أسباب هجرة الأدمغة وتأثير هجرة العقول على المجتمع

ما معنى هجرة الأدمغة؟ مفهوم هجرة العقول وسلبيات هجرة الأدمغة، تأثير هجرة الأدمغة على المجتمع، وحلول للحد من مشكلة هجرة الأدمغة
أسباب هجرة الأدمغة وتأثير هجرة العقول على المجتمع

أسباب هجرة الأدمغة وتأثير هجرة العقول على المجتمع

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

تعاني معظم الدول العربية من هجرة العقول إلى بلدان أخرى أكثر تقدماً وتطوراً للاستقرار هناك، ولكن ماذا نقصد بهجرة العقول؟ وما هي الأسباب التي تدفع هذه الأدمغة للهجرة إلى خارج بلدانها الأصلية؟ وكيف يمكن الحد من هذه الهجرة.. سنتعرف في هذا المقال على كل ما يتعلق بهجرة العقول وأسبابها ونتائجها وآثارها السلبية وطرق الحد منها.

يمكن وصف هجرة العقول أو هجرة الأدمغة بأنها العملية التي يفقد فيها بلد ما القوة العاملة الأكاديمية والتكنولوجية من خلال انتقال هذه العقول ورأس المال البشري إلى بلدان أكثر ملاءمة وأكثر تطوراً، ويعتبر هذا الاتجاه مشكلة للدول الأصلية، لأن الأفراد الأكثر مهارة وكفاءة يغادرون البلاد، ويساهمون بخبراتهم في اقتصاد البلدان الأخرى، حيث يمكن أن يعاني البلد الذي يغادرونه من صعوبات اقتصادية لأن أولئك الذين بقوا ليس لديهم "المعرفة" لإحداث فرق في الاقتصاد مقارنةً بالذين غادروه.
وتُعرِّف منظمة اليونسكو استنزاف العقول: بأنه "شكل غريب من أشكال التبادل العلمي بين الدول لأنه يتميز بحركة في اتجاه واحد تتدفق حتماً إلى البلدان المتقدمة" [2،1]

animate

قد يخطر ببالك السؤال التالي: ما الذي يسبب هجرة الأدمغة؟ لماذا يهاجر الأكاديميون والموهوبون والعلماء بلدانهم؟ في الواقع هناك أسباب مختلفة لهجرة الأدمغة، لكنها تختلف باختلاف البلد الذي يعاني هذا النوع من الهجرة، وبشكلٍ عام يمكن تقسيم أسباب هجرة الأدمغة إلى ثلاث فئات: [1]

  1. البحث عن عمل: هو أبرز أسباب الهجرة، فغالباً نسبة البطالة بين الشباب على سبيل المثال في البلدان النامية تكون كبيرة، في حين تعاني البلدان المتقدمة من نقص في اليد العاملة فهكذا يجد المهاجر في الدول المتقدمة فرصة العمل التي يبحث عنها.
  2. عدم الاستقرار السياسي: إذا كان البلد الأصلي يعاني من الحروب والصراعات والفوضى سواء كانت داخلية أم مع دولة أخرى فيفتح ذلك الباب مشرعاً لهجرة العقول والأدمغة فهم يحتاجون للاستقرار كي ينمون ويطورون مهاراتهم وهكذا يجدون في الدول المتقدمة ضالتهم فيتركون بلدانهم الأصلية ويهاجرون.
  3. البحث عن وظائف ذات رواتب أعلى: أحياناً تتوفر وظائف للأدمغة في بلدانهم الأصلية ولكنها تكون بأجور متدنية ولا تراعي المهارة والموهبة التي يتمتع بها هؤلاء، لذا يبحثون عن وظائف تناسب مهاراتهم في الخارج وتكون الأجور أعلى بكثير، والدول الغنية بحاجة لهذه المهارات.
  4. السعي إلى نوعية حياة أفضل: مستوى الفقر في الدول النامية مرتفع عموماً، ولا يجد الموظفون والعاملون في القطاعات المتخلفة في الأجور التي يتقاضونها ما يضمن لهم عيشاً كريماً نتيجة اضطرارهم لتسديد مبالغ كبيرة كأجارات للمنازل والأمور الصحية ومستلزمات الأسرة والأطفال، لذلك يبحثون عن مستوى معيشة أفضل في البلدان المتقدمة التي غالباً ما تؤمن للعقول مستوىً لائقاً للمعيشة تجعل تركيز المهاجر منصباً على تنمية خبراته وعلمه وقدراته مما يسهم في نمو وتطور البلد الذي هاجر إليه.
  5. عوامل الدفع والجذب لهجرة الأدمغة: والمقصود بدوافع هجرة العقول هي مجموعة العوامل التي تدفع الأفراد إلى هجرة أوطانهم مثل العنصرية والديكتاتورية وعدم تقدير العلم والإبداع، أما عوامل الجذب فالمقصود فيها ما توفره وتقدمه المجتمعات المضيفة للمهاجر مثل ارتفاع الدخل أو احترام الاختلاف أو الاهتمام بالعلم والإبداع.

يقصد بعوامل الدفع الخصائص السلبية للبلد الأم التي تشكل الدافع للأشخاص الأذكياء الذين يهاجرون من البلدان الأقل نمواً (LDC)، فبالإضافة إلى البطالة وعدم الاستقرار السياسي، فإن بعض عوامل الدفع الأخرى هي:

  1. عدم وجود مرافق بحثية: فعالم الكيمياء على سبيل المثال لا يجد مرفق بحثي يعمل به في بلده فيبحث عنه في بلداً آخر أكثر تقدماً.
  2. التمييز في التوظيف: سبب آخر طارد للعقول والأدمغة وهو اتباع المحسوبية والفساد في تعيين الموظفين عوضاً عن معايير الكفاءة والخبرة والفرص المتساوية للجميع، فيجد المهاجر ضالته في الدول المتقدمة التي يكون التوظيف فيها على أسس الكفاءة والخبرة معظم الأحيان.
  3. التخلف الاقتصادي: تدني الوضع الاقتصادي أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع أصحاب الموهبة والكفاءة للهجرة، فغالباً لا يجدون عمل وإذا وجدوه فالأجر لا يكفي لتأمين مستوى معيشي جيد يتناسب مع كفاءة هذا الشخص وما يحمله من خبرات وشهادات.
  4. انعدام الحرية: تشكل القيود في التعبير عن الرأي سواءً فيما يتعلق بالشأن السياسي أو الواقع الاقتصادي وطرق تحسينه وتطويره إلى تفضيل الفرد الهجرة ومغادرة بلده إلى بلد آخر يحترم رأيه ولا يحاسبه عليه بل على العكس قد يستفيد منه في عملية التطوير.
  5. ظروف العمل السيئة: قد تساهم ظروف العمل السيئة في البلدان الأصلية وعدم توفير كل متطلبات العمل إضافةً لتأثير العلاقات الشخصية على علاقات العمل في دفع الأفراد للهجرة خارج بلدانهم إلى دول تكون ظروف العمل فيها أفضل ويكون تأثير العلاقات الشخصية على العمل محدوداً.

يُقصد بعوامل الجذب هي الخصائص الإيجابية للبلد المتقدم الذي يرغب المهاجر في الاستفادة منها، فإضافةً إلى الوظائف ذات الأجور الأعلى ونوعية الحياة الأفضل، هناك عوامل جذب أخرى هي:

  1. التوقعات الاقتصادية المتفوقة: توقع الفرد بأنه سيحقق فوائد اقتصادية كبيرة من العمل في الخارج تضمن مستوى معيشة لائق له ولعائلته أحد العوامل التي تشجعه على الهجرة.
  2. مكانة التدريب الأجنبي: يأمل الفرد بزيادة فرص التدريب والحصول على المهارات من البلد المتقدم وهذا أحد أسباب تفكيره في الهجرة فهو يتعلم لغة ثانية ويطلع على آخر ما توصل له العلم في مجاله.
  3. البيئة السياسية المستقرة نسبياً: تمتاز البلدان المتقدمة بأنها مستقرة ولا يوجد فيها اضطرابات بالتالي لا يوجد أي تهديد يمنع الفرد من العمل أو يحد من تطويره لمهاراته وخبراته بالتالي يفضل الفرد الانتقال إلى هذا البلد.
  4. نظام التعليم الحديث للسماح بالتدريب المتفوق: يعتمد نظام التعليم في الدول المتقدمة على الموهبة والمهارات أكثر مما يعتمد على التلقين وهذا يشجع الفرد على الدراسة في هذه الدول سيما أن الشهادة الممنوحة هناك يكون معترفاً بها عالمياً.
  5. الحرية الفكرية: تسمح البلدان المتقدمة للفرد مطلق الحرية في التعمق والتفكير لما فيه مصلحة الشركة او المؤسسة التي يعمل بها بالتالي تفتح له باباً جديداً للإبداع ربما لم يكن متاح له في بلده الأصلي.

تعد هجرة الأدمغة في الدول لعربية ظاهرة وتنتشر بشكل كبير، لاسيما في البلدان العربية الفقيرة وذات المستوى الاقتصادي المتواضع، حيث ذكرت عدة دراسات أجرتها جامعة الدول العربية واليونسكو والبنك الدولي؛ أن "منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي تساهم في حوالي ثلث هجرة الأدمغة من البلدان النامية، حيث يهاجر ما نسبته 50٪ من الأطباء و 23٪ من المهندسين و 15٪ من كليات أخرى الدول العربية إلى أوروبا وأستراليا وكندا ودول أخرى، بحثاً عن مستوى معيشة أفضل".

هجرة العقول العربية ظاهرة قديمة

ظاهرة هجرة العقول العربية ليست حديثة بل قديمة، وتعود إلى القرن التاسع عشر وازدادت في القرن العشرين خاصة بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.
وكما ورد في دراسات أجرتها جامعة الدول العربية واليونسكو والبنك الدولي في عام 2016؛ فإن 54٪ من الطلاب العرب الذين يدرسون في الخارج لا يعودون إلى بلادهم، ففي بريطانيا يشكل الطلاب العرب الذين يدرسون في جامعاتها ولا يعودون لبلدهم 34 %، ويهاجر حوالي 100 ألف عالم ومهندس وطبيب كل عام من ثماني دول عربية هي مصر والأردن والعراق وتونس والمغرب والجزائر. [3]

يعاني العالم العربي والشرق الأوسط وشمال إفريقيا على وجه الخصوص من هجرة الكفاءات العلمية لأسباب عديدة منها: [3]

  • الجانب المعيشي.
  • قلة مجالات البحث العلمي لحاملي الشهادات والكفاءات، مما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة وميل الشباب للبحث عن بدائل في الخارج.
  • عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي.
  • عدم قدرة المجتمع على استيعاب الطاقة الإبداعية.
  • عدم وجود عدد من الوظائف في العديد من التخصصات مثل: علم الذرة، الدراسات الجيولوجية.

عندما تنتشر هجرة العقول في دولة نامية، قد تكون هناك بعض التداعيات السلبية التي يمكن أن تؤثر على الاقتصاد، وتؤثر على التنمية، وتشمل هذه التأثيرات على سبيل المثال لا الحصر: [1و4]

  1. إحداث نقص في القوى العاملة في الأنشطة الرئيسية: كما يحدث عندما يهاجر المهندسون أو المهنيون الصحيون بأعداد كبيرة بشكل غير متناسب، مما يقوض قدرة الدولة على تبني تقنيات جديدة أو التعامل مع الأزمات الصحية.
  2. زيادة الفجوة التكنولوجية بين الدول المتقدمة والنامية: تؤدي هجرة العقول إلى زيادة الفجوة التكنولوجية بين الدول الرائدة والدول النامية لأن تركيز رأس المال البشري في الاقتصادات الأكثر تقدماً يساهم في تقدمها التكنولوجي.
  3. خسارة العائدات الاقتصادية: لن تخسر الدول المصدرة للعقول الضرائب لمجرد أن شخص ما قد غادرها، ولكن ستخسر أيضاً العائدات الاقتصادية المحتملة من مشاريع وأعمال وإنتاج هؤلاء الأشخاص، كما تعاني الدول التي توفّر التعليم العالي المجاني من فقدان عائد هذا التعليم على المجتمع بسبب هجرة الكفاءات.
  4. يفقد القطاع التعليمي كوادره: مما يؤذي إلى خلل في العملية التعليمية بالتالي تضطر الدولة لتعيين أشخاص غير أكفاء للتعليم بالتالي يتراجع مستوى التعليم في هذه الدولة.
  5. فقدان الثقة بالاقتصاد: قد يؤدي النزوح الجماعي نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية وانتشار الفقر إلى فقدان الثقة في الاقتصاد، مما يؤدي إلى رغبة الأشخاص في المغادرة بدلاً من البقاء.
  6. فقدان الأفكار المبتكرة: نتيجة هجرة الشباب المبدعين إلى الخارج فتبقى المؤسسات والشركات يحكمها كبار السن مما يؤدي إلى جمود هذه المؤسسات سيما أن قسم كبير منهم يرفض التغيير.
  7. خسارة استثمار الدولة في التعليم: لاسيما إذا الدولة تؤمن التعليم المجاني لطلابها، ومن ثم يسافرون في بعثات لمتابعة دراستهم على أمل أن يعودوا لدولتهم كي تستفيد من خبرتهم، فيقرر الطلاب الاستقرار في الخارج ولا يعودون.

النتائج السلبية لهجرة الأدمغة تناولناها في الفقرة السابقة، بالمقابل قد يكون لهذه الهجرة بعض الفوائد على البلدان الأصلية منها على سبيل المثال لا الحصر: [1و4]

  • يتعلم المهاجرون مهارات وخبرات جديدة: يمكنهم الاستفادة منها لصالح الاقتصاد المحلي بمجرد عودتهم، كما يعتبر المهاجرون جسراً ثقافياً بين المجتمع المضيف ومجتمعهم الأصلي.
  • التحويلات المالية: يرسل المهاجرون الأموال التي يكسبونها إلى وطنهم، مما يساعد على تحفيز اقتصاد البلد الأم، ويمكن أن تجدد مخزون رأس المال البشري الذي ربما يكون قد استنفد في الوطن الأم بسبب هجرة الأدمغة.
  • تحسين العلاقات الدبلوماسية: يمكن للمهاجرين أن يلعبوا دوراً كبيراً في تحسين العلاقات الدبلوماسية بين البلدان من خلال علاقاتهم وأعمالهم في الخارج.

تفوق مساوئ هجرة الأدمغة الفوائد، لذلك هناك بعض التحركات التي يمكن أن تتخذها الحكومات لتقليل عدد العمال ذوي التعليم العالي والمهارة الذين ينتقلون إلى بلدان أخرى ومن هذه الطرق: [1و4]

  1. إنشاء جسور بين البلد الأم والمغتربين في الخارج: والاستفادة من مهاراتهم في بلدهم الأم أو تشجيعهم على استثمار أموالهم في مشاريع استراتيجية.
  2. تحقيق التنمية المستدامة: من خلال الاستثمار في التعليم والبحث العلمي للوصول إلى مستويات متقدمة.
  3. الاستقرار السياسي: استقرار الوضع السياسي أحد العوامل التي تجعل الأفراد يفكرون بالبقاء في بلدهم والعمل على النهوض به.
  4. اتخاذ خطوات لتحفيز النشاط الاقتصادي: مثل تشجيع الاستثمار في قطاعات مختلفة، مما يؤدي إلى زيادة فرص العمل وتقليل نسبة البطالة.
  5. ربط التعليم بسوق العمل: هناك فجوة بين خريجي الجامعات وسوق العمل، من المهم أن تعمل الدول على ردمها من خلال توجيه الأفراد للدراسة في الفروع التي تحتاجها الدولة، وأن يكون التعليم له طابع عملي بحيث يكون الخربج قادر على العمل بمجرد إنهاء دراسته الجامعية.

هجرة الأدمغة أحد الأمراض التي تنخر في المجتمعات النامية والدول العربية لذا يجب العمل على الحد من هذه الهجرة بكل الطرق والأساليب المتاحة وتشجيع الفرد على البقاء في بلده، وهذه الطرق والأساليب تختلف باختلاف البلد وطبيعته الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

المراجع