فلسفة اللاإنجابية "ضد النسل" وموقف الإسلام من تحديد النسل

ما هي فلسفة اللاإنجابية؟ مفهوم اللاإنجاب أو فسلفة الانقراض، حكم اللاإنجابية وموقف الإسلام، مبررات فلسفة اللاإنجاب، والانتقادات التي وجهت لفلسفة اللاإنجابية
فلسفة اللاإنجابية "ضد النسل" وموقف الإسلام من تحديد النسل

فلسفة اللاإنجابية "ضد النسل" وموقف الإسلام من اللاإنجاب

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

كما يوجد فلسفة تعتبر الإنجاب سر الحياة والوجود وجوهره والسلوك الطبيعي الذي يضمن استمرار الحياة لمعظم الكائنات الحية بما فيها الإنسان، يوجد تيار فلسفي يناهض الإنجاب ويعتبره عمل غير أخلاقي وغير مسؤول، فلسفة اللاإنجاب (Antinatalism) أو ضد التناسل أو ضد الإنجاب، ما هي هذه الفلسفة وما تعاليمها ومبرراتها، وما الأهداف التي تريد تحقيقها؟

فلسفة اللاإنجاب Antinatalism أو ضد النسل هي تيار فلسفي أو حركة فلسفية غير منظمة تعطي قيمة سلبية للولادة، أو بمعنى آخر ترفض فكرة إنجاب الأطفال وتعتبره فعل لاأخلاقي.
يؤمن أتباع هذه الفلسفة بأنه لا ينبغي للبشر إنجاب أطفال إلى هذا العالم المليء بالحروب والصراعات والأوبئة والألم والمعاناة والمآسي، ويرون أن إنجاب طفل ليس مجرد اختيار شخصي بل هو خيار أخلاقي، وذلك ليس كرهاً بالأطفال كما قد يعتقد البعض وإنما شفقة عليهم من عالم يسوده الشر والمعاناة.
أصحاب هذه الفلسفة ذوو نظرة تشاؤمية للعالم ويرون أن الحياة لا يوجد فيها ما يستحق لإنجاب طفل وجعله يخوض معاناتها وألمها، وإنما من الأفضل السعي لتوفير حياة أفضل لأطفال أيتام موجودين أصلاً عن طريق تبنيهم ورعايتهم بدلاً من إنجاب المزيد من الأطفال، هذه الفلسفة بحد ذاتها انتشرت حديثاً ولكنها موجودة أصلاً من العصور اليونانية وفي الديانة البوذية وديانات أخرى. [1]

animate

تبرر فلسفة اللاإنجاب أفكارها ورفضها لفكرة الإنجاب بالأسباب التالية: [2]

  1. التقليل من المعاناة: يعتبر هذا الدافع الأكثر شيوعاً عند مناهضي الإنجاب حيث أنه بالتأكيد سيعاني الطفل خلال حياته منذ ولادته وحتى مماته على اعتبار أن هذه هي طبيعة الحياة، ومن الأشياء التي قد يعاني منها الطفل المرض، الحوادث، التنمر، التحرش، الاغتصاب، التعذيب، التمييز، سوء المعاملة، جرائم العنف، الإعاقة الجسدية أو الاضطرابات النفسية وتتجلى المعاناة بأبسط صورها بالجوع والعطش والشعور بالوحدة والمجهود البدني وخيبة الأمل والتعب والإحباط.
  2. عدم القدرة على أخذ موافقة المولود: "نحن جميعنا هنا بدون موافقتنا" فغالباً ما يتم الإنجاب بسبب حث المجتمع على الإنجاب لأسباب اجتماعية أو دينية، وهذا يعتبر جدل أخلاقي يحاول من خلاله أصحاب هذه الفلسفة دفع الشخص المقبل على الإنجاب للتفكير في أخلاقية قراره الذي يقوم على إجبار كائن حي على الوجود في هذه الحياة والمعاناة فيها ولو على مستوى ألم بسيط دون أن يكون مخير، وطالما نعرف بديهياً أنه من غير الممكن الحصول على موافقة المولود للمجيء إلى الحياة فيجب تركه مستريح في العدم، صحيح أنه لن يجرب لذة الحياة ولكن بالمقابل لن يشعر بالحزن على عدم تجربتها لأنه غير مدرك لها وبنفس الوقت لن يجرب ألمها ومعتناتها.
  3. الإنجاب أشبه بالمقامرة: عندما يقرر شخص إنجاب طفل فإنه بذلك يقبل مخاطر تعرض طفله للألم والمعاناة، ممكن أن تكون المخاطرة عالية بأنه قد يكون لديه مشكلة سواء مشكلة جينية أو بأن يصاب بمرض معين أو حالة صحية خاصة جسدية أو نفسية خلال حياته طبعاً ليس بالضرورة أن يحصل ذلك ولكن وجود مثل هذه الاحتمالية يكفي لاعتبار اتيانه على هذه الحياة أشبه بالرهان أو المقامرة المبنية على التفاؤل فقط وليس على المنطق.
  4. أنانية الإنجاب: تختلف الأسباب التي تدفع الناس للإنجاب بين الرغبة في إثبات النضج والرجولة أو الرغبة في ربط الشريك للأبد أو لجعل أطفالهم يقومون بالإنجازات والطموحات التي لم يستطيعوا أو فشلوا بالقيام بها أو مجرد اعتبار الإنجاب سنة الكون أو الحاجة الى شخص يقوم بمساعدتهم عندما يكبرون وكل هذه الأسباب أنانية، حيث أنهم لا يفكرون بمصلحة الطفل أو يوازنون بين مقدار الألم الذي سيعانيه في حياته ومقدار المتعة التي سيحصل عليها ثم اختيار إنجابه أو عدم إنجابه على هذا الأساس.
  5. لعنة الوجود: يرى أنصار هذه الفلسفة أن الحياة عبثية ولا جدوى منها تبدأ بالولادة وتنتهي بالموت فالموت حتمي فلا حاجة لجلب أطفال إلى هذه الحياة طالما أن موتهم أمر محتوم.
  6. النفعية السلبية: يقوم هذا المبدأ على أن التقليل من الضرر أفضل من الزيادة في السعادة أي عندما تقوم بتبني طفل تقلل الضرر عنه وتجعل حياته أفضل وذلك أفضل من أن تزيد من سعادة كائن آخر ستنجبه، بذلك أنت تقلل الضرر لشخص موجود ومضرور بالفعل بدلاً من إنجاب كائن آخر وتحاول إسعاده.
  7. الانفجار السكاني: هناك نسبة قليلة من معارضي الولادة يستندون إلى هذا المبرر والحجة هي أن المصادر والموارد على الكوكب لا تكفي للبقاء على قيد الحياة لسنوات طويلة إذا استمر الناس بالتكاثر وبالتالي سنصل إلى مرحلة المجاعات والحروب في كل الكرة الأرضية ثم إلى الانقراض.
  8. عدم القدرة على تحمل المسؤولية: هناك أشخاص لا يرفضون الإنجاب باعتباره فعلاً أنانياً ولكن ببساطة يرون أنفسهم غير قادرين على تحمل مسؤولية طفل أو لعدم حبهم للأطفال أو لوجود مشاكل دائمة بين الشريكين أو لعدم وجود حياة مستقرة فيعتبرون إنجاب طفل خاص بهم عمل لا أخلاقي بصورة شخصية لمنع نشوء الطفل في وسط أو ظروف أو مجتمع غير صحي.
  9. التأثير البيئي: يعد من أنصار هذه الفلسفة أيضاً الناشطين في حماية البيئة الذين يرون أنه كل ما زاد عدد الأشخاص ازداد التلوث البيئي وازداد استهلاك والإضرار بالبيئة مما يجعلهم يشجعون على عدم الإنجاب حفاظاً على البيئة والنظام البيئي.
  10. العالم لا يحتاج للمزيد من الأطفال: العالم بحاجة للعناية بأطفال موجودين ومتورطين في الحياة أصلاً وجعلهم أشخاص أكثر سعادة وقيمة بدلاً من الإتيان بأطفال آخرين ومحاولة تأمين حياة سعيدة لهم.

إذا ما نظرنا إلى الفلسفة اللاإنجابية من وجهة نظر دينية وتحديداً في الدين الإسلامي نجد أن علماء الإسلام قد اختلفوا في حكمه حسب الحالات المختلفة، فالإنجاب في الإسلام وبشكل عام أمر مرغوب ويحث الدين عليه، ولكن في نفس الوقت لا يوجد ما يحرم عدم الإنجاب بشكل واضح ومباشر، ويمكن توضيح بعض النقاط المتعلقة بهذا الشأن: [3]

  1. الإسلام حث على الإنجاب: لا يفضل الإسلام الاتفاق على عدم الإنجاب طالما أن المرأة قادرة على الإنجاب على اعتبار أن الشريعة الإسلامية تحث على الإنجاب وتكثير الأمة، فالإنجاب هو مقصد شرعي لما يترتب عليه من إعمار الأرض، حيث قال تعالى "هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها" إلا إذا وجد هناك ضرر ومشقة على المرأة فلا مانع من التوقف عن الإنجاب، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم "تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" رواه أبو داوود.
  2. عدم الإنجاب ليس محرم: لا يأثم الزوجان إذا قررا ترك الإنجاب بشرط ألا يتم اللجوء إلى استخدام وسائل تمنع الإنجاب تماماً وتؤذي صحة أحدهما كالإخصاء أو إزالة الرحم بغرض عدم الإنجاب، أما استخدام طرق العزل فهي مباحة.
  3. يجب أن يكون عدم الإنجاب قراراً مشترك: قرار عدم الإنجاب هو حق للزوجين معاً ويجوز لهما الاتفاق على ذلك على المستوى الشخصي، ولا يجوز اتخاذ هذا القرار دون الاتفاق فإذا رغب الرجل بعدم الإنجاب ولم ترغب الزوجة بذلك يكون قد حرمها من هذا الحق وهذا غير جائز، والعكس صحيح إذا رغبت الزوجة بعدم الإنجاب فهي تحرم زوجها من هذا الحق وبهذا تدفعه للزواج بأخرى أو تخريب الحياة الزوجية.
  4. العزل في الإسلام ومنع الإنجاب: اختلف العلماء في تأويل جواز العزل في الدين الإسلامي بين المحرم والمكروه والمباح، فمن ناحية يقول البعض أنه لا يجوز العزل مع المرأة الحرة بغير رضاها، والبعض يرى أنه يجوز لفساد الزمان، روى الشيخان عن جابر رضي الله عنه قال "كنا نعزل والقرآن ينزل" وعند مسلم: زاد إسحاق قال سفيان لو كان شيئاً ينهى عنه لنهانا عنه القرآن وفي رواية أخرى عنده فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا.

فلسفة اللاإنجاب ليست من الفلسفات المنظمة أو متبناه من قبل مدارس فكرية وفلسفية بذاتها وإنما يمكن القول بأنها تجليات فكرية لعلماء وفلاسفة وحتى ديانات عدة، وهنا نذكر أهم أنصار هذه الفلسفية: [4]

  1. الشاعر العربي أبو العلاء المعري: رفض المعري الإنجاب ولم يتزوج وهو صاحب العبارة الشهرية: "هذا ما جناه علي أبي وما جنيت على أحد" بيت من الشعر أوصى بكتابته على قبره يعكس رؤيته بأن عدم إنجاب الأطفال خير من القدوم إلى هذه الحياة التي سوف تنتهي بالموت وتحت القبر وهو من قال أيضاً "الإنجاب عقد إيجار غاب فيه التراضي، فالأجير لم يبلّغ ولم يحضر، وهذا غبن" تعتبر أفكار المعري النواة الأولى لفلسفة عدم الإنجاب.
  2. الفيلسوف المعاصر ديفيد باناتار: مصطلح اللاإنجاب هو مصطلح جديد ويعود الفضل في إيجاده إلى الفيلسوف ديفيد باناتار من جنوب أفريقيا عندما نشر في عام ال 2006 كتابه بعنوان "من الأفضل ألا نوجد إطلاقاً، ضرر المجيء الى الوجود" الذي يتحدث فيه عن مساوئ الإنجاب حيث اعتبره فعلاً أنانياً وأن أفضل طريقة لحماية الأطفال هي عدم انجابهم أبداً.
  3. أرثر شوبنهاور: شاعر وفيلسوف ألماني يعد أيضاً من أنصار الفلسفة اللاإنجابية وقد تأثر بالديانة البوذية التي ترى أن الحياة قائمة على مجموعة من الشرور، وهذا ما سبب نظرته للحياة على أنها شر مطلق لا يحتوي سوى على المرض والشيخوخة والمعاناة والموت، يعد أرثر صاحب نظرة تشاؤمية للحياة بشكل عام حتى أنه لقب بفيلسوف التشاؤمية نظراً لظروف حياته الخاصة القاسية التي عاشها في صغره.
  4. بوذا: "غافل عن معاناة الحياة ينجب الإنسان وبذلك يبقي الموت والشيخوخة على قيد الحياة" ترى البوذية أن المأساة والألم والمعاناة جوهر الحياة وأن الوجود أو الولادة بحد ذاتها هي مصدر للألم، وبذلك يتجلى تأييدها للفلسفة اللاإنجابية.

رأى البعض أن أفكار ونظريات هذه الفلسفة لا تخلو من الشطط أو السطحية ربما، فهي ذات نظرة تشاؤمية للحياة وتحارب الغريزة الإنسانية وذهب البعض لتسميتها بنظرية انقراض الجنس البشري، ومن الانتقادات التي وجهت لهذه النظرية: [4]

  1. التناقض مع الغرائز الطبيعية البيولوجية: فالرغبة بالإنجاب هي غريزة نفسية وجسدية لدى جميع الناس بدافع الاستمرار والبقاء، ومحاربة هذه الغريزة يبدو أمر غير معقول وكأنها دعوة لانتحار البشرية.
  2. الأبناء عزوة: فأنجاب الأبناء أكثر من مجرد رغبة عاطفية أو دافع غريزي، وإنما يمكن وصفه بأنه استثمار طويل الأجل، فالإنسان بطبيعته كائن اجتماعي ولا يمكنه البقاء وحيداً ولذلك يرغب بأنجاب أبناء يكونوا عزوة له وضمانة لشيخوخته.
  3. مشاعر الأمومة والأبوة: هذه المشاعر لا يمكن انكارها فكل إنسان بحاجة لأن يكون أب أو أم بدافع غريزته وطبيعته البيولوجية الهرمونية التي خلق عليها، وهذه الحاجات لا تقل عن الحاجة للغذاء والجنس وغيرها.
  4. أسباب اقتصادية: لا يمكن استمرار عجلة التطور البشري بدون إنجاب أجيال جديدة تبني المستقبل وتطور الحاضر، ويتجلى ذلك بوضوح إذا ما حاول أي شخص إلقاء نظرة للمستقبل القريب بدون وجود أجيال جديدة وشابة وكل ما فيه كبار سن وحيدين لا يقوى أحدهم على القيام بحاجاته لوحده.
  5. انتقادات فلسفية: استمرارية وديمومة الحياة تتطلب عملية الإنجاب وولادة جيل جديد يكمل مسيرة البشرية.
  6. التناقض مع التعاليم الدينية: معظم الديانات تحفز على الإنجاب وتعتبره أمر ضروري وإنساني لذا نرى أن المؤمنين بأي من هذه الديانات يرى في فلسفة عدم الإنجاب كفر وتمرد على الخالق.
  7. تنظيم الاسرة أفضل من عدم الإنجاب: وهي من الانتقادات الوسطية التي ترفض النظرية التشاؤمية لفلسفة اللاإنجاب التي تسعى لفناء البشرية، وفي نفس الوقت تحفز على تحديد النسل وإنجاب أقل ما يمكن من الأطفال لتأمين حياة أفضل لهم وضمان استمرار البشرية وتقدمها وعدم استنزاف الموارد الطبيعية.

المراجع