تطبيق شرطة الأطفال هل يؤثر على نفسية الطفل؟
يبحث الأهل دائماً عن طرق ووسائل تساعدهم في تربية أطفالهم وضبط سلوكياتهم، والواقع أن هذه الوسائل تختلف باختلاف الهدف التربوي المرجو منها، فيوجد مثلاً الأهداف التعليمية والأهداف الإرشادية والأهداف التنموية، بالإضافة طبعاً لهدف ضبط سلوك الطفل ومنعه من الأخطاء، وغالباً ما يستخدم مع هذه الغاية أساليب الحزم والعقاب، ولكن البعض قد يستخدم أساليب التخويف ومنها ما يعرف بتطبيق شرطة الأطفال، فهل استخدام هذا التطبيق آمن على الأطفال فعلاً!
تطبيق شرطة الأطفال هو برنامج يستخدم على أجهزة الهواتف الذكية، يتيح للأم أو الأب إجراء مكالمات وهمية مع مجيب آلي مبرمج للاستجابة بعدة جمل متتابعة بما يسمح بإجراء محادثة وهمية بين أحد أبوي الطفل والتطبيق ليبدو وكأن الأب تحدث مع الشرطة، وتتضمن هذه الجمل في النسخ المطورة نوعين من الحوارات، حوار إيجابي يهدف لتشجيع سلوك الطفل الجيد من قبل الشرطة الوهمية مثل سوف نأتي لنجلب هدية للطفل أو لعبة أو أكلة، وحوار يهدف لإخافة الطفل للتوقف على سلوكه السيء مثل سوف نأتي لإلقاء القبض على الطفل وحبسه وضربه وعقابه.
وتنتهي المكاملة بأصوات تحاكي أجواء مراكز الشرطة، مثل صفارات الإنذار أو رنات الأجهزة اللاسلكية المستخدمة من قبل عناصر الشرطة، ويوجد في التطبيق عدة لهجات عربية مثل السورية والليبية والعراقية والخليجية والمصرية.
حذّر الكثير من المتخصصين من جهات رسمية أو غير رسمية من استعمال تطبيق شرطة الأطفال، وتتفق هذه التحذيرات أن تطبيق شرطة الأطفال الذي يقوم على إخافة الطفل وترهيبه بالشرطة قد تكون له آثار نفسية بعيدة وقريبة المدى على شخصية الطفل، مثل تشكل هواجس ومخاوف من تعامل الطفل مع رجال الشرطة، أو تعزيز مشاعر الذنب وأن الطفل ملاحق ومهدد بالسجن والضرب.
وأبرز هذه التحذيرات جاءت من مدير إدارة الشرطة المجتمعية في إمارة الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة الدكتور المقدم محمد خميس العثمني، حيث حذر من أن انتشار تطبيق شرطة الأطفال واستخدامه من قبل الأهل سوف يحمل آثار نفسية ضارة على شخصية الطفل وتظهر غالباً في سلوكياته اليومية مثل الطعام والنوم والتفاعل مع المحيط الاجتماعي، وأنها تسيء لوجهة نظر الطفل حول الشرطة والمؤسسات الأمنية، ونصح باستخدام أساليب تربية أفضل لضبط سلوك الأطفال.
يبدو الأمر وكأنها محادثة بسيطة مع مجيب مبرمج بهدف تأديب الطفل وضبط سلوكه، ولكن في الواقع لا يوجد شرطة أطفال ولن يقوم أحد بالحضور لإيذاء الطفل، ولكن وراء هذه المحادثة يوجد آثار سلبية عديدة على الطفل والتي قد تكون خطيرة في بعض الأحيان، ومن الأضرار النفسية لتطبيق شرطة الأطفال على نفسية الطفل:
- زيادة مشاعر الذنب عند الطفل: مهمة الشرطة في أي بلد هي حماية الناس وملاحقة المجرمين والقبض عليهم وايداعهم السجن، وهذه الفكرة التي يعرفها الأطفال، ومعنى ذلك أنه حين تلاحقه الشرطة وتأتي للقبض عليه فهو مجرم وخارج عن القانون، وهذا قد يؤدي لتكوين فكرة خاطئة عند الطفل عن نفسه وسلوكياته، فالأمر يتعدى كونه طفل مشاغب يثير الفوضى، إلى مجرم مهدد بالقبض عليه.
- زيادة مخاوف الطفل وهواجسه: استخدام تطبيق شرطة الأطفال وسماع الطفل للوعيد أو التهديدات التي تستهدفه من قبل الشرطي الوهمي في التطبيق قد يتعدى الهدف المرجو منه، فصحيح أن الطفل فعلاً قد يخاف ويحسن سلوكه بعد سماع الشرطي، ولكن من ناحية أخرى سوف يبقى لديه خوف من أن هذا الشرطي سوف يأتي بأي وقت لعقابه والقبض عليه، حتى أنه قد يحلم بذلك وهو نائم.
- تشويه صورة الشرطة في ذهن الطفل: مهمة الشرطة ملاحقة المجرمين وحماية الأبرياء، والطفل هو فرد بريء في المجتمع وعلى جميع من حوله والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية في بلده أن تحميه وتدافع عنه، بل على العكس يجب أن يتعلم أن الشرطة هم اشخاص يمكن الاحتماء بهم والتوجه إليهم عند التعرض لمشكلة أو تهديد، ولكن استخدام هذا التطبيق يظهر الشرطة كأشخاص خطرين واشرار وسوف يأتوا لعقابه في أي وقت.
- فقدان الثقة بالوالدين: الوالدين هم أكثر الأشخاص الذين يحبهم الطفل ويثق بهم، ويعلم أنهما يريدان له الخير دائماً ولا يسمحان بإيذائه، وعندما يرى أن أبويه هما من يتصل بالشرطة للحضور وأخذ الطفل وعقابه وإخافته، سوف يفقد ثقته بهما ويتشكل لديه خوف حتى من أقرب الناس إليه.
- عدم الشعور بالأمان: أحياناً تؤدي تطبيقات إخافة الطفل مثل تطبيق شرطة الأطفال إلى العبث بمفاهيم الطفل وأفكاره، فبدلاً من أن يكون أبويه والشرطة هم من يحمونه ويدافعون عنه، يرى أن هؤلاء يريدون إيذاءه وعقابه وضربه، فمن المسؤول إذاً عن حماية الطفل وتلبية حاجته للأمان وشعوره بها، بالإضافة لأن الشرطة تقول أنها آتية ولا تأتي فعلاً وهذا يجعل الطفل يتوقع قدومهم بأي وقت وبالتالي يبقى بحالة الخوف وعدم الشعور بالأمان.
إذاً لا بد من وجود وسائل تربوية أفضل وأكثر أماناً من تطبيق شرطة الأطفال وغيرها من التطبيقات التي تهدف لإخافة الطفل، بهدف تأديبه وتربيته والسيطرة على سلوكه، وهنا بعض هذه الأساليب:
- استخدام أسلوب الثواب والعقاب: الثواب والعقاب كأسلوب تربوي يعد من أكثر الأساليب سهولة وقابلية للتطبيق ولا تؤدي لنتائج سيئة في حال تم استخدامها بالطرق الصحيحة، وهي واضحة تقوم على مكافئة الطفل عند قيامه بالتصرف الصحيح والمطلوب مكافئة تختلف حسب طبيعة الفعل بحيث لا تتحول لنوع من الرشوة، ومعاقبة الطفل عند قيامه بشيء خاطئ عقوبة متناسبة مع حجم وطبيعة الخطأ وغير مبالغ فيها ولا تسبب أي اعتداء أو خوف عند الطفل.
- التعليم بالاقتداء: أغلب سلوكيات الطفل وتصرفاته تكون ناتجة عن تقليد غيره، سواء الكبار بشكل عام أو أفراد أسرته الأكبر أو حتى أقرانه من الأطفال الآخرين، وما على الأهل في هذه الحالة سوى تقديم النماذج الصحيحة التي على الطفل الاقتداء بها، لتحسين سلوكه وتهذيبه.
- تنمية الدوافع الإيجابية: منذ أن يكون الطفل بعمر صغير يجب العمل على تنمية دوافع إيجابية لديه، فتعليم العادات الجيدة مثلاً مثل العناية بالنظافة الشخصية والترتيب وطريقة الطعام وغيرها، يجب أن يكون لدى الطفل دافع للقيام بها، مثل الحصول على الإطراء في العمر الصغير ومن ثم التحدث عن شخصيته الإيجابية بعد أن يصبح أكبر عمراً، وأيضاً يجب أن يكون لديه حماسة للاجتهاد والدراسة والتعاون، وأن يكون لديه سبب للتعامل بتهذيب واحترام الآخرين.
- بناء علاقة جيدة مع الطفل: العلاقة الجيدة بين الطفل وأبويه تسمح بالحصول على شروط أفضل للتواصل معه، وبالتالي القدرة على إقناعه بالأشياء الصحيحة وضرورة الالتزام بها، دون الاضطرار لاستخدام أساليب العقوبة أو التخويف معه، فهو يكون منفتح وإيجابي تجاه ما يقوله أبويه إذا كانت تربطه معهما علاقة جيدة.
- التدريب على السلوكيات الجيدة: السلوكيات الجيدة والمرغوبة أو السلوكيات السيئة هي أشياء يكتسبها الطفل غالباً ولا تولد معه، فبدلاً من أن نضطر لاستخدام أساليب العقاب أو التخويف مع الطفل بعد أن يكبر، فمن الأفضل تدريبه على السلوكيات الجيدة والاعتياد عليها منذ الصغر، مثل النوم باكراً وعادات الطعام الجيدة وإطاعة الوالدين، والالتزام بالنظام في المنزل.
- فهم مشاكل الطفل وعلاجها: قد تكون مشاكل الطفل وتصرفاته غير المقبولة ناتجة عن مشاكل تربوية أو نفسية لا سيطرة له عليها، ولا يقصد نها المرض النفسي أو العقلي، وإنما تعلم عادات خاطئة، أو وجود مخاوف معينة، أو طبيعة شخصية معينة، تؤدي للتصرفات وردود الفعل غير المناسبة، ولذا يجب البحث في هذه الأمور وفهم أسبابها لعلاجها وبالتالي تقويم سلوكيات الطفل.
غالباً ما يلجأ الأهل لاستخدام تطبيق شرطة الأطفال مع الطفل العنيد حتى يرغموه على فعل معين أو الامتناع عن هذا الفعل، والأجدى من ذلك التعرف على أسباب العناد عند الطفل وعلاج هذه المشكلة، وهنا بعض النصائح للتعامل مع الطفل العنيد:
- فهم أسباب عناد الطفل: يلجأ الطفل لسلوك العناد لأسباب مختلفة أو غايات في نفسه، مثل إرغام أهله على القيام بشيء ما يريده أو التهرب من بعض الواجبات وأوامر الأهل، وهنا يجب فهم السبب وراء هذا العناد أولاً ثم البحث عن الطريقة الصحيحة للتعامل معه.
- بناء اتفاق مع الطفل على أساس الحوار: منذ بدايات وعي الطفل بما حوله وإمكانية التواصل معه، يجب العمل على فتح قنوات دائماً للإقناع المتبادل والاتفاق، وفي هذه الحالة يمكن الحوار مع الطفل وشرح نتائج عناده والسلبيات التي قد يؤدي لها، وما هي قواعد السلوك الصحيح وكيف تطبق، وما هي حقوقه وواجباته في المنزل.
- الحزم دون قسوة: عند عناد الطفل يجب التصرف معه بحزم وأخباره أن سلوكه غير مقبول ولا يمكن الرضى عنه، ولكن ذلك دون القسوة على الطفل أو توجيه عقوبات كبيرة كالضرب أو الحبس أو الحرمان، إنما منعه عن السلوك الخاطئ بحزم فقط.
- عدم الاستجابة للسلوك العنيد: أحياناً يستخدم الطفل العناد والغضب والبكاء لأنه يريد شراء شيء معين أو الحصول على غاية معينة، وفي هذه الحالة يجب عدم الاستجابة للسلوك العنيد مهما حاول الطفل فهذا يؤدي لتكرار هذا السلوك، وإنما تأجيل إعطائه حاجته إلى حين التوقف عن العناد والاستجابة لكلام الأهل.
- تعريف الطفل بحقوقه وواجباته: حسب عمر الطفل ودرجة وعيه يمكن أن يشرح له حقوقه وواجباته في المنزل، ويجب الالتزام بها من قبل الطرفين، فلا يتم حرمانه من حقه لأي سبب ولا يجب التغاضي عن واجباته.
- الاستعانة بمختص عند وجود مشكلة: أحياناً يكون العناد أو الغضب أو السلوك العدواني خارج عن السيطرة ولا يستطيع الأهل التحكم به وتوجيه الطفل للسلوك الصحيح، وفي هذه الحالة من الأفضل عرض الطفل على مختص تربوي لمعرفة السبب وعلاجه.