أشكال العدوانية عند الطفل وتعديل السلوك العدواني
في هذا المقال نسلّط الضوء على أهم العناصر الخاصة بالسلوك العدواني لدى الطفل من مفهومه، وما هي أصناف العدوان عند الطفل؟ وهل الذكور أكثر عدوانا من الإناث أم العكس؟ أشكال السلوك العدواني لدى الطفل، وأسبابه، وكيف يتعامل الوالدين مع الطفل العدواني؟ وأخيراً طرق علاج العدوانية عند الطفل.
يشتمل السلوك العدواني على الأفعال والتصرفات السلبية اتجاه الآخرين أو اتجاه نفسه فقد عرفه خالد عز الدين على أنه :"تصرف سلبي يصدر من الطفل تجاه الآخرين ويظهر على صورة عنف جسدي أو لغوي أو على شكل ايماءات وتعابير غير مباشرة على عدم الرضا منه".
وبأكثر تفصيل يحدده سيزر Seasar بالاستجابة الانفعالية المتعلمة خلال مراحل النمو وتظهر جلية في السنة الثانية على شكل عدوان وظيفي لارتباطها بإشباع الحاجات الخاصة به.
ويشير معجم علم النفس والطب النفسي (1998) على أن السلوك العدواني مظهر من مظاهر الاضطراب النفسي، ويكون مدفوعاً بالغضب والكراهية والمنافسة الزائدة رغبة في إيذاء وهزيمة الآخرين.
للعدوان عند الطفل ثلاث أصناف أساسية حددها Rosen في النقاط التالية:
- عدوان موجه نحو الآخر أو الأشياء: ويتمثل بتعبير الطفل عن عدوانيته تجاه أطفال آخرين من خلال إيذائهم جسدياً أو نفسياً، كذلك ممارسة العدوانية على الأشياء مثل الألعاب أو أغراض البيت، وربما يكون أخطر هذه الأشكال العدوانية تجاه الحيوانات التي تعتبر من مؤشرات الشخصية المعادية للمجتمع.
- عدوان موجه نحو الذات: ففي هذه الحالة العدوان يكون على نفس الطفل كلطم نفسه أو جرح يده أو رمي نفسه على الأرض.
- عدوانية رشيدة: وتتمثل بمحاولة تفريغ شحنات العداء بطريقة ايجابية كممارسة الرياضة أو هواية معينة ففي هذه الحالة يسعى إلى تجنب حالة الإحباط والتوتر.
من خلال ما تبين من دراسات سابقة وإطار سيكولوجي حول السلوك العدواني يتضح أن الذكور أكثر عدوانا من الإناث إضافة إلى وجود فروق بين طريقة التعبير عن العدوان بين الجنسين حيث يتخذ الإناث الأشكال اللفظية في التعبير عن العدوان كما أنهم يوجهون العدوان نحو الذات والانغلاق عليها نتيجة إلى عدم القدرة على المواجهة بينما يتجه الذكور إلى الأشكال الجسدية والهجومية في التعبير عن العدوان.
يمكن تقسيم العدوان إلى عدة أشكال أساسية نذكرها كالتالي:
- العدوان الجسدي: ويقتصر على استخدام القوة الجسدية اتجاه الآخرين وقد يعتمد في ذلك على وسائل وأشياء هدفها إلحاق الأذى بالآخر أو بنفسه.
- العدوان اللفظي: ويتم فيه الاعتماد على الألفاظ السيئة والبذيئة التي تشير إلى التهديد كالشتم والسب والاستهزاء بالسخرية والحط من قيمتهم وتوعدهم بإلحاق الأذى بهم.
- العدوان نحو الممتلكات: ويشتمل على تحطيم وتخريب ممتلكات الغير انتقاما من صاحبها لعدم قدرته على مواجهة هذا الشخص
- العدوان العدائي: ويكون عدوانا بنية الانتقام من الشخص فيدبر له خطة لإلحاق الأذى به.
- العدوان الإشاري: وفي هذا النوع من العدوان يتم استخدام لإشارات الاستفزازية كإخراج اللسان وما شابه ذلك
- العدوان السلبي: ويتمثل في الإهمال الذي يعتبر نوعا سلبي للعدوان والذي يتجسد في اللامبالات بالآخر أو بالموضوع.
- العدوان الايجابي: وهو جزء من الطبيعية الإنسانية، حيث يتم به التصدي والحماية من الهجوم الخارجي بالإضافة إلى الانجازات العقلية والحصول على الاستقلال الذي يعتبر أساس الفخر والاعتزاز ليبقى مرفوع الرأس أمام زملائه
- العدوان المباشر: يأخذ العدوان الشكل المباشر إذا وجه بطريقة مباشرة إلى الشخص المعنى
- العدوان الغير مباشر: عند فشل الطفل في توجيه العدوان بطريقة مباشرة يسعى إلى تحقيقه بطريقة غير مباشرة كتحويله إلى شخص أو شيء ذو صلة بالشخص المعني.
تتعدد الأسباب الخاصة بالسلوك العدواني بتعدد المثيرات المحيطة بالطفلة فمنها ما هو مرتبط بالعامل الوراثي الجيني ومنها ما هو متعلم ومكتسب من البيئة، وسنحاول فيما يلي الإلمام بجميع هذه المتغيرات كالتالي:
- الأسباب الوراثية: كشفت أحدث الدراسات أن أهم العوامل والأسباب المؤدية إلى السلوك العدواني ترجع إلى عامل الوراثة حيث تم تأكيد ذلك من خلال الدراسات التي أجريت على التوائم أن الاتفاق في السلوك العدواني بين التوائم المتماثلة أكثر من التوائم الغير متماثلة
- الأسباب الاجتماعية: تختلف وتتعدد الأسباب الاجتماعية الخاصة بالسلوك العدواني نتيجة إلى توسع دائرة التفاعلات الخاصة بالطفل ولعل أهمها هو الأسرة من خلال طريقة التعامل وتربية الطفل ونخص بالذكر الأسلوب المتشدد أو الدلال الزائد أو الإهمال مما يعرض الطفل إلى الإحباط والتوتر والقلق وعدم الثقة بالنفس كما يجب أن لا ننفي السمة الخاصة بالعائلة فالطفل الذي ينشأ وسط أسرة عدوانية يكتسب هذا السلوك بطريقة مباشرة، ككثرة الشجارات بين الوالدين واستخدام العنف الجسدي أو اللفظي.
هذا وتمثل المدرسة المؤسسة التربوية الثانية التي يتلقى فيها الطفل مبادئ التعلم وفيها يتم التفاعل وتكوين صداقات الأمر الذي قد يولد نشوء نزاعات وشجارات يضطر الطفل إلى التكيف معها والدفاع عن نفسه، والاستمرار على هذا النمط يولد بالضرورة اكتسابه للسلوك العدواني. كما يمكن لنا تلخيص أهم العوامل الاجتماعية المؤدية لتطور العدوان عند الطفل كالتالي:- طريقة التعامل التي تعتمد على التشدد والتعصب
- عدم إعطاء للطفل الحرية في التعبير عن آرائه وحاجاته الداخلية
- عدم إشباع حاجات الطفل الأساسية
- مشاهدة الأفلام الكرتونية التي تحتوي على العنف
- تميز الوالدين بالسلوك العدواني وممارس العنف على الطفل
- طبيعة التفاعلات الخاصة بالطفل في المدرسة والتي تتميز بالعداء
- الأسباب النفسية: يشكل الحرمان والإحباط أحد أهم العوامل التي تولد مشاعر العداء فعدم إشباع حاجات الطفل يكون لديه النقص الذي يحاول تغطيته عن طريق السلوك العدواني، كما يمكن لنا تلخيص العوامل النفسية في النقاط التالية
- عدم الشعور بالراحة والأمان والاستقرار الداخلي
- الشعور بالإحباط و التوتر والضغط المستمر
- سوء التوافق النفسي الداخلي لدى الطفل
ما هي أفضل أساليب التعامل مع السلوك العدواني؟ في حال ملاحظة الوالدين السلوكات العدوانية على الطفل مع الاستمرارية يجب عليهم الاعتماد على الخطوات التالية من أجل التخفيف تدريجيا من حدة العدوان لدى طفلهما كما وضحها كتاب علم نفس النمو:
- التعزيز التفاضلي: ويقصد به تعزيز السلوكات الايجابية وتجاهل السلوكات الغير مرغوبة.
- العزل: ويعنى بها عزل الطفل عن البيئة التي تثير السلوك العدواني لديه، او المواقف التي تثير الغضب لديه
- التصحيح: ويتم في هذه الحالة إرغام الطفل على إصلاح ما خلفه نتيجة لعدوانه.
- تقديم نموذج: ويقصد بذلك تقديم بديل للنموذج العدواني أو الاستجابة العدوانية باستجابة غير عدوانية يتعامل بها مع المواقف التي تثير العدوان لدى الطفل.
إن اختيار الأسلوب العلاجي المناسب للاضطراب يقتضي بالضرورة البحث عن السبب الرئيسي وراء هذا السلوك هل هو ناتج عن البيئة المحيطة أو عن الفرد في حد ذاته وتجدر الإشارة في هذا الصدد أن العلاج قد يشمل الأسرة أيضا إذ لها دور في نشوء وتطور السلوك العدواني وسندرج حاليا جل الاستراتيجيات العلاجية التي أدت إلى نتائج ايجابية للحد من السلوك العدواني لدى الطفل:
- العلاج السلوكي: يقوم هذا النوع العلاجي على إحداث تغيرات في البيئة التي يعيش فيها الطفل عن طريق ابتعاد المثيرات الخاصة بالسلوك العدواني لدى الطفل بالاعتماد على التعزيزات الايجابية، والتدعيم السلبي الذي يمثل أسلوب من العقاب عن طريق عزل الطفل في حال ممارسته للعدوان، إضافة إلى التدعيم الايجابي الذي يتمثل في دعم الطفل في حال سلك سلوكات ايجابية، التدريب على مهارة الاسترخاء المراقبة الذاتية.
- العلاج المعرفي: ويكون ذلك بتغيير الأفكار الغير مرغوبة والسلبية المرتبطة بالسلوك العدواني بأفكار ايجابية سليمة فالسلوك مرتبط بأفكار الطفل وتغيير الأفكار يقتضي بالضرورة تغير آلي للسلوك.
- التصحيح الزائد للسلوك العدواني: ويتم في هذه الحالة الطلب من الطفل السماح من الآخرين الذين مارس عليهم العدوان، مع التحذير اللفظي للطفل بضرورة عدم تكرار السلوك.
- العلاج الأسري: ويهدف هذا النوع العلاجي على تعليم وتدريب الآباء على طرق التعامل مع الطفل من أجل الحد من السلوك العدواني كتوفير الجو العائلي الهادئ، عدم مقابلة غضب الطفل بالغضب والعنف، والابتعاد عن الحزم والقسوة وإحلال محلها المرونة في التعامل، شغل أوقات فراغ الأطفال باللعب والرياضة وتفريغ الطاقة العدائية في أمور ايجابية، تنمية القيم الأخلاقية والمواصفات الحسنة والحميدة من أجل الاقتداء بها مع العمل على تدريب الطفل على مهارات السلوك الاجتماعي بشكل تدريجي والتقليل من درجة الحساسية للمواقف التي تثير الغضب لدى الطفل.
أخيراً.. يمكن القول أن السلوك العدواني لدى الطفل ناتج عن عدة عوامل أهمها الأسرة التي لم تشبع رغباته وتحترم رغباته لتبقى مكبوتة على ساحة اللاشعور ليحاول الطفل التخلص منها شكل عدوان موجه على نفسه كلطم نفسه أو ضربها أو عدوان موجه نحو الآخرين والذي يشتمل على الضرب والتحطيم الممتلكات وتتطور هذه المشاعر تدريجيا خلال مراحل النمو التي إن لم يتم علاجها قد تصل في مرحلة المراهق أو الرشد إلى ارتكابه جنحة، لدى لا يجب على الوالدين التغافل على هذا الأمر ومحاولة استشارة مختص نفسي في حال ثبوت السلوكات العدوانية على الطفل.