أسباب الشعور بالذنب وعلاجه

ما هو الشعور بالذنب وما هي أسباب عقدة الذنب؟ كيف يمكن التخلص من الشعور بالذنب؟ وما هو الفرق بين الندم والشعور بالذنب؟ وهل يختلف الشعور بالذنب عند الأطفال عنه عند الكبار؟
أسباب الشعور بالذنب وعلاجه
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

شعور الذنب يقتلني... كثيراً ما نسمع هذه الجملة أو نقولها نتيجة أفعال قمنا بها أو كلمات قلناها أو حتى نشعر بالذنب لأننا امتنعنا عن فعل ما، فما هي ماهية الشعور بالذنب؟.
في هذا المقال نحاول أن نقترب من فهم مشاعر الذنب، ونحاول أن نحلل عقدة الشعور الذنب وكيفية التعامل مع هذه المشاعر، وهل تحتاج مشاعر الذنب إلى علاج؟ وما هو علاج الشعور بالذنب في هذه الحالة؟ وكيف تختلف مشاعر الذنب باختلاف الشخصيات والمواقف؟
 

بالمتوسط يشعر الإنسان الطبيعي بالذنب حوالي 40 دقيقة يومياً أو ما يعادل خمس ساعات أسبوعياً، وفي تتبع العملية التربوية نجد أن مشاعر الذنب من الأمور التي يسعى الأهل إلى تغذيتها عند الأطفال الصغار لخلق حالة من الرقابة الذاتية لديهم، حيث يفهم الأطفال الأفعال الصحيحة والخاطئة من خلال ما يخلقه المربون لديهم من شعور بالذنب.
إذاً الشعور بالذنب يبدأ معنا منذ الطفولة، وكلٌّ منَّا يقوم بتطوير منظومة خاصة به مسؤولة عن الشعور بالذنب، يمكن القول أن مشاعر الذنب تشبه إلى حد بعيد جهاز الإنذار مع مصباح أحمر وصوت قوي، تنطلق عندما نقوم بتصرف لا يتوافق مع منظومتنا، أو عندما نتمنع عن تصرف ما ونعتقد أنه ما كان يجب علينا الامتناع عنه.
وتتأثر منظومة الإنذار بالذنب هذه بعوامل كثيرة تتعلق بالبيئة والتربية والأفكار والمعتقدات الخاصة والسمات الفردية التي تميز كل واحد منَّا عن الآخر، وهي منظومة مرنة إلى حد بعيد، بمعنى أن التجارب الجديدة قد تضيف معايير جديدة لجهاز الإنذار بالذنب وقد تعمل على تحييد معايير قديمة أو تخفيض تأثيرها أو حتى إلغائها، سنوضح هذه النقطة أكثر في الفقرات القادمة.
 

animate

من خلال فهم أسباب الشعور بالذنب يمكن التوصل أسرع إلى طريقة التعامل مع هذه المشاعر، ومن الملفت أن أنواع الشعور بالذنب يتم تصنيفها بناءً على السبب، لذلك فإن أنواع الشعور بالذنب هي ذاتها أسبابه والعكس صحيح.

ويمكن تلخيص أنواع الشعور بالذنب وفقاً للسبب كالآتي
1- الشعور الخاطف بالذنب:
عادة ما تكون أسباب الشعور الخاطف بالذنب أسباباً عادية وربما سطحية من وجهة نظر الشخص نفسه، ولا داعي للقول أن وجهة نظر الفرد هي التي تتحكم باستقرار شعوره بالذنب وبالمثيرات التي تحرك هذا الشعور، والمقصود بالذنب الخاطف هي المشاعر التي تنتابك لدقائق قليلة نتيجة فعل ما أو قول ما أو حتى نتيجة حدث معين.
مثال ذلك عندما ترمي قارورة الماء الفارغة من السيارة مثلاً قد تشعر بالذنب لعشر ثوانٍ وربما تفكر أن تتوقف وتعود لأخذها، كذلك عندما تتأخر على موعد غير مهم قد تشعر قليلاً بالذنب لكنك سرعان ما تتابع حياتك كأن شيئاً لم يكن.

2- الشعور الكاذب بالذنب: حيث يحمّل البعض أنفسهم مسؤولية ليست مسؤوليتهم، ويشعرون بالذنب تجاه أمور لا علاقة لهم بها، وغالباً ما يكون هذا انعكاساً لمشاعر أكثر عمقاً، كأن تشعر بالذنب بسبب إفلاس الشركة التي تعمل بها على الرغم أن طبيعة وظيفتك لا يمكن أن تؤثر على مستقبل الشركة المالي.

3- الشعور المسبق بالذنب: هذه الحالة هي شعورنا بالذنب تجاه ما ننوي القيام به، أي أننا نشعر بالذنب تجاه ما نرغب به وما نسعى إليه، مثلاً الزوج الذي يقرر أنه سيفاتح زوجته بالطلاق يختبر شعور الذنب قبل أن يفاتحها في الموضوع، وقد يكون الشعور المسبق بالذنب رادعاً قوياً يحول بين الفرد ورغباته.

4- استقرار الشعور بالذنب: الشعور المستقر بالذنب يعتبر سمة من سمات الشخصية، حيث نجد أحدهم يتميز بحساسية مرتفعة ويكون دائم الشعور بالذنب تجاه الأفعال التي يقوم بها أو التي يمتنع عنها، وعادة ما تحتاج هذه الشخصية إلى مساعدة نفسية لتتمكن أكثر من ضبط مشاعر الذنب.

5- الشعور المتأخر بالذنب: وهو من أكثر حالات الشعور بالذنب تعقيداً، حيث أنه لا يأتي قبل الفعل أو بعد الفعل مباشرة، لكن قد يبدأ بعد مدة طويلة نتيجة مستجدات على الأفكار والمعتقدات أو أحداث تغير نظرتنا إلى الأمور.
هل سمعت والدك يقول لك "غداً عندما تتزوج وتنجب ستعرف قيمة والديك"، وبعد عشرين سنة من هذه العبارة وفي لحظة ما تنظر إلى ابنك ويفتت قلبك الشعور بالذنب تجاه والدك.

6- الشعور العميق بالذنب: وأما الشعور العميق بالذنب فهو الذي يتطور إلى مرحلة الشعور بالعار والندم، وقد تحدثنا عن الفرق بين هذه المشاعر بالتفصيل في مقالة سابقة، وغالباً ما يتحول الشعور العميق بالذنب إلى عائق في الحياة يؤرق الفرد ويعرقله، والشعور العميق بالذنب عادة ما يرتبط بأحداث كبيرة ومصيرية كارتكاب جريمة أو الاعتداء على الآخرين أو التأثير على حياة الآخرين سلباً.

7- مشاعر الذنب تجاه المجموعات: تتخطى مشاعر الذنب تجاه المجموعات حدود الفرد، كالذي يشعر بالذنب لأنه ينام في منزله قريراً وهناك من ينام تحت الجسور، أو من يشعر بالذنب تجاه المتسولين، ويعتقد أنه مسؤول عن حالة الفقر لأنه ليس فقيراً، هذه المشاعر أيضاً تكون انعكاساً لسلسلة من المفاهيم الخاطئة والتجارب المؤثرة عند الفرد.
 

في البداية يجب أن نسأل أنفسنا: هل حقاً يحتاج الشعور بالذنب لعلاج؟!
في الحقيقة يمكن النظر إلى الشعور بالذنب كصفة إيجابية وبالغة الأهمية في الشخصية السوية التي تستطيع التحكم بعواطفها وفهم مشاعرها بصورة جيدة، بل أن انعدام التعاطف وفقدان الشعور بالذنب أجدر بالعلاج من الشعور بالذنب!.
لكن عندما تصل مشاعر الذنب إلى حد مؤرِّق كأن يقال: مشاعر الذنب تقتلني!، فنحن أمام حالة بحاجة لمساعدة نفسية، وتختلف درجة هذه المساعدة بحسب سيطرة مشاعر الذنب على الشخص ومدى تأثيرها على حياته ومدى عمقها وارتباطها بأفكار أو مفاهيم راسخة عنده، لذلك يمكن أن نتحدث عن مستويين لعلاج الشعور بالذنب: المستوى الأول هو العلاج الذاتي من عقدة الذنب، والمستوى الثاني هو اللجوء للمساعدة المتخصصة.

نصائح للعلاج الذاتي من مشاعر الذنب
1- حلل مشاعرك وحدد الأطراف:
إذا كنت تشعر بالذنب تجاه أشخاص معينين فحاول أن تتحدث معهم عن مشاعرك وأن تعتذر منهم إن كنت تعتقد أنك أخطأت بحقهم، أما إن كنت تشعر بالذنب تجاه نفسك فحاول أن تعيد تحليل التصرفات التي تشعرك بالذنب ومدى قدرتك على تسوية الأمر.

2- اقترب أكثر من أسباب شعورك بالذنب: من أكثر مشاعر الذنب التي يختبرها المراهقون هو الشعور بالذنب بعد ممارسة العادة السرية، ولتخطي هذه المشاعر السلبية لا بد من الاقتراب أكثر من الحقائق والتعرُّف عن قرب إلى كل ما يتعلق بالعادة السرية وتأثيراتها الإيجابية والسلبية وأسباب الشعور بالذنب بعد ممارستها، وهنا لا بد أن نؤكد على أهمية مصادر المعرفة أن تكون عليمة وخالية من الخرافات.

3- فكر بطريقة لإصلاح الأمور: إذا كنت تشعر بالذنب تجاه والدتك إذاً تقرَّب منها أكثر واهتم بها أكثر، وإذا كنت تشعر بالذنب لأنك تسببت بعقوبة لزميلك في العمل حاول أن تتكلم معه بالموضوع وتشرح له دوافعك ومشاعرك، وربما تقدم له تعويضاً معنوياً أو حتى مادياً عمَّا قمت بإفساده.

4- اختبر منظومتك الخاصة: كما ذكرنا في البداية فإن مشاعر الذنب أشبه بمنظومة إنذار، وهذه المنظومة مرنة جداً ومتفاعلة مع الأحداث الجديدة بشكل كبير، لنأخذ مثالاً على مرونة الشعور بالذنب.
لنفترض أن شخصاً يأكل اللحم بشكل معتدل في نظامه الغذائي لمدة عشرين سنة، لكنه بطبيعة الحال يحصل على اللحم دون أن يرى عملية الذبح والسلخ والتقطيع، وشاء القدر أن يزور أحد أصدقائه الذي يعمل في مسلخ للأبقار، وشاهد عملية الذبح بتفاصيلها، هذه المشاهدة تسللت إلى منظومة الإنذار، وأصبح يشعر بالذنب عندما يأكل اللحم، وربما يتوقف تماماً عن أكل اللحوم ويتحول إلى النظام الغذائي النباتي، لكنه مع ذلك قد يحافظ على وجبة السمك باعتبار أن السمك لا يتعرض لعملية الذبح تلك!.
القصد من اختبار منظومة الشعور بالذنب هو ملاحظة الأفكار والمفاهيم التي تجعلنا نشعر بالذنب، والرجوع إلى جذور هذه المشاعر لفهم حقيقتها والتحكم بها أكثر.

5- خذ نفساً عميقاً: في كثير من الأحوال يكون كل ما تحتاجه هو أخذ استراحة والنظر إلى الأمور من بعيد، أحد الأصدقاء مثلاً كاد شعوره بالذنب يقتله لأنه لم يجب على اتصال صديقه وشاء القدر أن يتعرض هذا الأخير في نفس اليوم لحادث، لكنه عندما أخذ وقتاً في النظر إلى الأمور من بعيد وحاول تحليل الحدث استطاع أن يفهم أنه ليس مذنباً، وأنه لو أجاب على الهاتف آن ذاك لما تمكن من تأخير الموت أو تقديمه.

6- فكر بالمستقبل أكثر: في كثير من الحالات نشعر بالذنب تجاه الأشخاص أو تجاه أنفسنا بعد فوات الأوان، لكن التفكير بالمستقبل بدلاً من الوقوف على الأطلال سيكون حلاً مثالياً، معظم الذين يتخطون تجارب الإدمان على المخدرات يفكرون بما ستكون عليه الأمور ويسعون إلى التخلص من الشعور بالذنب والتعلق بالماضي الذي يدفعهم نحو الغرق أكثر.

7- اطلب استشارة تخصصية، إذا كنت تشعر أنك عاجز عن علاج شعورك بالذنب بشكل ذاتي لا بد أن تطلب المعونة، في البداية قد تطلب المساعدة من الأصدقاء والعائلة كما يمكنك طلب المساعدة من مجتمع حلوها، لكن إن لم يكن ذلك مجدياً فلا بد من الذهاب إلى المعالج النفسي المتخصص لإيجاد حلول جذرية، كما يمكنك طلب المعونة من خبراء موقع حلوها عبر هذا الرابط.
 

في الفقرة الأخيرة سنتحدث عن نقطة خطيرة، وهي استغلال مشاعر الذنب، فنحن باعتبارناً بشراً نفهم طبائع بعضنا البعض، ونستطيع اللعب على الأوتار الحساسة لأننا نعرفها تماماً ونجيد اللعب عليها، لذلك نجد المتسولين في الشارع مثلاً يحاولون استثارة شعورك بالذنب تجاههم، كذلك نجد الزوج يحاول تغذية مشاعر الذنب لدى زوجته، وهكذا.
وعلى الرغم من فاعلية استغلال الشعور بالذنب لدى الآخر للوصول إلى هدف ما من خلال ثنيه عن تصرف ما أو إخضاعه لسلطتنا أو إجباره على تصرف معين؛ لكن الدراسة أثبتت أن من نقوم باستغلاله بهذا الأسلوب وإن حققنا مرادنا منه لكنه يكون أقل رغبة في المستقبل في التعامل معنا.
مثلاً؛ إذا قمت باستغلال مشاعر الذنب عند والديك ليعطياك المزيد من المال سيكون ذلك فعالاً في حينه ولحظته، لكن في المرات القادمة سيكونان أقل رغبة بمنحك المزيد من المال من تلقاء نفسهم.

أخيراً... نتمنى أن نكون قدمنا لكم مساعدة ولو بسيطة في سبيل فهم مشاعركم والتغلب على الشعور السلبي بالذنب، ونتمنى أن تشاركونا آراءكم وتجاربكم من خلال هذا الرابط ليستفيد منها أعضاء مجتمع حلوها في التغلب على مشاعرهم السلبية.