طرق قراءة مشاعر الآخرين وأفكارهم وفهمها

هل هناك طلسم لقراءة الأفكار والمشاعر؟ هل تكفي تعابير الوجه لقراءة أفكار ومشاعر الآخرين؟ ما هي أفضل الطرق والوسائل لفهم مشاعر الأشخاص المقربين؟ ولماذا نرغب في قراءة المشاعر والأفكار؟
طرق قراءة مشاعر الآخرين وأفكارهم وفهمها

طرق قراءة مشاعر الآخرين وأفكارهم وفهمها

تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

ربما نرغب جميعاً بامتلاك عينٍ إضافية تقوم بفكِّ شفرات وطلاسم مشاعر الآخرين، ونلجأ إلى فن قراءة الأفكار والتمارين التي نعتقد أنها تساعد في فهم ما يدور في عقول الآخرين وما يجول في خواطرهم، ويبحث البعض بحثاً محموماً عن أساليب روحانية وتعاليم ماورائية لقراءة الأفكار والمشاعر.
في هذه المقالة؛ نتعرَّف أكثر إلى قراءة المشاعر والأفكار وفهمها، نحاول أن نبتعد عن الخرافات ونقترب أكثر من قدرة الإنسان على فهم مشاعر المقربين منه والتعامل معها، ونستعرض أفضل الطرق التي رصدها العلم لقراءة مشاعر الآخرين.
 

هناك علاقة عميقة بين رغبتنا بفهم مشاعر الأخرين وقراءة أفكارهم وبين علاقتنا بهم من حيث طبيعتها وعمقها، فكلما ازداد إعجابنا أو تعمَّقت علاقتنا بالشخص كلما أردنا أن نعرف أكثر عمَّا يفكر به ويشعر به، وكلَّما تعرَّفنا عليه أكثر كل ما امتلكنا القدرة على فهم مشاعره وأفكاره.
من جهة أخرى فإن أدواتنا تعمل بشكل أكثر انتقائية مما نعتقد، فنحن نسعى لفهم ما يفكر به الزبون أكثر مما نسعى إلى قراءة أفكار الطبيب، ونعمل على ملاحظة العلامات الظاهرة على الوجه والجسد عندما نشكُّ بما يقال، كما أنَّ أدواتنا هذه تتعطل نسبياً عندما نتعامل مع شخص ذا كاريزما مرتفعة، كقادة الرأي ورجال الدين.
وعلى وجه العموم نحن نسعى إلى إتقان قراءة المشاعر والأفكار؛ لنسهِّل على أنفسنا التعامل مع الآخرين، لنتجنَّب بعض المواقف المحرجة، أو لنتجنَّب الخداع، لنعرف الحقيقة، ومعرفة الحقيقة ما تزال المعركة الكبرى في حياة الإنسان!.

animate

مع تطور مفهوم لغة الجسد يتمكن الباحثون يوماً بعد يوم من وضع نظريات جديدة لقراءة المشاعر وفهمها من خلال الإشارات الجسدية الواضحة، وربما أحدث ما توصل إليه الباحثون في هذا المجال نظرية الاستدارة والزاوية التي سنتطرق إليها ضمن أفضل خمسة وسائل لقراءة الأفكار والمشاعر:

قاعدة الزاوية والاستدارة
في دراسة حديثة أجراها روبرت فرانكلين في جامعة أندرسون عام 2019 قام الباحثون بتحليل نوعين من المشاعر المتناقضة وهي مشاعر الفرح ومشاعر الغضب، وما يتبع هذه المشاعر من التهديد أو الأمان والسلامة، وتوصَّل الباحثون إلى نمطين من تعابير الوجه يمكن الاعتماد عليهما في سبيل قراءة مشاعر الآخرين وتصنيفها كمشاعر سلبية أو إيجابية، وهذان النمطان هما: الاستدارة والزاوية.
أما الاستدارة فهي التي تشير إلى مشاعر الفرح والود وتترك انطباعاً لدى الآخر بالأمان، شكل الاستدارة في الوجه يمكن ملاحظته بسهولة عند الابتسام حيث تسترخي الحواجب وترتفع جوانب الفم إلى أعلى.
وأما شكل الزاوية فهو التعبير الذي يتخذه الإنسان عندما يشعر بالغضب والمشاعر المتوترة، ويمكن ملاحظة علامة X التي ترسمها الحواجب مع انحناء الشفاه إلى أسفل.
ويعتقد الباحثون أن أغلب الأفكار والمشاعر التي تنتمي إلى عدم الرضا تنطبع على الوجه بشكل زوايا، حتى أننا نصف الغاضب بأنه ساهم الوجه، ونتعامل مع الوجوه ذات الزوايا الحادة بحذر أكبر، وأما مشاعر الرضا والتسليم وربما حتى مشاعر الاستسلام فجميعها تنطبع على الوجه بشكل الاستدارة، فنحن نميل إلى التعاطف أكثر مع الوجوه المستديرة بغض النظر عن حقيقة صاحبها، ونعتبر أن أوضح علامة لبراءة الأطفال هي استدارة وجوههم، وكلما غابت هذه الاستدارة وارتسمت الملامح الحادة مع مرور  الزمن كلما فقدنا تعاطفنا مع الطفل -كغرباء عنه طبعاً-.

الاندفاع والتراجع
من العلامات المهمة في تفسير ما يشعر به الآخرون وما يفكرون به هي علامات الاندفاع والتراجع، وهي علامات واضحة تظهر على الوجه والجسد ولا يمكن ضبطها بسهولة.
مثلاً؛ تتميز مشاعر المفاجأة بتراجع الرأس وانفراج العيون، فيما تتميز مشاعر الغضب باندفاع الرأس إلى الأمام مع تقطيب الحاجبين، كذلك مشاعر الفرح والانتصار تتميز باندفاع اليدين إلى أعلى والنظر إلى الأعلى وربما القفز، فيما تنعكس مشاعر الحزن بانحناء الظهر والتقوقع والانكماش.
وتلعب علامات التراجع والاندفاع دورها في الكلام أيضاً، فمشاعر الرضا والقناعة تجعل الكلام مندفعاً سلساً، كذلك مشاعر الغضب تجعل الكلام مندفعاً أكثر ودون رقابة، أما عندما يحاول الشخص كبت مشاعره الحقيقية فيظهر التراجع واضحاً في كلامه من خلال التأتأة أو محاولة الانسحاب أو النظر بعيداً، فكلما كانت الفكرة التي تدور في رأسه مطابقة لما يقوله كلما ازداد الاندفاع، وكلما اتسعت الفجوة بين أفكاره وبين ما يقوله كلما ازدادت مظاهر التراجع اللفظي والجسدي، هذا إن لم يكن يعمل بالتسويق وإن لم يكن خبيراً في الغش!.

البحث عن الأغراض
هل لاحظت أن زوجتك بدأت فجأة تبحث عن شيء ما وأنتما تناقشان خطة المصروف لهذا الشهر؟، هل لاحظت أن مديرك بدأ يقلب الأوراق وأنت تحدثه عن زيادة الراتب؟!، هذا السلوك العفوي يهدف إلى أمرين: الأول هو تخفيف التوتر عندما يشعر الشخص أنه في مواجهة معك، والثاني هو الانسحاب من الاتصال المباشر  بالعين.
عندما تلاحظ أن من تحدثه بدأ يبحث بعينيه أو بيديه أو حتى بدأ يبحث عن كلمات وجمل؛ لا بد أن تحاول تهدئته لتتمكن من استعادة التواصل معه.

الرسائل الخفية
الرسائل الخفية التي يرسلها لنا الآخرون لفظياً أو جسدياً تعتبر من أهم وسائلنا في التعبير الخفي عما نريده حقاً، فالاعتقاد السائد مثلاً أن تكرار كلمة "الحقيقية" كثيراً يعني أن المتحدث يحاول إخفاء شيء ما، وأن الدفاع المستميت عن النفس بمواجهة تهمة ما يزيد الشكوك ويعطي نتيجة عكسية.

القيود الوهمية
يعتقد الباحثون في الانفعالات العاطفية أن هناك ما يشبه القيود الخفية حول المعصمين والقدمين، هذه القيود تتغير بشكلها وطريقة ربطها إن صح التعبير مع اختلاف الموقف.
خذ مثلاً شكل اليدين المتصالب على الصدر أو ما يعرف بالتكتيف عندما تستمع إلى كلام لا يعجبك لكنك تعتقد أنك مؤهل للرد، أو خذ وضعية جلوس الشخص مع صديق وكيف تتغير عندما يجلس مع مديره في العمل، كما أن هذه القيود تستجيب بشكل مذهل لنظام المكافأة في عقلنا، فعندما تعتقد أن حركتك ستفسد شيئاً ما تصبح كالخشبة، هذا ما يفعله الجنود في العرض العسكري مثلاً، وعندما تشعر أنَّك حر ومعفى من العواقب تحرك يديك وجسدك بشكل مريح، وهذا ما يفعله السمسار بعد توقيع العقد!.

لا بد من الإشارة إلى أن لغة الجسد لغة مقروءة فقط، بمعنى أن دراسة التعابير الجسدية ومحاولة فهمها يجب أن يكون الهدف منها قراءة المشاعر، أما محاولات تطبيق لغة الجسد في سبيل كتابة المشاعر فهي محاولة مفضوحة، بل أن محاولات اصطناع لغة الجسد تعزز من ظهور الحقيقة التي نحاول إخفاءها.
فأنت تكون أكثر قدرة على قراءة التوتر عندما يحاول الشخص المتوتر إخفاء مشاعره، وتستطيع اكتشاف الكذب بسرعة أكبر عندما يحاول الشخص قاصداً إخفاء الكذب.
ومن الضرورة في مكان تحديد استخدام المعرفة بلغة الجسد جيداً، لكن بعض الأشخاص يحاولون استخدام لغة جسدهم وتطويعها فيظهرون بمظهر ساذج وينقلب سحرهم على الساحر:

1- كلٌّ منا يتمكن من فهم مشاعر الآخرين بصفة عامة دون الحاجة لقراءة الكتب أو الانتساب إلى كورسات لغة الجسد، وكلما سمحت لنا الفرصة باختبار المزيد من التجارب مع شخص محدد كل ما استطعنا تفسير لغة جسده بشكل خاص.

2- يمكن الاستفادة من معرفة تأثير حركات وتعابير الجسد على الآخرين في التغلب على بعض الحركات السلبية دون اصطناع الحركة، مثلاً وضعية الخشبة تترك انطباعاً سيئاً على الجمهور، لذلك يتدرب المعنيون بمواجهة الجمهور على تحرير أنفسهم من القيود الوهمية قدر الممكن، لكن ذلك لا يعني أن يصطنعوا الحركة، بل أن يتمكنوا من تخفيف توترهم لكسر القيود الوهمية.

3- مهما حاولت ضبط لغة جسدك لن تتمكن من إخفاء مشاعرك 100%، فقد لجأ محللو لغة الجسد مؤخراً إلى التسجيلات المصورة للزعماء والرؤساء وقاموا بتبطيء حركة الفيديو بحيث تظهر التعابير التي قد لا تستمر لأكثر من جزء من الثانية، لكن هذه التعابير الخاطفة والسريع كانت كفيلة بفهم مشاعرهم وتحليلها.

4- لا تفكر كيف يجب أن تتحرك، بل تحرك كما تفكر، القصد من هذه العبارة أن التحكم بالحركة نفسها قلَّما يكون فعالاً، فالأجدر هو التحكُّم بالأفكار والمشاعر التي تنعكس على شكل حركات، فتعابير المشاعر السلبية واضحة جداً، بدلاً من تزويرها الأفضل هو التعامل مع المشاعر نفسها ما سينعكس بطبيعة الحال على الحركات والتعابير الظاهرة.

أخيراً... ليس من الغريب أن أكثر من يبحثون عن طرق لفهم مشاعر الآخرين أو قراءة أفكارهم هم صغار السن أو الأشخاص الذين يتعرضون للخداع بشكل مستمر، لأن الخبرة التي نكتسبها بشكل تراكمي تجعل من الجدَّين مثلاً الأكثر قدرة على فهم أدقِّ تفاصيل مشاعر الآخرين، وهذا لا يعني بالضرورة أن الشباب لا يجيدون قراءة المشاعر؛ الموضوع متعلِّق بكثافة تجارب الحياة أكثر من أي شيء آخر.