التأثير الإيجابي للمشاعر السلبية

هل هناك حقاً فوائد أو إيجابيات للمشاعر السلبية؟ كيف تساعد المشاعر السلبية على تطوير الشخصية؟ وكيف تساهم مشاعرنا السلبية بمعرفة الذات؟
التأثير الإيجابي للمشاعر السلبية

التأثير الإيجابي للمشاعر السلبية

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

تتركز حياة الكثيرين في عالمنا اليوم؛ على وسائل التواصل الاجتماعي وهوس الصور.. فيبدو أن الجميع سعداء وإيجابيين طوال الوقت! ونشعر بالخجل من أنفسنا إذا تعرضنا لمشاعرَ سلبية، لكن هذا لا يعني أنك يجب أن تكون إيجابياً طوال الوقت..

إذاً فالحياة ليست مثالية؛ فلا تتوقع أن تكون عواطفكَ مثالية.. كيف يمكن للمشاعر السلبية أن تنقلنا إلى أعماقنا فنتواصل مع ذواتنا بشفافية؟ هذا ما سنناقشه في مقالنا.

هل استطاع علم النفس النظر إلى المشاعر السلبية؛ كمكوّن طبيعي لدينا؟
تستحق المشاعر الإيجابية الاهتمام، لكن كونك متفائلاً باستمرار فهذا شيء يحمل سلبياته أيضاً، حيث يجب أن تحتضن كل مشاعرك، ليس فقط المشاعر الطيبة، كما أن مواجهة وقبول الغضب والحزن؛ أمران حيويان لصحتنا العقلية والنفسية، ويمكن أن تنقلنا المشاعر السلبية إلى أعماقنا وتربطنا بأنفسنا، حتى أنك عندما تقع في أرض الأحزان ولا تستطيع جمع شتات نفسك، فإن هذه اللحظات هي من أقوى وأغنى الأوقات في حياتنا!

ما هي المشكلة مع المشاعر السلبية؟!
الحياة السعيدة ليست خالية من المعاناة، فهي تتطلب دمج كل من السلبية والإيجابية التي تكمن فينا، أنت تمثل كل مشاعرك وليس فقط الإيجابية منها، ولسوء الحظ لا يمكن لمعظم الناس دمج السلبية والإيجابية، لأن التركيز على الضعف يلفت الانتباه إلى ما هو خاطئ! كما أن تجربتنا البشرية تتغذى من التباين والتناقض، حيث لا يمكن أن نختبر فرحاً بدون حزن، وسلاماً بلا غضب، وشجاعةً بلا خوف... المشاعر السلبية والإيجابية وجهان لعملة واحدة.
كان الهدف الرئيسي لعلم النفس هو معالجة ما هو خاطئ لدى الناس، وركز هذا العلم تاريخياً على تحديدٍ ما، حيث اقترب من وجهة نظر سلبية لحاجة المرضى للعلاج، ولم يكن ينظر إلى المعاناة على أنها جزء من كونها إنسانية.. لكن كحالة شاذة! 
يقول عالم النفس مارتن سليجمان (Martin Seligman): "أصبح علم النفس منذ الحرب العالمية الثانية؛ علماً يدور إلى حد كبير حول الشفاء، فركز على إصلاح الأضرار في نموذج المرض بأداء الإنسان، وهذا الاهتمام الحصري تقريباً لعلم الأمراض؛ أهمل الفرد وخصوصيته وتطور المجتمع".
مع صعود علم النفس الإيجابي تحول هذا التركيز المتطرف، وأصبحت السعادة هي الغاية الجديدة، هذا التركيز المفرط على الإيجابية؛ أوجد مضماراً آخر من جانب واحد: "السلبية حول السلبية".. بحيث طور الناس بعض المفاهيم الخاطئة، حول كيفية التعامل مع نقاط ضعفهم.
لذا يعتقد البعض أن التخلص من المشاعر السلبية سيجعلنا نشعر بالإيجابية، بينما اعتقد آخرون أنه من خلال إصلاح ما تم كسره فينا؛ سوف ننجح تلقائياً، مع ذلك فإن قمع المشاعر السلبية (الغضب والخوف والحزن.. الخ)، لن يؤدي إلى السلام والثقة والفرح، لهذا قام سيليجمان وهو أحد علماء النفس الإيجابي الأكثر نفوذاً، بتشجيع زملائه على توسيع مجالهم، لتجاوز علم الأمراض (الذي تبناه علماء النفس سابقاً) إلى الازدهار البشري، فبدلاً من التركيز على ما هو خطأ في الأشخاص وإصلاحه؛ يجب أن يكون التركيز على ما هو صحيح وتعزيز نقاط القوة.
وتُظهر الأبحاث التي أجرتها رئيسة الرابطة الدولية لعلم النفس الإيجابي، الطبيبة النفسية باربرا فريدريكسون (Barbara Fredrickson): "إن الأمر لا يتعلق بالقضاء على المشاعر السلبية، لكن مع وجود النسبة الصحيحة بين الإيجابية والسلبية"، وتقترح نسبة 3 إلى 1! على الرغم من أن العديد من الخبراء تحدوها في حال كانت هذه هي النسبة الصحيحة، لكن بالنتيجة السعادة ترتبط بعلاقة صحية بين السلبية والإيجابية.

animate

لا تخجل من الأفكار السلبية.. إنها جيدة لك!
اعتاد مجتمعنا على وصم مجتمعنا العواطف السلبية، والمتوقع منك أن (تشعر) لكن أن تبدو مثالياً طوال الوقت، أما الضعف والضغط والمعاناة لا لزوم لها، لذا يشعر الأشخاص الذين يعانون من الألم النفسي؛ بالحاجة إلى التواجد بمعزل عن غيرهم حتى أقرب الناس إليهم، لأنهم يشعرون بوجود شيء خاطئ معهم وكأنهم منبوذين!
لا تحتاج أن تشعر بالخجل لأنك تواجه وتعبر عن الأفكار أو العواطف السلبية، كلنا ينبغي أن نفعل ذلك لأنها عادة صحية، وقمع مشاعرك يعني أنه يصعب عليك محاولة إسكاتها، بالنتيجة سيكون من الصعب عليك الكفاح من أجل إيجاد مخرج.

المشاعر السلبية طبيعية
يجب عليك تطوير علاقة صحية معها، فإما أن تجتر الأحداث الحزينة مراراً وتكراراً، لأنه لا يمكنك التخلي عنها، أو أن تقيم علاقة صداقة مع عواطفك، للاستماع إليها وفهمها والتعلّم منها أيضاً، حيث يعد التنظيم العاطفي الفعّال؛ جوهراً للنمو الشخصي.
للمشاعر السلبية تأثير إيجابي، ويمكن أن يؤدي تجاهل هذه المشاعر أو قمعها إلى حدوث تأثيرات غير مرغوبة على صحتك العقلية ورضاك عن حياتك، كما توضح الطبيبة النفسية توري رودريغيز (Tori Rodriguez): "إن المشاعر غير السارة تكتسب أهمية مثل المشاعر الممتعة، من خلال مساعدتك على فهم الصعود والهبوط في الحياة المعيشة، وبدون السلبيات لا يمكننا تقييم تجاربنا، أو تجربة شعور حقيقي بالرضا".
العواطف هي بيانات يمكن أن تنوّه بسلوكك؛ افهمها قبل الرد عليها (بقمعها مثلاً)، وتستشهد رودريجيز بدراسات متعددة تحدد النتائج الإيجابية للأفكار والعواطف السلبية، حيث تسلط الطبيبة النفسية الضوء على ثلاث فوائد رئيسية للمشاعر السلبية:

1- قمع أفكارنا يعني أنه لا يمكننا تقييم تجاربنا بدقة، إذا لم نتمكن من التعلم من أدنى المستويات في تجاربنا؛ فلن نتمكن من الاستمتاع بأعلى المستويات في العيش أيضاً.
2- المشاعر السلبية هي بمثابة أضواء تحذيرية، تنبهنا إلى مشاكل محتملة لدينا أو خطر ما، حيث توجه اهتمامنا إلى ما نحتاج تغييره أو حلّه.
3- قمع العواطف السلبية، يمكن أن يضرّ جسمنا ويسبب التوتر لنا.

كما أن للسلبية فوائد إيجابية عديدة دعمتها نتائج الأبحاث، كما تحدث عن أهميتها الباحثون حول العالم، ونذكر منها:
1- يمكن أن تساعد المشاعر السلبية على بدء تغييرات شخصية أساسية، ويؤكد الباحث والخبير في العاطفة ريتشارد لازاروس (Richard Lazarus): "بالنسبة للشخص البالغ والمستقر؛ قد يتطلب تغيير شخصيته صدمة أو أزمة شخصية أو تحوّل ما في حياته، ويمكن للمشاعر السلبية أن تنقلنا إلى أعماقنا؛ لنتواصل مع ذاتنا بشكل أكثر أصالة".
2- يمكن للمشاعر السلبية التي نشعر بها بشكل متواتر؛ تسهيل التعلّم وفهم أنفسنا والحكمة من وراء العواطف السلبية مثل الحسد، الذي قد يلهمك للعمل بجدية أكبر، هذا ما اكتشفته دراسة حول الحسد الحميد! الذي قاد الطلاب إلى أداء دراسي أفضل، فعندما يحقق شخص آخر هدفاً تريد تحقيقه أيضاً، هذا ما يمكن أن يغذي رغبتك، ويعتقد بعض العلماء أن وضع جميع المشاعر في صندوقين منفصلين (إيجابية وسلبية) ليس آلية حكيمة، لأن الأمل على سبيل المثال؛ يمكن أن يكون إيجابياً، لكن قد يثير القلق أيضاً، في المحصلة يجب أن نتعلم دمج كل عواطفنا، وليس الحكم عليها بسلبي أو إيجابي.

لا تحتاج حماية نفسك من مشاعرك السلبية
الألم أمر لا مفر منه مع ذلك ليست كل المعاناة ضرورية، وهي واحدة من أعظم مفارقات الحياة؛ كلما حاولنا الهرب من المعاناة.. كلما عانينا أكثر وربما بشكل مضاعف، فنحن نعيش في مجتمع مدفوع بالخوف، وزرع فينا الخوف من الأشياء الخاطئة، كانت هذه الفكرة وراء كتاب "ثقافة الخوف"، لعالم الاجتماع باري غلاسنر (Barry Glassner) الذي يوضح: "إن مجتمعنا يتعرض للتلاعب بمخاوفَ متعددة.. معظمها لا أساس له، بحيث درج استخدام الحكايات والقصص المؤثرة؛ بدلاً من الأدلة العلمية، وتصوير الأحداث المنعزلة كاتجاهاتٍ تصوّر فئات كاملة من الناس على أنها خطرة بشكل كبير"، وترى الثقافة التي يحركها الخوف؛ الأفكار السلبية كأعداء نشعر بالحاجة إلى حماية أنفسنا من هجماتهم، "ولا معنى لكل ذلك".. كما يؤكد علاسنر.
توضح المعلّمة البوذية بيما شودرون (Pema Chödrön): "نعتقد أننا بحماية أنفسنا من المعاناة، نكون لطفاء مع ذواتنا، لكن الحقيقة هي أننا فقط نصبح أكثر خوفاً وأكثر تشدداً ونفوراً، ويمكن أن يفصل هذا بين عواطفنا.. بحيث ننشئ سجنا داخلنا ونحدّ من إمكاناتنا، وبدلا من الازدهار.. نشعر بالانفصال عن أعماقنا، كما نكون خائفين من مواجهة هذه المشاعر، التي يُفترض أن نختبرها"، وتضيف تشودرون: "من الغريب شعورنا بأننا إذا حاولنا حماية أنفسنا من الانزعاج (فنحن نعاني).. مع ذلك عندما لا ننغلق على أنفسنا، وعندما ندع قلوبنا منفتحة؛ نكتشف القرابة مع الوجود في ذواتنا"، إن المعاناة ليست لطيفة، لكن عندما تُفتح قلوبنا.. نصبح متيقظين.

شارك ما يحمله قلبك مع الآخرين.. وليس كل الآخرين
التعبير عن المشاعر الإيجابية يبدو أكثر طبيعية، وهذا ما هو مقبول اجتماعياً، بينما تتطلب مشاركة عواطفنا السلبية فتح قلوبنا، بحيث يجب أن نتقبل ضعفنا، ويتعلق الأمر بكونك قوياً كفاية.. لمواجهة ومصداقة خوفك وتحويل عدائك للمشاعر السلبية إلى حليف.
يقول المعلّم البوذي تشوجام ترونجبا (Chogyam Trungpa): "الخوف الحقيقي هو نتاج الحنان، لأنك على استعداد للانفتاح.. دون مقاومة أو خجل، ومواجهة هذا العالم، أنت على استعداد لمشاركة قلبك مع الآخرين".
إن الفرح والحزن هما في الغالب وجهان لعملة واحدة، ودمجهما يخلق دورة حميدة، كما قال الطبيب النفسي فرانسيس ويلر (Francis Weller)، "إن عمل الشخص الناضج هو التمسك من جهة والحزن في اليد الأخرى وتمديده من قبلهم". 
يمكن أن تكون المشاعر السلبية قوية إذا كنت تستخدمها كرصيد، حيث يمكنها أن ترشد قراراتك وتغذي أهدافك، كما يمكن أن يحفزنا الشعور بالذنب؛ على العمل بشكل جيد واتخاذ القرارات بناءً على ما هو أفضل لصالحنا، وتظهر الأبحاث أن "القادة (أرباب العمل) الذين يميلون إلى الشعور بالذنب، تم تصنيفهم على أنهم أكثر تعاطفاً ورعاية، لأنهم يولون اهتماماً لاحتياجات الآخرين".
قد يجعلك الحزن مهتماً بالتفاصيل، وأكثر انسجاماً مع أنفسنا ومحيطنا، كما يحسن القلق من قدرتنا على حل المشكلات، بحيث يستقطب الجسم الكثير من الطاقة، التي يمكن استخدامها للهروب من المواقف الخطرة أو الصعبة، كما أن الغضب يمكن أن يدفعنا إلى العمل، والعديد من التغييرات الكبيرة والمهمة في الحياة، هي رد فعل على موقف غير عادل أو غير مرغوب فيه.

في النهاية.. أفضل أصدقائك في الحياة هو قلبك، فكن منفتحاً مع نفسك، وتذكر.. يمكن أن تسبب العواطف السلبية المعاناة أو أن تصبح قوتك للأبد، كل عواطفك (السلبية والإيجابية) هي رصيدك في هذه الحياة؛ تعلّم كيفية استخدامها وعيشها جميعاً، وشاركنا من خلال التعليقات.