلة.. يؤدي فقدان بعض الذكريات إلى تحسين عملية صنع القرار بعدة طرق، لسبب واحد.. أنه يمكن للنسيان القضاء على المعلومات التي عفا عليها الزمن، والتي من شأنها إعاقة القرار السليم، كما أن الذكريات التي تعيد إنتاج الماضي بإخلاص! يمكن أن تضعف القدرة على تخيل القادم والمستقبل، مما قد يجعل السلوك غير مرن بحيث لا يستطيع المرء التغلب على الظروف المتغيرة ويتوقع الأسوأ، ثم الفشل في النسيان يمكن أن يؤدي إلى استمرار الذكريات غير المرغوب بها، كما هو الحال مع اضطراب ما بعد الصدمة [3]، ونظراً للعدد الكبير وغير العادي من الذكريات، التي يمكن أن تتراكم في المخ، يبدو من المنطقي أن يكون لدى الدماغ... آليات لإزالة الذكريات التي أصبحت غير مستخدمة، بحيث قد يكون النسيان هو الاستراتيجية الرئيسية للعقل في إدارة المعلومات!
 

animate

تعلم عيش الحاضر هذا هو الحل لمشكلة التفكير بالماضي والمستقبل
المشكلة في تذكر الماضي هي قضاء الكثير من الوقت في التفكير بالماضي، في عملية اجترار (Ruminating) تمنعك من عيش حاضرك والتمتع باللحظة الحاضرة، وما يترافق مع ذلك من تأثيرات نفسية ومزاجية تؤثر على جودة حياتك، متجاوزاً ظروف عيشك ومتسائلاً: لماذا حدث ذلك؟ لكنك لن تجد الإجابات! فيزداد جموح خيالك سلبية لتوقع نتائج مستقبلية أسوء بكثير مما حدث في الماضي.

من الناحية المنطقية؛ الحاضر هو الشيء الوحيد الذي يمكنك التحكم فيه، لأن الحديث عن أخطاء الأمس أو قرارات الغد غير المؤكدة يعني ضياع اليوم، لكن المشكلة بالنسبة لشخص يفكر كثيراً في الماضي والمستقبل، هي كيف يمكنه العيش في الحاضر والتفكير في الآن؟ هذا ما يتطلب منك الإرادة والرغبة والممارسة، لأن التفكير الزائد في خيبات الماضي يجعل حياتك كئيبة جداً، وأنت من يختار كيفية فهم تجربتك هذه وإيجاد حل لمشكلة تذكر الماضي والتفكير الزائد في المستقبل من خلال [4]:

- التأكد بشكل متكرر من أن أفكارك لا تدور حول الماضي أو تهرب إلى المستقبل.

- إذا وجدت أنك عالق في التفكير بالماضي أو المستقبل؛ توقف وركز انتباهك بلطف إلى الوقت الحاضر.

- ركز على مكانك الحالي وماذا تفعل تحديداً وما يحدث معك هنا والآن.

- ركز بشكل أقل على ما يدور في عقلك وأكثر على ما يجري من حولك، وخفف من ثرثرتك العقلية!

- اكتب في دفتر يومياتك أفكارك ومخاوفك وآمالك وملاحظاتك، وقم بكتابة أي شيء يثير القلق لديك على الورق.

- اشغل نفسك بالتفكير بالأشياء التي تفعلها في اللحظة الراهنة مهما كانت بسيطة، مثلاً أثناء التمتع بأشعة الشمس أو الاستحمام أو تناول طبق الطعام الذي تحبه.

- ركز على إحساسك في اللحظة الحالية، بتوجيه تركيزك إلى أحاسيسك بدلاً من أفكارك، من خلال ممارسة الرياضة أو اليوغا أو الاستماع إلى الموسيقى والرقص أو إعداد الطعام.

- مارس هواية تحبها أو طور عادة صحية تمنعك من التركيز في الماضي أو المستقبل، مثل تركيب قطع البازل أو حل الألغاز أو العناية بالحديقة والنباتات أو الحيوانات الأليفة.
 

كيف تعيش بدون ندم وتنسى الماضي الأسود؟
عندما تتعب وتبدأ في تذكر كل شيء وكل من جعل حياتك أسوأ في الماضي، كذلك عندما تصبح الحالة صعبة، ويصبح الحنين قاسياً؛ من الطبيعي أن تعيش ماضيك الأليم والأسود وتخاف منه، ومن هنا تنبع قوة الذكريات الإيجابية، في تشكيل حصن فعال ضد الإجهاد والاكتئاب، لأن التفكير بالأوقات السعيدة يقطع سلسلة الأفكار والمشاعر السلبية [5].

ومما قد يساعدك على عيش الحاضر بذكريات الماضي الإيجابية فقط، تأكيد العلماء على أن الأشخاص الذين يتذكرون أحداثاً إيجابية أكثر تحديداً من ماضيهم؛ يتمتعون بصحة عقلية أفضل حتى بعد تعرضهم للضغوطات الكبيرة [6]، حيث تعيد تشكيل صورتك الذاتية بشكل أفضل، وأكثر تجاحاً من تذكر الماضي بأحداثه المؤلمة والسوداء، ولا تخشى إذا صارحتك بحقيقة، أن مرضى الاكتئاب يميلون للانجذاب والتفكير بالماضي السلبي، لذا فإن استرجاع الذكريات الإيجابية مهارة تتطلب التدريب.

لذلك وكي تتشجع للتوقف عن التفكير في سلبيات الماضي الأليم والأسود، عليك أن تعلم أن الشخص السعيد والمتيقظ، هو الشخص الذي يستطيع أن يتذكر بانتظام تلك اللحظات الإيجابية والتي تثير مشاعر الامتنان، وخلال أوقات التوتر أو الحزن، لا بد أن تعيد توجيه أفكارك إلى أوقات أفضل أو تسترجع ذكرياتِ تجارب ترضيك، فتكون هذه العملية الواعية بمثابة حماية قوية لكَ ضد القلق والاكتئاب، الذي سيزداد بالتأكيد مع استمرار العيش في ذكريات ماضٍ أليم [7].
 

يقول خبير موقع حلوها المدرب والكاتب ماهر سلامة في رد على سؤال صديقة للموقع حول رغبتها بنسيان الماضي الأليم: "عليكِ التحرر من الماضي ومن التفكير بالمستقبل، لذا عليك التصالح مع الماضي ومسامحته كزمن مضى خاصة وأنت تعيشين حاضراً ناجحاً مع زوجك وأبنائك، كما عليك أخذ قرار وعهد على نفسك، بأن تتركي التفكير بالماضي والمستقبل، وتشغلي نفسك بأشياء من الحاضر، ومن خلال تعلم مهارة تمكنك أن تعزلي كل تأثير سلبي عن عقلك وألا تسمحي للآخرين بتوجيه نصائحهم غير النافعة حول حياتك بماضيها وحاضرها ومستقبلها، وأوقفيهم بكل صراحة وأدب ولطف واعتذري منهم بأنك لا تحبين سماع هذا الكلام وكل واحد حرّ بحياته، كوني حازمة وقوية".

في النهاية.. إذا كنت من الأشخاص كثيري التفكير في الماضي أو المستقبل أو كليهما معاً، ما عليك إلا أن تعيش يومك بكل تفاصيله كأنه آخر يوم في حياتك! فلا تسكن في الماضي لأن كل شيء يحدث لسبب ما، وإذا كنت حكيم نفسك بما يكفي لفهم السبب؛ فأنت قادر على فهم كل ما يحدث في حياتك، ولن يكفي مقال ولا كتاب ولا كل كتب التحفيز في إيقافك عن التفكير السلبي بالماضي وتوقع الأسوأ من المستقبل، لأن لا أحد سيشعر بما تشعر به أنت، فالماضي لا يعرفك لكن دروسه هي من تعرف حاضرك، ما رأيك؟ شاركنا من خلال التعليقات.
 

[1] مقال "الذاكرة تذكر واسترجاع" منشور على موقع human-memory.net، تمت المراجعة في 08/01/2020
[2] مقال Lauren Gravitz "الجزء المنسي من الذاكرة" منشور على موقع nature.com، تمت المراجعة في 08/01/2020
[3] مقال Tom Siegfried "النسيان يزيد من فعالية الدماغ" منشور على موقع knowablemagazine.org، تمت المراجعة في 08/01/2020
[4] مقال Thomas Oppong "تعلم العيش يوم واحد يزيل القلق حول الأمس والغد"، منشور على موقع medium.com، تمت المراجعة في 08/01/2020
[5] دراسة Megan E. Speer و Mauricio R. Delgado، "الذكريات الإيجابية تخفض استجابات الإجهاد الحادة 2017"، منشورة على موقع nature.com، تمت المراجعة في 08/01/2010
[6] دراسة Adrian Dahl Askelund وآخرين "الذاكرة الإيجابية تقلل التعرض للاكتئاب 2019"، منشور على موقع nature.com، تمت المراجعة في 08/01/2020
[7] دراسة Jutta Joormann وآخرين، "الذاكرة السلبية والاكتئاب 2009"، منشورة على موقع ncbi.nlm.nih.gov، تمت المراجعة في 08/01/2020