أعراض وعلاج عقدة إلكترا عند البنات الصغيرات
يبدو أن الأطفال وما يجول في خاطرهم ومكامن أنفسهم أكثر تعقيداً مما نظن، وهذا ما دفع العديد من علماء النفس وأعمدته لدراسة التطور النفسي الجنسي للأطفال والسلوك المصاحب لهذا التطور، وكان لفرويد الخطوة السباقة في هذا المجال في نظريتي عقدة أوديب الذكرية والأنثوية ومن بعده جاء كارل يونغ ليطور "عقدة أوديب الأنثوية" وأطلق عليها مجمع إلكترا أو عقدة إلكترا كما هو معروف، وفي هذا المقال سوف نبحث في عقدة إلكترا النفسية من حيث الأصل والمنشأ والمعنى والأعراض والمضاعفات، ما يساعدنا أكثر في فهم أطفالنا وربما أنفسنا وكيفية التعامل معهم.
عقدة إلكترا Electra complex التي تمر بها الإناث في الطفولة تعد بمثابة المقابل لعقدة أوديب بالنسبة للأطفال الذكور، والتي تشير إلى التعلق والارتباط المبالغ فيه من قبل الطفلة الأنثى بوالدها مع الشعور بحالة التنافس مع أمها بهدف الحصول على اهتمام الأب ومحبته ورعايته وعطفه، وقد تصل مشاعر التعلق إلى حد يشبه مشاعر الحب والعشق عند الكبار، ومشاعر المنافسة مع الأم إلى حد الغيرة والحقد في بعض الحالات. [1-2]
كان عالم النفس سيغموند فرويد أول وضع أسس هذا المفهوم لشرح هذه المشاعر الطفولية لدى الطفلة الانثى "عقدة أوديب الأنثوية" في مقابل "عقدة أوديب الذكرية" ولكن جاء تطور هذا المفهوم على يد صديقه عالم النفس التحليلي كارل يونغ الذي انتقد جموح فرويد من ناحية تفسير هذه المشاعر لدى الطفلة الأنثى في رغبتها بأن يكون لديها عضو ذكري على غرار والدها، وهو من أطلق مصطلح "عقدة إلكترا" لشرح هذه المشاعر.
أسطورة إلكترا ابنة الملك
استوحى يونغ اسم عقدة إلكترا من إحدى الأساطير اليونانية التي تروي قصة الملك أجاممنون -بطل حرب طروادة- والذي تآمرت عليه زوجته مع عشيقها وقتلته بعد عودته من الحرب، وتمت هذه الجريمة أمام ابنته الأميرة إلكترا التي حقدت على أمها وعشيقها الخائنين، وساهمت في تهريب أخيها الأمير الصغير، ثم عاشت إلكترا عمرها حزينةً على والدها المغدور منتظرةً عودة أخيها الأمير لينتقم من المتآمرين، وعندما عاد الأمير كانت إلكترا المحرض الأساسي ليقتل أمهما انتقاماً لوالدهما الملك، وقالت له: اقتلها مرتين إن استطعت!
يولد الطفل البشري محملاً ببعض الغرائز الأساسية الموحدة بين جميع أفراد جنسه، بالإضافة لبعض الخصائص الوراثية المتعلقة بصفات والديه التي يرثها عبر الجينات، ثم يبدأ رحلة الاكتساب والتعلم والنمو الجسدي والنفسي، والتطور النفسي لهذا الطفل يمر بمراحل عديدة ومتشابكة لحد معين ما يجعلها صعبة الملاحظة، وهكذا حتى يستكمل نموه ويصبح أكثر تشابهاً وتماهياً مع أفراد جنسه ثم أسرته وأخيراً مجتمعه، وتطوره النفسي الجنسي يمر أيضاً بمراحل مشابهة لكل منها وظيفتها، وبالنسبة للطفلة الأنثى تعتبر عقدة إلكترا من أهم هذه المراحل حسب مدرسة التحليل النفسي، وتتكون هذه العقدة من خلال:
- المرحلة الأولى: تقريباً من عمر سنة إلى ثلاثة سنوات، وفيها لا تدرك الطفلة الفروق بين الجنسين خاصة في بداية المرحلة، ولكن مع الوقت تعقد مقارنة غير واعية بين جسد والدها وجسد والدتها وربما طبيعتهما النفسية ودور كل منهما في الأسرة، وهنا ترغب الطفلة بأن تمتلك صفات والدها بشكل عام وصفاته الجسدية بشكل خاص حسب رأي سيغموند فرويد.
- المرحلة الثانية: تقريباً من عمر ثلاث أو أربع سنوات حتى ثمانية سنوات وهي مسألة مختلفة من طفلة لأخرى، بهذه المرحلة تدرك الطفلة الأنثى أنها أكثر تشابهاً مع أمها وتلاحظ طبيعة العلاقة بين أمها وأبيها، وترغب بالحصول على علاقة من نفس النوع مع أبيها بل والاستئثار باهتمامه وحبه لوحدها، وهنا تدخل الطفلة في أوج عقدة إلكترا حيث أن رغبتها هذه تدفها للغيرة من أمها ومحاولة ابعادها عن أبيها وربما الشعور بالمنافسة مع أمها على حب والدها.
- المرحلة الثالثة: يمكن القول أن في هذه المرحلة تصبح الطفلة أكثر وعياً في دور جنسها الاجتماعي وإدراكاً لعلاقتها مع والدها وأنها لا يمكن أن تأخذ دور أمها في هذه العلاقة، ويتحول اهتمام الطفلة للتشابه أكثر مع أمها والميل لترسيخ صفات جنسها عبر تقليد أمها ومحاكاة تصرفاتها وشخصيتها وصفاتها. [2]
يوجد بعض الأعراض التي تظهر في مرحلة عقدة إلكترا لدى الطفلة الأنثى، والتي قد لا تكون مفهومة دائماً من قبل والديها، ما يجعلهما يتعاملان مع هذه الأعراض بأسلوب خاطئ مثل الغضب أو الضحك أو التجاهل، وبشكل عام فإن معظم الأطفال الإناث في هذه المرحلة يقومون بتصرفات مشابهة وهي أعراض مرحلة إلكترا، ومن هذه الأعراض:
- تعلق مبالغ فيه بالوالد: على غرار تعلق الطفل الذكر بوالدته في مرحلة عقدة أوديب تمر الطفلة الأنثى بنفس التجربة مع والدها، حيث أنها تبني في مخيلتها علاقة خاصة معه وتفضل البقاء دائماً بالقرب منه، حتى أنها قد تبتعد عن أمها في هذه المرحلة لصالح تقربها من والدها وتشبثها به، ما يفسر بعض التصرفات مثل الوشاية ببعض أسرار أمها أو أشقائها لوالدها، ومحاولة إظهار أنها المدللة لديه.
- الغيرة على الوالد تحديداً من الأم: من وجهة نظر الطفلة في مرحلة عقدة إلكترا فوالدتها هي العقبة الأساسية التي تنافسها على محبة والدها واهتمامه، وهذا يجعلها تشعر بالغيرة من والدتها وبالحزن وربما الغضب عند ملاحظة أي تقارب بين والديها.
- الاهتمام بالأب ومحاولة لفت نظره: في مرحلة عقدة إلكترا تحاول الطفلة الأنثى بشتى الوسائل لفت انتباه واهتمام والدها، وتحاول إظهار نفسها كفتاة كبيرة تستحق الإعجاب والتقدير والإطراء من قبله.
- تقليد الأم: حتى تتمكن الطفلة من لفت انتباه والدها واهتمامه، فهي تبحث دائماً عن الأشياء التي تلفت نظره، وهنا قد تحاول تقليد والدتها في وضع مساحيق التجميل أو ارتداء ملابس والدتها وتقليد تصرفاتها والتحدث بطريقتها، ولهذا أهمية في إدراك الطفلة لدورها الجنسي وطبيعة دور الأم في الأسرة.
- استجداء عطف الأب: من خلال النكوص أو التمارض أو البكاء والعديد من التصرفات الأخرى، تحاول الطفلة الأنثى فعل الأشياء التي تجعل والدها يهتم بها ويدللها أكثر من غيرها في الأسرة، وغالباً ما تلجأ لهذه التصرفات عند ملاحظة تقارب بين والديها.
- تصرفات عدوانية تجاه الأم: في إطار شعور الطفلة بالغيرة من الأم فبعض التصرفات التي قد تثير استفزازها قد تجلها تقوم بتصرفات عدوانية ضد أمها مثل الصراخ في وجهها أو رفض أوامرها أو تخريب أغراضها، ولكن هذه الحالات تعتبر قليلة بشكل عام.
- مراقبة الوالدين: تلجأ الطفلة بشكل عام بهذه الفترة لمراقبة والديها وكأنها تعلم أنهما في فترة غيابها يقومان بتصرفات لا يريدان منها ملاحظتها، وهنا تشعر ببعض الوحدة والغيرة ما يدفعها لمراقبتها وقد تبكي أو تصرخ أو تختلق الأعذار ليبقيا معها ولا يتركاها. [3-4]
تعتبر الإناث بشكل عام أكثر تأثراً بعقدة إلكترا من تأثر الذكور بعقدة أوديب، ويعود ذلك لطبيعة الإناث العاطفية بالإضافة لطريقة التربية المتبعة مع الإناث، ولهذا السبب من المحتمل أن تستمر بعض بقايا عقدة إلكترا مع الطفلة حتى بعد أن تكبر وتصبح من مضاعفات هذه العقدة، ومن هذه المضاعفات:
- استمرار التعلق بالأب حتى بعد الكبر: غالباً ما نلاحظ أن الفتيات أكثر تعلقاً بأبيهم من الذكور ونجد الفتاة أيضاً تهتم دائماً بوالدها وترغب بالحصول على العطف والاهتمام منه وكأنها ما زالت طفلة، وإذا بقيت هذه الصفة ضمن الحدود الطبيعية تبقى سمة جيدة من بقايا عقدة إلكترا ولا تسبب أي مشاكل.
- رغبة الارتباط بشخص أكبر عمراً: ففي حالة الفتاة التي لا ترغب بالارتباط بشاب في مثل عمرها أو قريب منه، نجد أن الرجال الأكبر منها بكثير يثيرون إعجابها وربما تقع في حب أحدهم، تعد هذه الحالة أيضاً من بقايا عقدة إلكترا فهي هنا تبحث عن أب وليس عن شريك.
- الشعور بالضعف أمام الرجال: بعض الفتيات اللواتي لديهن مستوى أقل من الثقة بالنفس ترى نفسها دائماً أضعف من الرجل وهي بحاجة رعايته واهتمامه، فالرجل بالنسبة لها هو الأب الذي يتحمل المسؤوليات ويتخذ القرارات ويمثل الأمان.
- الشعور بالنقص العاطفي من الشريك: فالفتاة التي تكبر مع بقايا إلكترا وترتبط برجل ترغب بأن ترى فيه الوالد أكثر من رؤية الزوج أو الشريك، وفي المقابل قد يتصرف الشريك معها بطريقة طبيعية كأي رجل مع شريكته ولكن هي تلاحظ أنه أقل عطفاً وحناناً تجاهها لأنه لا يعاملها كأبنته.
- الإصابة بأحد اضطرابات العصاب أو الذهان: مثل رهاب الانفصال والخوف من العزلة والابتعاد عن والدها حتى بعد أن تكبر، واضطرابات أخرى قد تصل لحالات ذهانية مستعصية في الحالات الشديدة.
- الغيرة من ابنتها: في حالات معينة المرأة التي تكبر وتتزوج مع بقاء تأثير عقدة إلكترا في شخصيتها قد يتطور الأمر لشعور غير واعي لديها بالغيرة من ابنتها خاصة عندما تكون هذه الابنة في مرحلة المراهقة، فالزوج يتعامل بشكل طبيعي معها كزوجة ومع ابنتها كأبنة، ولكن هي تنظر للأمر أن ابنتها تأخذ مكانها وقسم من محبة زوجها وحنانه. [4]
الواقع أن ما يسمى عقدة إلكترا ليس مشكلة نفسية أو اضطراب يحتاج لعلاج، وإنما هي مرحلة طبيعية من مراحل تطور النمو الجنسي النفسي تمر بها كل أنثى في مرحلة من طفولتها وهي مسألة طبيعية، ولكن هذه المرحلة تعتبر حساسة لحد ما ولذا يجب التعامل معها بشكل واعي حتى لا تتحول لمشكلة وتستمر مع الطفلة حتى بعد أن تكبر، وهنا بعض النصائح للتعامل مع الطفلة في مرحلة عقدة إلكترا:
- تجنب استفزاز الطفلة وإثارة غيرتها: والمقصود هنا أن بعض الأهل يقومون بتصرفات تثير غيرة الطفلة وغضبها على سبيل اللعب أو التسلية معها مثل اقتراب الأم من الأب أو بعض النظرات واللمسات، ويجب تجنب هذه التصرفات لأنها تؤثر بالفعل في نفسية الطفلة سلباً.
- عدم نوم الطفلة في غرفة الوالدين: وهي مسألة مهمة يشير لها معظم علماء نفس الطفل والتربية فالكثير من التصرفات قد يقوم بها الزوجين في غرفة النوم حتى لو لم تكن علاقة جنسية كاملة، بالإضافة لبعض الأحاديث دون قصد أو ظناً أن الطفلة نائمة ولا تلاحظ هذه الأشياء، ولكن الأطفال كثيراً ما يحاولون إيهام ذويهم بالنوم بشكل مقصود ليلاحظوا ما الذي قد يحصل بهذه الأثناء بين الأبوين.
- التفاعل بمحبة وعطف مع الطفلة في هذه المرحلة: الأطفال يريدون اهتمام والديهم وعطفهما، وفي مرحلة أوديب أو إلكترا يجب الحرص على تقديم العطف والتعامل بمحبة مع الأطفال، منعاً لكبت الأطفال أي مشاعر غيرة أو قلق أو كراهية تجاه والديهم.
- تحسين علاقة الأم بالطفلة: الأم في علاقتها مع طفلتها هي الطرف الواعي ومن يجب عليه استيعاب هذه الطفلة وفهم مشاعرها وحساسية هذه المرحلة، وبالتالي يجب بناء علاقة معها تقوم على الثقة والصداقة والمحبة المتبادلة، فهذه العلاقة من شأنها أن تطمئن الطفلة على مكانتها في الأسرة ومحبتها من قبل كلا والديها.
- تكرار شرح طبيعة العلاقة الصحيحة بين الطفلة ووالدها: هذه المهمة تكون أحياناً من واجبات الأب وأحياناً من واجبات الأم حسب المواقف المختلفة والعامل الزمني، فيجب أن تفهم الطفلة مع الوقت أن كلا والديها يحبانها بنفس الدرجة والطريقة، وأن علاقتها معهما هي علاقة الأبنة مع الوالدين، حتى يتمكن عامل الزمن بالإضافة لزيادة الخبرة وفهم العالم من حولها لمساعدتها للمرور من هذه المرحلة بطريقة سليمة. [4]