فاعلية التنويم الإيحائي أو التنويم المغناطيسي في العلاج

ما هو التنويم الإيحائي وهل هو نفسه التنويم المغناطيسي؟ كيف يمكن استخدام التنويم الإيحائي في العلاج؟ وما هي آفاق التنويم الإيحائي في مجال الطب؟
فاعلية التنويم الإيحائي أو التنويم المغناطيسي في العلاج
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

حينما يذكر لفظ التنويم الإيحائي أمام أحد منا يتبادر على الفور إلى الذهن تلك الصورة الهزلية التي قدمت في الأعمال السينمائية عن التنويم المغناطيسي, فنرى ما قد تم تقديمه بطريقة كوميدية ومنها ما قدم بصورة تخيفنا من أن يتم التحكم بنا وقيادة عقلنا وتوجيه أفعالنا بطريقة لا تتفق مع أفكارنا أو اعتقاداتنا.
وقد يتبادر إلى الذهن أيضاً ما يقدم كفقرات استعراضية على المسارح تشبه فقرة الساحر وما تتضمنه تلك الفقرات من تنويم تخشبي على سبيل المثال.
لنتعرف معاً على حقيقة التنويم الإيحائي وعلاقته بالتنويم المغناطيسي، وفاعلية استخدام التنويم الإيحائي بالعلاج، ومعلومات مهمة وممتعة عن التنويم بالإيحاء.
 

لعل أبرز ما يتساءل القارئ عنه ابتداءً: هل التنويم الإيحائي هو نفسه التنويم المغناطيسي ؟؟ أم أن هناك فارق بينهما؟ وما هو ذلك الفارق؟؟
ظهر التنويم المغناطيسي على يد الطبيب الألماني الأصل "انطوان ميسمر" والذى اعتقد بوجود قوة مغناطيسية داخل جسم الإنسان  (المغناطيسية الحيوانية) حينما تصاب بخلل ما فتظهر الأمراض النفسية والجسمية، وظن أنه من الممكن شفاء تلك الأمراض عن طريق معادلة القوة المغناطيسية باستخدام مغناطيسيته وحاول إثبات ذلك ومناقشة نظريته؛ وما بين تأييد واعتراض تعارف الناس على هذه التقنية تحت مسمى التنويم المغناطيسي، إلى أن ثبت أن الحالات التي تشافت بالفعل كان شفاؤها عن طريق الإيحاء فقط والرغبة الداخلية في الشفاء إلى جانب الاعتقاد بقوة المعالج بغض النظر عن المغناطيس!.
وعلى مدى سنوات اتجهت الأبحاث حول قوة الإيحاء وقوة العقل في تسريع عملية الشفاء عن طريق الإيحاء اللفظي والإيحاء الذاتي، وهنا يبرز دور سيجموند فرويد في اكتشاف دور اللاشعور أو العقل الباطن وتأثيره في سلوكياتنا وانفعالاتنا.
 

animate

فرويد والعقل الباطن 
كان العلماء قبل أواخر القرن قبل الماضى يفسرون فقط الظواهر النفسية والاضطرابات العقلية بعوامل لا شعورية لا يعرف المريض عن وجودها داخل نفسه وهي المتسببة في حالته، ويتجلى دور فرويد مؤسس مدرسة التحليل النفسي في دراسته للاشعور بأن تأثير العقل الباطن ليس فقط في حالات الاضطرابات والسلوك الشاذ؛ ولكن هذه الدوافع اللاشعورية تتضح في سلوكنا العادي خلال حياتنا اليومية وتصرفاتنا وردود أفعالنا ومنها على سبيل المثال: فلتات اللسان وزلات القلم؛ أو نسيان موعد هام. 
 وبيَّن أن اللاشعور هو الجانب الأكبر من الحياة النفسية كالجزء المغور من جبل الجليد الطافي فوق سطح الماء، فهذه المواد اللاشعورية والمترسخة في العقل الباطن تؤثر في نمط تفكيرنا واتجاهاتنا الفكرية واعتقاداتنا والأفعال وردود الأفعال، وكما ينطبق هذا على السلوك الشاذ كذلك ينطبق على السلوك السوي.

تطوير التنويم الإيحائي
اتَّبع فرويد طريقة التداعي الحر وهي طريقة يكون دور المعالج فيها الاستماع إلى أفكار المريض وتحليلها واستنباط العوامل المؤثرة في الحالة النفسية له؛ غير أن تلك الطريقة قد تكلف الكثير من الوقت والجهد وبالرغم من قدمها وتطور أقسام علم النفس فإنها ما زالت مستخدمة لبعض الأنواع من الاضطرابات.
ومع تعدد المدارس فيما بعد وتطور البحث في التعامل مع العقل الباطن ومروراً بالدكتور جيمس برايد بدأ وضع الأسس لظهور التنويم الإيحائى كوسيلة دعم نفسي وعلاج؛ ومن بعده المعالج إيملى كووي الذى طوّر من التنويم ووضع الأسس للإيحاء الذاتي, والتصور لما قد يحدثه الإيحاء الذاتي بكلمات إيجابية وفي أوقات خمول وهدوء العقل (قبيل النوم مباشرة وعند الصحو مباشرة) من تسريع للشفاء من الأمراض حتى العضوي منها. 
واعتمد في عيادته على المحافظة على جو هادئ يدخل مرضاه في حالة ذهنيه تتقبل اقتراحاته وإيحاءاته اللفظية لهم؛ بغية التواصل مع العقل الباطن واستغلال ما به من قوة محركة للسلوك فهو مخزن الذكريات الذى تخزن فيه بكل دقة كل التجارب التي مررنا بها وتأثيراتها، وهو أيضا مصدر المشاعر والأحاسيس والأفكار والاعتقادات المسبقة التى تدفع العقل الواعي إلى اتخاذ القرارات والتصرفات وردود الأفعال.
ومازالت طريقة الإيحاء الذاتي ينصح بها ليتمكن الناس من تعلمها ويتدربوا على كيفيه تطبيق التنويم على أنفسهم في المنزل  بدون الحاجه إلى معالج، وذلك من أجل مساعدة أنفسهم على إدارة الضغوط اليومية  و التخلص من الآلام الناتجة عن الإرهاق  وتحسين عملية  النوم و كذلك التخفيف من أعراض التوتر والاكتئاب .

العنصر الناقد 
ولكى نتواصل مع تلك الأفكار ونتمكن من تعديلها أو تحسين الاستجابة وتغيير ردود الأفعال الكامنة في العقل اللاواعي علينا تجنيب عملية النقد والتحليل والتدقيق التي يتخذها العقل الواعي كي يحلل ويصنف المدخلات الجديدة من أفكار ويضعها في اللاشعور مستبدلاً بها الأفكار القديمة المترسخة داخل العقل اللاواعي؛ وعن طريق التنويم الإيحائى نستطيع فعل ذلك بسهولة ويسر.
وقد قام الدكتور جيرى كاين بوضع أسس لجلسة التنويم التى من خلالها نستطيع تجنب العنصر الناقد بطريقة أسرع والتواصل مع العقل الباطن بصورة أيسر ومدة أقل كثيراً مما كانت عليه جلسات التنويم من قبل.
وقد طور من بعده الدكتور ميلتون اريكسون تصميم الجلسات وأضاف الكثير لما يمكن الاستفادة منه عن طريق التنويم الإيحائي.
 

إذاً ما هو تعريف التنويم الإيحائي؟ وما مدى فاعليته في الشفاء من الأمراض والاضطرابات؟
يعرف التنويم الإيحائي بأنه حالة استرخاء ذهني أو حالة ذهنية معدلة يصبح فيها المستفيد متقبلا للاقتراحات الموجهة إليه من الممارس؛ ويحدث في هذه الحالة فصل العقل الواعى وتجنيب العنصر الناقد به؛ ويتقبل العقل  اللاواعي المقترحات الموجهة إليه أثناء الجلسة (والتي يتم الاتفاق عليها مسبقاً بين المعالج والمستفيد).
فهي تقنية متطورة دائماً وفعالة جداً في تخفيف الآلام والتوتر ويتم ذلك وفقاً لبروتوكولات خاصة بكل هدف يرغب المستفيد من الجلسات الوصول إليه، أو ينصح به المعالج مريضه من أجل العلاج أو من أجل المساهمة في سرعة التشافي، كما أنه يوجد بروتوكولات خاصة للتعامل مع كل هدف بالطريقة المثلى التى تأتي بأسرع نتيجة وتتلافى أي عوارض أو مضاعفات كان من الممكن أن تحدث فيما قبل.

فيما يمكننا الاستفادة من التنويم الإيحائي؟
على الجانب السلوكي يتم التعامل بتقنيات التنويم في مختلف الجوانب السلوكية والشخصية؛ كما تمكِّن المستفيد من إجراء تحسينات بحياته باكتساب عادة مفيدة والتخلص من عادات ضارة؛ فعلى سبيل المثال هناك تقنيات هادفة لانقاص الوزن والتحكم بالشهية وإكتساب عادات صحية وتطوير الأداء الرياضى من أجل بناء جسد صحى ورشيق.
كما نستطيع الإستفادة منه كوسيلة لتطوير مهارات الذاكرة والتخلص من المماطلة والتسويف كذلك تحسين الذاكرة وإزالة التوتر والقلق؛ كما يستخدم التنويم منفرداً أو كتقنية مكملة وداعمة للعلاج السلوكي في كثير من المشكلات التي تحتاج لتدخل سلوكي معرفي، والتنويم الإيحائي وسيلة لعلاج بعض المخاوف المرضية والفوبيات وعلاج الصدمات وإضرابات ما بعد الصدمة.

التنويم الإيحائي والإقلاع عن التدخين
لكن لم يتم اعتماد التنويم كوسيلة للإقلاع عن التدخين بالرغم من نجاح العديد من الأفراد في التخلص من تلك العادة والإقلاع عن التدخين عن طريق الامتثال لجلسات التنويم الإيحائي؛ ففي إحدى المقالات العلمية في (المجلة الأمريكية للتنويم العيادي) نشر جرين وستيفن لين أستاذ علم النفس بجامعة بنغامتون مجهوداتهما عن البحث في الأدبيات البحثية التي تتناول العلاقة بين التنويم والإقلاع عن التدخين وما توصلا إليه أن هناك نتائج متباينة حالت دون الوصول إلى قناعات مستقرة.
ويرجع ذلك إلى  أن التنويم يحقق النتائج ذاتها مقارنة بالوسائل التقليدية الأخرى المستخدمة  في العلاج وهذا ما قد نشره في إحدى المقالات البحثية في العام 2000 في (المجلة العالمية للتنويم التطبيقي العلاجي) حيث قام العلماء (جرين ولين) بتحليل وفحص نتائج 59 دراسة تناولت تأثير استخدام تقنية التنويم  في الإقلاع عن التدخين، وخلصوا إلى النتيجة السابقة. 

التنويم الإيحائي وعلاج الأمراض العضوية
وعلى جانب آخر يمكن اعتبار التنويم الإيحائي من الطرق المؤثرة في تسريع عملية التشافي من الأمراض العضوية وتحسين قابلية الفرد للشفاء، ففي إحدى أهم  الدراسات له في هذا الصدد والتي نشرت  في مجله - المعهد القومي للسرطان- العلمية ضمن أحد إصداراتها  عام 2007  درس الدكتور جاي منتجموري وزملاؤه تأثير فعالية جلسة تنويم  مدتها ١٥ دقيقة تمت قبل إجراء عمليات جراحية  لمائتي حالة من مرضى سرطان الثدي؛ وقد لاحظ الفريق الطبي أن نسبة الآلام والإرهاق والغثيان المتعارف عليها بعد هذه الجراحة كانت أقل من المعتاد في الحالات التي قد خضعت لتلك الجلسات؛ كما شمل جميعهم الإحساس بالراحة والاسترخاء.
 ساعدت هذه الدراسة في تخفيض تكاليف إجراء العمليات بنحو ما يقدر ب 772 دولارا أمريكياً لكل مريض شارك ضمن مجموعة الاختبار، وذلك بسبب تقليص الوقت المعتاد لإجراء عمليات جراحية كهذه، فالمرضى ممن خضعوا لتجربة التنويم قلَّ احتياجهم من المخدر ومسكن الآلام أثناء الجراحة بشكل ملحوظ. 
كما ساعدت تقنيه التنويم في إحداث  توقعات إيجابية لدى المرضى حول نتائج الجراحة؛ مما أدى إلى شعورهم بالاطمئنان وسرعة الشفاء.

وأخيراً نستخلص مما سبق أن التنويم الإيحائي تقنية مذهلة في تأثيرها وعقلية بامتياز يمكننا استخدامها بطريقة الإيحاء الذاتي لتحسين حياتنا والشعور بمشاعر إيجابية كما يمكن أن تكون وسيلة داعمة إلى جانب العلاجات النفسية ومكملة لأنواع العلاج السلوكي؛ وداعمة في علاج الأمراض العضوية ومحسنة لنسب التشافي فيها؛ كذلك تقلل من آلام ما بعد الجراحة وداعمة لمن يعانون من أمراض نفسية.