أسباب كلام الطفل مع نفسه وهل يعتبر سلوكاً خطيراً!
طفلي يتكلم مع نفسه كلام غير مفهوم هل هذا أمر طبيعي، ابني يتحدث مع نفسه ويضحك، ومتى يكون حديث الطفل مع نفسه غير طبيعي، أسئلة كثيراً ما تتكرر على لسان الأمهات، فما سبب كلام الطفل مع نفسه، وما هي أشكال أو مظاهر كلام الطفل مع نفسه، في هذا المقال سوف نجيب عن بعض هذه الأسئلة وغيرها حول كلام الأطفال مع أنفسهم.
نعم يعتبر تحدث الطفل مع نفسه من السلوكيات الطبيعية والشائعة بين معظم الأطفال بمستويات مختلفة، سواء أثناء اللعب أو أثناء التخيل أو سرد الأفكار وتنظيمها أو تعلم اللغة وغير ذلك، وكلام الطفل مع نفسه غالباً لا يستدعي القلق، بل قد يكون ممارسةً مفيدة وضرورية في سياق التنمية اللغوية والاجتماعية والفكرية والنفسية والعاطفية للطفل.
مع ذلك فهذا لا ينفي أن زيادة تحدث الطفل مع نفسه أو ترافق ذلك مع حالات نفسية أو عاطفية معينة قد يشير لمشاكل نفسية أو حتى عقلية في بعض الأحيان، مثل معاناة الطفل من اضطرابات الشخصية أو اضطرابات طيف التوحد، أو اضطرابات القلق والخوف، أو الصدمات النفسية.
لكن يمكن التفريق بين الحالة الطبيعية والحالة المرضية من خلال النظر إلى الأعراض المرافقة لتحدث الطفل مع نفسه ولنوع الأحاديث التي يرددها وطريقته بها.
- الرغبة بالتعبير عن المشاعر والأفكار: كثيراً ما تدور أفكار ومشاعر متنوعة في ذهن الطفل حول أحلامه وأمنياته، أو حول الأشياء التي يحبها، أو التي يكرهها أو يخاف منها، وأثناء انخراط الطفل بهذه الأفكار والمشاعر يمكن أن ينطق ببعض الكلمات والحوارات، فيسأل ويجيب أو يطلق التهديدات، أو حتى يتشاجر مع شخص وهمي، وهو بهذا يرغب بالتعبير عما يدور في ذهنه من مشاعر وأفكار ورغبات.
- تجريب اللغة والكلمات: بعد أن يتعلم الطفل اللغة ويتقن كلماتها ويفهم معاينها ويصبح قادر على الدخول في حوار متكامل، يصبح كلامه وثرثرته أكثر، وإن لم يجد من يتكلم معه، قد يتكلم مع نفسه، فهو يشعر بالمتعة أنه قادر على الكلام واستخدام اللغة مثل الكبار، فيجرب كلمات جديدة تعلمها، وربما يقول كلمات التودد والمجاملة أو يطلق شتائم في بعض الأحيان، ويختلف نوع الكلام الذي يتحدث به مع نفسه باختلاف ثقافته الاجتماعية والأسرية.
- اللعب والتسلية: بعض الألعاب التي يلعبها الطفل وحده تحتاج للكلام، مثل توزيع الدمى بشكل معين فيقول يجب أن نضع هذه هنا، أما هذه فيجب أن تكون في هذا المكان، وقد يتكلم مع اللعبة ويعطيها أوامر معينة أو يقوم بتوبيخها أو يقول لها كم يحبها، وربما يضربها، أو حتى يبني حوار كامل معها، وفي هذه الحالة يكون كلام الطفل مع نفسه مجرد طريقة لتنظيم ألعابه والشعور بالمتعة والتسلية.
- الألعاب الخيالية: بعض ألعاب الأطفال تحتاج للخيال، مثل تخيل أنه يمارس دور بطل محبب في مسلسل كرتوني، أو شخصية أسطورية في قصة معينة، فيردد كلمات هذه الشخصية الخيالية، مع تخيل أنه يقوم بأفعالها، مثل ضرب الأشرار أو الانتصار في المعارك وغير ذلك، وهو هنا لا يحدث نفسه تماماً يقدر ما يردد أحاديث الشخصيات الخيالية التي يحبها.
- محاولة تذكر مواقف معينة: أحياناً يتحدث الطفل مع نفسه بهدف تذكر مواقف معينة أو تنظيم أفكاره أو تخيل ما الذي سوف يفعله في المستقبل القريب مثل عند الذهاب في رحلة معينة، فيتخيل هذه المواقف ويردد أحداثها، ويقوم بالتخطيط لمشاريع معينة بصوت عالٍ، عندما نصل إلى الشاطئ أو آخذ معي ألعاب الرمال وسوف أطلب من والدي تعليمي السباحة، وأحاديث من هذا النوع.
- الاضطرابات العصبية والعقلية والمشاكل النفسية: في بعض الأحيان يكون حديث الطفل مع نفسه ناتج عن أعراض نفسية أو عاطفية أو عقلية عديدة لا يمكن إحصائها، مثل اضطرابات القلق والخوف، أو حالات الرهاب، أو اضطرابات الشخصية، أو اضطراب طيف التوحد، فكل هذه المشاكل سجلت فيها حالات يقوم فيها الطفل بالحديث مع نفسه.
كيف يتحدث الطفل مع نفسه؟
- التحدث مع صديق وهمي: يعتبر اختراع الطفل لصديق وهمي والتحدث معه بحوارات كاملة من أشهر حالات تحدث الطفل مع نفسه، فهو يتخيل أنه شخصين ويدور بينهما حديث حول اهتماماته ورغباته وافكاره، فيسأل ويجيب ويقترح اقتراحات ثم يوافق عليها أو يرفضها، أو يلعب ألعاب تحتاج لطفلين ويأخذ هو دور الطفلين.
- التحدث مع الألعاب: معظم الأطفال وخاصة في المراحل المبكرة من العمر يتحدثون مع ألعابهم، فأحياناً هم يتخيلوا فعلاً أن هذه الألعاب تسمعهم وتفهم كلامهم، أو يكون الأمر مجرد لعب وتمضية للوقت، وهم يقولون مشاعرهم تجاه هذه الألعاب سواء كانت سلبية أو إيجابية، أو يبتكرون ألعاب معهم، أو يتشاجروا مهم، والكثير من الأحاديث والحوارات الأخرى.
- سرد الأفكار: أثناء لعب الطفل وحيداً قد يواجه مشاكل أو عراقيل معينة، ويحاول حلها، وهنا يقوم بالتحدث مع نفسه، فيسرد أفكاره، ويحلل المشكلة، ويجرب البدائل ذهنياً، فيقول مثلاً إذا وضعت هذا المكعب هنا سوف يتاح لي أن أضع المكعب الآخر فوقه، وبالتالي أنتهي من المرحلة الأولى، وفي المرحلة الثانية أضع المكعب بالرقم كذا هنا، وفي هذه الحالة يبني الطفل مهارته في التفكير المنظم وحل المشكلات، وينظم أفكاره، ويتصور الحلول والبدائل.
- التحدث مع المرآة: التحدث مع المرآة أيضاً من الحالات الشائعة لتحدث الأطفال مع أنفسهم، ويمكن القول أن هذه الحالة تعتبر الأكثر أهمية، حيث يكتشف الطفل صورته ويدقق فيها، ويبني تصور عن طريقة رؤية الآخرين له.
فيتخيل أنه في مواقف معينة، ويتخيل ما الذي عليه قوله فيها، فيعيد ويكرر حتى يعجبه كلامه، أو ربما يجامل نفسه ويبدي إعجابه بها، حتى أنه قد يتهيأ بشكل كامل لمقابلات أو مواجهات معينة سوف تحدث في وقت لاحق من خلال التحدث إلى المرآة. - تحدث الطفل مع نفسه قبل النوم: أحياناً يتحدث الطفل مع نفسه وهو في فراش النوم، فيسرد تفاصيل معينة، ويعبر عن أفكاره ورغباته، ويستعيد أحداث معينة ويتحدث عن أشياء سوف يقوم بها، ويشرح مخططات معينة سوف يفعلها في وقت لاحق، فيقول مثلاً حتى أتمكن من الفوز على صديقي فلان في هذه اللعبة يجب أن أتدرب ويجب أن أفعل كذا، وإذا لم أفوز عليه فسوف أفعل كذا، وهكذا.
اقرئي أيضاً على حِلّوها: ابني كثير الثرثرة والكلام مع نفسه كيف أتعامل معه؟
- تجريب الكلمات وتنمية القدرات اللغوية: عندما يتحدث الطفل مع نفسه فإنه يجرب الكلمات التي يسمعها من جديد، ويفهم كيفية استخدامها في سياق الكلام، كما يتعلم كيف يبني حوار متكامل، وكيف يسرد أفكاره، وبالتالي ينمي قدراته اللغوية ومهارات التحدث لديه.
- تنظيم الأفكار والتفكير بصوت عالي: لا يتقن الطفل مهارات ذهنية تسمح له بتنظيم أفكاره بشكل صامت، بمجرد التفكير، فيلجأ للتحدث مع نفسه حتى ينظم أفكاره، ويعالج مشاكله، ويضع مخططات أو توقعات، كل ذلك بصوت عال مسموع بالنسبة له، وكأنه يتحدث به أو يشرحه لشخص آخر.
- تفريغ المشاعر المكبوتة: تدور في ذهن الطفل الكثير من المشاعر والأفكار حول مواقف أو رغبات أو أشياء منزعج منها أو فرح بها، وهو بتحدثه عن نفسه يعبر عن كل هذه الأشياء، وقد يفرغ بعض مشاعره المكبوتة من خلال الغضب والمشاجرة مع الدمية أو الصديق الوهمي وتوبيخه أو تخيل الانتصار عليه، وهذا يفيد في تحسين الحالة العاطفية والنفسية للطفل.
- تطوير مهارات الحوار والتواصل: عندما يتحدث الطفل مع نفسه، فإنه يخطأ ويصلح خطأه، ويجرب البدائل، ويختبر كيف سوف يكون مظهره عندما يقول كلمة أو جملة معينة، ويقوم بتعديلها، ويتخيل ردود الآخرين، وينظم أفكاره بناء على هذه التوقعات، وكل ذلك يفيد في سياق تطوير مهارات اللغة والحوار والتواصل لديه.
- تنمية الخيال والتصور الذهني: حديث الطفل مع نفسه هو نوع من الخيال أو اللعب الخيالي، وأثناء محاولة الطفل لتطبيق أفكاره الخيالية بالحديث عن نفسه، فإنه يكتشف قدراته ورغباته، ويتعلم كيف يميز بين رغباته وقدراته ويفهم ما هي الحدود من خلال هذا، ومع الوقت يصبح خياله أكثر واقعية واتقان، ويصبح أكثر مهارة في التصور الذهني للأحداث وتوقع مجرياتها.
نعم من الشائع أن يتحدث طفل التوحد مع نفسه، وهذا ما قد يخيف الأهل عند ملاحظة أن طفلهم يتحدث مع نفسه، لكن ليس بالضرورة أن كل طفل يتحدث مع نفسه يعاني من التوحد، فالأمر مختلف هنا، حيث أن طريقة تحدث طفل التوحد مع نفسه مختلفة إلى حد بعيد عن طريقة الطفل السليم في الحديث والكلام مع نفسه، ويمكن التمييز ببعض الصفات الخاصة بحديث طفل التوحد مع نفسه:
- ترديد كلمات أو مقاطع صوتية مكررة ونمطية: غالباً ما يكون حديث طفل التوحد مع نفسه مختزل ببعض الكلمات أو المقاطع الصوتية التي يكررها باستمرار دون فهم معناها بالضرورة، فهو يحفظ هذه الكلمة أو الجملة لسبب ما ويقوم بنطقها مراراً وتكراراً، دون وجود سبب واضح لذلك، ويرددها كالإنسان الآلي وفي جميع المواقف، أما حديث الطفل الطبيعي مع نفسه فيكون حوار كامل أو ترديد جمل يحبها لشخصيات أسطورية أو بطولية بالنسبة له ويرغب بتقليدها.
- عدم مشاركة الاهتمامات: طفل التوحد لا يرغب بمشاركة أحاديثه مع نفسه مع أحد، فهو يقوم بتكرار المقاطع الصوتية دون فهم معناها وعند سؤاله عنها أو محاولة مشاركته في الحديث فإنه غالباً لا يرغب بالمشاركة ولا يستجيب عاطفياً أو للأوامر التي تملى عليه في التوقف أو تغيير الحديث، أما الطفل السليم فيبدي استجابات عاطفية أكثر، وقد يشرح ما يقوله، أو يخجل وينهي الحديث، أو العديد من ردود الفعل الأخرى.
- ترديد كلام غير مفهوم: ليس بالضرورة أن يكون حديث طفل التوحد مع نفسه بكلمات مفهومة واضحة المعنى، وإنما قد يكرر أي مقاطع صوتية ليس لها معنى واضح، أما الطفل السليم، فغالباً ما يكون حديثه واضح المعاني وأكثر غائية، يتضمن هدف معين كاللعب أو التجريب.
- أكثر نمطية وتكراراً: كلام طفل التوحد مع نفسه يكون أكثر نمطية فهو عبارة عن كلمة أو جملة أو عدة كلمات يقوم بتكرارها دائماً، حتى ينساها ويحفظ كلمة أو جملة جديدة، أما الطفل السليم يكون كلامه أكثر تنوعاً وترابطاً وتغيراً وتطوراً.
- لا يتضمن تعبيرات أو رموز أو مشاعر: كلام طفل التوحد يشبه كلام الإنسان الآلي فهو مجرد ترديد للكلمة كمقطع صوتي، دون أي تفاعل عاطفي أو تعبيرات أو إيماءات جسدية أو عاطفية، أما حديث الطفل السليم مع نفسه، يكون معبّر أكثر، حيث يصاحبه حركات معينة، أو تعبيرات وجه، أو تغيرات في الصوت، ليعبّر عن حزن أو فرح أو غضب أو غير ذلك.