خطورة التقدم في العمر والتعامل مع أزمة منتصف العمر

أزمة منتصف العمر.. كيف تخرج من وطأة أزمة منتصف العمر؟ وما هي الأشياء الأكثر أهمية بالنسبة لك عندما تتقدم في السن؟
خطورة التقدم في العمر والتعامل مع أزمة منتصف العمر

خطورة التقدم في العمر!

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

إننا نكبر.. وهي حقيقة واضحة مثل الشمس، لا تستطيع التوقف عن عدّ السنوات، ولا شيء يمسك الأيام عن المضي.. وللأسف يعتبر الكثيرون أن أهميتهم تتضاءل مع التقدم في العمر، فكيف تتخلص من وطأة هذا الشعور؟ وما هي الطريقة التي تتجاوز من خلالها أزمة منتصف العمر؟

هل أزمة منتصف العمر حقيقية؟
ينظر معظم الناس إلى منتصف العمر كأزمة حقيقية وتحوّل محوري في حياتهم، حيث تشير الدراسات إلى أن الغالبية العظمى [1]؛ يؤمنون بحقيقة ما يسمى (أزمة منتصف العمر)، كما أن ما يقرب من نصف البالغين، الذين تزيد أعمارهم عن الخمسين؛ يقولون أنهم مروّا بهذه الأزمة، إلا أن مفهوم أزمة منتصف العمر؛ مطاط ويختلف من شخص لآخر، ففي دراسة شارك فيها أشخاص في العشرينات من أعمارهم؛ أبلغت نسبة 44 % منهم عن حدوث أزمة! مقارنة بنسبة 49 % من الذين بلغوا الثلاثينيات من العمر، ونسبة 53 % من المشاركين في الأربعينات [2].

تحدث عالم الاجتماع والمحلل النفسي الكندي إليوت جاك عن مصطلح (أزمة منتصف العمر) وهو من أوجد هذا المصطلح عام 1965: "يعكس اعتراف الشخص بالوفاة، حيث يصبح الموت مسألة شخصية، بدلاً من أن يتعلق بقدَر عام أو بفقدان شخص ما" [3]، وبتجاوز مثالية الشباب والوصول إلى مرحلة النضج فإنك في منتصف العمر؛ تتغلب على إنكارك للموت وفكرة النهاية.
بينما قدر الطبيب والمحلل النفسي السويسري؛ كارل غوستاف يونغ (Carl Gustav Jung)، وجهة نظر مختلفة تتعلق بظهور الجوانب المخفية من مرحلة الشباب في منتصف العمر [4]، حيث يستعيد الرجال هذه الجوانب كذلك تعيش النساء ما يمثل نقيضهن في منتصف العمر! ربما هو تفسير ما نطلق عليه في العامية "جهلة الأربعين".
إن هذه المرحلة طبيعية في حياة الإنسان، وغالباً ما يعيد الشخص في منتصف العمر تقييم أولوياته وأهدافه، وقد يعيد اكتشاف نفسه؛ فقد ترغب بعض النساء بالعودة إلى الدراسة بعد أن كبر الأطفال، على الرغم من انخراطهن في سوق العمل؛ بحجة أنه بإمكانهن الآن فعل ما يحلو لهن، حيث يقدرن على متابعة أحلامهن، التي أجلت الأمومة تحقيقها ربما، وقد تصبح المرأة أكثر أنانية إزاء ما تريده فعلياً في منتصف العمر، على الرغم من تقديرها للعلاقات (كزوجة وأم وجدّة.. الخ)، كما قد يتواصل الرجال أكثر مع جانبهم الأنثوي! مما يعني ممارسة فن الطبخ أو رعاية الأطفال وما إلى ذلك.
بالنتيجة.. لا تتعلق أزمة منتصف العمر بما مرّ به الإنسان من هزّات في حياته الشخصية والوظيفية، لكن الفكرة أن هذه المرحلة من العمر هي وقت الكآبة النفسية وانخفاض منحنى الرضا عن الحياة، إلا أن معظم التغير خلال منتصف العمر يكون إيجابياً [5].
 

animate

كيف تتجاوز مستنقع المشاعر الصعبة المتعلقة بأزمة منتصف العمر؟
في أواخر العقد الرابع من حياة أي شخص هناك شعور مختلف، حيث يخفت ضجيج الحياة، ترسو المهنة والعلاقة بشكل ناضج أكثر وتتحدد معالم الطريق، وهناك دروس مهمة يستخلصها المرء عند بلوغه هذه النقطة من رحلة الحياة، فالأطفال قد كبروا وبدأوا بشق طريقهم في الحياة أيضاً، وربما لم تعد مضطراً للعمل بنفس الطريقة، وها قد وصلت إلى مستوى معين من النجاح في حياتك المهنية، فلم تعد تبحث عن قمة لمحاولة الوصول إليها! وللحظة ضعف تفكر وكأنه لم يعد لوجودك حاجة! أو ربما لم يعد لديك نفس روح الإقبال على العيش!
ربما تعتقد أنك بحاجة لتغيير وظيفتك، لكنك لن تشعر بالتحسن، وقد تفكر أنك بحاجة إلى المزيد من التوازن في حياتك، لكنك لم تجد أشياء تشعرك بالرضا أو حتى جديرة بالاهتمام، وتراوح مكانك مع مجرد الحديث والشكوى حول الموضوع بينك وبين نفسك، أو مع الشريك أو صديق مقرب... ربما ستقضي عدة سنوات أخرى في حيرة! وقد تستمر في البحث عن شيء ما، لكن ليس لديك أي فكرة عما يمكن أن يكون!
لكن الخبر السار أن هناك بعض الطرق، التي يمكن أن تساعدك على الخروج من هذه الحفرة في منتصف حياتك، ربما ستجد نفسك نشيطاً ومتحدياً بطرق جديدة [6]:

- غير أولوياتك وليس ظروفك فحسب: قد يكون ما شعرت به بسبب وظيفتك ربما، أو هكذا تعتقد.. وهو سبب جزئي فتحاول تغيير الوظيفة.. لكن الشعور بالوقوف مكانك لم يفارقك! وما الذي اختلف؟ إنه ما تريده وأولوياتك التي تختلف اليوم؛ عما كنت تريده في مرحلة العشرينات والثلاثينات، وربما ينتابك الخوف اليوم لمجرد التفكير بضرورة تغير أولوياتك، حيث تظن أنك إذا أعطيت الأولوية لأشياء أخرى إلى جانب العمل والنجاح والأشياء الأخرى في حياتك؛ فسوف تتخلى عما حققته في مسيرتك المهنية مثلاً، مما يعني بالنسبة لك انتفاء طموحك واندفاعك للنجاح، وكأنك تمشي على الحافة وتتخبط في أزمة جديدة! لكن هل تعلم أن السير على هذه الحافة، هو دليل على انتعاشك وتجدد طموحك أيضاً!؟ فالحياة تتغير وتتطور، وأنت بحاجة لقبول حقيقة ذلك والاعتراف به، أنت بحاجة للاعتراف باختلاف أولوياتك عما كانت في العشرينات والثلاثينيات من عمرك، حيث أن الانتقال إلى منزل مختلف أو وظيفة مختلفة أو بلد آخر؛ لن يغير ما في داخلك.. لن يغيرك أنت، كما أن هذا الصراع بين ذاتك وواقعك، لن يتوقف حتى تدرك أن التغيير سيطال الظروف وليس جوهر شخصيتك كإنسان، وهناك كليشيهات وصور نمطية مضحكة عن أزمات منتصف العمر، وما يجب على المرء أن يكون حققه عند بلوغه الأربعين، في نوع من الدعابة.. تقلل من الاضطرابات الحقيقية، التي يشعر بها الكثير منا، مع ذلك تختلف أولوياتك عن أولوياتي، وعليك أن تكتشف أولوياتك بنفسك، وعندما تبدأ في تغييرها، ستتعلم شيئاً مهماً عن نفسك، بحيث لن تتكأ على أي من الظروف الخارجية، بل تغير أولويات حياتك لتكون أكثر انسجاماً مع إحساسك وبوصلتك الداخلية، وستدرك أنك ستظل طموحاً متقداً، ولن تتغير هويتك لأنك اخترت اتجاهاً مختلفاً.

- استمتع بالحاضر ولا تفكر بما مضى: يتطلب منتصف العمر قراراً حاسماً بالتركيز على الحاضر والمستقبل بدلاً من الماضي، فمن أسهل الأمور أن تفكر في كل الأشياء التي حدثت معك في الحياة مع رثاءها أيضاً، بحيث تعودت على وظيفتك، كما اعتدت أن تجري لمسافة طويلة دون أن تتعب، أو النوم لمدة 5 ساعات فقط وتبقى نشيطاً رغم ذلك... إلخ، هناك واقع في منتصف العمر وهذا يعني التغيير، والذي لم تسأل عنه ولا تريده دائماً، لذلك تجد نفسك ترسم صورة وردية للماضي، لكل الأشياء التي حققتها كأمر مسلّم به، إلا أن التغيير.. حقيقة واقعة شئت أم أبيت، والتركيز على ما اعتدت أن تفعله أو ما لم تحاول تغييره فقط؛ يمنعك من المضي قدماً،  والحل هو أن تفكر بالحاضر وتنشغل بما يحمله من إيجابيات وجماليات أيضاً، أطفالك الرائعين في هذه المرحلة، كذلك قدرتك على قول: "لا" لصالح وقتك وعملك، والتمتع بحرية لم تحصل عليها من قبل، بالنتيجة.. إذا لم تكن سعيداً الآن، فما الذي سيجلب لك السعادة؟ حيث لم يعد يهمك ما الذي حقق لك السعادة قبل اليوم، ومهما تراجعت لياقتك البدنية مثلاً لا تفكر في قدراتك السابقة على الركض دون أن تتعب؛ بل فكر في قدرتك على الركض على كل الأحوال!

- اعثر على سبب جديد، وطريقة لإحداث تأثير: لقد استطعت أن تغيير حياتك للأفضل، وبعد أن مررت بالكثير من التجارب وتعاملت مع التحديات والمصاعب، لا بد أنك تعرف أن مقاومة المشاعر تزيد الأزمات سوءاً، واعترافك بمشاعرك المحيرة وحتى المخيفة منها في منتصف العمر؛ هو بداية تجاوز مساوئ هذه المرحلة، حيث لدينا جميعاً حقيقة نعرفها لو أصغينا جيداً إلى أنفسنا، قد لا تعرف ما الذي ستفعله مباشرة.. وهذا الأمر طبيعي، لكنك بت تعرف الاتجاه وما الذي ستتخلى عن القيام به، عليك فقط أن تكون شجاعاً لتتابع ما ستبدأه الآن، حتى لو كان خيارك لا يشبه ما كنت تختاره قبل عشر سنوات! 

في النهاية.. الحياة سريعة والوقت يمضي، فلا تضيعه في استمرارك بما يجب عليك فعله فقط أو ما اعتدت على فعله، لكن ركز على ما تشعر به في هذه اللحظة وفي هذه المرحلة من حياتك، وصدقني قد لا تنفع الحلول الوسط، لذا بادر إلى اختيار ما تريده وانطلق، شاركنا رأيك بالتعليق على هذا المقال.
 

[1] جدال حول أزمة العمر، منشور على موقع researchgate.net، تمت المراجعة في 02/08/2019
[2]  الأثر الرجعي لمرحلة منتصف العمر، منشور على موقع sagepub.com، تمت المراجعة في 02/08/2019
[3] أزمة منتصف العمر والموت (1965)، إيوت جاك Elliot Jaques، منشور على موقع proquest.com، تمت المراجعة في 02/08/2019
[3]: الجوانب المخفية والقوة الداخلية التي تحفزنا، منشور على موقع appliedjung.com، تمت المراجعة في 02/08/2019
[4] دراسة نضج الشخصية في منتصف العمر، منشورة على موقع sagepub.com، تمت المراجعة في 02/08/2019
[5] مقال ديب نوبلمان Deb Knobelman، خريطة طريق للخروج من أزمة منتصف العمر، منشور على موقع medium.com، تمت المراجعة في 02/08/2019