ظاهرة تعذيب الحيوانات بين الدوافع والروادع

موضوع عن تعذيب الحيوانات، هل تعذيب الحيوانات مرض نفسي؟ ما هي الدوافع الحقيقية لسلوك تعذيب الحيوانات؟ وما هي الروادع والقوانين المتعلقة بتعذيب الحيوان؟ وكيف يمكن مواجهة العنف ضد الحيوانات؟
ظاهرة تعذيب الحيوانات بين الدوافع والروادع

ظاهرة تعذيب الحيوانات بين الدوافع والروادع

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

لا يكاد الناس ينسون مقطع تعذيب قطة انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي حتى يظهر لهم مقطع آخر لتعذيب كلب حتى الموت، وفيما تعتبر ظاهرة تعذيب الحيوانات فردية في أغلب الأحيان نجد مجموعات أو فئات ينظمون حفلات تعذيب الحيوانات بشكل سنوي!.

فما هي الدوافع الحقيقية لتعذيب الحيوانات؟ لماذا قد يرغب الإنسان بضرب الحيوان وتعنيفه؟ وكيف تواجه الحكومات والمجتمعات ظاهرة العنف ضد الحيوانات؟ هذا ما نحاول أن نجيب عنه في الفقرات التالية.

ليس من السهل اقتفاء تاريخ تعذيب الإنسان للحيوانات، ومن الجدير بالذكر هنا أن هناك أشكال وأنماط متعددة لتعذيب الحيوانات والقسوة على الحيوان، نذكر منها القسوة على الحيوانات في التجارب الطبية، وتعذيب الحيوانات للاستفادة من لحومها أو جلودها أو أنيابها وقرونها وغير ذلك، إضافة إلى إهمال الحيوانات الأليفة وعدم تقديم الرعاية اللازمة لها حتى الموت.
ونعتقد أن ظاهرة تعذيب الحيوانات ترتبط بشكل وثيق بتطور قدرة الإنسان على إخضاع ومواجهة الحيوانات في بيئته، بمعنى أن الإنسان الذي بدأ علاقته مع الحيوانات بالاصطياد في العصور الغابرة كان خائفاً من الحيوانات ويحاول أن يحصل منها على غذائه بالدرجة الأولى وأن يحمي نفسه من الافتراس بالدرجة الثانية، ثم جاءت مرحلة التربية والتدجين، ثم تطوير الإنسان للأسلحة والسموم وعقاقير التخدير وأدوات الصيد والأفخاخ التي نقلته إلى مرحلة السيادة على الحيوانات.
هذا التفوق في القوة جعل إنساناً واحداً مصاباً بالربو وقصر النظر يزن 65 كغ فقط؛ قادراً على الإمساك بأسد يزن 190 كغ على قيد الحياة وتعذيبه! أو استخدامه لإضحاك الأطفال في السيرك.
وليس سراً أن هذا التفوق الإنساني لم يكن فقط سبباً في ظهور سلوك تعذيب الحيوانات، بل حتى في استعباد الإنسان لأخيه الإنسان، وتعذيب الإنسان الأقدر للإنسان الأضعف، بل وإنشاء سيرك بشري وألعاب دموية بشرية يتفرج عليها الناس للترفيه كما في مصارعة المجالدين الرومانية، أو في الحادثة المشهورة حيث اقتيدت مجموعة من الناس الآمنين من أفريقيا ليتم عرضهم في شوارع انجلترا مقيدين بالسلاسل.

من جهة أخرى فقد تباينت وجهة النظر حول تعذيب الحيوانات، حيث يرى مناصرو حقوق الحيوانات أن القسوة على الحيوانات وتعذيبها لا يقتصر فقط على الضرب أو الإهمال أو إساءة المعاملة بل يستهجنون حتى ذبح الحيوانات للاستفادة من لحومها وجلودها، وبعضهم يرى في تربية الحيوانات الأليفة انتهاكاً لحقوقها في العيش ضمن بيئتها الطبيعية، فيما يرى فريق آخر أن الحيوانات موجودة لخدمة الإنسان وتغذيته فقط.
وإن لم يجرؤ أحد على مناصرة التعذيب؛ لكن بطبيعة الحال هناك الكثير من المؤيدين لاستغلال الحيوانات في التغذية والحراسة والتجارب الطبية وغيرها من مجالات الفائدة، ويعتبرون أن مناصري حقوق الحيوانات يبالغون في تصويرهم للمأساة، وأن الحل سيكون في العقوبة الفردية لمن يقوم بتعنيف وتعذيب الحيوانات وليس في حظر التربية أو الذبح القانوني لأهداف الغذاء.

animate

تحدثنا عن ظاهرة تعذيب الحيوان عموماً؛ لكن ماذا عن التعذيب غير الهادف للحيوانات، حيث يقوم الإنسان بتعذيب الحيوانات كنوع من الترفيه دون أن يكون القصد الحصول على فائدة!، أو أن يختار الإنسان طرقاً قاسية للحصول على فائدة يمكن الحصول عليها ذاتها بطرق أسهل وأقل قسوةً، ما هي دوافع تعذيب الحيوانات؟!
يعتبر سلوك تعذيب الحيوانات المتعمَّد واحداً من الدلالات القاطعة على وجود اضطرابات عقلية ونفسية، وهناك مجموعة كبيرة من الاضطرابات التي قد تقف وراء سلوك تعذيب الحيوانات، منها السادية ضد الحيوان Zoosadism حيث ينطوي سلوك تعذيب الحيوانات على نوع من المتعة الجنسية، وهو اضطراب مختلف عن الانجذاب الجنسي للحيوانات. [3]
إضافة إلى اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع، حيث يعتبر سلوك تعذيب الحيوانات من الأعراض المحددة للسلوك المعادي للمجتمع، راجع مقالنا عن سلوك الأطفال والمراهقين المعادي للمجتمع.
كما تعتبر بعض العادات والطقوس الاجتماعية والدينية سبباً مباشراً لتعذيب الحيوانات، مثل تقديم الذبائح الدينية بطريقة معينة في بعض المذاهب، أو طقس خنق القطة أمام الزوجة في ليلة الزفاف كنوع من إثبات السلطة الذكورية في بعض المجتمعات، كذلك الاحتفالات الجماعية القائمة على تعذيب الحيوانات مثل المهرجان السنوي لتناول الكلاب في الصين والذي يتضمن تعذيباً جماعياً للكلاب والقطط قبل تناول لحومها. [4]


السلوك الإجرامي وتعذيب الحيوانات

بيَّنت مجموعة من الدراسات والأبحاث التي استهدفت مجموعة من المجرمين الخطرين أن سلوك تعذيب الحيوانات في مرحلة الطفولة كان واضحاً في السيرة الذاتية للعديد من المجرمين الأكثر خطورة في العالم، وفي أستراليا كان جميع المجرمين الذين قاموا بجرائم القتل الجنسي قد عذبوا الحيوانات في طفولتهم. [5]
كذلك أعلن مكتب التحقيقات الفيدرالي في أميركا FBI أن القتلة المتسلسلين يميلون لممارسة العنف والتعذيب على الحيوانات قبل أن ينتقلوا إلى تعذيب وقتل البشر فيما بعد، هذا يعني أن تعذيب الحيوانات الأليفة في الطفولة أو ضرب القطط والكلاب في الشارع قد يشير إلى وجود اضطرابات سلوكية وعقلية تحتاج إلى الاهتمام قبل أن تتطور إلى مرحلة أخطر. [6]
وعلى وجه العموم يحتاج من يمارس تعذيب الحيوانات إلى مراجعة الطبيب النفسي لتشخيص الحالة لأن سلوك تعذيب الحيوان بلا شك يدل على وجود اضطراب نفسي بحاجة للعلاج، وفي إحدى الاستشارات على موقع حلوها يقول صاحب السؤال أنه مولع بتعذيب صغار القطط بالحرق والخنق على الرغم من محبته للقطط والاعتناء بها!، وأجابته الخبيرة في موقع حلوها ميساء النحلاوي:
"ما تقوم به سيئ ومرعب وينم عن اضطراب نفسي. حاول قصارى جهدك ان تتوقف عن ذلك والأفضل ان تستشير طبيباً نفسياً ليساعدك على الإقلاع عن ذلك من خلال جلسات العلاج"

انتبه الإنسان باكراً إلى ضرورة وضع قواعد وقوانين للتعامل مع الحيوانات كجزء من محاولة ضبط السلوك البشري المنحرف، وكان ذلك بداية من خلال التشريعات القديمة والتعاليم الدينية في الأديان المختلفة التي أدانت تعذيب الحيوانات سواء سمحت بأكلها أم حظرته.
لكن أيضاً عرف العالم أنماط غريبة من تعذيب الحيوانات على مدى العصور كان بعضها جزء من تعاليم دينية لمذاهب معينة، وكان بعضها تطبيقاً للقانون! على غرار قصة إعدام الفيلة ماري، حيث قامت الفيلة التي تعمل في السيرك بقتل أحد العاملين الجدد في السيرك بعد أن قام بضربها بالسوط وقيل بخطاف، ليتم إخضاع الفيلة لمحاكمة قاسية من قبل سكان المدينة في ولاية تينيسي الأمريكية.
حاولوا أولاً قتل الفيلة بالرصاص لكن ذلك لم ينجح! وكان هناك العديد من الاقتراحات الهمجية منها ربط الفيلة بقطارين يسيران باتجاهين متعاكسين، وصاحب السيرك الذي لم يكن راضياً عن إعدام فيلته المدللة لكنه أيضاً لم يملك خياراً آخر قرر شنق الفيلة التي تزن خمسة أطنان. [7]
كانت الفيلة ماري عنيدة قاومت الرصاص، ثم قاومت الشنق حيث انقطعت سلسلة الرافعة ما تسبب بسقوط الفيلة وكسر أضلاعها، ثم أعاد العمال ربط الفيلة مرة ثانية وهي تتلوى من الألم وتم رفعها من رقبتها مجدداً لتفارق الحياة بعد 30دقيقة.
هذه القصة المشهورة ليست يتيمة، فهناك عشرات الحوادث المشابهة من إعدام وقتل وتعذيب الحيوانات المدربة، لكن هذه الحادثة وأخواتها فتحت نقاشاً واسعاً امتد أكثر من قرن حول التعامل مع الحيوانات عموماً والحيوانات المدربة خصوصاً، ببساطة عندما قتلت ماري موظف السيرك الجديد كانت تتعامل معه كما يجب أن يتعامل الفيل مع كائن يضربه في الغابة، والخطأ ليس خطأها، بل خطأ من وضعها في غير بيئتها.

منذ أواسط القرن الماضي حاولت الحكومات تنظيم مجموعة من التشريعات والقوانين التي تهدف إلى حماية الحيوانات من خلال العقوبات الرادعة لمن يقوم بسلوك عدواني تجاه الحيوانات أو من يقوم بحبس الحيوانات في ظروف سيئة.
استهدفت القوانين في البداية تنظيم تربية الحيوانات للأهداف المختلفة سواء الطبية أو التجارية، ومع كل حادثة من حوادث التعذيب الوحشي للحيوانات كانت تتصاعد حدة المطالبات بتطبيق عقوبات أشد بحق من يقوم بتعذيب الحيوان.
معظم الدول الغربية تمتلك قوانين صارمة لحماية الحيوان تعاقب كل من ينتهك حقوق الحيوان بالسجن والغرامة، وفي العالم العربي قامت مجموعة من الدول بوضع قوانين عصرية لمعاقبة من يقوم بتعذيب الحيوانات، حيث أقرت المملكة العربية السعودية قانوناً يعاقب على تعذيب الحيوانات بغرامة قدرها 400ألف ريال بعد اعتماد دول مجلس التعاون الخليجي لقانون الرفق بالحيوان. [8]
كذلك تعمل عدة دول عربية على تطوير التشريعات المتعلقة بحماية الحيوان من التعذيب والانتهاكات من قبل الأفراد أو المؤسسات، منها لبنان ومصر.

أخيراً... قد ينظر البعض إلى قضية الرفق بالحيوان كموضة تافهة يتمسك بها أبناء الذوات، ذلك ربما لأن معظم المدافعين عن حقوق الحيوانات ينتمون إلى الطبقات الراقية في المجتمع، وهذا مبرر من وجهة نظر علم النفس والاجتماع.
لكن حوادث تعذيب الحيوانات والطرق الشنيعة في التعذيب والقتل قد تغير وجهة النظر هذه، فهناك من يقوم بإجبار الحيوانات على شرب الأسيد لمشاهدتها وهي تتعذب حتى الموت، وهناك من يقوم برمي الحيوانات من ارتفاعات شاهقة، أو دق الأوتاد والمسامير في رؤوسها، جميع هذه الممارسات تلقى استهجاناً من الطبقات الاجتماعية المختلفة على قدم المساواة، وستكون القوانين الرادعة هي السبيل الوحيد لحماية الحيوانات من هذه الانتهاكات.

المراجع