مشكلة الإفراط في العمل وكيفية حلّها

كيف تعرف أنك تعمل بشكل مفرط؟ وكيف تحل هذه المشكلة؟ هل أنت مدمن على العمل؟ ما هي أعراض الإفراط في العمل وكيف يؤثر على حياتك؟
مشكلة الإفراط في العمل وكيفية حلّها

مشكلة الإفراط في العمل وكيفية حلّها

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

إن كنت تشعر بأن العمل يستهلك حياتك بأكملها، فأنت لست وحدك! يختبر العديد من الأشخاص أعراضاً كثيرة تجعلهم يشعرون بأنهم يعملون بشكل مفرط، منها ما هو جسدي ومنها ما هو نفسي أو حتى عاطفي. تشكّل بعض هذه الأعراض خطراً على حياتنا وصحتنا لذا يتوجب علينا أن نتعامل معها كعلامات تحذيرية! سنتابع في مقالنا هذا بعض الأعراض التي تدل على الإفراط في العمل، وسنتعرف على بعض الإشارات الخطيرة للعمل المفرط، كما سنناقش بعض الحلول الفعالة لهذه المشكلة.

كيف يقوم جسدك بإخبارك بأنك تعمل بشكل مفرط؟
قد يبدو الأمر بسيطاً للوهلة الأولى، حيث يمكننا أن نحسب عدد الساعات التي نعمل بها يومياً لنعرف ما إذا كنّا نعمل بشكل مفرط. إلا أن الأمر أكثر تعقيداً من ذلك، هنالك العديد من العوامل الأخرى التي تعتبر أهم من ساعات العمل! عليك مثلاً أن تنظر إلى تنقلاتك اليومية من وإلى العمل، إضافة إلى المسؤوليات التي عليك أن تتحملها، كما لا يمكننا أن ننسى بيئة العمل ومشاعر الرضا عن النفس ورضا الآخرين عنك ضمن العمل! تعرّف معنا على هذه الأعراض الجسدية التي تخبرك بأنك تعمل بشكل مفرط[1].

- قلّة النوم والتعب الصباحي
نعلم جميعاً أن قلّة النوم تحمل معها العديد من النتائج الصحية الخطيرة، إلا أننا قد نجهل أثر الإفراط في العمل على قلة النوم والأرق الليلي. تقول الدكتورة في علم النفس السريري راندي سيمون (Randy Simon) أنه من الصعب أن تقوم بتهدئة ذهنك عند النوم إن كنت تعمل بشكل مفرط، ولهذا الأمر آثار خطيرة حقاً. حيث أن هذه الآثار لا تشمل التعب والتوتر الصباحي وحسب، بل من الممكن أن تزيد من خطر الإصابة بأمراض مزمنة كالسكري من النوع الثاني وأمراض القلب.
ننصحك عزيزي القارئ بأن تخفف من هذه الآثار الخطيرة عن طريق الالتزام بخطّة عمل متوازنة، كتلك التي تقترح أن التوازن المثالي يكمن في العمل لـ 52 دقيقة متواصلة ومن ثم 17 دقيقة من الراحة[2]. يمكنك عزيزي أن تقوم باستغلال هذه الدقائق في المشي في الخارج أو التحدّث مع صديق أو القيام ببعض التمرينات الرياضية، وستجد بأن تعبك الصباحي وأرقك الليلي في تحسّن مستمر.

- النشاط المفرط للقلب
قد لا تلاحظ بأن قلبك يعمل بشكل مفرط، فهذا أحد الأعراض الجسدية غير المحسوسة عند معظم الناس إلا أنه أكثرها خطوة بكل تأكيد. لا يقوم ضغط العمل بجعلك تشعر بالتعب وحسب، بل يؤثر بشكل مباشر على صحة قلبك من خلال إفراز جسدك لهرمون الكورتيزول (مادة كيميائية تسبب التوتر والقلق) الذي يجعل قلبك يتعب بشكل كبير[3]. تكمن خطورة الأمر في مضاعفات هذا النشاط المفرط التي يمكن أن تؤدي إلى أمراض الشريان التاجي والسكري من النوع الثاني وحتّى السرطان!
ننصحك عزيزي القارئ ألا تقضي يومك في العمل جالساً، حاول أن تأخذ بعض الاستراحات التي تطلّب منك الوقوف كشرب القهوة مع زملائك أو المشي السريع لبعض الوقت خارج المكتب. كما يمكنك التخطيط لتناول الغداء في مطعم قريب من مكان عملك، حيث يمكنك الذهاب إليه مشياً، عليك فقط أن تتذكر أن كل خطوة تمشيها يومياً هي خطوة مهمة للحفاظ على صحتك!
 

animate

كيف تتأثر حالتك النفسية بالعمل المفرط؟
لا تقتصر أعراض الإفراط في العمل على صحتك الجسدية وحسب، بل من الممكن أيضاً أن تشعر ببعض الأعراض النفسية التي تخبرك بأن جسدك بحاجة إلى الراحة من ضغط العمل. يعاني العديد من الأشخاص من مشاكل نفسية ناجمة عن ضغوط العمل، لذا يجب علينا أن ننظر إلى هذه المشاكل كعلامات وإشارات تحذيرية كي نغيّر قدر الإمكان من روتيننا الوظيفي اليومي. تعرّف معنا على أهم الأعراض النفسية للإفراط في العمل[1],[4].

- خمول الطاقة وضعف الإنتاجية
هل تصدّق حقاً أن ساعات العمل الطويلة تعني إنجاز مهام أكثر؟ إنها أحد الأفكار الخاطئة الشائعة التي تغزو عالم الأعمال! تشير الأبحاث إلى أن الأشخاص الذين يعملون 70 ساعة أسبوعياً ينجزون عدد المهام ذاته الذي ينجزه الأشخاص الذين يعملون 56 ساعة أسبوعياً فقط![5] وبذلك يمكننا أن نرى بأن الإنتاجية غير متعلقة بعدد ساعات العمل، بل على العكس تماماً! ساعات العمل الطويلة لا تنتج سوى الخمول والكسل!
ننصحك عزيزي القارئ بأن تتوقف عن الاهتمام بوظيفتك! قم فقط بإنجاز ما هو مطلوب منك دون أن يتجاوز الأمر واجبك تجاه عملك، لا تعطي الشركة التي تعمل فيها 200% من طاقتك كما تفعل الآن! فإن لم تشعر بالراحة الحقيقية أثناء أدائك لمهامك، ستقوم حتماً بالإخفاق!

- الكحول من أجل الراحة
إن أحد التداعيات الخطيرة التي تنجم عن الضغوط الوظيفية والإفراط في العمل هي اللجوء إلى المشروبات الكحولية لتخفيف الضغط والتوتر! إنه أمر شائع حقاً، حيث تبيّن أن العديد من الأشخاص الذين يعملون لأكثر من 40 ساعة أسبوعياً يلجؤون إلى شرب كميات كبيرة من المشروبات الكحولية من أجل الشعور بالراحة[6]. وعلى الرغم من أن شرب الكحول بحد ذاته يعتبر أمراً خطيراً، إلا أنه يحمل أيضاً بعض المخاطر الأخرى كالإدمان الذي يهدد حياتك.
تنصحك الدكتورة سيمون عزيزي القارئ بأن تبدأ فوراً باتخاذ بعض الإجراءات الهامة للتخفيف من ضغط العمل، حيث يمكنك مثلاً أن تتجنّب استخدام الأجهزة الذكية لفترة طويلة بعد خروجك من العمل كي تضع حدّاً بين العمل وبين حياتك الشخصية خارج النطاق الوظيفي.
 

ما هي النتائج العاطفية المترتبة على ضغوط العمل؟
هل تشعر عزيزي القارئ بأن عملك يؤثر على حياتك العاطفية؟ على الرغم من أن الأمر يبدو غريباً وغير مترابطاً للوهلة الأولى، إلا أن الأمر شائع جداً في الواقع، حيث يعاني العديد من الأشخاص من مشاكل عاطفية بسبب الضغط الذي يتعرضون له في عملهم، وقد ينجم عن هذه الضغوط مشاكل على النطاق الفردي أو على نطاق علاقاتك العاطفية مع الآخرين. تابع معنا الأعراض العاطفية للعمل بشكل مفرط[1].

- الشعور بالحزن
لعلّ أحد أكثر الآثار السلبية للعمل بشكل مفرط هو الشعور بالحزن والكآبة بشكل مستمر، إنه شعور سيء للغاية ومن الممكن أن يحمل في طيّاته نتائج خطيرة أيضاً. إن قمنا بالنظر إلى معظم الموظفين والعاملين في العالم، سنرى بأنهم يعملون ضمن عقلية واحدة، تعتمد على تحمّل الضغط والتوتر طيلة أيام الأسبوع من أجل التمتّع بعطلة مريحة لمدة يومين. إلا أن هذه العقلية مؤذية حقاً ومتعبة جسدياً ونفسياً وعاطفياً!
في أحد الأبحاث تبيّن أن الأشخاص الذين يعملون لمدة 11 ساعة يومياً أكثر عرضة للإصابة بالاكتئاب مقارنة بالأشخاص الذين يعملون لـ 7 أو 8 ساعات فقط[7]. ننصحك عزيزي القارئ بأن تجرّب أحد أكثر الطرق فعالية فيما يتعلّق بالتخلّص من التوتر والضغط الناجم عن الإفراط في العمل، وهو التأمل! بالإضافة إلى كونه فعّالاً للغاية، يمكنكم أن تلاحظوا بأنه سهل التطبيق ويمكنكم القيام به في المنزل بكل بساطة.

- مشاكل في العلاقات الاجتماعية والعاطفية
يعتبر الإنسان بطبعه كائناً اجتماعياً حيث أنه لا يستطيع العيش منعزلاً وحده، تخيّل حياتك دون عائلتك وأصدقائك وشريك حياتك، لا بدّ من أنها حياة تعيسة حقاً! يتعرّض الأشخاص الذين يعملون بشكل مفرط إلى ضغوط كبيرة في وظيفتهم تجبرهم إلى تأجيل مواعيدهم الاجتماعية والعاطفية مما يؤدي إلى قلّة تواصلهم مع الآخرين. يقول العديد من هؤلاء الأشخاص بأنهم لا يستطيعون أن يجدوا وقتاً كافياً لعملهم وحياتهم الشخصية، فيضطرون إلى الابتعاد عن كل ما يربطهم اجتماعياً وعاطفياً من أجل التفرغ للعمل[8].
لعلّ الطريقة الأفضل للتخلص من هذه المشكلة هي أن تعامل هذه العلاقات والمواعيد على أنها مهام مهنية كالتي تطلب منك في مجال عملك! قم بوضع الأنشطة الاجتماعية والعاطفية كقضاء الوقت مع الأصدقاء أو الخروج في موعد مع شريك حياتك ضمن قائمة المهام التي يتوجب عليك إنهائها خلال اليوم!
 

متى تعرف أن عليك التوقّف مباشرة عن العمل بشكل مفرط؟
تذكّر عزيزي القارئ أن جميع الأعراض الجسدية والنفسية والعاطفية التي تحدّثنا عنها أعلاه هي أعراض في غاية الأهمية ومن الممكن أن تتطور إلى نتائج أكثر خطورة مما تتصور، لذا ننصحك بأن تأخذها بعين الاعتبار وأن تحاول تفاديها عبر تقليلك من الضغط الذي تعرّض نفسك له. بعيداً عن ذلك، هنالك بعض الأعراض الأخرى التي تعتبر أكثر خطورة، ليس من الناحية الصحية، بل من حيث دلالتها على الضغط الوظيفي الذي تتعرض له، لنتابع معاً[4].

- الروتين القاتل
هل تعلم عزيزي القارئ بأن هنالك نوعين مختلفين من الضغوطات؟ هنالك ما يسمّى بالضغوط الجيدة التي غالباً ما تكون قصيرة الأجل، كما يوجد الضغوط السيئة التي تكون طويلة الأمد. تطلق الضغوط الجيّدة في جسدك بعض المواد الكيميائية التي تستطيع مساعدك على تعزيز قوة ووظيفة الدماغ، إلا أن الضغوط السيئة تعرّض جسدك للإرهاق الكبير مما يعني العديد من المشاكل الصحّية.
ننصحك عزيزي القارئ بأن تنتبه إلى نفسك أكثر، فالضغوط التي تتعرض لها في بداية عملك قد تبدو قصيرة الأجل، إلا أنها حتماً ستطور إلى ضغوط طويلة الأجل إن لم تعتني بنفسك. ولعلّ أهم علامات تعرّضك لهذه الضغوطات هي الروتين القاتل! أي أن تستيقظ في كل يوم وتبدأ التفكير في عملك، ومن ثم تذهب إلى العمل، وبعدها تعود إلى المنزل محاولاً حل المشكلات المرتبطة بالعمل، لتعاني بعدها في محاولاتك في النوم بسبب العمل أيضاً[9].

- الفوضى العارمة
يشعر بعض الناس بأنهم راضين عن عملهم رغم الضغوطات التي يتعرضون لها يومياً، ولا شك أن هذه الضغوطات خطيرة على صحتك الجسدية والنفسية. إلا أن الخطورة تكمن في كونك تتعرض للضغوطات الكبيرة أثناء قيامك بعمل لا تحبّه أو لست راض عنه، وهذا ما يمكن أن نسمّيه بالفوضى العارمة. 
لعلّ أكثر آثار هذه الفوضى خطورة هي إصابة الشخص بالتعاسة، التي يمكن بدورها أن تتحول إلى داء يتغلغل في حياتك الشخصية. عندما تلاحظ بأنك غير سعيد في عملك وأنك غير راض عن حياتك الشخصية في آن واحد، تعامل مع الأمر على أنه إشارة تحذيرية يرسلها جسدك كي تخفف من حجم الضغوط التي تقوم بتحمّلها يومياً[8].

في النهاية، تحدّثنا في هذا المقال عن الأعراض التي يختبرها الأشخاص عند قيامهم بالعمل بشكل مفرط، كما ناقشنا بعض الحلول التي يمكن أن تخفف من حجم الضغط الذي يتعرضون له.
 

[1] مقال للأخصائية Janna Young، "سبع إشارات تحذيرية تشير إلى أنك تعمل بشكل مفرط"، المنشور على موقع healthline.com، تمت المراجعة في 6/8/2019.
[2] ورقة بحثية Titiloye Olumuyiwa Olajide Bolaji  سنة(2018)، "بعض العوامل الفعّالة في بيئة العمل ضمن مركز اتصالات نموذجي"، المنشورة في موقع books.google.com، تمت المراجعة في 6/8/2019.
[3] بيان علمي، "الضغط المزمن يضع حياتك في خطر"، المنشور في موقع mayoclinic.org، تمت المراجعة في 6/8/2019.
[4] مقال "5 إشارات تشير إلى أنك تتجه نحو الإرهاق في العمل، وما تستطيع فعله كي تصلح الأمر"، المنشور في موقع healthline.com، تمت المراجعة في 6/8/2019.
[5] دراسة John Pencaval سنة (2014)، "إنتاجية ساعات العمل"، المنشورة في موقع iza.org، تمت المراجعة في 6/8/2019.
[6] دراسة Marianna Virtanen وMarkus Jokela وباحثون آخرون (2015)، "ساعات العمل الطويلة وتعاطي الكحول: مراجعة منهجية وتحليل للدراسات المنشورة وبيانات المشاركين الفردية غير المنشورة"، المنشورة في موقع bmj.com، تمت المراجعة في 6/8/2019.
[7] دراسة Mika Kivimäki وJane E. Ferrie وباحثون آخرون (2012)، "العمل الإضافي باعتباره أحد المتنبئين للحلقات الاكتئابية الرئيسية: متابعة مدتها 5 سنوات"، المنشورة على موقع journals.plos.org، تمت المراجعة في 6/8/2019.
[8] دراسة Bulger, Carrie A. وMatthews, Russell A. وباحثون آخرون (2007)، "العمل وإدارة حدود الحياة الشخصية: قوة الحدود ، والتوازن بين العمل والحياة الشخصية ، واستمرارية تجزئة التكامل"، المنشورة في موقع psycnet.apa.org، تمت المراجعة في 6/8/2019.
[9] دراسة Luo Lu سنة (1999)، "حوافز العمل، وضغوط العمل، وصحة الموظفين"، المنشورة في موقع ba.ntu.edu.tw، تمت المراجعة في 6/8/2019.