أدوية الحقن المجهري بالتفصيل (التنشيط والتثبيت)
تم التوصل في نهايات القرن الماضي إلى تقنيات طبية جديدة للإخصاب (الإلقاح) سمحت للكثيرين ممن يعانون من العقم سواء ذكوراً كانوا أم إناثاً بالإنجاب، حيث يعتمد الإخصاب المساعد على استخدام تقنيات وأدوية الحقن المجهري في محاولة لتجاوز العقبات التي تواجه الإخصاب الطبيعي عند الزوجين، تعرفوا أكثر إلى أدوية الحقن المجهري التحضيرية وأدوية تثبيت الحقن المجهري.
تتضمن تقنية الإخصاب المساعد والحقن المجهري عدة خطوات، يجب أن تتم بدقة للحصول على أفضل النتائج وهي: [1،2،3]
- تحريض الإباضة: عندم يكون مصدر البيوض هي السيدة نفسها التي ستخضع للحقن المجهري، يبدأ الإجراء بتحريض المبيضين دوائياً لإنتاج العديد من البيوض بدلاً من إنتاج بيضة واحدة (الأمر الذي يحصل في الحالة الطبيعية دون تحريض دوائي)، وذلك لأن بعض البيوض سوف يموت قبل الإلقاح أو بعده بفترة وجيزة، مما يضمن نسب أعلى من نجاح الحقن عند أخذ عدد أكبر من البيوض.
- أخذ البيوض: يمكن أن يتم في العيادة بعد التحريض لمدة معينة وقبل حدوث الإباضة ب 34 إلى 36 ساعة تقريباً وذلك لضمان نضج البيوض ونجاح الإلقاح، حيث يتم رشف (شفط) البيوض بالإبرة بمساعدة الإيكو المهبلي (يدخل مجس الإيكو في المهبل لتحديد مكان الجريبات الحاوية على البويضات داخل المبيض ثم تدخل الإبرة لسحب هذه البيوض من الجريبات).
- أخذ النطاف (الحيوانات المنوية): غالباً ما يتم الحصول عليها عن طريق استمناء الزوج في نفس اليوم المقرر لأخذ البيوض، حيث يعالج السائل المنوي وتستخلص النطاف منه ليتم جمعها مع البيوض لاحقاً لحدوث الإلقاح، لكن في بعض الأحيان، قد يكون من الضروري أخذ النطاف من الخصية مباشرة وذلك عند الرجال الذين يعانون من إحدى مشاكل القذف.
- الإخصاب (الإلقاح): إما أن يتم عبر جمع النطاف السليمة مع البيوض الناضجة في أنبوب واحد وانتظار حدوث الإلقاح، أو أن يتم حقن النطاف داخل البيوض مباشرة (ICSI) والذي يتم اللجوء إليه غالباً عند نقص حيوية وعدد النطاف في السائل المنوي أو في حال فشل محاولات الحقن المجهري السابقة.
- نقل الأجنة (البيوض الملقحة): تتم هذه المرحلة في عيادة الطبيب حيث تستخدم قثطرة (أنبوب بلاستيكي طويل) تدخل عبر المهبل وعنق الرحم إل داخل الرحم ويتم نقل البيوض الملقحة من خلالها، فإذا كانت الظروف مناسبة وبطانة الرحم جيدة يحدث الانغراس (تعشيش الجنين)، وهي بشكل عام إجراء غير مؤلم على الرغم من إمكانية حدوث بعض التشنجات لذلك قد يتم إعطاء المريضة بعض المهدئات لتجنب ذلك.
- مرحلة ما بعد نقل الأجنة: يمكن العودة إلى الحياة الطبيعية، ولكن قد يبقى المبيضين متضخمين قليلاً لفترة بعد نقل الجنين وذلك نتيجة التحريض، لذلك يفضل الابتعاد عن النشاطات الجسدية المفرطة والحركات العنيفة.
إن الحمل عملية معقدة تتطلب استجابات وتغيرات طبيعية وفيزيولوجية تحدث داخل جسم المرأة، ولكي ينجح الحقن المجهري في إحداث الحمل يجب أن ننجح في إحداث تغيرات مشابهة للحالة الطبيعية ومقلدة لها، لذلك كان لابد من استخدام أدوية الحقن المجهري التي ساهمت في نجاح هذه التقنية وزيادة فعاليتها، ومن هذه الأدوية: [1]
- الهرمون المنبه للجريبات (FSH) والهرمون الملوتن (LH): يمكن استخدام الأدوية الحاوية على الهرمون المنبه للجريب أو الهرمون الملوتن أو الإثنين معاً، وهي أدوية تعطى حقناً تحت الجلد في سبيل تحريض المبيضين على إنتاج أكثر من بيضة واحدة (عدة بيوض)، ويوجد بعض المستحضرات المتوافرة منها (مثل بمفولا، مينوبيور، ميريوفورت)، وتُراقب الاستجابة بعد إعطائها كل عدة أيام من خلال التصوير بالأمواج فوق الصوتية (الإيكو) وتحاليل الدم (قياس مستوى هرمون الإستروجين بالدم).
- الهرمون المشيمي البشري HCG: هو هرمون يفرز من المشيمة بشكل أساسي وقد أُثبت أنه يحرض نمو الجريبات في المبيض ويساهم في نضجها، فعندما تشير الفحوص المخبرية والاستقصاءات إلى وصول البيوض والجريبات إلى حجم مناسب يتم إعطاء حقن من HCG والذي يحرض المرحلة الأخيرة من نضج الجريبات والبيوض وانقسامها بحيث تصبح جاهزة للإلقاح، وتوجد بأسماء تجارية (مثل غوناسي، بريغنيل، وأوفيتريل).
- البروجيسترون والإستروجين: بعد رشف البيوض الناضجة من الجريبات من أجل تلقيحها يتم إعطاء أدوية حاوية على هرمون البروجيسترون والتي تساعد على نمو بطانة الرحم وتحضيرها لاستقبال الجنين وتعشيشه (الانغراس) فيها، كما تستخدم حقن الإستروجين وذلك عند استخدام البويضات المجمدة المأخوذة مسبقاً أو البويضات المأخوذة من متبرعات (حيث إن عدم مرور المبيض بمراحل نضج الجريب ينقص من إفراز الإستروجين من خلايا الجريب المتطور وبالتالي ينقص مستواه في الدم كما في الحالات السابقة)، ويتوافر من هذه الأدوية (سايكلوجيس، وإفوريل).
- مشابهات هرمون GnRH: قد يتم اللجوء لاستعمال هذه الأدوية لتحريض إطلاق عدد كبير من البيوض، حيث تعطى دفقات من هذا الهرمون الذي يحفز الغدة النخامية على إطلاق الهرمونات الحاثة للمبيضين (LH/FSH)، كما توجد العديد من البروتوكولات العلاجية التي تتضمن هذه الأدوية، وهي تختلف فيما بينها بحسب مدة إعطائه حيث تتراوح بين 3 أيام وحتى ال 8 أسابيع، كما أن استعمال هذه الأدوية حقق نجاحاً كبيراً وارتفاعاً في نسب الحمل.
- مركبات الكلوميفين: يعتمد مبدؤه على حصر مستقبلات الإستروجين في الجسم ومنعه من الارتباط معها الأمر الذي يجعل الوطاء والغدة النخامية تستشعر ما يحدث وتفسره على أنه نقص في مستويات الإستروجين في الدم فتفرز الهرمون المنبه للجريب (FSH) والهرمون الملوتن (LH) محرضةً بذلك كل من نضج الجريب والإباضة وتشكل الجسم الأصفر (يدعى الجسم الحملي وهو مسؤول عن إفراز البروجسترون والإستروجين خلال الحمل مما يثبت تعشيش الجنين في الرحم)، يعطى لمدة خمس أيام ابتداءً من اليوم الخامس للدورة وحتى اليوم العاشر.
- أدوية منشطة وفيتامينات: أهمها حمض الفوليك ويعتبر إعطاؤه ضرورياً لكل النساء الحوامل في الثلث الأول من الحمل بغض النظر عن طريقة الإلقاح سواء الطبيعي أو المخبري بجرعة 0,4 ملغ يومياً ويكون له دور مهم جداًفي وقاية الجنين من تشوهات الجهاز العصبي لديه، كما يجب تصحيح حالات نقص فيتامين د في حال وجوده، ومن الضروري فحص المريضة والتأكد من وظائف الغدد (الكظرية والدرقية) لديها، ومراقبة ارتفاع سكر الدم عند مريضات السكري.
يتم استخدام أدوية خاصة للتثبيت الحمل بعد الحقن مباشرة ولمدة 14 يوم على الأقل وهذه الأدوية تعتبر ضمان لنجاح عملية الحقن المجهري وهي كثيرة ومتعددة ومن أهمها نذكر:
- تحاميل أو لبوس السيكلوجست: هرمون البروجيسترون وهي الهرمون الأنثوي يعطى بعد الحقن المجهري لتحويل بطانة الرحم التكاثرية إلى بطانة إفرازية، حيث يثبط هرمون البروجيسترون إفراز الجونادوتروبين ويمنع الإباضة، ويعمل على راحة البطانة الداخلية للرحم مما يحافظ على الحمل بعد الحقن، ويساهم هرمون البروجيسترون في نمو غدد الثدي.
- حبوب البروجيلتون البيضاء: وهو دواء مركب يحتوي على هرمون الاستروجين الذي يساهم في نمو بطانة الرحم بعد الحقن المجهري كما يساهم على ثبات البيضة الملقحة، كما تحتوي حبوب البروجليون على النورجيستريل وهو هرمون البروجسترون الصناعي الذي يساهم في مع هرمون الاستروجين على ترطيب الأغشية المخاطية ويعمل على زيادة حجم الرحم وتثبيت الحمل بعد الحقن.
- حقن السيولة: تساعد هذه الحقن على التخفيف من لزوجة الدم وبالتالي منع ارتفاع ضغط الدم المفاجئ بعد الحقن الذي يؤدي ارتفاعه إلى انفكاك المشيمة وعدم نجاح عملية الحقن، حيث يبدأ ارتفاع ضغط الدم بالظهور بعد الحقن وبداية الحمل.
- حقنة التحريض: حقنة تحت الجلد وهو هرمون غونادوتروبين المشيمي الذي يكون نفسه موجود ببول المرأة عند الكشف عن الحمل، حيث يحفز انتاج هرمونات الغدد التناسلية بعد الحقن لتدعيم الطور الأصفري وبالتالي تثبيت الحمل بعد تجهيز غشاء الرحم.
يتم التوقف عن استخدام أدوية الثبيت بعد الحقن المجهري عند الكشف من قبل الطبيب المختص لفحص حالة الجنين وحجمه ومستوى ضغط الدم لدى المرأة، حيث أن جميع أدوية ما بعد الحقن المجهري لا تشكل خطراً على الجنين أو الأم، لذلك من الأفضل استشارة الطبيب أو المركز الطبي المتخصص قبل اتخاذ قرار التوقف عن استخدام هذه الأدوية لإجراء الفحوصات والتحاليل المناسبة لضمان سلامة الأم والجنين وضمان نجاح عملية الحقن.
عند نجاح عملية الحقن وثبات الحمل علامات كما للحمل الطبيعي وهذه العلامات التي سنوردها ليست بالضرورة أن تظهر جميعها فقد تظهر علامة أو أكثر وبالتالي الطبيب الذي أجرى عملية الحقن الوحيد القادر على تحديد نجاحها أو فشلها وهي:
- الغثيان المتكرر: من العلامات الشائع ظهورها لدى جميع النساء ببداية الحمل ويترافق في الغالب مع القيء في فترة الصباح.
- ألم في الثديين: حيث ببداية الحمل يتورم الثديين والحلمات ويكونان أكثر حساسية للضغط أو الحركة مما يولد شعور بالألم.
- ظهور بقع دم: من العلامات القوية على نجاح الحمل بالحقن المجهري وتكون بلون بني غامق أو أسود ناتجة عن تمزق الأوعية الدموية الشعرية عند انغراس البويضة بجدار الرحم.
- ألم خفيف في الرحم: ناتج عن التقلصات والتغيرات في جدار الرحم وتكون بطانة مما يولد إحساس بالثقل عند انغراس البويضة.
- ومن العلامات نجاح الحقن المجهري الأخرى:
- إجهاد وإرهاق.
- فقدان الشهية.
- حساسية للروائح.
- تأخر موعد الحيض.
علامات فشل الحقن المجهري
دم الحيض هو العلامة المؤكدة على فشل عملية الحقن المجهري وقد يسبق نزول دم الحيض أعراض وأهمها:
- ألم شديد في منطقة الحوض
- زيادة في الشهية
- ظهور الحبوب في مناطق متفرقة بالجسم
- التغيرات النفسية والمزاجية والشعور الدائم بالحزن
يستخدم الحقن المجهري في حالات معينة بشرط سلامة البيوض والنطاف على المستوى المورثي (المورثات والجينات)، ومن هذه الحالات: [2،3]
- تأذي أو انسداد البوق (القناة الناقلة للبيوض بين المبيض والرحم): تسبب هذه المشكلة عدم قدرة البويضة على العبور إلى الرحم بعد تلقيحها في البوق أو عدم وصول النطف إليها، وبالتالي موتها وعدم حدوث الحمل.
- تأخر أو انعدام الإباضة: كما في الحالات المعندة على العلاج من متلازمة المبيض عديد الكيسات وغيرها من الأمراض الغدية، في هذه الحالة يمكن لمحرضات الإباضة (مثل الكلوميفين) وتقنيات الحقن المجهري أن تقدم حلاً ممتازاً بنسب نجاح عالية جداً.
- الانتباذ البطاني الرحمي (بطانة الرحم الهاجرة): هو انسلاخ جزء من بطانة الرحم وانغراسها في أماكن غير طبيعية ومنها داخل البوق أو حوله مسبباً العقم في كثير من الأحيان.
- الأورام الليفية الرحمية: هي أورام سليمة تحدث عند النساء في الثلاثينات أو الأربعينات من العمر وتعيق الأورام الليفية كبيرة الحجم عملية تعشيش الجنين مسببة العقم.
- حالات العقم مجهولة السبب: والتي تعني غياب الأسباب الواضحة للعقم حتى بعد إجراء جميع الفحوص المخبرية والاستقصاءات الطبية الممكنة، ونفي الأمراض التي تصيب البوق أو الرحم أو المبيض.
- خلل إنتاج النطاف أو الخلل في وظيفتها (العقم الذكري): ينتج ذلك إما عن نقص تعداد النطاف في السائل المنوي للزوج، أو تشوه شكلها أو حجمها، أو نقص حركتها والتي تعد ضرورية لوصول النطاف إلى البويضة في البوق، وإن اضطراب الخصائص السابقة للنطفة يجعل الإلقاح أقل احتمالاً، وهنا تكمن أهمية تقنيات الحقن المجهري والإخصاب المساعد في رشف السائل المنوي من خصية الزوج واستخلاص النطاف منه، ثم جمعها مع البويضات المأخوذة من الزوجة أو حقن النطاف المأخوذة من الزوج مباشرة ضمن الرحم أو البوق عند الزوجة وذلك لتجاوز المشاكل في المهبل وعنق الرحم التي تعيق الإلقاح السوي والتعشيش.
ختاماً.. قدم الإلقاح في المخبر حلاً ناجحاً للكثير من حالات العقم التي كانت تصنف بكونها ميؤوساً منها في السابق، لكنه لا يزال حتى وقتنا الحالي مكلفاً نسبياً بالنسبة للكثيرين، ولا شك أن الخطوة القادمة في التقدم الطبي لا بد أن تكون توفيره مع أدويته بأسعار مناسبة وتكاليف أقل ليصبح متوافراً لجميع الأزواج الراغبين بالإنجاب والعاجزين عنه على اختلاف الأسباب الطبية.