​​​​​​​تأثير غياب الأب على الأسرة وتربية الأبناء في غياب والدهم

كيف يؤثر غياب الأب على الأبناء والأسرة! تعرفوا أكثر إلى آثار غياب الأب عن الأسرة وكيف يمكن تعويض دوره في حياة الأبناء
​​​​​​​تأثير غياب الأب على الأسرة وتربية الأبناء في غياب والدهم

​​​​​​​تأثير غياب الأب على الأسرة وتربية الأبناء في غياب والدهم

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

يعتقد الباحثون أن أحد أهم أسباب تراجع الرفاهية العاطفية والاجتماعي للأطفال في الدول المتقدمة هو انتشار ظاهرة غياب الأب عن الأسرة في مرحلة مبكرة من حياة الأطفال، حيث أشار تقرير منظمة الطفولة العالمية اليونيسيف عام 2007 إلى أن الأطفال في الدول المتقدمة اقتصادياً مثل أمريكا وكندا يعانون من انخفاض الرفاهية الاجتماعية والعاطفية، وهذا التأثير لغياب الأب عن المنزل لن يختلف كثيراً في الدول النامية، بل قد يكون أشد خطورة مع غياب الفرص الاقتصادية لتعويض الفجوة المادية التي يحدثها غياب الأب في معظم الحالات.

    تشير الدراسات إلى أن غياب الأب عن الأسرة له تأثير مباشر على نفسية الأطفال ونموهم، حيث يرتبط غياب الأب عن البيت بفرص أكبر للتراجع الدراسي والتغيب عن المدرسة، كما يعاني الأطفال الذي يعيشون بدون أب -بغض النظر عن سبب غيابه- من مشاكل نمائية على الصعيد النفسي والجسدي، وتأثير غياب الأب على الطفل غالباً يستمر معه مدى الحياة!

    من جهة أخرى تعاني الأسرة التي يغيب عنها الأب من صعوبات اقتصادية واجتماعية كبيرة تنعكس بالضرورة على استقرار الأسرة وعلاقة أفرادها ببعضهم ومستوى التعليم والرعاية الذي يتلقاه الأطفال.

    على الجانب الآخر تشير الأبحاث إلى أن الأطفال الذين يحصلون على مشاركة حقيقية من آبائهم في حياتهم مثل مشاركتهم الأنشطة التي يحبونها والتواجد معهم لوقت أطول، يستطيعون تحقيق نتائج أفضل في الأداء الاجتماعي والأكاديمي، وهم أقل عرضة للإصابة باضطرابات المزاج والاضطرابات النفسية والعاطفية.

    لكن هل يختلف تأثير غياب الأب عن الأسرة باختلاف سبب غيابه؟

    في الحقيقة نعم يختلف تأثير غياب الأب عن البيت بحسب سبب غيابه ومدى استيعاب الأطفال لهذا السبب، فغياب الأب بسبب السفر أو العمل قد يحافظ على تقدير الأبناء لوالدهم ويعوضهم عن تغيّبه شعورهم أنه يعمل من أجلهم، أما غياب الأب بسبب الانفصال فقد يكون تأثيره أشد قوة، وكذلك غياب الأب لأنه لا يتحمل المسؤولية، كما أن وفاة الأب تجعل من غيابه -غير القابل للتصحيح- مشكلةً أكثر تعقيداً بالنسبة للأبناء، وعلى الأم أو المربين تعويض دور الأب الغائب في حياة الأبناء مع مراعاة سبب غيابه وكيفية تفسيره للأبناء.

    animate

    تأثير غياب الأب على نفسية الطفل يكون شديداً ومباشراً وطويل الأمد، وغالباً ما يعاني الأطفال الذين يغيب عنهم والدهم لفترات طويلة أو بشكل دائم من اضطرابات عاطفية واجتماعية قد تستمر معهم مدى الحياة، وحتى مع تعويض غياب الأب يظل الطفل يفتقر لجزء كبيرة من الدعم والرعاية المادية وغير المادية التي يقدمها الأب لأبنائه عادةً، وأهم آثار غياب الأب على نفسية الطفل:

    • ظهور مشاكل سلوكية حادة: يرتبط غياب الأب عن الأسرة بظهور مشاكل في سلوك الأطفال مثل التخريب والعدائية والكذب والتعلّق المرضي بالآخرين والأنانية المفرطة، وفي مرحلة المراهقة قد تتطور آثار غياب الأب على الأبناء إلى انحرافات سلوكية واضطرابات نفسية أكثر تعقيداً مثل اضطراب الشخصية المعادية للمجتمع.
    • انخفاض احترام الذات: غالباً ما يرتبط غياب الأب عن الأسرة بانخفاض احترام الذات لدى الأطفال ونقص الثقة بالنفس، حيث يساهم الأب في رسم الصورة الذاتية لدى الأطفال وتعزيز ثقتهم بأنفسهم واحترامهم لذواتهم، وعندما يغيب الأب عن الأسرة يفتقد الأطفال هذه المساندة من جهة، وقد يشعرون أنهم السبب في غيابه وأنهم أقل استحقاقاً من الأطفال الذين يعيش والدهم معهم من جهة أخرى.
    • الشعور بالعزلة الاجتماعية: بسبب غياب الأب قد تتأثر دائرة علاقات الأسرة الاجتماعية، ويتم التعامل مع هذه العائلة بنوع من الشفقة أو التسلط أحياناً من العائلة الكبيرة، وهذا يجعل الطفل يشعر بالعزلة الاجتماعية وهشاشة علاقته مع أسرته الكبيرة، كما أن الأطفال الذين يعيشون بدون أب يواجهون صعوبات أكبر في بناء العلاقات الاجتماعية.
    • الشعور بالاختلاف عن الأطفال الآخرين: كل الأطفال يقتدون بآبائهم ويرون فيهم مثال القوة والشجاعة ويتعلمون منهم قواعد السلوك، ويشعرون بالفخر بآبائهم، وحرمان الطفل من وجود الأب يجعله يرى أنه مختلف عن أقرانه، ومحروم من شيء أساسي موجود لدى جميع الأطفال.
    • مشاعر الحرمان: لا ينحصر تأثير غياب الأب عن البيت بالآثار العاطفية بل يمتد إلى الآثار المادية التي تسبب أزمات نفسية واجتماعية مركّبة ومعقّدة في حياة الطفل، حيث يعاني معظم الأطفال الذين يعيشون في غياب الأب من آثار الفقر ومشاعر الحرمان والنبذ الاجتماعي المرتبط بالطبقة.
    • فقدان الإحساس بالسلطة الأبوية: الأب في حياة الأبناء يمثل السلطة الحازمة والقائد للأسرة، وغياب الأب عن البيت يفقدهم الشعور بوجود هذه السلطة، وقد يتسبب هذا في تمرد الأبناء على الأم أحياناً، وعدم قدرتها على ضبط سلوكهم والتزامهم بالمعايير التربوية والأخلاقية المطلوبة، ما ينعكس في النهاية على نفسية الأبناء ومرجعيتهم الأخلاقية والسلوكية بالدرجة الأولى.
    • جلد الذات باستمرار: يشعر الأطفال بالذنب لغياب والدهم عن الأسرة، قد يعتقدون أن والدهم لا يريدهم وأنهم السبب المباشر لغيابه عنهم، حتى وإن كان سبب هذا الغياب هو وفاة الأب أو سفره من أجل العمل، ولذلك من الضروري توعية الأطفال ورفع شعور الذنب عنهم لتجنب جولات مستمرة من جلد الذات قد ترافقهم مدى الحياة.
    • الخوف من الارتباط: قد يكون تأثير غياب الأب على نفسية الطفل مرتبطاً بنظرة الطفل للعلاقة الأسرية نفسها، فيكبر على شعور سلبي تجاه الارتباط والزوج وتأسيس أسرة، وقد يمتد هذا التأثر حتى للعلاقات الاجتماعية الأخرى فتكون لديه رغبة أقل بالالتزام تجاه الآخرين.
    • زيادة الأعباء المادية على الأسرة: يصبح تأمين المصاريف المالية للمنزل أكثر صعوبة بعد غياب الأب عن البيت، وهذا لا يزيد من العبء على عاتق الأم فحسب، بل أيضاً ينعكس بشكل مباشر على أولويات الإنفاق والرعاية من خلال التقشف وتغيّب الأم لفترات طويلة عن المنزل للعمل أو العيش على المعونة والمساعدة وما يترتب عليه من آثار نفسية مدمرة على الأبناء.
    • مواجهة النبذ الاجتماعي: تعاني الأسرة التي يغيب عنها الأب من مشاكل اجتماعية ضاغطة قد تصل إلى النبذ والإقصاء، من جهة تكون الأسرة محط أنظار ومراقبة المجتمع، ومن جهة أخرى قد يكون أصعب على الأم والأبناء الانخراط في علاقات اجتماعية سويّة وطبيعية في غياب الأب، ويعاني الأبناء من التنمر والنبذ في الأوساط التي يجب أن تكون حاضنة لهم مثل المدرسة.
    • زيادة المسؤوليات على أفراد الأسرة: في غياب الأب عن البيت تحدث فجوة كبيرة في بعض المهام التي يتحمّلها الأب عادةً، مثل العمل خارج المنزل أو علاج المشاكل والإصلاحات المنزلية أو التعامل مع الغرباء وغيرها، هذه الفجوة تتطلب إعادة توزيع المهام بين أفراد الأسرة، وغالباً ما يؤثر ذلك على دور الأمّ في حياة الأبناء وعلى فرص الأبناء لعيش طفولتهم الطبيعية أيضاً.
    • صعوبة ضبط المنزل: الأب في الأسرة عادةً هو اليد الحازمة أو السلطة التربوية وصاحب القرارات التي على الجميع الالتزام بها، وغياب الأب قد يؤدي لعدم إطاعة الأم من قبل الأطفال ولمواجهة الأم وحدها بعض المسؤوليات المتعلقة بالرجال والتي ليس لديها معرفة وخبرة بها، ويؤدي هذا وذلك لانتشار الفوضى في المنزل وحدوث بعض المشاكل.
    • فقدان الدور التربوي في حياة الأبناء: يكون الأب قدوة لمثال السلوك الجيد، وأن يكون الأب هو الضامن لالتزام الأطفال بالمعايير الاجتماعية والمنزلية المطلوبة، والأب هو عادةً من يعلم الأطفال معنى المسؤولية، وهو من يوجه الأطفال للكثير من جوانب الحياة، وفقدان الأب يفقد الأطفال هذا الدور التربوي المهم، كما يفتقد الأبناء دور الأب في التوجيه والإرشاد والحماية.
    • تغيرات في نمط حياة الأسرة: تعتاد الأسرة على طريقة معينة في الحياة في ظل وجود جميع أفرادها، وفقدان الأسرة لفرد مهم كالأب يجعلها مضطرة لتغيير هذا النمط الذي اعتادت عليه بهدف سد الفجوة التي أحدثها غياب الأب عن البيت، فقد تختلف مواعيد النوم والاستيقاظ وتختلف أوقات الإجازات والرحلات أو ربما تلغى تماماً، وتختلف المسؤوليات على الجميع.

    غياب الأب عن البيت يكون تأثيره الأشد على الأم -الزوجة- التي أصبحت مطالبةً بلعب دور الأب والأمّ معاً، وغالباً ما تواجه الأم ضغوطاً اجتماعية ومادية كبيرة في غياب زوجها، كما تواجه ضغطاً إضافياً من أبنائها أيضاً الذين يحمّلونها مسؤولية غياب الأب وقد تعجز عن ضبط سلوكهم وتعويضهم عن غياب والدهم:

    • فقدان الشعور بالأمان: عادةً ما تتكل الزوجة على زوجها في العديد من الأمور المتعلقة بتأمين احتياجات الأسرة الحالية والمستقبلي، وبالدفاع عن أفراد الأسرة والحصول على حقوقهم ومواجهة التحديات التي تقف في طريق الأسرة وأفرادها، وغياب الزوج يجعل الزوجة في مواجهة منفردة مع هذه الضغوط مع الشعور بانعدام الأمان وغياب المساندة.
    • زيادة الأعباء والمسؤوليات: بعد غياب الزوج لأي سبب من المتوقع من الزوجة احتمال ضغوط ومسؤوليات جديدة تتعلق بالمنزل والأبناء وحدها دون معين، وهذه الأعباء منها ما يكون داخل المنزل ومنها خارج المنزل، فيجب أن تؤمن المتطلبات المادية التي تحتاجها الأسرة للاستمرار دون أن تقصر في دورها كأم من جهة، ويجب أن تتقرب من أبنائها حتى تخفف عنهم صعوبة غياب والدهم من جهة أخرى.
    • الشعور بالوحدة والضعف: لا تتمكن الزوجة دائماً من احتمال كل الضغوط التي أصبحت تثقل كاهلها بعد غياب زوجها عن أسرته، فالإضافة لدورها كأم وربة منزل أصبحت وحيدة هي أيضاً، وأصبحت مضطرة لأن تكون أب لأطفالها ولمواجهة تحديات ومتاعب الأسرة وحدها، وفي بعض الأحيان قد تزيد الأعباء والضغوط إلى الدرجة التي قد تشعرها بالضعف والعجز وما يترتب على ذلك من قرارات تأخذها بشكل عاطفي، قد لا تكون دائماً في صالحها أو صالح الأسرة.
    • التعرض للمضايقات الاجتماعية: عادةً ما يبعد وجود الرجل في حياة أسرته وزوجته أي تدخلات أو مضايقات، ولكن في غياب الأب عن البيت قد ينظر البعض للزوجة على أنها ضعيفة بسبب غياب زوجها من جهة وبسبب الضغوط الكبيرة عليها من جهة أخرى، وقد تتعرض لبعض المضايقات مثل التدخل من أهلها أو أهل زوجها في حياة وأسرتها، كما تواجه مضايقات في العمل والحياة اليومية مثل التحرش أو عروض الزواج المتتالية المبنية على استسهال مواقفتها، أو التنمر عليها وعلى أبنائها.
    • عدم تلبية الحاجات الزوجية: بعيداً عن المسؤوليات والضغوط المادية والعائلية التي تتعب الزوجة بعد غياب زوجها، فهي أيضاً امرأة وشأنها شأن النساء من حاجات عاطفية وزوجية وحتى جنسية، وغياب زوجها أيضاً له تأثير كبير في هذه النواحي بما يزيد الأمر صعوبة عليها.

    أهم خطوة لتعويض غياب الأب عن المنزل هي تفسير هذا الغياب للأبناء وتوعيتهم حول سبب غياب والدهم بما يتناسب مع سنهم ووعيهم، مع تجنب التجريح بالأب عندما يكون غيابه هروباً من المسؤولية أو بسبب انفصال الوالدين، والهدف من ذلك رفع المسؤولية والذنب عن الأبناء وتحضيرهم لخوض تجربة الحياة بدون أب وهم على معرفة ووعي بما يحصل في أسرتهم، إضافة إلى ذلك يمكن تعويض غياب الأب عن الأسرة من خلال:

    • وضع نظام جديد للمنزل: من النواحي الخدمية والمادية يحتاج المنزل في غياب الأب لوضع نظام جديد يضمن التزام الجميع به دون الحاجة لوجود سلطة الأب لفرضه، فيجب التزام الجميع بمواعيد نوم ومواعيد استيقاظ ومواعيد طعام ومواعيد خروج ودخول، كما يجب تحديد خطة للمصاريف المنزلية وترتيب الأولويات من هذه الناحية، وهذا نوعاً ما يضمن الحفاظ على النظام المنزل.
    • تقرّب الأم من الأطفال: تراود الأطفال الكثير من الأفكار السلبية جراء غياب والدهم عن البيت، وقد تؤدي هذه الأفكار لضعف الثقة بالنفس أو حدوث بعض الاضطرابات العاطفية، وعلى الأم التقرب أكثر من أطفالها لتشعرهم بوجودها وتضامنها معهم، ما يقويهم على التأقلم مع الوضع الجديد.
    • قيام الأم بدور الأب والأم معاً: في غياب الأب على الأم أن تقوم بمعظم أدواره، فيجب أن تحافظ على دور الأم المحبة والحنون من جهة، ويجب أن تكون السلطة الحازمة في التربية لتضمن استمرار النظام في المنزل من جهة أخرى، ويجب أن تكون الشخص الذي يدافع عن الأسرة وأفرادها وحقوقها أيضاً.
    • إعادة توزيع المسؤوليات بالمنزل: قد لا تقوى الأم وحدها على حمل جميع المسؤوليات التي كان الأب يقوم بها، وفي هذه الحالة من الأفضل توزيع المسؤوليات بين أفراد الأسرة، فيجب على الجميع العناية بشؤونه الخاصة والمساعدة في القيام بالوجبات المنزلية.
      فمثلاً يمكن للابن الأكبر القيام ببعض الأعمال مثل إحضار الأغراض من خارج المنزل، بينما تعمل الأم في الخارج لتأمين المصروف، بينما يساعد الأطفال الأًصغر سناً بالقيام بالأعمال المنزلية كالتنظيف والترتيب، وهكذا.
    • مشاركة الأبناء في القرارات والخيارات: أهم خطوات تعويض غياب الأب عن الأسرة أن يشعر الأبناء بالمسؤولية، وأقصر طرق تنمية المسؤولية لدى الأبناء أن يكونوا جزءً من القرارات والخيارات المتعلقة بالأسرة، وأن تتحدث معهم الأم دائماً وتستشيرهم قبل اتخاذ أي قرار مهم في حياتهم.
    • طلب المساعدة من العائلة: حسب الظروف العائلية لكل أسرة، فأحياناً قد لا تقوى الأم وحدها على إدارة منزلها، وفي هذه الحالة يمكن طلب المساعدة من العائلة، مثل بقاء أحد عند الأطفال في حال غيابها للعمل، أو وجود العم أو الخال أو الجد للقيام بدور الأب مع الأطفال، لكن مع الحذر من التدخل المفرط أو المساعدة غير المرغوب بها.

    المراجع