أنواع الشذوذ الجنسي وأشكال المثلية الجنسية
تعتبر قضية الشذوذ الجنسي أو المثلية الجنسية من أكثر القضايا الاجتماعية إثارة للجدل في العصر الحديث، وذلك أنَّ نظرة المجتمع والطب إلى الشذوذ الجنسي كانت موحدة تقريباً فيما مضى، أما اليوم فقد أصبحت هذه القضية محل جدلٍ خاصة بعد أن اعتبرت الجمعية الأمريكية للطب النفسي في السبعينات أن المثلية الجنسية ليست مرضاً ولا انحرافاً ولا اضطراب، وحذت حذوها العديد من المنظمات والمؤسسات الصحية والنفسية حول العالم، وبطبيعة الحال شهد العالم تحركاً موازياً على مستوى القوانين.
في هذه المادة؛ نتعرف معاً إلى ماهية الشذوذ الجنسي، وأنواع الشذوذ الجنسي وأشكاله، إضافة إلى الفرق بين كل نوع من أنواع الشذوذ الجنسي، والفرق بين الشذوذ الجنسي عند الرجال والشذوذ الجنسي عند النساء.
في مادة سابقة ناقشنا تطور مفهوم الشذوذ الجنسي اجتماعياً وطبياً، وأجبنا عن سؤال: هل يعتبر الشذوذ الجنسي مرض؟، يمكنكم الاطلاع على تلك المادة من خلال هذا الرابط (هل الشذوذ الجنسي مرض؟).
ويمكن القول بإيجاز أن المثلية أو الشذوذ الجنسي كان يعتبر حتى فترة قريبة مرضاً أو انحرافاً في أكثر المجتمعات انفتاحاً وتقدماً، وبناءً عليه كان علاج الشذوذ الجنسي هو الشغل الشاغل للأطباء والباحثين المهتمين بهذه القضية.
لكن التحول الجوهري الذي شهدته قضية الشذوذ والمثلية هو تنازل المجتمع الطبي والعلمي عن الرغبة في علاج الشذوذ المثلي واعتباره ميلاً جنسياً ثابتاً له مجموعة من العوامل الوراثية التي لا يمكن التدخل بها أو تصحيحها، وبناء عليه أصبح علاج المثلية بالنسبة لهم "محاولة لا إنسانية" لتطويع المثليين وإجبارهم على تحويل ميلهم الجنسي لإرضاء المجتمع والمؤسسات الدينية.
على مستوى الدول العربية والإسلامية إضافة إلى معظم دول آسيا وأفريقيا؛ ما زال الشذوذ الجنسي غير مقبول اجتماعياً، وما زالت معظم المنظمات الطبية والنفسية تتعامل معه كمرضٍ قابل للعلاج وعلاجه واجب اجتماعي وأخلاقي، كما تجرم القوانين في هذه البلدان الممارسات الجنسية الشاذة بنصوص صريحة أو عامة.
(اقرأ أحدث الأسئلة والاستشارات والمقالات حول المثلية الجنسية والشذوذ الجنسي عبر هذا الرابط)
المثلية الجنسية تعتبر نوعاً من أنواع الشذوذ الجنسي إذا اعتبرنا أن الانحرافات الجنسية الأخرى تنضوي أيضاً تحت مسمى "شذوذ جنسي"، على غرار حب الأقدام أو البودوفيليا أو ممارسة الجنس الشرجي أو اضطراب الشخصية السادية وغيرها، لكن على وجه العموم يستخدم الناس كلمة شذوذ جنسي للتعبير تحديداً عن المثلية الجنسية، فيما تتم الإشارة عادة إلى باقي الأنواع بوصفها انحرافات جنسية ويسمى كل منها باسمه.
وفي الحديث عن أنواع المثلية أو الشذوذ فهناك عدد من المعاير التي يتم تصنيف نوع أو شكل المثلية بناء عليها، ومن أبرز هذه المعايير:
- نوع المثلية من حيث النوع (ذكر أو أنثى)
- نوع المثلية الجنسية من حيث الميل الجنسي (سالب، موجب، مزدوج)
- نوع المثلية الجنسية حسب الكشف (تتدرج من الكشف الكامل حتى الإخفاء الكامل)
- معايير أخرى مختلفة (مثل تصنيف المثليين المتزوجين وغير المتزوجين، أو مدى تصالح الشخص مع ميوله وغيرها).
هذه التصنيفات لا تتعارض مع بعضها غالباً ويتم الأخذ بها جميعاً لوصف دقيق لحالة مثلي الجنس، كأن نقول أنه مثلي ذكرٌ أعزب بمثلية مطلقة ويعترف بمثليته ويرفض علاجها.
فيما يلي سنقوم بمناقشة هذه العناوين بالتفصيل الممكن لنتعرف عن قرب على أبرز أنواع وأشكال الشذوذ الجنسي أو المثلية الجنسية ومعايير تصنيفها.
من أشهر التصنيفات تصنيف المثلية الجنسية حسب ميول الشخص المثلي
من أقدم التصنيفات وأكثرها استقراراً وشهرة تصنيف الشاذين جنسياً حسب ميولهم، وذلك ضمن مجموعتين أساسيتين:
- الأولى: الشذوذ الجنسي الكامل أو المثلية المطلقة، وتحتها تندرج المثلية السالبة والموجبة والمزدوجة.
- الثانية: الشذوذ الجنسي المزدوج، وتحته تندرج أيضاً المثلية السالبة والموجبة والمزدوجة، إضافة إلى المثلية التعددية.
المثلية الجنسية أو المثلية المطلقة
علمياً يكفي القول "مثلي الجنس" لتحديد عن أي نوع من أنواع الشذوذ نتحدث، فالمثليون هم الأشخاص الذين يمتلكون ميلاً جنسياً نحو أفراد من نفس جنسهم، سواء كانوا ذكوراً مثليين أم إناثاً مثليات، وسواء كانت مثليتهم فاعلة أو مكبوتة.
والمثلية المطلقة أو الكاملة هي ميل المثلي إلى نفس جنسه دون غيره، أي أن الرجل الشاذ جنسياً في هذه الحالة يميل إلى الرجال فقط، دون أدنى رغبة في ممارسة الجنس مع النساء.
وقد يكون مثلي الجنس سالباً؛ أي أنه يميل إلى ممارسة الجنس مع نفس نوعه بوصفه هو المفعول به، وبهذه الحالة يكون مثلي الجنس رافضاً لممارسة غير هذه الممارسة.
وقد يكون موجباً؛ أي أنه يميل إلى ممارسة الجنس مع نفس نوعه بوصفه هو الفاعل، ولا يقبل بممارسة دور المفعول به، أو دور الفاعل مع غير نوعه.
وقد يكون مزدوجاً؛ أي يجد متعة في ممارسة الجنس مع نفس نوعه سواء بصفته فاعلاً أو مفعولاً به، لكن الشرط أن يكون شريكه الجنسي من نفس نوعه.
اقتباس عن المثلية الجنسية: يقول الكاتب العراقي علي الوردي مستغرباً في كتابه "لقد فضحتنا يا أخي- الضائع من الأخلاق":
"المجتمعات الغربية المنفتحة تنظر إلى المثلية بعين التعاطف معتبرة أن الشخص المثلي يعاني من مرض ما، وتتعامل مع المثلي السالب (أي المفعول به) بتعاطف أكبر مما تتعامل مع المثلي الموجب (أي الفاعل) لاعتبارهم أن الأول نتيجة والثاني هو السبب، فيما يتعامل المجتمع العربي مع المثلي السالب (المفعول به) بازدراء أكبر بكثير مما يتعاملون مع الفاعل، وذلك لأن السالب يعتبر متنازلاً عن رجولته، فيما يعتبر الموجب متمسكاً برجولته وإن كان شاذاً!." (بتصرف)
المثلية الجنسية المزدوجة أو الميول الازدواجية
في هذه الحالة يميل الشخص الشاذ إلى ممارسة الجنس مع الذكور والإناث بدرجة متقاربة نسبياً، ومن الجدير بالذكر هنا أن هذا التصنيف يتعلق بالميول أكثر من تعلقه بالفاعلية الجنسية، أي أن الرجل المتزوج الذي يمارس الجنس مع زوجته بشكل طبيعي لكنه يميل بشدة إلى ممارسة الجنس مع الرجال يعتبر ازدواجياً.
وتحت هذا البند يمكن أن يكون المثلي المزدوج سالباً في مثليته، أو موجباً، أو كليهما، كما يمكن أن يكون متعدداً في ميوله، أي يشعر بالانجذاب الجنسي تجاه كافة الممارسات الجنسية مع الجنسين على قدم المساواة أو مع تفضيلات طفيفة.
تصنيف المثلية الجنسية حسب الكشف والاعتراف
من التصنيفات المشهورة أيضاً للمثلية الجنسية تصنيفها بناءً على اعتراف المثلي بميوله علناً أو اخفائه هذا الميل، وتتراوح أشكال المثلية الجنسية في هذا المعيار من الإفصاح الكامل وحتى السرية الكاملة، ويمكن أن نذكر ثلاث درجات رئيسية للاعتراف بالمثلية الجنسية:
- الإفصاح أو الكشف الكامل عن المثلية الجنسية: هي الحالة الأكثر ندرة في مجتمعاتنا العربية والإسلامية، وهي أن يكون مثلي الجنس مجاهراً بمثليته على العلن مهما كان نوعها، ويقوم بالاعتراف الكامل بميله الجنسي نحو نوعه نفسه، وقد يتخذ خليلاً علنياً من نفس نوعه.
ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن الاعتراف العلني بالمثلية لا يعني أن المثلي الرجل سيرتدي ثياب النساء ويضع مساحق التجميل أو يزيل شعر حسده...إلخ، بل قد يكون شخصاً عادياً جداً لا يمكن تميزه عن غيره، لكنه يفضل المجاهرة بميوله، وهذا النموذج أكثر انتشاراً في المجتمعات الغربية. - الإفصاح الجزئي عن الميول المثلية: عموماً ينظر المجتمع العربي عامة إلى المثلية الجنسية كفضيحة لا يرغب أحد أن يتعرض لها، لكنه أيضاً قد يرغب أو يضطر للحديث عن ميله الجنسي الشاذ لأشخاص محددين، ربما لأحد الأخوة، أو لأحد الأصدقاء، وربما لزوجته.
- السرية الكاملة وإخفاء الميل الجنسي: وهذا النوع هو الأكثر انتشاراً في مجتمعنا، حيث يبذل المثلي قصارى جهده لإخفاء ميله الجنسي وممارسته الجنسية خوفاً من الفضيحة، وقد يكون (أو تكون) متزوجاً ولديه أطفال، لكنه يعيش حياة جنسية موازية في الظل، لا يرغب أبداً بالإفصاح عنها، حتى وإن عرف أحد ما أن هذا الشخص لديه ميول مثلية، لكن المعيار هنا رغبة المثلي نفسه بالإفصاح عن مثليته، وعدم إنكارها.
معايير أخرى لتصنيف المثلية أو الشذوذ الجنسي
التصنيفات التي قدمناها تعتبر الأكثر شمولاً واستقراراً، لكن هناك مجموعة كبيرة من المعايير التي يتم على أساسها تصنيف الشذوذ الجنسي، نذكر أهمها:
- تصنيف المثلية الجنسية حسب النوع إلى مثلية الذكر أو اللواط ومثلية الإناث أو السحاقيات.
- تصنيف المثلية الجنسية حسب فاعلية الميل الجنسي، إلى ميل جنسي مثلي فعال يتم التعبير عنه بممارسات جنسية كاملة، ميل جنسي نصف فعال يتم التعبير عنه بممارسات جنسية مثلية فردية في الغالب أو بين الزوج وزوجته، وميل جنسي غير فعال يقتصر على الرغبة والتخيل دون التعبير عنه بسلوك أو ممارسة.
- تصنيف المثلية الجنسية حسب تقبل المثلي لميوله، إلى مثلي يرغب بالعلاج ومثلي لا يرغب بالعلاج أبداً، إضافة إلى أشخاص مشوشين لا يعرفون تماماً إن كانوا يرغبون في التخلص من المثلية أم لا.
- المتحولون جنسياً، وهم الذين يقومون بعمليات تجميلية تجعلهم مطابقين بالشكل لميولهم الجنسية المثلية.
- المثليين حسب زواجهم، حيث يتم النظر إلى المثليين الذين يتزوجون زيجات طبيعية من جنس آخر ويحافون على ميولهم وممارساتهم الجنسية، وربما يقومون بممارسات شاذة مع زوجاتهم، أو المثليين الذين يحجمون عن الزواج تماماً، أو المثليين الذين يسعون إلى الزواج من نفس نوعهم.
- المثلية الجنسية المستقرة والطارئة، حيث يسجل البعض ميولاً مثلياً في مرحلة عمرية محددة، أو في ظروف معينة، قد يتنازلون عن المثلية بعد تخطي تلك المرحلة أو تجاوز تلك الظروف، فيما يبدي آخرون تمسكاً مستقراً بميولهم الجنسية المثلية على مدار حياتهم.
على أرض الواقع الفرق العلمي الوحيد بين الشذوذ الجنسي عند الرجال المعروف لدى البعض بـ "اللواط" والشذوذ الجنسي عند النساء المعروف بـ "السحاقيات" هو نوع أطراف العملية فقط.
فمن حيث الأسباب والدوافع لا تختلف المثلية الجنسية بين الإناث والذكور، كذلك الأمر بالنسبة لمحاولات العلاج، أو حتى الأنواع والأصناف التي قمنا بسردها سابقاً.
(يمكنكم التعرف أكثر على أسباب المثلية والشذوذ الجنسي)
لكن الفرق الفعلي هو في النظرة الاجتماعية إلى المثلية الجنسية عند الذكور ونظيرتها عند النساء، حيث تقبلت معظم المجتمعات البشرية القديمة والحديثة المثلية الجنسية بين الإناث أكثر من تقبلها بين الذكور، بل وينظر البعض إلى السحاقيات كنساء مثيرات جنسياً، كما تصورهن الأفلام الإباحية كذلك.
وربما يعود ذلك إلى الارتباط الذهني الوثيق بين عادات الرجال الجنسية وقيمتهم أو صورتهم الاجتماعية، فعندما يعترف الرجل بميوله الشاذ قد يتعرض إلى شتى أنواع النبذ والتقريع وربما يتعرض للسجن في بعض الدول أو القتل على يد المتعصبين، لأنه يسيء بتصرفه من وجهة نظرهم إلى المجتمع وثوابته.
فيما تعتبر ميول المرأة الجنسية أقل اتصالاً بصورتها الاجتماعية، وقد تتمكن من المجاهرة بميولها الجنسية بالحدود الدنيا من المخاطر.
هذا بالتالي ينعكس مباشرة على التربية؛ حيث يهتم الأهل بالسوية الجنسية لأبنائهم الذكور أكثر من اهتمامهم بسوية الإناث، وذلك أن الذكر المثلي يعني فضيحة كبرى للعائلة، وربما ينظر البعض إلى الأنثى المثلية كتجنب لفضيحة الجنس السوي خارج الزواج بالنسبة للإناث، أو على الأقل لا يعتبرون أنها فضيحة كبرى كما هو الحال مع الذكور.
وقد تجد المرأة مثلية الجنس من يرغب بالزواج منها حتى وإن عرف ميولها، لكن من الصعب أن يجد الرجل مثلي الجنس امرأة تقبل الزواج به وهي تعلم ميوله إن لم تكن شاذة أيضاً، وكل هذه الازدواجية بالمعاير تعتبر امتداداً للثقافة الجندرية في مجتمع بعينه، وصبغة عامة للمجتمع البشري ككل.
أخيراً.... حاولنا في هذه المادة أن نرصد أنواع وأشكال المثلية الجنسية، وذلك بهدف تعريف القارئ على هذه القضية الشائكة والحساسة، أما إن كنتم تحتاجون للنصيحة والاستشارة فيمكنكم دائماً طرح مشكلاتكم أو أسئلتكم عبر هذا الرابط (اطرح سؤالاً أو مشكلة)، كما يمكنكم الحصول على استشارة تخصصية من مدربي وخبراء موقع حلوها عبر خدمة ألو حلوها.