هل يفكر الأطفال بالانتحار؟

الانتحار بين الأطفال أقل من 12سنة، هل يفكر الأطفال الصغار بالانتحار؟ ما الذي قد يدفع الطفل إلى الانتحار؟ وما هي أهم الطرق لوقاية الأطفال من الأفكار الانتحارية؟
هل يفكر الأطفال بالانتحار؟
تابعوا موقع حلوها على منصة اخبار جوجل لقراءة أحدث المقالات

للأسف فإن معظمنا يعتقد أن الانتحار شأن من شؤون المراهقين والكبار، فالمتعارف عليه أن الأفكار الانتحارية قد تبدأ في مرحلة المراهقة، وأن الأطفال تحت 10 سنوات لا يفكرون بإنهاء حياتهم جدياً ولا يمتلكون ميولاً انتحارية فعلية، لكن إلى أي درجة هذا الاعتقاد صحيح؟!.
في هذا المقال؛ نقترب أكثر من الإجابة عن سؤال "هل يفكر الأطفال بالانتحار؟" ونحاول أن نحلل النظرة العلمية ونظرة الأهل والمربين إلى تفكير الأطفال الصغار بالانتحار، كما نحاول أن نحدد أبرز الأسباب التي تدفع الأطفال الصغار للانتحار وأبرز أعراض الانتحار التي قد تظهر على الأطفال الصغار، ونتعرف إلى أفضل ما يمكن القيام به لحماية الأطفال من الانتحار وإيذاء الذات.
 

للوهلة الأولى قد لا يبدو الانتحار بحاجة لتفسير سواء كنا نتحدث عن الكبار أم الصغار، لكن الحقيقة أن للانتحار عند الأطفال تعقيدات كثيرة تجعله مختلفاً قليلاً عن النظرة النمطية للانتحار.
بالدرجة الأولى لا بد أن نميز بين إقدام الطفل على الانتحار وبين قلته لنفسه عن طرق الخطأ، فبعض المحاولات التي يقوم بها الطفل تنطوي على أذية للذات قد تصل حد الموت، لكن لا يمكن النظر إليها كحالة انتحار، لأن المقصود بالانتحار أن يكون الهدف هو إنهاء الحياة، لا أن يفقد الإنسان حياته عن طريق الخطأ.
فعلياً حالات الانتحار بين الأطفال تحت سن 12 سنة نادرة، لكن بعض الخبراء يعتقدون أن هذه الندرة نتيجة التبليغ عن الحالات كحوادث عادية وعدم القدرة على التأكد من إقدام الطفل على قتل نفسه بإرادة مسبقة لهذا الهدف، حيث يصعب التأكد من الحوادث التي يتم التبليغ عنها إذا كان الطفل قد أقدم على قتل نفسه حقاً أم أنه كان يلعب وحسب.
 

animate

قبل الدخول في تفاصيل نظرة الأطفال إلى الانتحار فإن الجواب على سؤال "هل يفكر الأطفال بالانتحار؟" هو نعم، فالأطفال في عمر الثامنة تقريباً يدركون تماماً معنى الانتحار ويمتلكون القدرة العقلية والإدراكية على تطوير الأفكار الانتحارية وتجريب الانتحار بهدف الانتحار!.
وفي حين أن الانتحار هو السبب الرئيسي الثاني للوفاة بين الشباب والمراهقين حتى سن 24 سنة؛ فإن الوصول إلى إحصائيات دقيقة فيما يتعلق بانتحار الأطفال تحت سن 12 سنة أمر أكثر تعقيداً للأسباب التي ذكرناها سابقاً، ومع ذلك تشير بعض الأرقام إلى أن الانتحار هو السبب الرئيسي الرابع للوفيات بين الأطفال في سن 10-14 سنة.
الثابت لدينا إذاً أن الأطفال يمكن أن يفكروا بالانتحار بشكل جدي مع بلوغ العام الثامن تقريباً، وهذا لا يعني أنَّهم قادرون على تقدير الدافع والأسباب التي قد تقودهم للانتحار، لكنهم بلا شك يعلمون أن هناك طريقة لقتل الذات عمداً تسمى الانتحار!.
 

لن نجد اختلافات كبيرة بين دوافع الانتحار التي تقود الكبار لهذا الفعل وبين نظيرتها عند الأطفال الصغار تحت 12 سنة من حيث المنشأ، فالضغوطات الاجتماعية والنظرة إلى الذات وطريقة تعامل الفرد مع المعوقات والمشاعر والتجارب القاسية التي تواجهه هي العمود الفقري للأفكار الانتحارية، لكن ندرة الدراسات حول الانتحار بين الأطفال تحت 12 سنة جعل من تحديد الأسباب عملاً شاقاً ومعقداً في ظل عدم توفر معلومات كافية.
ومن هنا يمكن تلخيص الأسباب التي قد تدفع الطفل للانتحار على الشكل الآتي:

الضغوطات الاجتماعية
في حياة المراهقين تعتبر الضغوطات الاجتماعية وطبيعة العلاقة مع البيئة والمحيط في المنزل والمدرسة والحي من الأسباب الرئيسية لإقدامهم على الانتحار، ويبدو أن الأمر هو ذاته فيما يتعلق بالأفكار الانتحارية عند الأطفال الصغار.
حيث تشير الدراسات إلى أن الأطفال تحت سن 14 سنة والذين فقدوا حياتهم نتيجة الانتحار غالباً كانوا يعانون من مشاكل في علاقاتهم مع العائلة والأصدقاء، وغالباً ما انعكست هذه المشاكل على الصحة النفسية في صورة نقص وتشتت الانتباه، في حين تنعكس عند المراهقين بشكل اكتئاب وتعاسة.
ويضاف إلى الضغوطات الاجتماعية ما قد يتعرض له الأطفال من حالات تنمر وابتزاز عبر مواقع التواصل الاجتماعي أو حتى على أرض الواقع.

الظروف العائلية والانتحار بين الأطفال
على الرغم من صعوبة رصد العلاقة بين الظروف العائلية المختلفة وإقدام الطفل على الانتحار، إلا أن العنف الأسري ووجود محاولات انتحار في صفوف العائلة وغيرها من الظروف العائلية قد تدفع الأطفال للأفكار الانتحارية.

الاكتئاب والاضطرابات النفسية
كما هو الحال عند الكبار فإن المشاكل والاضطرابات النفسية وعلى رأسها الاكتئاب من أبرز أسباب الانتحار بين الأطفال الصغار أيضاً، خاصة اضطرابات ما بعد الصدمة التي قد تتعلق بفقدان شخص عزيز أو التعرض لاعتداء جنسي أو غيرها من التجارب السيئة، ولذلك يجدر بالأهل مراجعة المعالج المختص في حال ظهور أي أعراض سلوكية أو نفسية غريبة على أطفالهم ودون تردد.

الألعاب الإلكترونية
حتى الآن لا يوجد ما يثبت بشكل قاطع أن الألعاب الإلكترونية سبب رئيسي للانتحار بين الأطفال، وبين حين وآخر تنتشر أخبار جديدة عن ألعاب إلكترونية تدفع الأطفال لإيذاء أنفسهم على غرار لعبة الحوت الأزرق ومريم ولعبة مومو وغيرها.
فعلى الرغم من خطورة هذه الألعاب على الصحة النفسية للطفل وعلى سلوكه لكن لا يوجد ما يثبت أن حالات الانتحار التي تم الحديث عنها كانت مرتبطة بشكل قاطع بهذه الألعاب، وعلى كل حال فإن الحذر من هذه الألعاب واجب على الأهل والمربين مهما كان الأمر.

قتل النفس عن طريق الخطأ
هناك كثير من حالات قتل الذات عن طريق الخطأ التي يتم تسجيلها في صفوف الأطفال تحت 12 سنة لعدم قدرتهم على استخدام بعض الأدوات بالطريقة الأمثل أو لعدم قدرتهم على السيطرة الكاملة على المخاطر المفاجئة.
على سبيل المثال تسجل كل سنة حالات وفاة بين الأطفال الصغار نتيجة وصولهم إلى السلاح الناري واعتقادهم أنهم قادرون على استخدامه، لكن النتيجة للأسف تكون كارثية، كذلك عدم قدرة الطفل على التعامل مع الحرائق والنيران التي يشعلها قد يودي بحياته، إضافة إلى محاولات خنق الذات على سبيل اللعب أو محاولات القفز من أماكن مرتفعة أو غيرها من المحاولات الخطيرة التي لا تخرج عن سياق اللعب، وهذه الأسباب جميعها لا تعتبر أسباباً للانتحار بقدر ما هي أسباب للوفاة عن طريق الخطأ.
 

إن الأبوة والأمومة مهمة شاقة بالفعل، حيث يجب على الأبوين والمربين أن يظلوا على أهبة الانتباه والاستعداد لالتقاط أي إشارة خطر قد تهدد حياة وسلامة ابنهم، وفي مقامنا هذا هناك مجموعة من العلامات التي تحتم على الأهل أخذ الحيطة والحذر ومحاولة معرفة ما يدور في أذهان أبنائهم، علماً أن تمييز علامات الانتحار بين الأطفال أصعب بكثير منه بين المراهقين والكبار.

ويمكن تلخيص أبرز العلامات التي قد تدل على أفكار انتحارية عند الأطفال كالآتي:
1- تغيرات السلوك والمزاج المفاجئة والكبيرة، ويندرج تحت هذا البند كل ما يطرأ على سلوك الطفل من تغيرات غير طبيعية وحادة، وكل ما يتغير في مزاج الطفل بشكل يدعو للقلق.
2- ميل الطفل إلى العزلة والانطوائية يعتبر سبباً كافياً لدق ناقوس الخطر.
3- تغيرات في الشهية وتغيرات في عادات النوم أو الإصابة باضطرابات النوم.
4- الاضطرابات النفسية المشخصة كالخوف أو اضطرابات الشخصية أو اضطرابات الانتباه جميعها تجعل من الطفل أكثر عرضة للأفكار الانتحارية.
5- الحديث عن الموت بشكل مستمر، والسؤال عما بعد الموت بإلحاح وبشكل مستمر، إضافة إلى عبارات على غرار "ستستريح مني قريباً" أو "لن أزعجك عندما أموت" أو "كان من الأفضل لو لم أكن هنا أصلاً".
6- توزيع الممتلكات الشخصية على الأصدقاء أو الأقارب أو غيرهم، وعلى الرغم من أن هذا الأمر قد يبدو مجرد لعبة إلا أنه قد يشير إلى أفكار انتحارية.
7- يلجأ الأطفال إلى التعبير عن أفكارهم الانتحارية بأشكال لمختلفة، ربما من خلال الرسم أو الكتابة أو الغناء أو أي أساليب أخرى، ربما يعتقد الأهل أنها مجرد ألعاب لكنها قد تعبر عن ميل انتحاري.
8- محاولات إيذاء الذات المتكررة أو محاولات الانتحار الفاشلة، ومن المعلوم أن محاولات الانتحار الفاشلة تنبئ بمحاولات قادمة ما لم يتم التعامل مع المشكلة بشكل صحيح.
 

إن حماية الأطفال من الانتحار مسؤولية كل من الأهل والمربين، فالدعم المستمر الذي يحصل عليه الطفل من عائلته ومن مدرسته ومحيطه من شأنه أن يبعده عن أسباب التفكير بالانتحار.
كما يعتبر الكشف المبكر عن الميول الانتحارية فرصة ذهبية لإنقاذ حياة الطفل، ويجب على الأهل في هذه الحالة التوجه بأسرع وقت إلى المعالج النفسي المختص ودون تردد.
كما يجب على الأهل تأمين الحماية اللازمة لأطفالهم من خلال إخفاء الأسلحة النارية أو الأدوات الحادة بشكل جيد، ومراقبة سلوك الطفل أثناء اللعب، ومحاولة إخراج الطفل من العزلة، وغيرها من الإجراءات التي تضمن حماية الطفل من جهة وتضمن تنبيه الأهل لأي عرض خطير بشكل مبكر.
لكن كل ما ذكرناه لا يعتبر مبرراً لحصار الطفل وخنقه بالحماية الزائدة والخوف الهستيري، الأهل يجب أن يعملوا على حماية أطفالهم بصمت وبعيداً عن التوتر والخوف المفرط.

أخيراً... نتمنى الصحة والسلامة لجميع أطفال العالم، ونتمنى أن يكون الآباء والأمهات على قدر المسؤولية لحماية أطفالهم من الأخطار المحيطة بهم، ونؤكد على ضرورة الحصول على استشارة نفسية لضمان الاستقرار النفسي للطفل.